الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
خصائص الأنبياء :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس السابع من سورة الأنبياء .
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾ وذكرت لكم في الدرس الماضي أن طائفةً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين سيأتي ذكرهم في سورة الأنبياء بشكلٍ موجز ، والحقيقة أن الفضيلة لا قيمة لها ما لم تتجسَّد في إنسان ، لذلك أثر القدوة الحسنة في النفوس أثرٌ كبير ، بينما أثر الكلام النظري في النفوس أثرٌ قليل ، لهذا جعل الله سبحانه وتعالى الأنبياء العِظام قدوةً حسنةً وأسوةً نتأسَّى بها ، ولولا أن الفضيلة تجسَّدت في سلوكهم لما سار الناس على هذا الدرب ، ولما اقتفوا آثار هؤلاء الرسل الكرام .
الشيء الذي يجمع بين هؤلاء الأنبياء جميعاً أنهم عبيدٌ لله سبحانه وتعالى ، كلُّهم عبيدٌ لله في قِصَصهِم ، وفي مواقفهم ، وفي تصرُّفاتهم ، وفي أقوالهم ، وفي أفعالهم ما يؤكِّد عبوديتهم لله عزَّ وجل .
الشيء الآخر ؛ إن هؤلاء الأنبياء بشر ، وليسوا آلهة ، لذلك هم معصومون عن أن يقعوا في خطأ في تبليغ الرسالات ، معصومون عن أن يعصوا الله عزَّ وجل ، ولكنَّهم ينسون كما ينسى البشر ، وقد يتركون الأولى ، والله سبحانه وتعالى يوجِّههم الوِجهة الصحيحة ، إنهم بشر ، وليسوا فوق البشر ، هذا هو القاسم المشترك بينهم ، إنهم أيضاً يحبُّون الله عزَّ وجل حبَّاً لا حدود له ، يطيعونه طاعةً لا حدود لها .
رتبة العلم أعلى الرتب :
ربنا سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَلُوطاً ﴾ وقد ورد في كتب التفسير أن سيدنا لوطاً عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام كان ابن أخٍ لسيدنا إبراهيم ، فكان إبراهيم عَمَّه .. ﴿ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾ وإذا تتبَّعنا مثل هذه الآيات :
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) ﴾
[ سورة القصص ]
و : ما استرذل الله عبداً إلا حظر عليه العلم والأدب .
أي أكبر عقابٍ يقع على إنسان أن يحظر الله عنه العِلم والأدب ، فإذا آتاك ربك أيها الأخ الكريم طرفاً من العلم وطرفاً من الحكمة فقد أُوتيت من بضاعة النبوَّة ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾ ولا شيء في الأرض عند الناس وعند الله ، في الدنيا وفي الآخرة يرفع الإنسان كالعلم ، لذلك عَن مُعَاوِيَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ، وإنَّما أنا قاسِمٌ ويُعْطِي اللَّهُ ، ولَنْ يَزالَ أمْرُ هذِه الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، أوْ : حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ . ))
[ صحيح البخاري ]
ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلَّمه . عن أبي سعيد الخدري :
(( طلبُ العِلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ . ))
[ الجامع الصغير : خلاصة حكم المحدث : صحيح ]
رتبة العلم أعلى الرتَب .. فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
أعظم شيءٍ يناله الإنسان من ربِّه أن يجعله حكيماً :
﴿ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾ قال بعضهم : " الحُكم هو النبوَّة ، والعِلم هي أوامر الشرع " ، وبعضهم قال : " الحُكم أن يضع الإنسان كل شيءٍ في مكانه الصحيح " . والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾
[ سورة البقرة ]
فأعظم شيءٍ يناله الإنسان من ربِّه أن يجعله حكيماً ، فبالحكمة يجلب المال ، وبالحمق يبدِّدُه ، بالحكمة يجعل الزوجة السيئة صالحة ، وبالحمق يفسد الصالحة ، ما من عطاءٍ أعظم عند الله من أن يؤتيك الحُكْمَ أي الحكمة ، بالمعنى الثاني من معاني الحكم .
إهلاك الله لقوم لوط :
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ﴾ والقرية التي كانت تعملُ الخبائث قرية اشتهرت بعمل الفاحشة مع الذكور ، وهذا العمل قَذِرٌ وقبيحٌ إلى أبعد الحدود ، لذلك في كتب الفقه من يرتكب هذا العمل يُقْتَل ، لأن الله سبحانه وتعالى أهلَك قوم لوطٍ بأن جعل قريتهم عاليها سافلها ، وفي آيةٍ أخرى :
﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)﴾
[ سورة الأنفال ]
وما هذا المرضُ الخطير الذي يستشري في العالم اليوم إلا عقابٌ عاجلٌ لهذه الفاحشة الشاذَّة التي يندى لها جبينُ الإنسانيَّة خجلاً .
علامات الإيمان :
1 ـ الابتعاد عن أهل الكفر والفسوق :
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ ، إذاً المؤمن من لوازمه أنه يبتعد عن أهل الكفر والفسوق ، لذلك عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فاعتصمَ ناسٌ منهم بالسُّجودِ ، فأسرعَ فيهمُ القتلَ ، فبلغَ ذلِكَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فأمرَ لَهُم بنِصفِ العقلِ وقالَ :
(( أَنا بريءٌ من كلِّ مسلِمٍ يقيمُ بينَ ظهرانَي المشرِكين . قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ولِمَ ؟ قالَ : لا تراءى ناراهُما.))
[ محمد ابن عبد الهادي : المحرر في الحديث : حكم المحدث : رواه النسائي مرسلا ، وهو أصح ، قاله البخاري ، والدار قطني ]
أي إذا طمحت إلى أن تكون في بلدٍ أموره الماديَّة مُيَسَّرة ، ولكن فسقه شديد فهذه مقامرة ومغامرةٌ بدينك .. (( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ )) لشيوع المعاصي ، شيوع الفساد ، شيوع الرذيلة ، تفكُّك الأسرة ، انحراف الشباب ، انحراف الفتيات .
2 ـ الاشمئزاز من فعل الفاحشة :
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(75)﴾ أي من علامات الإيمان أن المؤمن يشمئز من فعل الفاحشة ، فضلاً عن أنه لا يفعلها ، إنه يشمئز من أخبارها ، يشمئز من مرتكبيها ، أصبحت له نفسٌ صافية ، وعنده حساسيةٌ أخلاقية عالية ، فكلَّما التقى بأُناسٍ يرتكبون الفاحشة ، أو يباهون بها يبتعد عنهم ، ولا يطيق أن يلتقي معهم ، أما الذي يلتقي مع أهل الفسق والفجور ، ويقيم معهم علاقاتٍ حميمة ، ويستمتع في العلاقة بهم ، إنَّ حالته مَرَضِيَّة تستوجب المُعالجة ﴿ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)﴾ .
الدعاء في الشدة والرخاء :
﴿ وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ ﴾ أي من قبل سيدنا إبراهيم ، ومن قبل سيدنا لوط ، هذا النبي الكريم من أولي العزم . .
﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) ﴾
[ سورة القمر ]
يا رب انتصر لدينك إني مغلوب .. ﴿ وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ ﴾ ..
وكأن الله سبحانه وتعالى يُعَلِّمنا أن الأنبياء ينادون الله عزَّ وجل فيستجيب لهم ، ويا أخي المؤمن أنت مَدْعوٌّ أن تُنادي ربَّك ، كلَّما ألمَّت بك ملمَّة ، أو كلَّما نزلت بك نازلة ، أو كلما ضاق عليك الأمر ، أو كلما كاد لك عدو كيداً ، كلما شعرت بالضيق نادِ ربَّك كما نادى نوحٌ ربَّه ﴿ وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ الله سبحانه وتعالى جعل الأرض تنبع بالماء ، وأنزل من السماء ماءً منهمراً حتى أغرق الماءُ كلَّ شيء ، وكان سيدنا نوحٍ على ظهر السفينة مع أهله ، ومع المؤمنين ، فنجا من الكربِ العظيم ، أي البلاء خاص ، والرحمة خاصَّة ، لا كما يقول بعض الناس : الرحمة خاصَّة ، والبلاء عام ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ دائماً المؤمن له نجاته من كل بلاءٍ عام ، إذا كان قد عرف الله عزَّ وجل ، واستقام على أمره قبل وقوع البلاء ، ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ هؤلاء قوم آخرون ، قوم لوطٍ كانوا : ﴿ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ أهلكهم الله عزَّ وجل ، وقوم نوحٍ كانوا : ﴿ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ نستنتج من هذا أن العاقبة للمتقين ، وأن الكفر ، والفِسْقَ ، والفجور ، والعصيان مآله إلى الهلاك .
قصة داود وسليمان وحكمهم في الحرث :
﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ .. هذان النبيَّان الكريمان الأول والدٌ للثاني .. ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ﴾ الحرث الأرض المزروعة ، بعضهم قالوا : أرضٌ مزروعةٌ قمحاً ، وبعضهم قالوا : أرضٌ مزروعةٌ كَرْمَاً .. أي عنباً .. ﴿ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ﴾ غنمٌ تعود ملكيَّتها لقومٍ ، دخلت هذه الأرض ، ورَعَتْ فيها فأصابت منها أضراراً بليغة ، هؤلاء الخصمان رفعوا قضيَّتهم إلى سيدنا داود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، يبدو أن هذا النبي الكريم وجد أن الأضرار التي لَحِقَت بالأرض المزروعة تكافئ المغانم التي لحقت في قطيع الغنم ، فأعطى أمراً ، أو أعطى حكماً أن يتبادل الفريقان ملكيَّتهما ، فيأخذ أصحاب القطيع الأرض ، ويأخذ أصحاب الأرض القطيع . ويبدو أن سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام عُرِضَت عليه هذه القضيَّة أيضاً ، فحكم بوحي من الله عزَّ وجل ، ويبدو أن حكمه كان عن الله سبحانه وتعالى ، ولا ينفي أن يكون حكم سيدنا داود أيضاً حكماً صائباً ، ولكن حَكَم سليمان بأن يأخذ صاحب الأرض القطيع فينتفع من لبنه ، وأن يأخذ صاحب القطيع الأرض فيصلحَ ما أصابها ، وبعد عامٍ يستردُّ كل فريقٍ أرضه أو غنمه ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ﴾ معنى نفشت أي رعت هذه الغنم في الأرض .. ﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ ، قال بعضهم : لا يمنع أن يتفوَّق الابن على أبيه ، وهذا ليس فيه غضاضةٌ في حقِّ الأب ، بل إن الأبَ وحده لو أن ابنه تفوَّق عليه لكان هذا مُطمئناً له ، هذه حالة .
والحالة الثانية : إنَّ تربية سيدنا داود لابنه سليمان التربية العالية كانت من نتائجها هذه الفتوى ، وهذا الحكم الصائب ، فهذا في صحيفة سيدنا داود ، وبعضهم قال : لقد حكم داود بحكم الله عزَّ وجل ، لكن الله أوحى إلى سليمان حكماً نَسَخَ الحكم الأوَّل .
العلم الإشراقي : ففهمناها سليمان :
على كل الذي حدث الكلمة التي جاءت في هذه الآية .. ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ﴾ الإنسان مفتقر إلى الله عزَّ وجل في فهمه للأمور ، فربما فهم شيئاً بفعل صفائه ، واستقامته لقوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)﴾
[ سورة البقرة ]
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) ﴾
[ سورة التغابن ]
استنبط علماء الأصول من هذه الآية أن بعض العلم يمكن أن يكون إشراقياً ، وقد مرَّ بنا في عِلم العقيدة أن هناك اليقين الحسي ، وهناك اليقين العقلي ، والاستدلالي ، وهناك اليقين الإخباري ، وهناك اليقين الإشراقي ، واليقين الإشراقي مأخوذٌ من هذه الآية : ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ﴾ إذاً لو أن الإنسان وقف موقفاً صعباً ، واستلهم الله سبحانه وتعالى لأمدَّه الله بالحقيقة.
يروى عن هذين النبيين أن سيدنا سليمان رُفِعَت إليه قضيَّةٌ ، أن امرأتين كان لكل منهما طفلٌ صغير ، وقد وُضِعَ الطفلان في مكانٍ ، وجاء ذئبٌ فأكل أحدهما ، فادَّعت كل امرأةٍ أن الابن الباقي لها ، ورُفِعَت القضيَّة إلى سيدنا سليمان ، فلمَّا تنازعا أمامه فقال : " الحل بسيط ؛ نأتي بسكين ، ونقطع هذا الطفل بينكما " ، فما كان من الأم الحقيقيَّة إلا أن صاحت : " هو لها ، وليس لي " ، فعرف هذا النبي الكريم من عاطفة الأم الحقيقيَّة أن هذا الابن لهذه الأم .. أي الله عزَّ وجل يُلهم القضاة أحياناً إذا كانوا صادقين يلهمهم الحقيقة هذه ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً َ﴾ وكل واحد منَّا معرَّض في حياته إلى أن يقع في مشكلة ، ولا يدري لها حلاً ، الله سبحانه وتعالى يتفضَّل عليه ويوحي إليه ، والوحي له أنواع.
أنواع الوحي :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)﴾
[ سورة النحل ]
﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) ﴾
[ سورة طه ]
هناك وحي غريزة كوحي النحل ، وهناك وحي إلهام كالوحي الذي نزل على أمِّ موسى ، وهناك وحي رسالة كالوحي الذي نزل على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، فكل واحد معرَّض إلى أن يقع في أزمة ، فإذا استلهم الله سبحانه وتعالى ربَّما جاءه حلٌّ لم يكن يخطر له على بال ، وليست العبرة من هذه القصص إلا أن نتأسَّى بهؤلاء الأنبياء العِظام .. ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ﴾ أي كلاً من داود وسليمان آتيناه حكماً وعلماً ، جاءت هذه الآية لتقرِّر أن حكم داود كان صحيحاً ، وأن حكم سليمان جاء حكماً أقرب إلى الصواب ، وكان بوحي من عند الله سبحانه وتعالى من دون أن نغض من قدر سيدنا داود .
معجزات داود عليه السلام :
﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ سيدنا داود آتاه الله معجزاتٍ ما لم يؤتِ بعض الأنبياء منها ، لقد سخَّر الله مع داود الجبال يسبِّحن والطير ، كان يسمع تسبيح الجبال ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) ﴾
[ سورة الإسراء ]
لقد آتى الله سيدنا داود القُدرة على سماع تسبيح الجبال والطير .. ﴿وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)﴾ .
تفضّل الله سبحانه وتعالى على سيدنا داود وتعليمه صناعة الدروع :
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ﴾ صنعة اللبوس أي صناعة الدروع ، هذه الصناعة مما تفضّل الله سبحانه وتعالى على سيدنا داود ، وعلَّمه إيَّاها ، أي حينما كانت الحروب وجهاً لوجهٍ ، وسيفاً لسيفٍ ، ويداً بيدٍ ، هذه الحروب كان فيها رحمة ، لماذا ؟ لأن الأشجع هو الذي ينتصر ، أما الحروب التي لا تُفَرِّقُ بين مقاتلٍ وغير مقاتل ، هذه حروب وإن كان المسلمون اضطروا إليها ، ولكنَّها في الأساس ليست شرعيَّةً ، لأنه لا ينبغي أن يُقْتَل إلا المُقاتل ، أما الطفل البريء ، أما المرأة الضعيفة ، أما الشيخ الضعيف فهؤلاء لا ينبغي أن يُقْتَلوا ، لذلك المُنَظَّمات الدولية تحرِّم أن يقتل العُزَّل من المدنيين ، فهذه الحرب التي سنَّها الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ﴾ الدروع يتقي المُقاتل بها ضربة السيف ، وهذه رحمةٌ للمقاتلين ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ أي لا ينبغي أن يُقْتَل إلا من يقاتل ، أما الطفل الصغير ، أما المرأة الضعيفة هذه في أعراف السماء ، وأعراف الأرض ، في شرائع السماء ، وفي قوانين الأرض فلا ينبغي أن تقع .. ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) ﴾ .
أرض الشام أرض مباركة لأنها مهبط الرسالات السماويَّة :
﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ(81)﴾ ذَكَرَ ربنا سبحانه وتعالى أنه سَخَّر لسيدنا سليمان الريح عاصفة ، في بعض التفاسير ، وفي بعض الروايات يروى أن هذا النبي الكريم كان يمتطي الريح لينتقل بها من مكانٍ إلى مكان بوقتٍ قصيرٍ جداً ، الشأن في هذا كشأن الطائرات السريعة .. ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ أمَّا هذه الأرض التي باركنا فيها كما تروي معظم التفاسير هي أرض الشام ، ولماذا بارك الله فيها ؟ لأنها كانت مَهْبِطَ الرسالات السماويَّة ، ولماذا بارك الله فيها ؟ لأن الله سبحانه وتعالى أجرى فيها الخير ، وجعلها بلاداً مقدَّسة فيها خيرٌ كثير ، وفيها جو معتدل ، وفيها أُناسٌ صالحون ، في بعض الأحاديث يقول عليه الصلاة والسلام : عن أبي أمامة الباهلي :
(( صَفوةُ اللهِ من أرضِه الشَّامُ ، وفيها صَفْوتُه من خلقِه وعبادِه ، و لَيدْخُلَنَّ الجنةَ من أمَّتِي ثُلَّةٌ لا حِسابَ عليهم و لا عذابَ . ))
[ صحيح الجامع : خلاصة حكم المحدث : صحيح : أخرجه الطبراني ]
وفي أحاديث كثيرة - أحاديث قيام الساعة- تذكر عن أبي الدرداء :
(( إنَّ فُسْطاطَ المسلمينَ يومَ المَلحَمةِ بالغوطةِ . إلى جانبِ مدينةٍ يقالُ لها : دِمَشقُ ، من خيرِ مدائنِ الشامِ . ))
[ تخريج سنن أبي داود : خلاصة حكم المحدث : صحيح ]
والشيء الذي يلفت النظر أن في هذا البلد الطيب الكريم اتجاهاً نحو الله سبحانه وتعالى يتبدى في حضور مجالس العلم ، وفي بحث الناس عن أمور دينهم ، وفي تمسُّكهم بشريعة ربِّهم ، هذه كلها تؤكِّد ما جاء في بعض الأحاديث الشريفة عن فضل بلاد الشام ﴿ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) ﴾ .
تسخير الشياطين لسيدنا سليمان لأنه طلب من ربِّه أن يؤتيه المُلَك :
﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) ﴾ والله سبحانه وتعالى سَخَّرَ لسيدنا سليمان الشياطين ، سخَّرهم له لأن هذا النبي الكريم دعا ربَّه فقال :
﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) ﴾
[ سورة ص ]
أي سليمان طلب من ربِّه أن يؤتيه المُلَك ، وحينما يطلبُ نبيٌّ من ربِّه أن يؤتيه الله الملك فمعنى ذلك أن هذا المُلَك أراد أن يستخدمه في نشر الحق ، وإذا طلب الإنسان أن يكون في موقعٍ دقيق فمن أجل أن يهدي الناس بهذا الموقع لا أكثر ولا أقل ، الدنيا لا تُبْتَغى لذاتها ، لا يبتغيها لذاتها إلا أهل الدنيا ، ولا يبتغيها لذاتها إلا أهل الكفر والفسوق والعصيان ، أما المؤمن فيما لو طلب الدنيا لا يطلبها إلا لغيرها لتكون قوةً له على هداية الآخرين ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ﴾ أي يغوصون في البحار ، ويستخرجون له اللؤلؤ .. ﴿ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ ﴾ مما يأمرهم به .. ﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ أي قصَّة سيدنا داود وسليمان فيها من العجب العُجاب ، لأن الله سبحانه وتعالى سخَّر لهما الجبال والطير ، وسخَّر لهما الشياطين ، وسخَّر لهما الرياح .
الضّر الذي أصاب سيدنا أيوب هو إعراض الناس عنه وعن دعوته :
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ﴾ سيدنا أيوب .. ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ بعض التفاسير تشير إلى أن النبي متى يَمَسُّه الضر ؟ إذا أعرض قومه عنه ، إذا لم يستجيبوا له ، إذا لم يهتدوا بدعوته ، إذا لم يلتزموا أمره ، الداعية إلى الله عزَّ وجل لا يمسه الضر إلا إذا أعرض الناس عن دعوته ، فلذلك ما ترويه بعض الكتب الإسرائيليَّة من مصائب لا حصر لها ، من أن الدود قد أكل لحمه كله ، هذه مبالغاتٌ ما أظنُّ أن الله سبحانه وتعالى أرادها ، إلا أنَّ الأقرب إلى الواقع ، والأقرب إلى مقام النبوَّة أن هذا النبي الكريم كان الضرُّ عنده إعراض الناس عنه ، وكيف أن الشياطين كانت تصرفُ الناس عنه ، فهذا ضرٌّ لا شكَّ أصابه ، ولا يمنع هذا التفسير من أن يُبتلى النبي الكريم ببعض المصائب التي تصيب زملاءه من النبيين ، أما تلك المبالغات التي لا حدود لها في الأمراض التي نهشت لحمه وأصابته فهذه ربَّما كانت لا أصل لها .. ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾ هذه الآية الثانية تؤكِّد أن الضرَّ الذي أصابه هو ضرّ من نوع إعراض الناس عن دعوته ، فلمَّا كشف الله عنه الضر استجاب الناس إليه ، واستجاب أهله المقرَّبون ، واستجاب قومه أيضاً ، فسعد بهذه الاستجابة .
ربنا تعالى لحكمةٍ بالغة يفيض في الحديث عن بعض الأنبياء ويختصر بعضهم :
﴿ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ(85)﴾ الأنبياء الذين ذَكَرَهُم الله عزَّ وجل في القرآن ليسوا هم جميع الأنبياء ، إلا أن الله سبحانه وتعالى ذكر في بعض الآيات من أن النبيين .
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)﴾
[ سورة غافر ]
فربنا سبحانه وتعالى لحكمةٍ بالغة يفيض في الحديث عن بعض الأنبياء ، ويختصر في الحديث عن بعض الأنبياء الآخرين ، وقد يذكر اسم نبيٍّ فقط من دون أي تعليق ، كل هذا لحكمةٍ يعلمها الله سبحانه وتعالى .
الصبر من صفات الأنبياء :
﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ أي الصبر من صفات الأنبياء ، وهو بالتالي من صفات المؤمنين ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : عن أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله :
قال عليٌّ رحمةُ اللهِ عليهِ : الصبرُ مِنَ الإيمانِ بمنزلَةِ الرأسِ مِنَ الجسدِ ، فإِذَا ذهبَ الصبرُ ذهبَ الإيمانُ .
[ الإيمان لابن أبي شيبة : حكم المحدث : فيه أبو إسحاق وهو السبيعي كان اختلط ولم يسمع من علي رضي الله عنه ثم هو مدلس ]
بل إن الإيمان نصفان ؛ نصفٌ صبرٌ ، ونصفٌ شكرٌ ، لا يسوق شيئاً إلا لحكمةٍ بالغة ، وأن الأمر كلَّه بيد الله ، فالموحِّد الذي يعرف أسماء الله الحُسنى ، وصفاته الفُضلى يصبر ، لماذا يصبر ؟ لأن المعالجة في النهاية تعود عليه بالنفع ، والأمثلة كثيرة ، والأنبياء العِظام هم قدوةٌ لنا في الصبر ، والإنسان إذا أصابه ضرٌّ ، أو أصابه بلوى ، أو أصابته مصيبةٌ ، أو أصابه مكروهٌ ، ينبغي أن يتجلَّد ، وأن يصبر ، والله سبحانه وتعالى يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام ويقول :
﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)﴾
[ سورة الأحقاف ]
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) ﴾
[ سورة النحل ]
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾
[ سورة الطور ]
إن كنت مؤمناً حقَّاً ، وإن كنت مَعْنِيًّا بهذا الخطاب ، وكل خطابٍ خوطِب به النبي الكريم المؤمنون معنيُّون به بالتبعية ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول عن أبي هريرة :
(( أَيُّها النَّاسُ ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا ، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ ، فقالَ : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ[المؤمنون : 51] ، وقالَ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة : 172] ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ ، يا رَبِّ ، يا رَبِّ ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ ، وغُذِيَ بالحَرامِ ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟! ))
[ صحيح مسلم ]
فكل أمرٍ موجَّهٌ إلى النبي الكريم هو أمرٌ موجَّهٌ لنا بالتبعيَّة ، لأننا مأمورون أن نقتدي بهم في كل أحوالهم ، والأنبياء من أُولى صفاتهم الصبر .
أنواع الصبر :
الصبر كما يقول العلماء على ثلاثة أنواع ؛ صبرٌ على الطاعة ، وصبرٌ عن المعصية ، وصبرٌ عن الشهوة ، فالإنسان رُكِّبَ من عقلٍ وشهوة ، الحيوان رُكِّب من شهوةٍ بلا عقل ، المَلَك رُكِّب من عقلٍ بلا شهوة ، لابدَّ من صراعٍ بين الشهوة وبين العقل ، بين الحاجة وبين القيَم ، بين المصلحة وبين المبدأ ، هذه طبيعة الحياة ، إن الصراع بين الحاجات وبين القيم ، بين المصلحة وبين المبدأ ، بين العقل وبين الشهوة هذا الصراع ينتهي بمصلحة العقل عند المؤمن ، وينتهي بمصلحة الشهوة عند الكافر ، لذلك المؤمن يقوده عقله ، والكافر تقوده شهوته ، من هنا قال الله عزَّ وجل :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾
[ سورة النجم ]
الشيطان يخوِّف الإنسان دائماً ليسقط من عين الله :
علامة المؤمن أنه يتملَّك زمام نفسه فهو يقودها إلى الخير ، ومن علامات المنافق أن نفسه تتملَّكه فتقوده إلى الشر ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) ﴾
[ سورة النساء ]
هذه إرادة الله .. ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا(27)﴾ دائماً أهل الأهواء ، أهل الشهوات ، أهل الفسق والفجور ، يتمنَّون على جميع الناس أن يتابعوهم ، لذلك يزيِّنون لهم الدنيا ، يخوِّفونهم من الدين .
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) ﴾
[ سورة آل عمران ]
يخوفونهم من الإنفاق .
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)﴾
[ سورة البقرة ]
دائماً الشيطان يخوِّف الإنسان من الإنفاق في سبيل الله ، ويخوِّفه من التدَيُّن ، يذكُر له آلاف القصص عن أناسٍ تديَّنوا فسقطوا ، وهذه قصص مُخْتَلَقَة ليس لها أصل .
الدين أخطر شيء في الحياة :
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام يخاطب ابن عمر فيقول له : عن عبد الله بن عمر :
(( يا بنَ عمرَ ! دينُك دينُك ، إنَّما هو لحمُكَ و دمُكَ ، فانظُر عمَّن تأخذُ ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا ، و لا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا. ))
[ السلسلة الضعيفة : حكم المحدث : ضعيف ]
وقد روى الإمام مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قوله : عن أنس بن مالك وأبي هريرة :
(( إِنّ هذا العلمَ دينٌ ، فانظروا عمن تأخذونَ دينَكم . ))
[ شعيب الأرناؤوط : تخريج العواصم والقواصم : خلاصة حكم المحدث : لا يصح في المرفوع : التخريج : أخرجه مسلم في ((مقدمة الصحيح)) ، والدارمي عن محمد بن سيرين : ضعيف الجامع : حكم المحدث : ضعيف جداً ]
لو أن الإنسان أخذ دينه عن أهل التقصير ، عن الذين مالوا إلى الدنيا ، واستمرؤوها ، عن الذين خلطوا الدين بالدنيا ، عن الذين اتخذوا الدين مطيَّةً إلى الدنيا ، لو أن الإنسان أخذ دينه عن هؤلاء لرأى في الدين رُخَصَاً لا حدود لها ، إذا تتبَّع هذه الرخَص رأى نفسه مقطوعاً عن جناب الله عزَّ وجل ، لأن المعاصي والمخالفات والتقصيرات هذه من شأنها أن تجعل بين العبد وبين الله حجاباً كثيفاً ، لذلك : ((دينك دينَك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا)) القضية خطيرة جداً ، القضية مصيريَّة ، أي حينما يأتي ملك الموت ، وتكون قد تابعت إنساناً ضالاً في الدنيا من أهل الأهواء تجد أنه لا ينفع مالٌ ولا بنون ، ولا ينفع هذا الذي تابعته في الدنيا ، كل إنسانٍ يحاسب عن عمله وحده .
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38)إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39) ﴾
[ سورة المدثر ]
﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)﴾
[ سورة الإسراء ]
ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام :
(( اللهمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي ، و أَصْلِحْ لي دُنْيايَ التي فيها مَعَاشِي ، و اجعلِ الموتَ رحمةً لي من كلِّ سوءٍ . ))
[ صحيح الأدب المفرد : خلاصة حكم المحدث : صحيح : أخرجه مسلم : مختصراً ، والبخاري في ((الأدب المفرد) ]
فأخطر شيء في الحياة الدين ، من هنا سيدنا عمر كان إذا أصابته مصيبة قال : " الحمد لله ثلاثاً ، الحمد لله إذ لم تكن في ديني . . " أية مصيبةٍ إن لم تكن في الدين فهي هيِّنة ولو أنها أودت بالحياة ، لأن الآخرة أبديَّة ، والذي مات على الإيمان يسعد في جنَّة ربِّه إلى الأبد ، لكن المصيبة الكبيرة أن تكون المصيبة في الدين ، فإذا كانت في الدين ذهبت الدنيا والآخرة ، لذلك سيدنا عمر كلَّما أصابته مصيبة قال : " الحمد لله ثلاثاً ، الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها ، والحمد لله إذ أُلْهِمْتُ الصبر عليها " .
على كلمة : ﴿ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ هكذا الأنبياء ، هؤلاء القدوة ، هؤلاء الأسوة تحمَّلوا المتاعب ، فمن نحن ؟ يجب أن يتحمَّل المؤمن كل مشقَّةٍ في سبيل الله .
قصة سيدنا يونس عليه السلام :
﴿ وَذَا النُّونِ ﴾ سيدنا يونس ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ المعنى الأول : بعض السّذج يفسِّرون هذه الآية تفسيراً مضحكاً ، يقولون : " إنَّ هذا النبي الكريم ظنَّ أن الله لا يقدر عليه " ، لا ، ما كان لنبيٍّ أن يقول هذا الكلام ، معنى نقدر هنا بمعنى نُضَيِّقَ .
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) ﴾
[ سورة الفجر ]
قَدَرَ الرزق ضَيَّقَهُ ، ومعنى هذه الآية هنا : ﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي إذا ضاق ذرعاً بقومه الله سبحانه وتعالى لا يحرِّج عليه أن يغادرهم إلى أُناسٍ آخرين ، لم يكن يظن أن هؤلاء يجب أن يبقى معهم إلى النهاية أي ﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي ظنَّ أنه لا حرج من أن يترك قومه بعد أن يَئس من هداهم ، لأن اليأس ليس من صفات الأنبياء ، الأنبياء ليسوا أكثر الناس يأساً ، لكنَّهم كما قال الله عزَّ وجل . . لكنَّهم آخرهم يأساً . . والدليل قوله تعالى :
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)﴾
[ سورة يوسف ]
أي لأنهم بشر ، دعاهم ليلاً ونهاراً ، صباحاً ومساءً ، سرَّاً وعلانيَّةً ، أغراهم بالجنَّة ، خوَّفهم من النار ، ضَرَبَ لهم الأمثال ، بيَّن لهم ، وعظهم ، لم يستجيبوا له ، ضاق بهم ذرعاً ، فتركهم وغادر قومه ، فظنَّ هذا النبي الكريم أن لن نقدر عليه ، أي أنه ليس عليه من حرج لو تركهم إلى أناسٍ آخرين ، فتركهم .
والمعنى الثاني : ظنَّ هذا النبي الكريم أن الله سبحانه وتعالى لن يُقَدِّر هداهم على يديه ، أحياناً تدعو إنساناً كثيراً وكثيراً لا ترى استجابة تظن ، تقول في نفسك : ربَّما كانت هداية هذا الإنسان ليست على يدي ، تيئس من دعوتهم ، فالمعنى الذي يليق بحق هذا النبي الكريم لا يزيد عن أنه ظنَّ أنه لا حرج من ترك قومه ، أو أن الله سبحانه وتعالى لن يُقَدِّر هدايتهم على يديه ، فغادرهم .. ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً ﴾ مغاضباً من قومه .. ﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾ تروي بعض القصص أنه ركب سفينةً بعد أن هَجَرَ قومه ، وفي أثناء إبحارها في البحر وقع منها فالتقمه الحوت ، أو كانت حمولتها زائدة فاقترح صاحب السفينة على رُكَّابها أن يلقوا بأحدهم في البحر ، وقعت القرعة عليه ، هكذا تروي بعض الكتب ، أما الذي وقع فعلاً أنه وقع في البحر ، سقط في البحر ، فالتقمه الحوت ، إذا ذكر الإنسان هذه المصيبة لا تبقى أمامها مصيبة ، دخل بطن الحوت ، والحوت في ظلمات البحر ، وفي ظلمات الليل ، في ظلماتٍ ثلاثة ، تصوَّر نفسك في بطن حوتٍ ، وفي بحرٍ ، وفي الليل ، هذه المصيبة ، ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي ظلمت نفسي حينما تركت قومي ، كنت ظالماً ، حرمتُها الخير ، أنت يا رب رَشَّحتني لأن أكون هادياً لهؤلاء ، يئست منهم ، وتركتهم ، وغادرتهم ، فكنت إذاً من الظالمين ، ولعلَّ هذا عقابٌ لي ، سريع الفهم ، لذلك الإنسان كلَّما ألمَّت به ملمَّة فلينظر أو فليتعظ بهذه المصيبة ، هذه المصيبة ، ومع ذلك أنقذه الله منها ، فضع مصيبتك جانب هذه المصيبة ترى أنها لا شيء ، لو أنها بهذا المستوى فالله موجود ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾ أي إذا ألمَّت بأحدنا مصيبة فهل يذكر الله عزَّ وجل ؟ هناك أناسٌ ينسون الله ، لأن المصيبة تُنسي أحياناً ، قال عليه الصلاة والسلام : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( بادِروا بالأعمالِ سبعًا ، هل تنتِظرونَ إلَّا مرضًا مُفسدًا ، و هَرمًا مُفندًا ، أو غنًى مطغيًا ، أو فَقرًا مُنسيًا – يوجد نوع من الفقر ينسيك كل شيء - أو موتًا مُجهِزًا ، أو الدَّجالَ ، فشرُّ مُنتظَرٍ ، أو السَّاعةُ ، و السَّاعةُ أدهَى و أمَرُّ . ))
[ السلسلة الضعيفة : خلاصة حكم المحدث : ضعيف ]
في هذه القصَّة لقطة مهمَّة جداً أنه من علامة الإيمان أن الله سبحانه وتعالى إذا ساق للمؤمن مصيبةً لا ينسى ربه أثناء المصيبة ، وقع في البحر ، التقمه الحوت ، دخل بطن الحوت ، وهو في بطن الحوت ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لا إله إلا أنت سبحانك ، لذلك أُثِرَ عن النبي عليه الصلاة والسلام الدعاء الشهير : عن عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك :
(( كان إذا نزل بهِ همٌّ أو غمٌّ قال : يا حَيُّ يا قيُّومُ برَحمتِك أستَغيثُ . ))
[ صحيح الجامع : حكم المحدث : حسن ]
كلَّما أَلَمَّ بنا أمرُ فلنقل : ((يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ)) .
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ بعضهم قال : " إنَّ الثناء دُعاء " ، ماذا فعل هذا النبي ؟ وَحَّدَ وأثنى على الله .. لا إله إلا أنت سبحانك ، هنا وحَّد .. سبحانك ، وأثنى عليه ، سبَّحه ، ومجدَّه ، هذا دعاء .. ﴿إني كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجيناه من الغم﴾ انتهت القصَّة .
قصة يونس قانون وعبرة :
ما أروع التعقيب ! ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ هنا الموعظة ، ليست هذه القصَّة خاصَّة بهذا النبي الكريم ، إنها ممكنة الوقوع مع كل مؤمن ، كن صادقاً ، كن مستسلماً ، كن راجياً ، كن مستقيماً ، وادعُ ربَّك وانظر كيف يستجيب لك .. ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا التعقيب يجعل من القصَّة قانوناً في التعامل بين الله وبين عباده ، هذه تعقيبات مهمة جداً .
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾
[ سورة القصص ]
هذه قصَّة .
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾
[ سورة القصص ]
جعلها قانوناً .. ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ هذه قصَّة ، جعلها الله قانوناً .. ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ هل بعد هذه الآية من بِشارة ؟ كن مؤمناً وكفى ، يقول الله لك : هكذا أنا أُنجي كل مؤمن ، ليست هذه خاصَّةً بسيدنا يونس ، إنها خاصة بكل نبي ، كن مؤمناً وكفى .
قصة زكريا عليه السلام واستجابة الله له بأن وهبه سيدنا يحيى :
﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً ﴾ يبدو هذا النبي لم يكن له ولد ، فلمَّا كبرت سنُّه ، واشتعل رأسه شيباً ، نظر إلى إخوانه المؤمنين ، خاف عليهم من بعده ، فطلب من الله عزَّ وجل غلاماً يخْلُفُهُ في توجيه هؤلاء ، لذلك: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ كلها حالات ميئوس منها ، هناك عقم ، امرأته كانت عاقراً ، الآن كل إنسان لا يوجد أمل ، هناك ضعف في المبيض ، عُقم ، لكن ربنا عزَّ وجل بيده كل شيء ، حينما توقِن أن الأمر كله بيد الله يختلف الأمر .. ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ بعضهم قال : " أصلحنا له زوجه بأن جعلناها ولوداً بعد أن كانت عاقرا ". وبعضهم قال : " بأنَّا جعلناها ذا أخلاقٍ رضيَّة بعد أن كانت ذات أخلاقٍ سيِّئة " ، أي إذا شكا شخص من سوء خلق زوجته فلا ييئس منها ، لأن الله سبحانه وتعالى قد يُصلحها له ، قد تنقلب هذه الزوجة المُشاكِسة إلى إنسانة طيِّبة ، كلُّه بيد الله ، لذلك كان الإمام الشعراني رضي الله عنه يقول : " أنا أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي " ، قد يجعل الله تأديب الزوج على يدِ الزوجة ، فإذا صَلَحَت العلاقة بين الزوج وربِّه كانت الزوجة أطوع له من بنانه ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ﴾ سيدنا يحيى .. ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ كلمة وأصلحنا له زوجه تحتمل المعنيين ، تحتمل أنها أصبحت ولوداً بعد أن كانت عاقراً ، وتحتمل أنها أصبحت ذات أخلاقٍ رضيَّة بعد أن كانت ذات أخلاقِ شَرِسَة .
الله تعالى لا يتعامل إلا بالرجاء :
﴿ إِنَّهُمْ ﴾ هؤلاء الأنبياء .. ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ .
﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) ﴾
[ سورة الحديد ]
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)﴾
[ سورة آل عمران ]
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ الإنسان بضعة أيَّام كلَّما انقضى منه يومٌ انقضى بضعٌ منه ، أخطر شيء بحياة الإنسان الزمن ، الزمن يسير ، فالمغبون من تساوى يوماه ، ومن لم يكن في زيادة فهو في نُقصان .. ﴿ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ ، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ هذه حالة الرجاء ، العلماء قالوا : الرجاء يعني ثلاثة أشياء ؛ يعني شوقاً إلى المرجو ، وخوفاً من فَوْتِهِ ، وعملاً لتحصيله ، فكل شيءٍ ترجوه لابدَّ من أن تحبَّ أن تصل إليه ، ولابدَّ من أن تخاف ألا تصل إليه ، ولابدَّ من أن تسعى كي تصل إليه ، شوقٌ وخوفٌ وسعيٌ ، إذاً أنت ترجو ، وإلا أنت تتمنَّى ، والله سبحانه وتعالى لا يتعامل بالتَمَنِّيات ..
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)﴾
[ سورة النساء ]
لا يتعامل إلا بالرجاء ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾
[ سورة الكهف ]
﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) ﴾ .
قصة مريم الصدِّيقة ومعجزة ولادة عيسى عليه السلام :
﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ هذه السيِّدة مريم ، إنها صِدِّيقة وليست نبيَّة ، ولكنَّها جاءت هنا ليبيِّن الله سبحانه وتعالى أيضاً لطيف امتنانه ، وعظيم فضله وإحسانه على هذه المرأة التي هي من بين أربع نساءٍ كملن بنصِّ الحديث الشريف ، قال عليه الصلاة والسلام عن أبي موسى الأشعري :
(( كمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بنْتِ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ ، وإنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ علَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سَائِرِ الطَّعَامِ . ))
[ صحيح مسلم ]
﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ كانت عفيفةً طاهرةً إلى أبعد الحدود .. ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ مع أنها كانت عفيفة لم يَمْسَسَها بشر ، الله سبحانه وتعالى شاء أن يجعلها تَلِدُ نبيَّاً عظيماً هو سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ﴾ من جيب درعها ، ربنا سبحانه وتعالى يقول : ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ خيانة دعوة لا خيانة فراش . .
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ، وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ(12) ﴾
[ سورة التحريم ]
يوجد في هذه الآية نُكتة بلاغيَّة دقيقة ، تقول مثلاً : " أقرَّ الله عين الأمير ، وأجرى له ماءها ، وكفاها الله شرَّها " ، فالعين الأولى عين الأمير ، والعين الثانية . . كفاه الله شرَّها . . عين الحسود ، والعين الثالثة عين الماء ، أقرَّ الله عين الأمير ، وكفاه الله شرَّها ، وأجرى له ماءها ، هذه الطريقة البلاغيَّة اسمها : الاستخدام ، أن تذكر اسماً وتعيد عليه ضميراً بمعنى آخر من معاني هذا الاسم .. ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾ بمعنى آخر ﴿منْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ(12)﴾ .
وحدة مَعِينِ الأنبياء :
﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي هؤلاء الأنبياء أخذوا من معينٍ واحد ، وتلقَّوا من مصدرٍ واحد ، ودعوا دعوةً واحدة ، واستهدفوا هدفاً واحداً ، بأن الله واحد ، ودعوته واحدة ، وأنبياءه لا نفرِّق بين أحدٍ من رسله ، وفحوى دعوة الأنبياء واحدة ، إنها التوحيد ..
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾
[ سورة الأنبياء ]
هذه فحوى رسالات الأنبياء جميعاً ، إذاً : ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ هناك وحدة في الكون ، وحدة في الخلق ، وحدة في التسيير ، وحدة في التربية ، وحدة في التبليغ ، وحدة في مضمون الرسالات ، هناك وحدة في هذا الكون تبدَّت لأن هؤلاء الأنبياء جميعاً على اختلاف تواريخ بعثهم ، وعلى اختلاف أقوامهم ، وعلى اختلاف بيئاتهم ، وعلى اختلاف طِباعهم إنهم يمثِّلون دعوة الله للبشر .
منعطفاتٍ في تاريخ العلوم الغذائيَّة :
﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ(94)﴾ موضوعٌ دقيقٌ عرضته اليوم في خطبة الجمعة ، من أن هناك منعطفاتٍ في تاريخ العلوم الغذائيَّة ، موضوع علمي ، هذه المُنعطفات منها اكتشاف الجراثيم ، ومنها اكتشاف الفيتامينات ، وكيف أن الجراثيم سببٌ لبعض الأمراض الكثيرة ، وكيف أن نقص الفيتامينات أيضاً سببٌ لبعض الأمراض الكثيرة ، أما الشيء الذي اكتُشِف حديثاً والذي يُعَدُّ منعطفاً خطيراً في علوم الصحَّة والتغذية أنَّ الغذاء الخالي من الألياف - أي المدنيَّة الحديثة عَلَّمتنا أن نشرب الفاكهة عصيراً ، وأن نأكل الخبز أبيض نقيَّاً ، وأن نستخدم السكَّر الأبيض الناعم ، وأن تكون أغذيتنا كلُّها مصفَّاة نقيَّة - العلماء اكتشفوا أن الألياف التي جعلها الله قِوام الفاكهة ، وقِوام الخضراوات ، وقِوام البقول والحبوب ، يوجد ألياف أقرب مثل لها القمح ، فيه مادَّة نشويَّة صرفة وفيه قشور القمح - أي النخالة - فهذه ندعها جانباً ، ونجعلها علفاً للحيوان ، ونأخذ لُبَّ القَمح ، كل شيء سكَّري أيضاً توجد معه ألياف – سيلولوز - هذه ندعها جانباً ونأخذ المادَّة السكريَّة المُصفَّاة .
قال بعض العلماء : كان العلماء يظنَّون أن الألياف عُنصراً زائداً عن الحاجة ، وأن دورها يتميَّز بالسلبيَّة ، لذلك عرَّفوها على قدر علمهم المحدود بأنها جزءٌ من الطعام يعبُر القناة الهضميَّة دون أن يُهْضَم ، إذاً هي عبءٌ على جهاز الهضم ، لذلك عمدوا إلى تنقية الطعام منها ، فقدَّموا ما يسمَّى بالأطعمة النقيَّة ، السكَّر النقي ، والدقيق الأبيض ، وعصير الفاكهة ، وما شاكل ذلك ، الآن اكتشف أن هذه الألياف هي سبب للهضم الجَيِّد ، لأن حجم الألياف في الأمعاء يؤثِّر على جدران الأمعاء فيجعلها تتحرَّك حركةً تعينُ على هضم الطعام ، هذه واحدة ، فمن دون ألياف تتكاسل الأمعاء ، ويصاب الإنسان بالإمساك ، مع وجود هذه الألياف بحجمها ، وفاعليتها تجعل الهضم من أعلى درجة ، هذه واحدة .
الواحدة الثانية : اكتشف أن هذه الألياف تمتصُّ الماء ، وبامتصاص الماء يصبح الهضم ليِّناً .
الشيء الثالث : اكتشف أن هذه الألياف تمتصُّ المواد الدسمة في الجسم .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين