- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (021)سورة الأنبياء
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
حقيقة اللعب وتنزيه الله تعالى عنه :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثالث من سورة الأنبياء .
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
الحكمة من خلق الإنسان :
لو أردنا أن نتوقَّف قليلاً ، ونعود إلى أنفسنا ، كل منَّا موجودٌ على هذه الأرض ؛ في المكان الفلاني ، والبلد الفلاني ، والبيت الفلاني ، له معطيات ، يا تُرى أليس من المهمِّ جداً أن يعرف الإنسان لماذا هو على وجه الأرض ؟ لماذا هو مخلوق ؟ الله سبحانه وتعالى حينما خلقه لماذا خلقه ؟ هل ليعذِّبه ؟ قد يقول قائل : ليس في الأرض كلها إنسان مستريح ؛ هموم ، ومشكلات ، وظروف صعبة ، ومتاعب ، ومُنْزَلَقات ، وأمراض ، وأوبئة ، وهم ، وحزن ، هناك مشكلة كبيرة قبل أن تتحرَّك أية حركة لابدَّ أن تعرف الحقائق الأولى التي بُنِي وجودك عليها ، قبل أن تتعرَّف إلى كذا وكذا ، قبل أن تقرأ الكتاب الفُلاني والمقالة العلانيَّة ، قبل أن تطلع على ما جرى في البلد الفلاني ، هذه كلها أشياء ثانويَّة ، يجب أن تعرف أنت لماذا وُجِدْت ؟ هل وجِدَت عبثاً أم وجدت لعباً ؟ أم وجدت بالحق ؟ أنت لأنك جزءٌ من هذا الكون ربنا سبحانه وتعالى يقول :
أي هذه المعلومات ، وهذه الحقائق ، وإن شئت فسمِّها فلسفة ، هذه قبل الطعام والشراب ، وقبل الزواج ، وقبل تأمين الرِزق ، لأنك تحيا ولا تدري لِمَ تحيا ؟ وورد في الأثر : مثل المنافق كالنَّاقة عقلها أهلها ، فلا تدري الناقة لا لمَ عُقِلَت ولا لمَ أُطْلِقَت ؟
لماذا الصلاة ؟ لماذا الصيام ؟ هذه الحقائق الكُبرى لا ينبغي أن تبقى ، أن تأخذها عفواً ، تأخذها أو لا تأخذها ، تأخذها صحيحةً أو مشوَّهة ، هذه القضية مصيريَّة ، أي حياتك ، سعادتك ، مستقبلك ، خريف عمرك ، زواجك ، عملك ، من دون فلسفة الإنسان قد يعمل عملاً فيه إيذاءٌ للناس ، ويدرُّ عليه أرباحاً طائلة ، ويحسب أنه بهذا العمل متفوِّق وذكي ، فلذلك الله سبحانه وتعالى حينما يقول :
﴿
بل إن الخلق كلَّه والخلق ما سوى الإنسان مسخَّرٌ لهذا الإنسان ، أيعقل أن يكون هذا الإنسان قد سُخِّرَت له السماوات والأرض وهو لا يدري لِمَ هو على وجه الأرض ؟ كم يكون جاهلاً ، كم يكون ضالاً ، كم يكون تائهاً ، كم يكون ضائعاً ، كم يكون شارداً ، لو كانت حياته خاليةً من هدفٍ يسعى إليه ، لو أن حياته خاليةٌ من عملٍ جليلٍ يعرضه على الله سبحانه وتعالى يوم القيامة .
طلب العلم فرض عين :
فيا أيُّها الإخوة المؤمنون ، أردت من هذه الأسئلة التي طرحتُها عليكم أن تتيقَّنوا أن طلب العلم ليس فرضَ كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الكل ، لا والله ، طلب العلم فرض عينٍ ، أي على كل إنسان مهما تكن صنعته ، مهما يكن اختصاصه ، مهما تكن ثقافته ، مهما تكن مكانته ، مهما تكن وجاهته فرض عين ، إنك إن لم تعلم وقعت في شرِّ عملك ، فالإنسان بدافعٍ من حرصه على سلامته ، وهذا الحرص على سلامته فطرة ، بدافعٍ من حرصه على نجاحه ، على تفوًّقه ، عليه أن يعلم ، ومعنى عليه أن يعلم أي عليه أن يأخذ العلم عن الرجال ، وقد قال ابن عطاء الله السكندري : " من لم يأخذ هذا العلم عن الرجال فهو ينتقل من مُحَالٍ إلى مُحال " ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾
والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) ﴾
الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض بالحق :
أردت من هذه المقدِّمة هذا الموضوع خطير جداً ، ما دام الله سبحانه وتعالى ما خلق السماوات والأرض وما بينهما لاعباً ، وما خلقهما باطلاً ، إنما خلقهما بالحق ، ما هو الحق ؟ الحق خِلاف اللعب ، الحق خلاف الباطل ، اللعب هو الشيء العابث الذي لا هدف له ، والباطل هو الشيء الزائل والزاهق ، فالحق إذاً هو الشيء الثابت الهادف ، أي أنت خُلِقت لتبقى ، وما الموت إلا نقطة تحوُّلٍ في خطِّ سيرك ، ثيابٌ تخلعها هذا هو الموت ، أنت أنتَ ، كل نفسٍ ذائقة الموت ، أنتَ أنت ، لكن في الحياة لك بُنْيَة ، هذا الجسد محيطٌ بهذه النفس ، بعد الموت هذه النفس تحيط بهذا الجسد ، في الحياة سعيٌ لكسب الرزق ، والحياة فيها تناقض ، بينما الحياة في الدار الآخرة ليس فيها سعيٌ لكسب الرزق ، إذاً ليس فيها حسد ، ولا تنافس ، ولا حزن ، ولا أي مرض يحولُ بين الإنسان وبين بلوغ سعادته ، وفي الآخرة يوجد تزايد.
فيا أيها الإخوة المؤمنون ؛
حقيقة الإسلام :
الحقيقة الإنسان حينما يظن دينه ينتهي عند حضور مجلس علم من دون أن يدخل في صميم هذا الموضوع ، حضر ، يقول لك : تباركنا ، كلام ليس له معنى ، ما معنى تباركت هذه ؟ يقول لك : والله الحمد لله أنا أصلي الأوقات الخمس ، أي بني الإسلام على خمس ، الصلاة دِعامةٌ ، وليست هي الإسلام ، والصوم دعامة ، وليس هو الإسلام ، والحج دعامة ، وليس هو الإسلام ، والزكاة دعامة ، وليست هي الإسلام ، وإعلان الشهادة دعامة ، وليس هو الإسلام ، الإسلام شيءٌ آخر .
سيدنا جعفر بن أبي طالب سأله النجاشي - ملك الحبشة – حدثني عن الإسلام ، فأجابه بقوله :
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيئُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ ، فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ فَصَدَّقْنَاهُ ، وَآمَنَّا بِهِ ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَعَذَّبُونَا ، فَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنْ الْخَبَائِثِ . ))
هذه هي الجاهليَّة ، وربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
إشارةٌ دقيقةٌ جداً إلى أن هناك جاهليةً ثانية ، هذه دفعةٌ أولى ، ما معنى هذا ؟ المعنى أن هناك دفعة ثانية ، أما هذا الرصيد فيحتاج إلى بحث آخر ..
هذا هو الإسلام ، بناء أخلاقي ، الإسلام يسمو بالإنسان ، يجعله إنساناً صالحاً للتنعُّم في الجنَّة إلى ما شاء الله ، الدنيا دار إعداد ، دار تكليف ، دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، ودار نعيم مقيم ، لا قلق ، ولا حزن ، ولا شقاء ، ولا خوف ، ولا ارتفاع حر ، ولا انخفاض برودة ، ولا ضيق ، ولا قهر ، ولا فقر ، ولا مزعجات ، ولا مقلقات ، ولا مخاوف ، ولا أحزان ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ :
(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر ٍ . قالَ أبو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ :
جوهر السعادة في طاعة الله والعبوديَّة له ومعرفته :
يا أيها الإخوة الأكارم ، والله الذي لا إله إلا هو لو أن الإنسان سمع هذا الكلام الواضح كالشمس ، المأخوذ من كتاب الله ، المأخوذ من هذا الدستور ، لو أن الإنسان سمعه ولم يأخذه مأخذاً جدياً ، ولم يبلغ من نفسه مبلغاً يدفعها إلى تغيير سلوكها ، والله الذي لا إله إلا هو سوف تطول حسرته يوم القيامة لأنه عرف الحق ، وحاد عنه ، أي حضور هذا الدرس مسؤوليَّة كبيرة ، هناك دروس تحضرها فتستمتع لما فيها من طُرَف ، فيها طرائف لطيفة ، فيها حكايا ، فيها قصص ، فيها أشياء مسلّية ، هذا درسٌ ممتعٌ غير نافع ، وهناك درسٌ نافعٌ غير ممتع ، وهناك درسٌ تحضره فتبدأ متاعبك ، أيَّةُ متاعب ؟ لأن هذه الآيات تضعك أمام مسؤوليةٍ كبيرة ، تضعك أمام مصير ، تضعك أمام رسالة أنت مكلَّفٌ بحملها ، تضعك أمام هدفٍ أنت مكلَّفٌ أن تسعى إليه ، فلذلك قضية : والله سمعنا الدرس ومشينا ، والله الدرس كان لطيفاً ، ممتعاً ، اللغة جيدة ، والله هناك إقبال شديد ، ما شاء الله ، هذه كلُّها كلمات لا تقدِّم ولا تؤخِّر ، الذي يقدِّم ويؤخِّر أين أنت من هذا الدرس ؟ هل عرفت أن الله سبحانه وتعالى قد خلقك لهدفٍ كبير ؟ ما هو هذا الهدف ؟ هل عرفته ؟ هل سألت عنه ؟ إذا عرفت هذا الهدف كل حركاتك في الدنيا يجب أن تُستنبط من هذا الهدف ، فمن عرف أن الله سبحانه وتعالى خلقه ليسعده في الدنيا والآخرة ، وأن جوهر السعادة في طاعة الله ، والعبوديَّة له ، ومعرفته ، عندئذٍ لا يختار عملاً يكسب منه رزقه لا يرضي الله ، صار اختيار عملك له علاقة بدينك ، اختيار الزوجة له علاقة بالدين ، اختيار تمضية أوقات الفراغ له علاقة بالدين ، ليس من السهل أن تمضي وقتاً فراغاً فيما لم تُخْلَق من أجله ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان صغيراً كان يُدْعى إلى اللهو ، وكما ورد بالأثر : لم أُخْلَق لهذا .
أي هذا النمط المسلم ، طبعاً المسلم لا يرتكب كبيرة ، لا يسرق ، ولا يزني ، ولا يشرب خمراً ، ولكن حياته مثقلةٌ بالصغائر ، هذه الصغائر كالكبائر في المفعول ، في النهاية كالكبيرة تحجبكم عن الله سبحانه وتعالى ، فإذا أطلق الإنسان بصره ، إذا استمع إلى صوت قَيْنَةٍ ، إذا اختلط مع نساءٍ لا يحللن له ، إذا أكل درهماً من حرام ، إذا أنفق المال في غير محلِّه ، إذا تساهل في تربية أولاده ، إذا تساهل مع زوجته ، عصت الله سبحانه وتعالى فأقرَّها على هذه المعصية ، هذه كلها في ظنِّه صغائر وهي في الحقيقة كالكبائر ، ونحن في رمضان .
حقيقة طلب العلم :
يا أيها الإخوة المؤمنون ؛ لئلا يعتب أحدٌ على هذه المجالس يقول : حضرتها عشر سنوات ، وما أفادتني شيئاً ، إن لم تُطبِّق فلن تستفيد ، هذا الدرس وصفة ، إن لم تأخذ الدواء بالتمام والكمال وفق التعليمات التي وصفها الطبيب فلن تشعر بالراحة ، فلذلك أن تحضُر الدرس بُغْيَةَ الاطلاع شيء ، أن تحضره بغية تمضية وقت الفراغ شيءٌ آخر ، أن تحضر الدرس من أجل أن تعرف الله ، ومن أجل أن تكون هذه المعرفة أساساً في تعاملك مع الله ، وتعاملك مع الناس ، وفي زواجك ، وبيعك ، وشرائك ، وعملك هذا شيءٌ آخر .
فيا أيُّها الإخوة المؤمنون ؛ وكما ورد في كتاب تاريخ الإسلام :
الاستعداد للرحلة الأخيرة :
قال لي أخٌ كريم قبل أسابيع : صديقٌ له يمشي في الطريق وقع ميِّتا ، حالات الوفاة المفاجئة كثيرةٌ جداً ، كلكم تعلمون إلى أين ذهب هذا الإنسان ؟ ماذا أعدَّ لهذه الرحلة الطويلة ؟ والله رحلة إلى مدينة قريبة جداً تُخَطِّط لها ساعات طويلة ، تكتب الحوائج على قوائم ، قد أحتاج إلى كذا وكذا ، كلُّه يُسَجَّل ، ويُحضَّر ، ويُعد ، ويوضع في حقائب ، هذه الرحلة الطويلة يعطونك تأشيرة خروج بلا عودة ، فلا يوجد رجعة ، رحلة أبديَّة ، ماذا أعددت لها ؟
(( قال رجل : إنَّ رجلًا أتى النبيَّ فقال : يا رسولَ اللهِ علِّمْني من غرائبِ العلمِ ؟ قال : ما فعلتَ في رأسِ العلمِ فتطلبَ الغرائبَ ؟ قال : وما رأسُ العلمِ ؟ قال : هل عرفتَ الرَّبَّ ؟ قال : نعم ، قال : فما صنعتَ في حقِّه ؟ قال : ما شاءَ اللهُ ، قال : عرفتَ الموتَ ؟ قال : نعم ، قال : ما أعددتَ له ؟ قال : ما شاءَ اللهُ ، قال : انطلِقْ فأَحكِمْ ما هاهنا ثمَّ تعالَ أُعَلِّمْكَ غرائبَ العلمِ . ))
السؤال لكم : إذا كنت قد عرفت الله ما الموقف الذي وقفته من أجله ؟ ماذا أعطيت من أجله ؟ ماذا مَنَعْتَ من أجله ؟ من صاحبت من أجله ؟ من عاديت من أجله ؟ ما العادة التي تركتها من أجله ؟ ما العادة التي فعلتها من أجله ؟ هذا سؤال اسأله نفسك دائماً : ماذا صنعت من أجل الله ؟ إذا أردت أن تعرف ما لك عند الله فانظر ما لله عندك ، إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيمَ أقامك ؟ إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيمَ استعملك ؟ فهذه الآية :
﴿
أي لعباً ، بلا هدف ، هكذا ، يغتني الإنسان ، ويأكل مالاً حراماً ، ويستمتع بالدنيا كما يشاء ، ويموت ، وانتهى الأمر ، هكذا ؟ ويفتقر إنسان آخر ، ويذوق الأمرّين ، ويموت ، هكذا ؟ لا يوجد آخرة ؟ لا يوجد جزاء ؟ أين اسم الله الحق ؟ أليس الحقُّ اسماً من أسماء الله ؟ إذا كسب الإنسان المال الحرام ، واستمتع به طوال حياته ، ومات معزَّزاً مكرَّماً ، وإنسان آخر ذاق مرارة البؤس والحرمان ، ومات ، وانتهى الأمر ، أين اسم الحق ؟ أليس الله هو الحقُّ المبين؟
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء وفي الآخرة توزيع جزاء :
لذلك يا أيها الإخوة الأكارم ، وزَّع الله سبحانه وتعالى الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء ، جعل الغني غنياً وابتلاه بالغنى ، هل يكون شاكراً ؟ سخياً ؟ هل يعرف حقَّ الناس جميعاً ؟ ورد في بعض الآثار : ُحْشَر الأغنياء أربع فرقٍ يوم القيامة ؛ فريق جمع المال من حرامٍ ، وأنفقه في حرام فيقال : خذوه إلى النار - هذا حسابه سريع جداً ، كلمة واحدة - وفريقٌ جمع المال من حلال ، وأنفقه في حرام فيقال : خذوه إلى النار ، وفريقٌ جمع المال من حرام ، وأنفقه في حلال فيقال : خذوه إلى النار ، وفريقٌ جمع المال من حلال ، وأنفقه في حلال قال : هذا قفوه فاسألوه .
هذا حاسبوه ، هذا الذي يُحَاسَب ، أما الذي جمع المال من حرام وأنفقه في حرام ، أو جمعه من حلال وأنفقه في حرام ، أو جمعه من حرام وأنفقه في حلال ، هذا إلى جهنَّم وبئس المصير ، أما الذي جمعه من حلال وأنفقه في حلال فهذا يقال له : قفوه فاسألوه : هل قصَّر في صلاةٍ ؟ هل قصَّر في تأدية الحقوق ؟ هل قال من حوله : يا رب لقد أغنيته بين أظهرنا فقصَّر في حقِّنا ؟ هل ماله جعله يتكبَّر على خلق الله ؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام لبلاغته الرائعة قال ليعبِّر عن شدَّة السؤال قال : وما زال يُسأل ويُسْأل ، أي انتظر ، انتظر ، انتظر ، هناك قائمة أسئلة طويلة جداً ، فتركه ومشى ، فما زال يسأل ويسأل ، فالموضوع خطيرٌ جداً ، أي أنت مخلوق لهدفٍ كبير ، هل عرفت هذا الهدف ؟ لك ربٌ عظيم هل عرفت هذا الرب ؟ له منهج ، هل عرفت هذا المنهج أولاً ؟ هل طبَّقته ثانياً ؟ أم ماذا كنت تصنع ؟ أحياناً أحد الإخوة الحاضرين يرفع معنويات الداعية إلى أعلى درجة إن كان ملتزماً ، مطبِّقاً ، عند الأمر والنهي ، وشخص آخر يحضر الدروس ، ولا يطبِّق ما جاء فيها ، هذا الإنسان يخفض معنويات الداعية إلى أدنى درجة ، فإذا كلَّما عَرَضَ لك شيءٌ من الحق اسأل نفسك هذا السؤال : أين أنا من هذا ؟ هل أنا مطبِّق ؟
الإنسان مخلوق للعبادة :
إذاً الله سبحانه وتعالى ما خلق السماء والأرض وما بينهما لاعباً ، لاعبين ، بمعنى أن اللعب العمل العابث الذي لا هدف منه ، جلَّ وعلا ، تنزَّهت أسماؤه ، وتنزَّهت ذاته عن أن يخلق الكون عبثاً ، لاعباً من دون هدفٍ عظيم ، ما هو هذا الهدف ؟
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
ما هي العبادة ؟ طاعةٌ طوعيَّة ، لو أن هذه الطاعة قسرية لما كانت عبادة ، طاعةٌ طوعيَّة ، تسبقها معرفةٌ يقينية ، تفضي إلى سعادةٍ أبديَّة ، إذاً أنت أيها المخلوق خُلِقْتَ من أجل أن تسعد إلى الأبد . .
﴿
إنّ الإنسان خُلِقَ ليسعد بالله سبحانه وتعالى إلى الأبد ، خلقتُ لك السماوات والأرض من أجلك فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقّي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك .
من ظنّ أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لَعِبَاً ولهواً فهو ضال مضل :
﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا
اسمعوا كلام ربنا عزَّ وجل :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾
واسمعوا كلام ربنا عزَّ وجل :
﴿
حصراً . .
﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59) ﴾
الآيات التي تؤكِّد أن كل مصيبةٍ دَقَّت أو جَلَّت إنما هي بسبب ذنبٍ أو حكمةٍ أو ظلمٍ اقترفه الإنسان ، ورد في الأثر :
إذاً :
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) ﴾
هكذا من دون شيء ، ظلمت ولا شيء ، مظلوم من دون شيء ، من دون أن يأخذ حقَّه ، لا يصح ، أحد أسباب الإيمان باليوم الآخر أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحق ، وأن الحقَّ هو الذي يجب أن يُقام إلى الأبد يوم القيامة ، أحياناً إنسان يظلم زوجته ، يأكل مالها ويطلقها ، وانتهى الأمر ؟ لا يوجد إله يحاسبه ؟ أو شريك يتعلَّم من شريكه المصلحة وبعدها يضعه خارج المحل ، يقول له : المحل لي ، والإيجار باسمي ، أخي هذه نقودك ، وضع له خمسين ألفاً عام 1970 ، ويقول له : هذه خمسون ألفاً ، ما هذه الخمسون ألفاً هذه الآن قيمتها خمسمئة ألف ؟ يعطيه خمسين ألفاً ويقول له : مع السلامة ، أين الله ؟ هذا الذي يظن أن الإنسان بذكائه يحصِّل المال ، وأن القوي هو بقوَّته يأكل أموال الناس ، هذا هو الضلال بعينه، وربنا عزَّ وجل ما خلق السماوات والأرض وما بينهما لاعباً .
الباطل إلى زوال واضمحلال :
أحياناً يفاجئ الناس بأمطار مذهلة ، يقول لك : هذا العام توجد محاصيل لا يعلمها إلا الله ، محاصيل قمح ، ومحاصيل قطن ، ومحاصيل فواكه ، وأشجار مثمرة لا يعلمها إلا الله ، معدَّل الأمطار في دمشق مئتان ، أو مئة وخمسون ، السنة مئتان وخمسون أو ثلاثمئة ، الله عزَّ وجل إذا أعطى أدهش ، هذا الباطل أنه لا يوجد إله ، القضيَّة هكذا ، الحياة هي كل شيء ، الموت نهاية كل شيء ، الحق للأقوى ، الأقوى يأكل الأضعف ، هناك نقص في المواد ، هذه أفكار الشياطين ، أفكار الكفَّار ، الشيطان أساساً :
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) ﴾
﴿
هذه لوازم الشيطان ، يخوِّف ، ويأمر بالفحشاء ، ويَعِد بالفقر ، فكلَّما جاءتك خواطر : إياك أن تنفق مالك ، المال ثمين جداً ، الأمور صعبة تضيق في المستقبل ، هذا من الشيطان ، إذا جاءك خاطر يمنعك من أن تنفق المال في سبيل الله بدعوى أن المال أصبح شيئاً ثميناً جداً ، وأصبح تحصيله صعباً ، وأصبحت الحاجات باهظة التكاليف ، وأنت أولى بهذا المال ، قُل : هذا هو الشيطان بعينه .
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ
عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( ثلاثٌ أُقسِمُ عليهنَّ وأُحدِّثُكم حديثًا فاحفظوه قال ما نقص مالُ عبدٍ من صدقةٍ ، ولا ظُلِم عبدٌ مظلمةً صبر عليها إلَّا زاده اللهُ عزًّا فاعفوا يُعزَّكم اللهُ ولا فتح عبدٌ بابَ مسألةٍ إلَّا فتح اللهُ عليه بابَ فقرٍ . ))
عن عبد الله المحدث :
(( حصِّنوا أموالَكُم بالزَّكاةِ ، وداووا مرضاكُم بالصَّدقةِ ، وأعدُّوا للبلاءِ الدُّعاءَ . ))
﴿
فهذه الأفكار أن الله خلق الناس ليعذِّبهم ، أو أن الله خلق الناس ليزعجهم ، أو أن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا هي كل شيء ، وأنه لا شيء بعد الموت ، هذا الباطل أفكار الشيطان .
أيّ دعوة باطلة يدمغها الحق :
أي كل دعوة في التاريخ الإسلامي أرادت أن تطفئ نور الله ألم يدمغها الله سبحانه وتعالى ؟ اقرأ التاريخ ، لا توجد دعوة أرادت إطفاء نور الله إلا دُمِغَت لقوله تعالى :
بعض الصحفيين في دولة أجنبيَّة متقدِّمة جداً يرى أن نهاية التحضُّر قطع يدي السارق ، لأن ستة عشر مليون سرقة تمَّت في سنة واحدة ، وفي مجتمعات يُطبَّق فيها حكم الله السرقات تُعدُّ على أصابع اليد ، لذلك قال أحد الشعراء سائلاً الإمام الشافعي :
يدٌ بعشر مئينٍ عسجدٍ وُديت ما بالها قُطِعَت في ربع دينارِ ؟
* * *
مفارقة عجيبة . يدٌ بعشر مئينٍ أي ألف دينار ذهبي ديتها لو قُطعت بحادث .
يدٌ بعـشـر مئينٍ عسجدٍ وديت ما بالها قُطِعَت في ربع دينارِ ؟
* * *
فقال الإمام الشافعي :
عزُّ الأمانة أغلاها وأرخصها ذلُّ الخيانة فافهم حكمة الباري
* * *
لمَّا كانت أمينة كانت ثمينة فلــمَّا خانت هــانـت ، إذاً :
أُبيح الطلاق في إيطاليا فقدِّم في يومٍ واحد مليون طلب ، دائماً الحق هو الذي يستقر ، في بعض البلاد مُنِعَ الزوج من تطليق زوجته ، فإذا طلَّقها فلها نصف ماله قطعاً ، فوراً ، ويحكم عليه بالسجن ستَّة أشهر ، ماذا كان من نتيجة ذلك ؟ أن سوق الزواج قد بار ، فصار الوالد يرجو خطيب ابنته أن يقبل بابنته ، ويعطيه سنداً بالأمانة فيما لو طلَّقها فاستحقَّت نصف ماله ، فالمبلغ جاهز سلفاً ، أي محاولة لتغيير شرع الله عزَّ وجل هناك نتائج خطيرة جداً ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : عن أبي هريرة رضي الله عنه :
(( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ . ))
إذا كنتم تريدون شروطاً صعبة ، تريدون بيتاً موقعه ممتاز ، ومركبة جيِّدة ، ودخلاً كبيرًا ،
وربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا
المخلوقات كلها لله ملكاً وتصرفاً ومصيراً :
الآيات التالية :
كل الآلهة سوى الله مخلوقة :
أربٌّ يبول الثعلبان برأسـه ؟! لقد ضلَّ من بالت عليه الثعالب
* * *
أهذا إله هذا ؟! فهذه الآلهة من الأرض ، صنم أي حجر . .
﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) ﴾
أنتم والحجارة ..
من صفات الإله أنه كامل القُدْرَة :
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين