- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (021)سورة الأنبياء
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الملائكة في عبادة دائمة لله عز وجل :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الرابع من سورة الأنبياء .
يقول الله سبحانه وتعالى في الآية التاسعة عشرة من هذه السورة :
معنى التسبيح :
والتسبيح هو التنزيه ، والتسبيح هو التمجيد ، من معاني التسبيح أن تنزِّه الله عن كل صفةٍ لا تليق به ، وعن كل حالٍ لا يليق به ، الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ، كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ، الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار ، الله سبحانه وتعالى صَمَد .
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) ﴾
أهمية علم التوحيد :
لذلك علم التوحيد علمٌ مهمٌ جداً في الدين ، بل إن رأس العلومِ كلِّها علم التوحيد ، لأنك إذا عرفت الله عرفت كل شيء ،
أحياناً يتعَرَّف الإنسان على شخص له مكانة ، على جانب من العلم ، على جانب من الكَرَم ، على جانب من الحكمة ، تراه غارقاً في سعادةٍ لا توصف ، لأنه تعرّف إليه ، فكيف إذا عرف الله سبحانه وتعالى ؟ إذا عرف عن أسمائه الحسنى ، وعرف عن صفاته الفُضلى ، إذا عرف عن جلاله ، وعن كرمه ، إذا عرف عن جماله ، وعن غناه ، وعن قدرته ؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ . ))
معنى :
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴾
حقيقة الله أكبر :
ما من مسلمٍ على وجه الأرض إلا وهو في طريقه إلى المسجد ليؤدِّيَ صلاة العيد إلا ويكَبِّر ، يقول :
إنّ الفرق بين أصحاب رسول الله وبين المسلمين في هذا العصر كبيرٌ جداً ، أي أقوالهم تعبِّر عن إيمانهم ، ولكن أقوال المسلمين يقولون : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، هذه الباقيات الصالحات لو عرفها المسلمون حق المعرفة لطاروا إلى سماوات المعرفة ، وسماوات السعادة .
فلذلك لما ربنا عز وجل يجب ألا تكون كلماتنا عادات ألفناها ، الله أكبر ، هذه الذي يطيع زوجته ، ويعصي ربه ما قال : الله أكبر ولا مرة ، ولو قالها بلسانه ألف مرة ، هذا الذي يغش ، رأى أن الربح الناتج من الغش أغلى من طاعة الله سبحانه وتعالى ، فالذي يغُش في البيع والشراء ما قال : الله أكبر ولا مرة ، ولو قالها بلسانه ألف مرة ، والذي يَدَعُ عبادةً لله عزَ وجل خوف إنسانٍ ما ، هذا ما قال : الله أكبر ولا مرة ، ولو قالها بلسـانه ألف مرة ، الذي يدع عبادة لله خوف إنسان ما هذا ما قال : الله وأكبر ولا مرة و لو قالها بلسانه ألف مرة ، فلذلك نحن مقدمون على أيام العيد ، وفي العيد نُكّبِّر ، ويجب أن تعلموا ماذا يعني التكبير ، التكبير يعني أن الله أكبر من كل شيء ، من كل ربح ، وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه .
من كل إنسان ، من كل مكسب ، من كل إنجاز ، من كل هَدَف ، هذا معنى الله أكبر.
ولها معنى آخر ، أنَّك كلما عرفت الله سبحانه وتعالى ترى أن الله عزَّ وجل أكبر مما عَرَفْتَ ، لا حدود لعظمته ، لا نهاية لجلاله ، لا نهاية لجماله ، لا نهاية لقدرته ، لا نهاية لكرمه.
الله سبحانه وتعالى سميع عليم بصير :
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)﴾
الإله يجب أن يسمع ..
﴿ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)﴾
ربنا عزَّ وجل يلفت نظرنا إلى أن الإله هكذا يجب أن يكون ، قادر على أن يحييك ، قادر على أن يشفيك ، قادر على أن يُطعمك ، قادر على أن يسقيك ، قادر على أن يسمع خَلَجَات قلبك ، سميعٌ عليم ، سميعٌ بصير ، هكذا يجب أن يكون الإله .
﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ
وحدة الكون تدل على وحدانية الخالق :
شيء آخر ؛ أنت إذا فكَّرت في آيات الله في الأرض ترى أن هناك وَحْدَةً في الكون .
مثل نابع من حياتنا : قد تشتري دواءً مصنوعاً في بلدٍ يبعُدُ عنك عشرات الألوف من الأميال ، وقد يستعمل الدواء إنسان في قارة في طرف الأرض ، فإذا بهذه المواد الفعَّالة في الدواء تؤثِّر في بُنية هذا الجسد ، ما تفسير ذلك ؟ أن الخالق واحد ، الذي خلق الإنسان المولود في كندا هو نفسه الذي خلق الإنسان في أستراليا ، فإن إنسان أستراليا بإمكانه أن يشتري دواءً مصنوعاً في كندا مثلاً ، مع ما بين القارتين من بعدٍ شاسع ، هناك وحدة في الوجود ، بُنية الإنسان واحدة ، عاداته ، طباعه ، بُنيته النفسية ، قوانينه واحدة ..
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) ﴾
﴿
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)﴾
البُنية واحدة ، لذلك من وحدة البُنية ، ووحدة الخَلق ، ووحدة التربية ، ووحدة التسيير ، تتعرف إلى أن هناك إلهاً واحداً ، لكن كل إنسان له ملامح خاصة ، ما من مخلوقٍ إلا وله خطوطٌ في وجهه يتميَّزُ بها ، وبصماتٌ في أصابعه ينفرد بها ، ونبرة لصوته يتميَّز بها ، ونوعٌ لرائحة جسده يتفرَّد بها ، الآن مع تقدم العلوم كان العلماء يظنون أن في الإنسـان البصمة التي ينفرد بها ، كل إنسان له طبقة صوتية لا يشركه فيها أحدٌ من الناس ، من هنا تعرف على الهاتف فلاناً ، تقول له : فلان ؟ معناها ربنا عزّ وجل أعطاك هويةً من صوتك ، أعطاك هويةً من رائحة جلدك ، كل إنسان له رائحة جلد خاصة يتميَّزُ بها ، أعطاك هويةً من تركيب دمك ، والدم في الإنسان له بنيةٌ خاصة ، أعطاك هويةً من ملامح وجهك ..
إذاً يا الله ! ستة آلاف مليون إنسان مع أن بنيتهم جميعاً متساوية ، ليس هناك إنسان واحد يشبه في ملامحه الخارجية ، ولا في نبرة صوته ، ولا في رائحة جلده ، ولا في بصمة أصابعه إنساناً آخر ، لذلك قال بعض العارفين بالله وأظنه الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى :
التوحيد يريح الإنسان ويطمئن قلبه :
﴿
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾
لا يوجد غيره .
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد . . الإنسان بالتوحيد ترتاح نفسه ، ويطمئن قلبه ، وترتاح أعصابه ، بالتوحيد يدفع عنه القلق ، والخوف ، والحزن ، والسوداوية ، والتشاؤم .
معاني قوله تعالى : لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ :
1 ـ مقام الألوهية يقتضي ألا يُسأل الله عز وجل :
﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) ﴾
مقام الألوهية أن أحداً لا يستطيع أن يسأل الله سبحانه وتعالى ، ليس معنى أن الله سبحانه وتعالى إذا كان لا يُسْأَل عما يفعل أنه ظالم ، سبحانه وتعالى هو عادل :
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾
أي هو من تلقاء ذاته أَلْزَمَ نفسه أن يكون على صراطٍ مستقيم ، الله سبحانه وتعالى ألزم نفسه برِزْقِ العباد .
﴿
(على) تفيد الإلزام ، إذا جاءت على في حق الله سبحانه وتعالى تفيد أنه ألزم نفسه .
﴿
أي الله عزَّ وجل ألزم نفسه أن يهدي العباد إلى سواء السبيل ، ألزم نفسه أن يهديهم إليه ، وأن يعرِّفَهُم به ، نَصَبَ لهم الآيات الدالة على عظمته ، بَثَّ في الأرض الآيات ، بثّ في السماء الآيات ، إذاً الله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل ، لأن هذا المقام مقام الألوهية ، وما من مخلوقٍ على وجه الأرض إلا ويسأل ؛ يُسأل ممن هو أعلى منه ، أو يسأل ممن هو أدنى منه ، يقول لك : أخاف على سمعتي ، يسأل من أية جهة ، لذلك من شأن الإنسان أنه مسؤول ، ومن شان الله سبحانه وتعالى أنه لا يُسأل عما يفعل .
2 ـ الله سبحانه وتعالى لعدالته وكرمه وإحسانه لا يُسأل عما يفعل :
وفوق هذا المعنى أن الله سبحانه وتعالى لعدالته ، وكرمه ، وإحسانه ، لا يُسأل عما يفعل
الإنسان لا يسعد إلا إذا عرف مقام العبودية :
لذلك ربنا عزَّ وجل قال على لسان سيدنا عيسى :
﴿
الإنسان إذا كان قد نسي الآية يكملها من عنده : فإنك أنت الغفور الرحيم ، إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، الآية ليست كذلك ، أنت تألف أنها " فإنك أنت الغفور الرحيم " ، وهي :
(( تفكَّروا في خَلْقِ اللهِ ولا تفكَّروا في اللهِ فتَهلِكوا . ))
فلما يطرح الإنسان أسئلة متعلِّقة بذات الله يهلك ، لأن المحدود لا يستطيع أن يحيط باللامحدود ، وذو النهاية لا يستطيع أن يحيط باللانهاية ، والممكن الوجود لا يستطيع أن يحيط بالواجب الوجود ، والحادث لا يستطيع أن يحيط بالقديم ، والفاني لا يحيط بالأبدي السرمدي ، هو الأول بلا بداية ، والآخر بلا نهاية ، فالإنسان يجب أن يصنف الأسئلة لتصنيفين ، أسئلة يمكن أن تطرح ، وهذا من شأن الإنسان أن يفهمها ، وأسئلة أخرى لا يمكن أن تُطْرَح لأنها تطاولٌ على مقام العبودية ، مقام العبودية أن تقف عند هذا الحد دون أن تسأل .
العقل أعظم شيءٍ أودعه الله في الإنسان ولكنه ليس مؤهَّلاً ليتحكم بالعقيدة والعبادات :
ما دام العقل من خلقه ، والكون من خلقه ، فلابدَّ من أن يكون الكون معقولاً ، ولابدَّ من أن يكون الدليل العقلي أساساً في الإيمان ، لكن العقل على أنه أعظم شيءٍ أودعه الله فينا ليس مؤهَّلاً أن يتحكم في العقيدة ، ولا في العبادات ، لكنه مؤهَّلٌ أن يستنبط الأحكام التفصيلية من الأحكام الكلية ، العقل مسموح له أن يستنبط الأحكام الفرعية من الأدلة الأصلية ، من الكتاب والسنة ، العقل مؤهَّل لذلك ، لذلك بَرَعَ الفقهاء والمجتهدون في استنباط الأحكام التفصيلية من الأدلة الأصلية من الكتاب والسنة ، ولكن العقل لا ينبغي أن يُحَكَّمَ بالنقل ، بمعنى أن يسمح للعقل بإثبات ما صح وروده أو نفيه ، دور العقل في العقيدة أن يفهمها لا أن ينفيها ، فالعقل له حدود .
العقل ميزان ولكن الشرع ميزانٌ على الميزان ، العقل ميزان ، والشرع ميزان على الميزان ، تماماً كما لو أعطيت مسألةً رياضية ، فأنت بعقلك تَحُلُّ هذه المسألة ، ولكنه مع المسألة أعطي الجواب الصحيح ، فإذا جاء الحل مُطابقاً لهذا الجواب فالحل صحيح ، وإذا جاء الحلُّ مخالفاً لهذا الجواب فالحل غير صحيح ، إذاً الشرع ميزان على الميزان ، الإنسان من دون شرع قد يَضل ، قد يَغْتَرّ .
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)﴾
الإنسان بالعقل يعرف الله عزَّ وجل وبالشرع يعبده :
العقل أيها الإخوة يشبه تماماً العَين ، بالغة التعقيد ، ولكن ما قيمتها من دون النور ؟ لو ألغي النور فجأةً هل نرى شيئاً؟ لو أن للإنسان عينين من أعلى درجة من الحساسية ، لو أطفأ الضوء هل يرى شيئاً في الغرفة ؟ كذلك العقل ، العقل جهاز فَذٌّ ، عظيم ، ما من جهازٍ أعقد من العقل في الكون ، وما من عطاءٍ أثمن من العقل في الكون ، ومع ذلك هذا العقل لا يُجدي إلا إذا كان هناك نورٌ إلهي ..
﴿
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)﴾
﴿
النور هو الهُدى ، والعقل من دون نور قد يُلْحِد ، قد يُنكر الدين ، قد يقول : هذا الكتاب ليس كلام الله ، قد يقول : إن الزنا أفضل من الزواج ، وإن السرقة أفضل من الكسب الحلال ، وهذه أوروبا أمامكم ، ألا ترى أوروبا الآن أن المتعة مهما تكن رخيصةً دنيئة فهي محببة عندهم ؟ ألم يصابوا بأمراضٍ وبيلة تفتك فيهم فتكاً ذريعاً ؟ هذا المرض العُضال- مرض الإيدز- حطَّمَهُم لماذا ؟ لأنهم اعتمدوا على عقلهم وحده في تخطيط حياتهم ، عقلهم ضَلَّ وأضل ، وأراهم أن اللَّذة هي كل شيء ، فانكبوا عليها ، فانهارت علاقاتهم الاجتماعية ، وانهارت قِيَمَهُم الأخلاقية ، وتحطَّمت الأسر عندهم ، وأصبحت حياتهم كالبهائم ، أحد الكتاب وصف أوروبا فقال : " أوروبا عقلها من ذهب وقلبها من حديد " ، نفوس مُقْفِرَة من القِيَم ، لماذا ؟ لأنهم يبنون سعادتهم عل أنقاض الآخرين ، يبنون رفاه شعوبهم على جوع الشعوب الأخرى ، وعلى فقرها ، وعلى تدميرها ، إذاً هم ليسوا مُثُلاً عليا في الحياة .
فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ العقل وحده من دون الهدى لا يكفي ، العقل وحده قد يهتدي ، وقد يضل ، ولكن الشرع هو الحصن الحصين ، الإنسان بالعقل يعرف الله عزَّ وجل وبالشرع يعبده ،
﴿
الأدلة إما عقلية أو نقلية أو واقعية أو تاريخية :
نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل العبادة :
هذه بيد من ؟ لا سبب لها ، مرض خطير بلا سبب ، هبوط مفاجئ ، تتوقف الكليتان على التصفية ، يحتاج في كل أسبوع مرتين تصفية ، معنى هذا أن الكليتين بيده ، ومعامل كريات الدم الحمراء بيده ، يقول لك : فقر دم لا مُصَنِّع ، مرض خطير جداً ، أي معامل كريات الدم الحمراء بلا سبب معروف تَكُفُّ فجأةً عن صنع كريات الدم الحمراء ، هذه المعامل تصنع في الثانية الواحدة مليونين ونصف مليون كرية حمراء ، هذه المعامل تَكُفُّ فجأةً عن تصنيع كـريات الدم الحمراء ، إذاً المعامل بيده .
أخي الكلية توقفت ، البنكرياس توقَّف عن عمله ، ارتفعت نسبة السكر في الدم ، حصل انسداد بالشريان بالدماغ أصيب بشلل نصفي ، هذه الجلطة الدموية بيد من ؟ من جعلها تتجمد ؟ كان الدم سائلاً ، يوجد هرمون تجلط بالكبد ، وهناك هرمون تميُّع ، من إفراز هذين الهرمونين إفرازاً متوازناً يبقى الدم بهذه الحالة السليمة ، لو أن أحد الهرمونين أفرز زيادة عن اللزوم يصبح الدم مائعاً ، فيموت الإنسان من شكة دبوس ، يموت ، ينزف دمه كله ، أو يموت من تجلط الدم ، يصبح الدم كله كالوحل في الشرايين والأوردة ، الشريان بيده ، والقلب بيده ، والتجلط بيده ، والتميُّع بيده ، وعمل الكليتين بيده ، وعمل الغدة النخامية بيده ، والدرقية هذه مشكلة ، والطحال مشكلة ..
أعرف رجلاً شاباً في ريعان الشباب ، وهو في الصف الرابع بالطب ، على مشارف التخرُّج ، حدث معه فقر دم ، نزل التعداد إلى ثلاثة ملايين بالميليمتر المكعب ، صحته طيبة ، وغذاؤه جيد ، بعثوا عيِّنة من الطحال إلى بلد أجنبي لفحصه ، الطحال له مهمة ، مهمة الطحال أن يحلل الكريات الميتة إلى عواملها الأولى ، أي ربنا اقتصادي ، هذه كريات الدم الحمراء الميتة بدل أن تلقى خارج الجسد تذهب إلى الطحال ، وتحلل إلى هيموغلوبين ، وإلى حديد ، الحديد يعاد شحنه إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام ، والهيموغلوبين يذهب إلى الكبد ليشكِّل الصفراء ، فالصفراء والحديد الذي يرسل إلى نقي العظام هذه من أنقاض كريات الدم الحمراء .
الآن يوجد معامل لضغط الحديد ، سيارة مستعملة ، انتهى استعمالها تضغط بمكعب ، وترسل مرة ثانية إلى معامل الحديد ، وعندنا معمل في مدينة حماة من أجل أنقاض الحديد أيضاً ، فربنا عزَّ وجل جعل كل كريات الدم الحمراء الميتة تذهب إلى الطحال ، الطحال يحللها إلى حديد وإلى هيموغلوبين ، هذا الشاب الذي في ريعان الشباب طحاله يعمل بنشاطٍ أكثر مما ينبغي ، بمعنى أنه يأخذ الكرية الحمراء الميتة فيحللها ، ويأخذ الحيَّة فيميتها ، صار معه فقر دم وتوفى بهذا المرض ، مرض غريب : زيادة نشاط الطحال .
فنحن يهددنا خمسون خطراً ، إذا توقف الطحال مشكلة ، إذا اشتغل زيادة مشكلة ، البنكرياس ، الغدة الدرقية مشكلة ، إذا زادت تعمل فرط توتر ، تعمل تبدد طاقة ، تعمل مشكلات كبيرة جداً ، وإذا كسلت تجد أن الإنسان ازداد وزنه لوزن غير طبيعي ، لأن الغذاء عندئذٍ لا يتحول إلى طاقة ، فهل يجب أن نهتم ونخاف من الدرقية ؟ أم من النخامية ؟ أم من الكظر ؟ أم من البنكرياس ؟ أم من الصفراء ؟ أم من الكبد الذي له خمسة آلاف وظيفة ؟ أم من جهاز الهضم المعقد ؟ أم من ثقب بوتال بالقلب ؟ أم من تضخم الشرايين ؟
طبيب شَرَّح قلباً ، القلب فيه دَسَّامات ، والدسام هو أعقد ما في القلب ، ثلاث وريقات مع انقباض الأذين تنفتح هكذا فيمر الدم ، ترجع فجأةً فتغلق الطريق إغلاقاً محكماً ، لا يوجد في الأرض أي مضخة إلا وهي مبنية أساساً على أن تسمح للماء بالمرور في اتجاه واحد ، فالقلب فيه دسامات خطيرة جداً .
طبيب صنع دسَّاماً تقليداً عرضه بمئة وخمسين ألف ليرة ، فإذا شخص تعطل دسامه يركب دساماً اصطناعياً ، يخدمه سنتين فقط ، ويحتاج بعدها لعملية ثانية ، ولدسام آخر . . على كل تفتح الوريقات هكذا ، وتغلق .
طبيب رأى في ظهر الوريقة كرية لحم صغيرة ، لماذا هذه ؟ كرية لحم في ظهر الوريقة استأصلها من حيوان فتوفى الحيوان ، هل حياة الحيوان مرتكزة على هذه الوريقة الصغيرة ؟ بقدر رأس الدبوس ، ثم اكتشف بعد ذلك أن هذه الوريقة حينما تنفتح هكذا لئلا تشكل مع جدار الشريان سطح تماس فتلتصق ، هذه الكريَّة تشكل مع الجدار نقطة تماس فتعود إلى مكانها ..
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) ﴾
يوجد مليون جهاز ، ومليون قضية بجسمنا ، شيء معقد جداً ، هذا الطفل عندما يولد مفتوح بين الأذينين ثقب بوتال ، في الرحم لا يوجد تنفس ، ولا يوجد هواء ، والرئتان معطلتان ، وجهاز التنفس معطل ، إذاً القلب كيف تتم الدورة الصغرى ؟ من أذين ، من بطين ، للرئة ، للأذين ، عن طريق الرئتين ، الرئة معطلة في الرحم ، إذاً الله عزَّ وجل فتح فتحة بين الأذينين ، يمر الدم مباشرةً ، حينما يولد المولود- هكذا قال الأطباء- تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب ، أي يد تدخل إلى الداخل وسط الأذين ؟ تأتي جلطة هكذا كتبوا ، من ربُّها ؟ من سيَّرها ؟ تغلق ، وإذا لم يغلق الثقب ؟ ربنا عزَّ وجل أعطانا أدلة ، يترك لنا كل مئة ألف حالة ، حالة واحدة اسمها داء الزرق ، طفل لونه أزرق ، الدم بدلاً من أن يذهب إلى الرئة لينقى من غاز الفحم ، ويأخذ غاز الأكسجين ، يذهب إلى الأقرب لأنه يوجد ضغط ، يوجد انقباض وهناك فتحة صغيرة ، عندما يضغط القلب عوضاً من أن يذهب الدم إلى الرئتين يذهب للأذين الثاني فيصير دمه أزرق ، يظل الطفل دائماً لونه أزرق ، أعرف صديقاً لي ابنه أصيب بهذا المرض ، توفي وهو في الثانية عشرة ، يصعد الدرج كل ثماني درجات يصعد عليهم بساعة ، لا يوجد عنده قوة على الإطلاق ، يدُ من دخلت إلى القلب فأغلقت هذا الثقب ؟ الله سبحانه وتعالى ، فلذلك ربنا عزَّ وجل قال :
فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ نهاية العلم أن ترى أنه لا إله إلا الله ، ونهاية العمل أن تعبده ، نهاية العلم أن توحِّدَهُ ، ونهاية العمل أن تعبده ، فإذا جمع الله عزَّ وجل في هذه الآية فحوى رسالات الأنبياء من دون استثناء فهذه هي الآية ، أخي لخّص لي فحوى رسالات السماء كلها ؟
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين