وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة الأنفال - تفسير الآية 24 ، الاستجابة للنبي هي عين الاستجابة إلى الله تعالى فالله مشرع والنبي مبلغ
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين  ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات  . 

 

الاستجابة لله بكليات الدين ولرسوله بتفاصيل الدين :


أيها الإخوة الكرام . . . مع الدرس الثامن من دروس سورة الأنفال ومع الآية الرابعة والعشرين وهي قوله تعالى : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ  . ﴾

كما ألفنا أن كل الآيات التي تبدأ بـ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يجب أن تشعر بداهة أنك معني بها ، وكأن الله عز وجل يقول : يا من آمنت بي  ، يا من آمنت بي واحداً وكاملاً ، يا آمنت بأسمائي الحسنى  ، وصفاتي الفضلى ، يا من آمنت بحكمتي ، يا من آمنت بعلمي، يا من آمنت برحمتي ، يا من آمنت بقدرتي ، يا من آمنت بغناي  ، افعل كذا .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ كأن الله يقول : استجيبوا لله في قرآنه بكليات الدين ، واستجيبوا لرسوله بأحاديثه في تفاصيل الدين ، ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ﴾ ، استجيبوا لله من خلال قرآنه بكليات الدين، واستجيبوا للرسول من خلال أحاديثه الصحيحة بجزئيات الدين ، فالقرآن مجمل والسنة مفصلة ، للتقريب : إنسان غاب عن المدرسة خمسة عشر يوماً ففصل ، والد هذا الطالب استشار محامياً : هل بالإمكان أن يعترض على هذا القرار ؟ فالمحامي المبتدئ قرأ الدستور كله فلم يجد أنه إذا غاب الطالب عن مدرسته خمسة عشر يوماً يُفصل ، فلما سأل محامياً آخر قال له : الدستور أعطى وزير التربية صلاحية وضع تعليمات ، فلو رجعت إلى التعليمات التي أصدرها وزير التربية في شأن النظام الداخلي للمدارس تجد أن الذي يغيب عن الصف خمسة عشر يوماً يُفصل ، هذا المثل للتقريب .

القرآن الكريم كالدستور ، أما السنة كالقوانين ، القوانين تفسر وتعطي الجزئيات ، والحيثيات ، والحالات الخاصة ، فالله عز وجل يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ .

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة :


بالمناسبة حينما قال الله عز وجل :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) ﴾  

[  سورة آل عمران  ]

هذه الخيرية لها علة ، ما علة الخيرية ؟ 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾

[  سورة آل عمران  ]

إذاً الأمة الإسلامية التي استجابت لله عز وجل هي أمة خيرة ، علة خيريتها : ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ .

فحينما :

(( يأتي في آخر الزمان أناس لم يأمروا بالمعروف ، ولم ينهوا عن المنكر ، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للنبي : أو كائن ذلك - أي معقول أن يأتي في آخر الزمان مسلمون لا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر ؟- فقال : وأشد منه سيكون ـ عجبوا أكثر ، وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف  ]

ففي أمة الإسلام إن لم نأمر بالمعروف أو لم ننهَ عن المنكر ، أو أمرنا بالمنكر ونهينا عن المعروف ، أو أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ، أي الذي يُحصل مالاً حراماً وفيراً ، يحل به مشكلاته ، يسمى عند المنحرفين شاطراً ، والذي ينافق لجميع الجهات يسمى عند الشاردين لبقاً مرناً ، وكل النقائص والأخطاء الكبيرة التي هي أصل في هذا الدين لها اسم آخر ، الفتاة المتبذلة التي تعرض كل مفاتنها في الطريق تسمى باسم أجنبي ـ سبور ـ هذه فتاة سبور ، كأنه مدح مع أن الحقيقة إنها تخالف منهج الله عز وجل .

 

من أحبّ الله عز وجل حقيقة لن يُعذب أبداً :


لذلك : إذا أصبح المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً  ، إذا لم يأمر الناس بالمعروف ، ولم ينهوا عن المنكر ، بل إذا أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف ، بل إذا أصبح المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، هذه الأمة بكل جرأة ليست :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾

[  سورة آل عمران  ]

إنها أمة كأية أمة شردت عن الله عز وجل ، الدليل : 

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[  سورة المائدة  ]

استنبط العلماء أن الله لا يعذب أحبابه ، بمعنى أنهم لو أحبوه حقيقة لما عذبهم ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾ وهذه نقيس عليها المسلمين ، فإذا قال المسلمون : نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، نحن الأمة المختارة ، نحن : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ بنص القرآن الكريم الرد الإلهي جاهز ، ما الرد الإلهي ؟ ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾ والحقيقة : ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾   .

المعنى الثاني : 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

[  سورة الأنفال  ]

ما دامت سنة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة فينا مستحيل وألف ألف مستحيل أن نُعذب ، أما وقد نعذب هذا دليل أن منهج النبي صلى الله عليه وسلم ليس مطبقاً في حياتنا . 


تقسيم أمة النبي الكريم إلى أمتين :


لذلك اضطر العلماء أن يقسموا أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمتين ؛ إلى أمة التبليغ ، وإلى أمة الاستجابة ، فالمسلم الذي استجاب لله وللرسول حينما دعاه الله لحياة تليق بكرامة الإنسان ، هذا الذي استجاب داخل في أمة الاستجابة ، والذي لم يستجب داخل في أمة التبليغ .

أمة التبليغ ليس لها أية ميزة عند الله إطلاقاً ، والدليل : ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ  بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

 

زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :


أنا لا أريد أن تتوهم لمجرد انتمائنا إلى رسول الله نحن متفوقون ، أبداً ، المتفوق هو الذي يتبع النبي الكريم ، فإن لم يكن هناك اتباع فكل الوعود الإلهية معطلة ، كيف ؟ 

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة الروم  ]

أين النصر ؟ 

﴿  وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ  (173)﴾

[  سورة الصافات  ]

أين الغلبة ؟ 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[  سورة النور  ]

أين الاستخلاف ؟ 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[  سورة النور  ]

أين التمكين ؟ 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[  سورة النور  ]

أين الأمن ؟ لا أمن ، ولا تمكين ، ولا استخلاف ، ولا نصر ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين . 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) ﴾

[  سورة مريم  ]

وقد لقينا ذلك الغي .

 

من عرف الله والتزم بمنهجه وأحسن إلى خلقه عاش حياة ثانية :


لذلك : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾  ، هناك حياتان ، حياة هذا الجسم ، الحي يشعر ، يجوع ، يعطش ، يشعر بالحر ، بالقر ، يخاف ، هذه المشاعر علامة حياته ، يتحرك ، وهذه الحركة علامة حياته ، شعوره وحركته تؤكدان حياة جسمه ، لكن إن لم يعرف ربه فهو ميت .

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ الْقُبُورِ (22)﴾

[  سورة فاطر ]

يقصد بهم الكافرين . 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[  سورة النحل  ]

ليس من مات فاستراح بميت               إنما الميت ميت الأحياء 

* * * 

إذاً عندنا حياة أخرى ، إنسان يأكل ويشرب كالبهائم ، همه بطنه وفرجه ، وأنا أفهم أحياناً قوله تعالى عندما مسخ الله اليهود إلى قردة وخنازير ، القرد همه بطنه ، والخنزير همه فرجه ، فالإنسان لمجرد أن يكون همه الأول فرجه وبطنه فهو قرد وخنزير ، وقد مسخ قرداً وخنزيراً ، أما أنت مؤمن ، لماذا أنت في الدنيا ؟ لماذا جاء الله بك إلى الدنيا ؟ ما المهمة التي أنيطت بك في الدنيا ؟ ماذا بعد الموت ؟ أين كنت قبل الموت ؟ ما العمل الذي ينبغي أن تفعله في الدنيا ؟ هذا الذي عرف الله ، عرف أسماءه الحسنى ، صفاته الفضلى ، عرف حكمته ، عرف رحمته ، عرف قدرته ، عرف حلمه ، عرف بطشه ، عرف غناه ، عرف قوته ، هذا الإنسان حينما عرف الله ، والتزم بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، هذا إنسان حيّ حياة ثانية .

 

الاستجابة إلى النبي الكريم عين الاستجابة لله :


لذلك : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ ، هنا يوجد نقطة  ، ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ ﴾ ، ألا ترى معي بحسب قواعد اللغة ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ بحسب القواعد ينبغي أن تكون الآية إذا دعواكم ، المدير والمعلم دعوا الطالب إلى الاجتهاد ، أما حينما يقول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾   يوجد ملمح بلاغي رائع أنك إذا استجبت إلى رسول الله ، واستجابتك إلى النبي الكريم عين استجابتك لله ، وإذا استجبت لله عز وجل في أمر قرآني هذه الاستجابة عين استجابتك لرسول الله ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام مُبلّغ عن ربه ، الله عز وجل أوحى إلى النبي والنبي بلغنا ، فهناك وحي من الله إلى النبي ، وهناك إبلاغ من النبي إلينا . ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ﴾ في وحيه ، ﴿ وَلِلرَّسُولِ ﴾ في إبلاغه ، والله أوحى لنبيه ، والنبي أبلغ أمته ، ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ﴾ في إبلاغه للنبي هذا القرآن العظيم ، واستجيبوا للنبي صلى الله عليه وسلم في إبلاغه لكم ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ .

 

من لم يقل أنا أسعد الناس ففي إيمانه خلل :


أيها الإخوة ، والله الذي لا إله إلا هو أقل كلمة يوصف بها من غفل عن الله ، ومن عبد هواه ، ومن جعل إلهه هواه ، أقل كلمة يوصف بها بأنه ميت ، تجلس مع إنسان لا مبادئ ، ولا قيم ، ولا إيمان ، ولا ورع ، ولا غيرة ، ولا هدف ، ولا خدمة ، ولا نصيحة ، همه بطنه وفرجه فقط ، همه الأول أن يأكل ، وأن يستمتع بالدنيا ، وهمه الثاني فرجه ، هذا مسخ قرداً وخنزيراً .

فيا أيها الإخوة الكرام ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يا من آمنتم بي موجوداً ، وآمنتم بي واحداً ، وآمنتم بي كاملاً ، يا من آمنتم بأسمائي الحسنى وصفاتي الفضلى ، يا من آمنتم برحمتي ، بحكمتي ، بقدرتي ، بحلمي ، يا من آمنتم بي  ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ﴾ في قرآنه الذي أوحاه إلى النبي واستجيبوا للنبي في سنته التي هي بيان للقرآن . لماذا ؟ ﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾   والله الذي لا إله إلا هو ما لم تقل بعد أن اصطلحت مع الله : أنا إنسان آخر ، إنسان أشعر بالحياة ، أشعر أنني إنسان ففي الإيمان خلل .

والله شخص من الإخوة الكرام توفاه الله ، ذهب إلى الحج ، ولما عاد زرته مهنئاً ، أقسم لي بالله ولم يحنث قال لي : ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، كلام فيه تحفظ .

والله الذي لا إله إلا هو إن لم تقل بأي ظرف ، بأي سن ، بأي وضع ، أعزب ، متزوج ، غني ، فقير ، صحيح ، مريض ، ساكن بالمدينة ، بالريف ، لك أب ، ليس لك أب ، بأي وضع إن لم تقل : أنا أسعد الناس ففي الإيمان خلل ، أنت مع من ؟ أنت مع خالق السماوات والأرض ، مع القوي ، مع الغني ، مع القدير ، مع العليم ، مع الحكيم ، مع الرؤوف ، مع الرحيم ، أنت مع من ؟ 


  الإيمان مرتبة أخلاقية وعلمية وجمالية :


يا أيها الإخوة ، الإيمان مرتبة كبيرة جداً ، أحياناً أضرب هذا المثل : اسم إلى جانبه  د . صاحب هذا الاسم يحمل ابتدائية ، قطعاً ؟ قطعاً ، إعدادية ، قطعاً ؟ قطعاً ، ثانوية ، لسانس ، دبلوم عام ، دبلوم خاص ، ماجستير ، دكتوراه ، كم شهادة ؟ كلمة د . فقط تعبر عن كل هذه الشهادات .

للتقريب : مؤمن أي صادق ، مؤمن أمين ، مؤمن عفيف ، مؤمن لا يكذب ، مؤمن لا يحتال ، مؤمن لا يراوغ ، مؤمن لا يزني ، مؤمن ! كلمة مؤمن مرتبة أخلاقية ، كلمة مؤمن مرتبة علمية ، كلمة مؤمن مرتبة جمالية ، له أذواق عالية جداً ، كلمة مؤمن أعلى مرتبة .

و قد قيل إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أطيعوا الله الذي أنزل على نبيه هذا القرآن ، أي أطيعوا الله في قرآنه ، ورسوله  ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ في سنته ، ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ ﴾   ، ما قال : إذا دعواكم ، ﴿ دَعَاكُمْ ﴾   ، الاستجابة إلى النبي عين الاستجابة لله ، والاستجابة لله عين الاستجابة للنبي ، هذا يفهم من المثنى الذي جاء الضمير عليه مفرداً .

دليل آخر : 

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)﴾

[  سورة التوبة  ]

بضمير المفرد .

 

من عرف الله عرف كل شيء ومن غفل عن الله فاته كل شيء :


أيها الإخوة ؛ ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ للحياة ، حياة القلب ، المؤمن حي ، الكافر ميت . 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[  سورة النحل  ]

المؤمن حي ، المنافق ميت ، من عرف الله عرف كل شيء ، ومن غفل عن الله فاته كل شيء ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ أي أقرب شيء إليك قلبك ، أنت ساكت ، مرتاح ، يقول لك قلبك : غداً تسافر ؟ تقول له : لا أسافر غداً ، حديث داخلي ، أي الحديث الداخلي أنت ساكت ، ولا كلمة ، ولا حرف ، ما قولك : إن الله بينك وبين قلبك ؟ أي الله عز وجل هو القريب منك ، يحول بينك وبين قلبك ، أي أقرب شيء إلى آلة صوتية ، أقرب شيء لها الكهرباء ، لولا الكهرباء لا تنطق هذه الآلة ، فتصور شيئاً أقرب إلى الآلة من القوة المحركة لها ، لا يوجد أقرب من هذا : ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ إليه المصير .

 

القرآن الكريم وحي متلو والسنة المطهرة وحي غير متلو :


يا أيها الإخوة الكرام ، الله عز وجل حينما أمر أن نتبع رسوله عصمه ، ما أمرنا أن نأخذ عنه الآية الدقيقة : 

﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾

[  سورة الحشر  ]

لو أن النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم ، ما الذي يقع ؟ لو كان غير معصوم وأمرنا بأمر في وقت لم يكن فيه معصوماً معنى ذلك أمرنا بمعصية ، أو أمرنا بخطأ ، ولأن الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ طمأننا أن النبي صلى الله عليه وسلم : 

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾

[  سورة النجم  ]

أي مع التفصيل تسعة أعشار كلام الناس ينطلق الإنسان عن الهوى ، أحياناً يمدح أولاده مدحاً غير واقعي ، يتملق أولاده ، أحياناً يمدح بضاعته ، وقد تكون بضاعة غير جيدة ، صدق ولا أبالغ قد يكون تسعة أعشار كلام الناس ينطلق هذا الكلام من الهوى ، الله عز وجل قال لنا : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ .

لذلك قالوا : القرآن الكريم وحي متلو ، والسنة المطهرة وحي غير متلو ، المعنى من الله ، والصياغة من رسول الله عن طريق السنة ، أما القرآن فالمعنى من الله ، والصياغة من الله عز وجل ، وحي متلو ووحي غير متلو ، فإذا قلنا الوحيين نقصد الكتاب والسنة .

ملمح آخر : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا ﴾   ، بحسب السياق اللغوي ولا تولوا عنهما ، أليس كذلك ؟ الآية ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾   ، معنى ذلك أن طاعة رسول الله طاعة الله ، وطاعة الله طاعة رسول الله ، ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ .

 

بعض الملامح في القرآن الكريم :


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ﴾   ، من هذا القبيل بعض الملامح ، قال تعالى : 

﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)﴾

[  سورة الحجرات  ]

بحسب السياق اقتتلتا ، وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلتا ، الآية : 

﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)﴾  

[ سورة الحجرات  ]

جمع ، هي طائفتان :

﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)﴾

[  سورة الحجرات  ]

جمع ، الطائفة فيها عشرة آلاف ، ﴿ اقْتَتَلُوا ﴾   ، فيصير المجموع عشرين ألفاً لم يعودوا اثنين ، عشرة آلاف تنتمي إلى طائفة ، وعشرة آلاف ثانية تنتمي لطائفة ، أما الاقتتال بين عشرين ألفاً ، فجاء في الصياغة ، ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ الآن فأصلحوا بينهم ؟ لا يصح ، الصلح يكون بين عشرين ألفاً ، أول طائفة لها مندوب ناطق باسمها ، والطائفة الثانية لها مندوب ناطق باسمها ، دقة القرآن عجيبة ، ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ لم يقل : اقتتلتا ، قال : ﴿اقْتَتَلُوا﴾ عشرة آلاف مع عشرة آلاف ، فالمعركة يوجد فيها عشرون ألف متقاتل ، الآن هناك صلح ، هناك محادثات صلح ، هناك مندوب لأول طائفة ، ومندوب للطائفة الثانية . 

﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)﴾

[  سورة الحجرات  ]

 

ترتيب الكلمات في القرآن الكريم :


الشيء بالشيء يذكر ، قال تعالى : 

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾

[  سورة التوبة  ]

لماذا بدأ الله بالأب ؟ في هذه الآية بدأ بالأب . يوجد آية ثانية : 

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾

[  سورة آل عمران  ]

بدأ بالمرأة . وهناك آية ثالثة . 

﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)﴾

[ سورة المعارج  ]

بدأ بالابن ، بعدها : 

﴿  وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)  ﴾

[ سورة المعارج  ]

هناك آية رابعة : 

﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)﴾

[  سورة عبس  ]

يا رب ! مرة بدأت بالأخ ، مرة بالابن ، مرة بالزوجة ، مرة بالأب ، والله يمكن أن تؤلف رسالة دكتوراه في ترتيب الكلمات في القرآن الكريم ، في موطن الاعتزاز الاجتماعي بدأ بالأب : ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ ﴾ فالإنسان يعتز بأبيه . 

وفي موطن الشهوة : ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ .

وفي موطن الفدية أغلى شيء الابن ﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ .

بموطن الاستعانة الأب كبير ، والابن صغير ، بأخيه ، بموطن الأخ ، موطن الابن ، موطن الزوجة ، موطن الأب .

 

من وصل إلى الله وقرأ قرآنه لا يسمح له أن يناقش أوامره :


أيها الإخوة ، يوجد نقطة دقيقة جداً في الدرس : إنسان بحاجة إلى عمل جراحي آتاه الله عقلاً راجحاً ، يسأل عن طبيب متفوق ، يحمل أعلى شهادة ، يخاف الله ، لا يبتز أموال المرضى ، ماهر في العمل الجراحي ، خلال شهر سأل ، وسأل ، وسأل ، ومحص ، وبحث ، وحقق ، إلى أن استقر على طبيب يجمع بين العلم والفضل ، والعلم والتقوى ، فدخل إلى العيادة ، فقال له هذا الطبيب : لا تحتاج عملاً جراحياً ، هل يستطيع المريض أن يناقشه ؟ الجواب : لا ، لأن عقل هذا المريض قاده لهذا الطبيب ، أما الطبيب بعدما اهتدى إليه ، وبحث ، ودرس ، ومحص ، وحلل ، وسأل ، ووازن ، وقارن ، هذا أفضل طبيب صادق مؤمن متفوق ، نصحه أن العملية ليست مجدية له ، المعنى أن العقل حصان ، يأخذك إلى باب السلطان ، فإذا دخلت على السلطان دخلت وحدك .

الكون هداك إلى الله ، أفعال الله هدتك إلى الله ، خلق الله دلك عليه ، فإذا وصلت إليه وقرأت كتابه لا يسمح لك أن تناقش أوامره ، لقوله تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

الكون دلك على الله ، الله أمرك بالصيام ، أمرك بأداء الزكاة ، أمرك بالحج  ، أوجب عليك العمرة ، فلذلك : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ .

 

من عرف الله واستقام على أمره عاش في بحبوحة عظيمة والعكس صحيح :


أيها الإخوة ، شيء آخر ؛ الآية الكريمة :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل  ]

لو أن أهل الأرض عرفوا الله ، واستقاموا على أمره ، والله لعاشوا في بحبوحة تفوق حدّ الخيال ، لا أعتقد أن هناك إنساناً بلا بيت ، وطعام ، وشراب ، وحاجات ، لكن حربان فقط أُنفق عليهما ثلاثة آلاف مليار ، حرب أفغانستان والعراق ، هذه الأموال لو وظفت في خير البشرية .

فلذلك : عندنا آيتان ؛ الآية الأولى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ .

وحياة الناس بهذه الطريقة طيبة ، حياة فيها عطاء ، فيها أمن ، فيها راحة نفسية ، فيها تعاون ، فيها نمو .

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾

[  سورة طه  ]

والمجتمع الذي فيه المعرضون عن ذكر الله حياتهم ضنك ، حياتهم حياة الحروب ، والاجتياحات ، والقتل ، والمداهمة ، والاعتقال ، والقنابل الفسفورية ، ترون بأعينكم ، حينما يشرد الإنسان عن الله عز وجل شقّ صفوف الناس ، صار هناك مؤمن وكافر ، صار هناك حروب ، وقتال ، وسفك دماء ، ونهب ثروات .

90% من ثروات الأرض بيد 10% من سكان الأرض ، ويوجد 90% من سكان الأرض بيدهم 10% من أموال الأرض ، فهذا الذي يجري في العالم بعد عن الله عز وجل . 


دعوة الله للإنسان دعوة إلى الحياة حياة القلب والإيمان والمعرفة :


يا أيها الإخوة ، الشيء الدقيق جداً أن الله سبحانه وتعالى حينما قال : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا ﴾ ، إذا استجبت لله في قرآنه ، وللنبي في سنته ، ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ دعوة الله لنا دعوة إلى الحياة ، حياة القلب ، حياة الإيمان ، حياة المعرفة ، حياة الإدراك ، حياة تلبية الحاجة العليا في الإنسان ، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ .

يا أيها الإخوة ، هذه آية أساسية في حياتنا ، فأنت إما أن تعيش أو أن تحيا :

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

[  سورة طه  ]

ما قال الله : فإن له حياة ضنكاً ، قال  : ﴿ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾ ، أنت تعيش فقط ، القلب ينبض ، الرئتان تتحركان ، هناك حركة ، هناك إحساس ، هناك شعور ، لكن :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[  سورة النحل  ]

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ الْقُبُورِ (22)﴾

[  سورة فاطر ]

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[ سورة الفرقان  ]

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) ﴾

[  سورة المنافقون  ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)  ﴾

[  سورة الجمعة  ]

مشكلة كبيرة جداً .

 

كل إنسان أمام مفترقين إما السلامة والسعادة أو الشقاء والهلاك :


فيا أيها الإخوة ، نحن أمام مفترقين ، مفترق الحياة أو الموت ، السلامة أو الشقاء ، السعادة أو الهلاك والدمار . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ .

إما أن تكون حياً باستجابتك لله ، وإما أن تكون عائشاً تأكل وتشرب ببعدك عن الله عز وجل .

أيها الإخوة ، هذه السورة دقيقة جداً ولاسيما في بعض الآيات الحاسمة فيها .

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهذه الآيات ، وأن نكون في مستوى تطبيقها ، لأن هذا القرآن الكريم يمكن أن نقرأه ، وأن نجوده ، وأن نفهمه ، وأن نتدبره ، ولكن لا يعطي هذا القرآن الكريم ثماره إلا إذا طبقناه .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور