- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (021)سورة الأنبياء
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الأنبياء بشر وتجري عليهم كل خصائص البشر :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في الدرس الماضي الذي كان الدرس الأول من سورة الأنبياء ، وهذا هو الدرس الثاني ، وصلنا إلى قوله تعالى :
﴿
لماذا تفوق الأنبياء ؟ لأنهم بشر ، لو أنهم ملائكة لما تفوقوا ، لأنهم من بني البشر ، وقد أودع الله فيهم كل الشهوات التي أودعها في بني البشر ، لكنهم ضبطوا هذه الشهوات ، وارتقوا إلى رب الأرض والسماوات لذلك تفوقوا .
أيها الإخوة الأكارم ؛ لكن الأنبياء فعلاً كانوا من بني البشر ، وكانوا رجالاً ، ليس في تاريخ النبوة امرأةٌ أرسلها الله نبيّةً ، لاعتباراتٍ كثيرة فَصَّلَها علماء العقيدة ، ولكن أراد الله عزَّ وجل أن يؤكِّد للناس أن هؤلاء بشر على الرغم من المعجزات التي أجراها على أيديهم ، على الرغم من الكتب التي أنزلت عليهم ، جعلهم بشراً يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق .
أما أنهم يأكلون الطعام فلإظهار عبوديتهم لله عزَّ وجل ، فالإنسان من دون طعامٍ أو شراب يقضي نَحْبَهُ ، هو مفتقرٌ إلى الطعام والشراب ، مقهورٌ بالطعام والشراب ، لولا الطعام والشراب لما مشى إنسانٌ على وجه الأرض .
وأما يمشون في الأسواق فإنهم مفتقرون إلى الطعام والشراب ، ومفتقرون إلى كسب الطعام والشراب ، المشي في الأسواق تعبيرٌ عن كسب الطعام والشراب ، والطعام والشراب تعبيرٌ عن افتقار الأنبياء إلى الله سبحانه وتعالى ، لذلك لا ينبغي للإنسان إلا أن يكون طبيعياً ، فعن أبي أمامة قال : قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( مَن حَمَلَ بِضاعَتَه فقَد بَرِئَ مِنَ الكِبرِ . ))
لا يغضّ من شأنك أن تأكل أمام الناس ، طبعاً ليس من المروءة أن تأكل في الطريق ، ولكن إذا كنت تأكل فهذا لا ينقص قدرك عند أحد ، الأنبياء يأكلون ، أن تجوع الأنبياء يجوعون ، أن تعطش الأنبياء يعطشون ، أن تغضب إذا انتهِكَت حرمةٌ من حرمات الله الأنبياء كذلك ، لا يغضُّ من شأنك أن تكون عبداً لله ، تأكل ، وتشرب ، وتشعر بحاجةٍ إلى النوم ، هذا الجسد له قوانين ، هذا الجهاز العَصَبِيّ لابدَّ من أن يرتاح ، فالنوم من خصائص بني البشر ، لكن هناك نوماً طبيعياً ، وهناك نوماً يُعَبِّر عن كسلٍ شديد ، من أمضى عمره بالنوم أتى يوم القيامة مُفْلِسَاً ..
﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)﴾
(( عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله . ))
علم الأنبياء من الله سبحانه وتعالى بينما علم البشر علم كسبيّ :
النقطة الدقيقة أن الله سبحانه وتعالى كي يقيم الحُجَّة علينا جعل هؤلاء الصفوة المختارة من الأنبياء جعلهم من بني البشر ، وجعلهم من طبيعةٍ واحدة ، ومن نفسٍ واحدة ، فإذا تفوَّقوا فبفضل صدقهم ، وانضباطهم ، وشوقهم ، واعتمادهم على الله سبحانه وتعالى
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ هذه الآية أصل في طلب العلم :
إذاً :
ولكن المعنى الآخر الذي يمكن أن يكون معنىً دقيقاً جداً هو أن هذه الآية قاعدةٌ في طلب العلم :
﴿
ما معنى هذه الآية يا أستاذ ؟ إذا قرأت الآية ، وكانت من المُتَشَابهات ، ولم تشعر أن لها معنىً يستقيم مع كمال الله سبحانه وتعالى فلا تبقَ ساكتاً ، اسأل عنها ، فلعل الله سبحانه وتعالى يلهم المسؤول أن ينطق بالحق ، فيشفى صدرك من هذا التساؤل ، وهذه الحيرة
(( إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ ، و مَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ ، و مَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ . ))
وإنما الكرم بالتكرم ، ما من إنسانٍ وُلِد عالماً ، وإنسانان لا يسألان ؛ المُستحي والمتكبِّر ، المتكبر لا يسأل لئلا يظهر جهله ، نفسه وكِبْرها أغلى عليه من الحقيقة ، لكن المؤمن يسأل ، إذا سأل عن موضوعٍ ما لا ينتقص هذا من قدره ، يبقى في أوج مكانته ، لأنه يسأل عن الحقيقة ، وطلب الحقيقة مقدسٌ عند الله سبحانه وتعالى ، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع
السؤال عن جوهر الدين والابتعاد عن الجزئيات والتوافه :
شيءٌ آخر ، لكن السؤال المبني على الإيقاع بين المسؤولين ، السؤال المبني على إظهار العلم ، السؤال المبني على الإحراج ، السؤال المبني على التضييق ، السؤال المبني على التعالُم والتفاخر ، السؤال المبني على إضاعة الوقت .
(( قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : عن عبد الله بن المسور أنَّ رجلًا أتى النبيَّ فقال : يا رسولَ اللهِ علِّمْني من غرائبِ العلمِ ؟ قال : ما فعلتَ في رأسِ العلمِ فتطلبَ الغرائبَ ؟ قال : وما رأسُ العلمِ ؟ قال : هل عرفتَ الرَّبَّ ؟ - هذا هو أصل العلم - قال : نعم ، قال : فما صنعتَ في حقِّه ؟ - إن كنت قد عرفته فماذا صنعت في حقه ؟ أي ما الموقف الذي وقفته بناءً على معرفة الله سبحانه وتعالى ؟ - قال : ما شاءَ اللهُ ، قال : عرفتَ الموتَ ؟ قال : نعم ، قال : ما أعددتَ له ؟ قال : ما شاءَ اللهُ ، قال : انطلِقْ فأَحكِمْ ما هاهنا ثمَّ تعالَ أُعَلِّمْكَ غرائبَ العلمِ . ))
لا تسأل عن التوافه ، لا تسأل عن الجُزئيَّات ، اسأل عن المعضلات ، اسأل عن جوهر الدين ، اسأل عن حقيقة الدين ، اسأل عما يرضي الله سبحانه وتعالى ، فلذلك السؤال نصف العلم ، السؤال مفتاح العلم
أهل الذكر ليسوا معصومين :
أهل الذكر أيضاً ليسوا معصومين ، هذه نقطة مهمة جداً ، الله سبحانه وتعالى عَصَمَ الأنبياء من أن يقعوا في غلطٍ في إبلاغ العلم ، وعَصَمَ الأنبياء من أن يقعوا في غلطٍ في سلوكهم ، لأنهم قدوة ، إنك مطالبٌ أن تتابعهم ، فإذا وقعوا في غلط ، وتابعتهم فكأن الله يأمرك بالمعصية ، ما دام الله قد عصمهم من الزلل والخطأِ في نقل العلم ، وفي اتباع العلم ، إنهم معصومون في أقوالهم ، معصومون في أفعالهم ، معصومون في تبليغِ رسالات ربهم ، لذلك عليك أن تتابعهم . .
﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ
قولاً واحداً ، لكن ما سوى الأنبياء ليسوا معصومين ، لا يعقل أن يخطئ العالم خطأً فاحشاً ، إذاً ليس بعالم ، هناك أصول للإسلام ، أصول كبيرة ، هناك مسلَّمات ، هناك أركان الإيمان ، أركان الإسلام ، هناك أساسيَّات ، ولكن العالم ليس معصوماً عن أن يغلط في أمورٍ جُزئيةٍ ، وليس هذا الغلط مقصوداً ، يجب أن ينزَّه العالمُ عن الغلط في الأمور الكبيرة ، وعن الغلط المقصود ، هو فوق ذلك ، العالم محفوظٌ وليس معصوماً ، ومعنى أنه محفوظٌ أيْ لا يضرُّه خطؤه ، أي ما سوى الأنبياء ، ما جاءنا عن صاحب هذه القبة الخضراء فعلى العين والرأس ، نبي كريم لا ينطق عن الهوى ، وما جاء عن أصحابه فعلى العين والرأس لأنهم سمعوا منه الحقيقة ، وما جاء عن سواهم فنحن رجالٌ وهم رجال ، لابدَّ من الدليل .
الأنبياء وحدهم هم المعصومون ولكن سُخِر العلماء لخدمة الخلق :
خطب سيدنا أبو بكرٍ رضي الله عنه خُطبةً تُعَدُّ أساساً في هذا الموضوع ، قال :
الطاعة العمياء ليست واردة إطلاقاً ، أي : راقبوني ، قيسوا أحكامي على أحكام الشريعة ، فإن وافقتها فأطيعوني ، وإن خالفتها فلا تطيعوني ، لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق .
ليس هناك بعد الأنبياء إنسان مؤهَّلٌ أن تطيعه على عمى ، لا ، هناك دستور ، وهو القرآن ، هناك شرع ، فلذلك ما الذي أهلك بعض الناس ؟ أنهم تابعوا من يعلِّمونهم على عمى من دون دليل . .
﴿
هذا هو الدليل ، لا ينبغي أن تستمع إلى فكرةٍ من دون دليل ، دليلٌ نقلي من كتاب الله ، قطعيّ الثبوت ، قطعي الدلالة ، دليلٌ نقلي من سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما صَحَّ من سنة رسول الله ، دليلٌ عقلي ودليلٌ واقعي ، إذا تضافرت الأدلة النقلية من الكتاب والسنة مع الأدلة العقلية مع الأدلة الواقعية فعندئذٍ يجب أن تأخذ بهذا الكلام ، أما أن تتبع أهواء الناس ، تقرأ مثلاً مقالة يقول لك : " هذا الدواء يطيل العمر " ، هذا خلاف القرآن ، لو أن الإنسان يعمل ضبطاً لكل ما يسمع ، من قصص ، ومن أفكار ، ومن مقالات ، ومن كلام ، إذا قاس هذا الكلام كله بكلام الله سبحانه وتعالى فربما ألقى وراء ظهره أربعة أخماس ما يسمعه ، كلامٌ خلاف القرآن ، خلاف الحديث الشريف ، هذا هو المنهج ، قلت لكم سابقاً : لو أن إنساناً اقتنى آلةً بالغة التعقيد ، غالية الثمن ، عظيمة النفع ، تراه يبحث عن كُتَيِّبٍ تصدره الجهة الصانعة ، في هذا الكتيِّب تعليمات الاستعمال ، وطرق الصيانة ، إنه حريصٌ حرصاً بالغاً على اقتناء الكتاب ، حريصٌ حرصاً بالغاً على ترجمته ، حريصٌ حرصاً بالغاً على فهمهِ ، حريصٌ حرصاً بالغاً على تنفيذ تعليماته بدقةٍ متناهية ، إنه القرآن ، أنت الآلة ، وهذا هو القرآن ، الإنسان أعقد آلةٍ على وجه الأرض ، له جسدٌ معقدٌ جداً ، كيف يصونه ؟ كيف يعيش به سليماً معافىً ؟ له نفسٌ دقيقةٌ جداً ، كيف يضمنُ صحتها ؟ له عقلٌ خطيرٌ جداً ، كيف يضمن صوابه وعدم تزويره ؟ إنه القرآن :
﴿
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
﴿
فالإنسان ليس له حق أن يتلقى معلومات غير مُدَعَّمَة بالأدلة ، إذا قبِل معلوماتٍ غير مدعمة بالأدلة ضلّ وأضَل ، وهلك وأهلك ، يوجد كثير من التوجيهات في التجارة ، والصناعة ، والسكنى ، والاختلاط ، والعلاقات الاجتماعية ، توجيهات عامية ، توجيهات لا أساس لها من الصحة ، توجيهات جاهلية ، توجيهات مدمِّرة ، ينبغي لك أن يكون توجيهك من الله عزَّ وجل ، من هذا الكتاب الذي هو منهجك ، هذا الكتاب منهج تسير عليه ، يقيك الخطأ ، والزلل ، والعطب ، والعبثية ، هذا الكتاب منهجٌ فيه مبادئ سلامتك ؛ سلامة الجسد ، وسلامة النفس ، وسلامة العقل ، هذا الكتاب فيه مبادئ سعادتك في الدنيا والآخرة ، هذا الكتاب فيه تنظمٌ لعلاقاتك كلِّها ، مع نفسك ، مع ربك ، مع أهلك ، مع أولادك ، مع جيرانك ، مع من هم أعلى منك ، مع من هم أدنى منك ، دستور دقيق جداً .
فلذلك سيدنا الصديق رضي الله عنه ، قال :
أي أنتم يا أصحابي دققوا في تصرُّفاتي ، فإن جاءت مطابقةً لكتاب الله ، ولسنة النبي فأطيعوني ، وإلا فلا تطيعوني . إذا كان العلماء هكذا ، وكان المسلمون في وعيهم هكذا ، عاش الناس حياةً صحيحةً ، معافاةً ، سليمةً من كل ضلالة ، أما إذا قبِلنا أفكاراً من دون دليلٍ نقلي ، ومن دون دليلٍ عقلي ، أو دليلٍ واقعي فعندئذٍ وقعنا في الضلال
﴿
يقول لك : أخي العالم غير معصوم ، لا الآن صار معصوماً ، عصمته الآية ، نقل لك عن الكتاب القطعي الثبوت ، القطعي الدلالة ، نقل لك عن كلام النبي الكريم ، فلذلك النقطة دقيقة جداً
عظمة الأنبياء تتأتى من كونهم من بني البشر :
﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)﴾
﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)﴾
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)﴾
لما سمع الملائكة هذه الآية استبشروا قالوا : " الحمد لله نحن لسنا عليها " ، فجاء قوله تعالى :
﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
إذاً :
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمولُ
فإذا حـملت إلى القبور جنــــــــازة فاعلــــــم بأنك بعــــدها محمولُ
* * *
لا خلود للأنبياء :
﴿
فسيدنا الصديق ذَكَّرَ عمر بهذه الآية فتراجع عن موقفه .
(( عن عائشة أم المؤمنين : أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مات وأبو بكرٍ بِالسُّنْحِ ، فجاء أبو بكرٍ ، فكشف عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقَبَّلَهُ قال : بأبي أنتَ وأمي ، طِبْتَ حيًّا وميتًا ، ثم خرج ، فحمدَ اللهَ ، وأثنى عليهِ ، وقال : ألا من كان يعبدُ محمدًا ، فإنَّ محمدًا قد مات ، ومن كان يعبدُ اللهَ ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ ، وقال : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } وقال عزَّ وجلَّ : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } إلى قولِهِ { الشَّاكِرِينَ } قال : فنشجَ الناسُ يبكونَ ، قال : واجتمعتِ الأنصارُ إلى سعدِ بنِ عبادةَ في سقيفةِ بني ساعدةَ ، فقالوا : مِنَّا أميرٌ ، ومنكم أميرٌ ، فذهب إليهم أبو بكرٍ ، وعمرُ بنُ الخطابِ ، وأبو عبيدةَ بنُ الجراحِ ، فذهب عمرُ يتكلَّمُ ، فأسكتَهُ أبو بكرٍ ، ثم تكلَّمَ أبو بكرٍ فتكلَّمَ أبلغُ الناسِ ، فقال في كلامِهِ : نحنُ الأمراءُ وأنتمُ الوزراءُ ، فبَايِعُوا عمرَ وأبا عبيدةَ ، فقال عمرُ : بل نُبَايِعُكَ أنتَ ، فأنتَ سيدنا وخيرنا وأَحَبُّنَا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فأخذ عمرُ بيدِهِ ، فبايَعَهُ ، وبايَعَهُ الناسُ . ))
لكنه تماسك ، فالأنبياء يأكلون ، ويشربون ، ويجوعون ، وينامون ، ويشعرون بالحَر وبالقرّ ، وبالتعب ، ولا يُخَلَّدون ، يموتون كغيرهم من بني البشر .
الله تعالى وعده قطعي الثبوت إن وَعَدَ المؤمن فكأن هذا الوعد قد تحقق :
(( عن عائشة رضي الله عنها . . . هل أتَى عليكَ يومٌ كانَ أشدَّ مِن يومِ أحدٍ ؟ فقالَ : لقد لقيتُ مِن قومِكِ ، وَكانَ أشدَّ ما لقيتُ منهُم يومَ العقبةِ إذ عرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ ياليلَ بنِ عبدِ كلالٍ ، فلَم يجبْني إلى ما أردتُ ، فانطلقتُ وأَنا مَهْمومٌ علَى وجهي ، فلَم أستفِقْ إلَّا وأَنا بقرنِ الثَّعالبِ ، فرفعتُ رأسي ، فإذا بسحابةٍ قد أظلَّتني ، فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ عليهِ السَّلامُ ، فَناداني فقالَ : يا محمَّدُ ، إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ، قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ ، وما ردُّوا عليكَ ، وقد بعثَ اللَّهُ ملَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شئتَ فيهِم قالَ : فَناداني ملَكُ الجبالِ : فسلَّمَ عليَّ ، ثمَّ قالَ : يا محمَّدُ : إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ ، وأَنا ملَكُ الجبالِ ، وقد بعثَني ربُّكَ إليكَ لتأمرَني أمرَكَ ، وبما شئتَ ، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ فعلتُ ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا . ))
ومع ذلك قال له أحدهم : لو أن الله بعثك أنت نبياً لمزَّقْتُ أثواب الكعبة ، وقال آخر : لم يجد الله رجلاً غيرك يبعثه نبياً؟ وقال ثالث : إن كنت كما تقول فأنت أعظم من أن تكلِّمنا ، وإن كنت كذَّاباً فنحن أعظم من أن نكلمك ، هكذا حدَّثوه في الطائف ، ومع ذلك عاد إلى مكة ، وقد شمت به كفار مكة ، فلما سئل قال : إن الله ناصر نبيه ، ألم ينصره الله عزَّ وجل؟ ألم يُعلِ رايته ؟ ألم يجعل كلمته هي العُليا ؟ ألم تفتح مكة تحت رايته ؟ ألم يجعل كفار مكة في قبضته ؟ قال : ما تظنون أني فاعلٌ بكم ؟ قالوا : أخٌ كريم وابن أخٍ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطُلَقَاء
﴿ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) ﴾
فالله سبحانه وتعالى وعده قطعي الثبوت ، إذا الله عزَّ وجل وَعَدَ مؤمناً .
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
أي الله عزَّ وجل إذا وَعَدَ المؤمن فكأن هذا الوعد قد تحقق ، في حكم الواقع .
﴿
آيةٌ عجيبة ، كيف أنه أتى ثم لا تستعجلوه ؟ معنى ذلك أنه لم يأت ، الاستعجال لشيء لم يأت بعد ، الإنسان يستعجل قدوم الصيف قبل أن يأتي الصيف ، يستعجل قدوم الشتاء قبل أن يأتي الشتاء ، فكيف يقول الله عزَّ وجل :
الدعاء سلاح المؤمن :
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ
هذا البحر ، وهذا فرعون . .
﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾
ربنا عزَّ وجل جعل البحر طريقاً يبساً ، فمشى فيه بنو إسرائيل ، فلما خرجوا منه تبعهم فرعون ، فلما كان في وسط البحر أعاده الله بحراً ، فأغرقه ومن معه تحت سمعهم وبصرهم ، هذه قدرة الله سبحانه وتعالى ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ والله هو هُو في كل زمان ، وفي كل مكان ، الإله الذي جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم الآن موجود ، والإله العظيم الذي جعل البحر ينفلق كالطود العظيم هو هوَ ، موجود الآن ، معنا ، وهو معكم أينما كنتم فادعوه ، الدعاء سلاح المؤمن ، اسأله خير الدنيا والآخرة ، اسأله أن يحفظك من كل مكروه ، اسأله التوفيق ، اسأله زوجةً صالحة ، اسأله مأوى تسكنه ، عن عائشة أم المؤمنين :
(( إن اللهَ يحبُّ الملحين في الدعاءِ . ))
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : قالَ اللَّهُ تعالى :
مَن لا يَدعوني أغضَبُ علَيهِ . ))
عن ثابت البناني :
(( ليَسألْ أحدُكم ربَّهُ حاجَتَه حتَّى يسألَهُ الملحَ ، وحتَّى يسألَهُ شَسعَ نعلِهِ إذا انقَطعَ . ))
هكذا .
إهلاك المسرف إن لم يعد إلى الله في الوقت المناسب :
﴿
إذاً : حتى المُسْرِف لو أنه عاد في الوقت المناسب لغفر الله له .
الحياة الناجحة باتباع الشرع الحكيم :
﴿
ألم يقل الله عزَّ وجل :
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ﴾
أي أنت مجدُك في هذا الكتاب ، إذا طبَّقته رفعك الله به ، إذا طبقته رفع الله لك شأنك ، قرَّبك منه ، جعل لك عنده مكاناً عظيماً ، جعل لك مقعد صدقٍ عنده
القصم عاقبة المخالف للشرع :
﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) ﴾
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) ﴾
البطولة معرفةُ حقيقةِ الحياة الدنيا قبل فوات الأوان :
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ
قاله له :
﴿
الآن ؟ بعد فوات الآن ؟ طبعاً كل طالب يعرف الإجابة الصحيحة بعد الامتحان ، سيأتي السؤال ، لا يحسن الجواب ، يأخذ صفراً ، يذهب إلى البيت ، يفتح الكتاب ، يعرف الإجابة ، لكن متى عرفها ؟ بعد فوات الأوان ، لا قيمة لهذه المعرفة .
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) ﴾
سألوا فيلسوفاً عن الحرب العالمية الثالثة ؟ فقال : لا أعرف عنها شيئاً ، ولكن الحرب العالمية الرابعة بالحجارة ، أي الثالثة تدمير شامل ،
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين