وضع داكن
04-12-2024
Logo
الدرس : 071 - حجم الإنسان عند الله بحجم عطائه لا بحجم أخذه .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :

 أيها الأخوة الكرام؛ البشر الآن يزيدون عن سبعة مليارات ومئتي مليون، هؤلاء البشر جميعاً قال الله عنهم:

﴿وَاللَّيلِ إِذا يَغشى* وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى* وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثى*إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى﴾

[سورة الليل: ١-٤]

 سبعة مليارات و مئتا مليون إنسان كل إنسان يتحرك نحو هدف، هذا لجمع المال، هذا لاقتناص فرصة يرتقي بها إلى منصب رفيع، هذا للاستمتاع بالملذات، هذا لطلب العلم،

﴿إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى﴾

  والحقيقة الأطباء يقولون أحياناً: ليس هناك مرض هناك مريض، أي كل إنسان له حالة خاصة، كذلك في موضوع الإيمان كل إنسان على وجه الأرض له موقف، نحن الدولة مثلاً عندها عشر مراتب وكل مرتبة ثلاث درجات، يتعين في المرتبة العاشرة الدرجة الثالثة يرتقي عاشرة ثانية عاشرة أولى بعد ذلك تاسعة ثالثة تاسعة ثانية تاسعة أولى، مليونا موظف يجب أن ينزلوا جميعاً في ثلاثين درجة، عشر مراتب كل مرتبة ثلاث درجات، لكن الله عز وجل كل إنسان له مرتبة، قال تعالى:

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلوا ﴾

[سورة الأنعام: ١٣٢]

 فأنت حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.

 

البشر عند الله نموذجان فقط :

الأول أعطى و اتقى و صدق بالحسنى :

 لذلك يوم القيامة هؤلاء البشر على اختلاف مللهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم وقومياتهم هؤلاء جميعاً يندمجون في حقلين فقط، والحقلان موضحان في آيتين:

﴿فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى﴾

[سورة الليل: ٥-٧]

 الترتيب المعكوس: صدق بالحسنى - والحسنى هي الجنة - صدق أنه مخلوق للجنة، وأن الله جاء به إلى الدنيا ليعمل عملاً صالحاً يعد ثمن الجنة، فأما من أعطى أي بنى حياته على العطاء، أي الصفة الوحيدة الواضحة الصارخة في المؤمن العطاء، والصفة الوحيدة الجامعة المانعة الصارخة في غير المؤمن الأخذ، فما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ؟
 الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، يهمك الأخذ اتبع الأقوياء، يهمك العطاء اتبع الأنبياء، لذلك

﴿إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى﴾

 الآن:

﴿فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالحُسنى ﴾

 صدق أنه مخلوق للجنة وبناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وعلة وجوده بالدنيا العمل الصالح، بنى حياته على العطاء، ثلاث كلمات فقط تنتظم حياة المؤمن،

﴿فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالحُسنى﴾

 صدق أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء،

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى﴾

 أموره ميسرة، زواجه ناجح، أولاده نجباء، له مكانة اجتماعية عالية، طبق منهج الله في صحته، عاش صحة جيدة، عاش عمرا ًمديداً في العطاء، الحديث عن إيجابيات المؤمن حديث لا ينتهي أي حياته عطاء، حياته توازن، حياته ثقة، حياته تفاؤل، حياته مراقبة لله، حياته فيها نجاحات كثيرة.
 لذلك الآن في علم الاجتماع ألغي النجاح الجزئي، إنسان نجح بكسب المال، إنسان نجح باعتلاء منصب رفيع وحافظ عليه، قضى حياته بمنصب رفيع، إنسان كان عنده أذواق عالية في الدينا استمتع بالحياة إلى أعلى درجة، هؤلاء الناس؛ هذا استمتع بمنصب، هذا استمتع بمال، هذا جعل همه النساء، إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى﴾

 

، لكن هؤلاء البشر على اختلاف مللهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم هما صنفان فقط، صدق بالحسنى فبنى حياته على العطاء، الرد الإلهي، فسنيسره لليسرى.
 الثاني:

﴿وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى * وَكَذَّبَ بِالحُسنى﴾

[سورة الليل: ٨-٩]

 كذب بالجنة وآمن بالدنيا.
 بالمناسبة أخواننا الكرام؛ التكذيب اللفظي غير موجود بالعالم الإسلامي، عالم إسلامي فيه مليار و سبعمئة مليون مسلم، لا يجرؤ مسلم واحد أن يقول بلسانه: لا يوجد آخرة، هذا التكذيب القولي غير موجود، أما التكذيب العملي فأبلغ، لا يعمل للآخرة، أعرف شخصاً في لبنان عمره ثمانون سنة، أسس ملهى ليلياً وهو بهذا العمر.
 فلذلك الإنسان المؤمن هدفه واضح، والوسائل لهدفه أوضح من الهدف، ترى حركته إيجابية، عنده رسالة، عنده هدف، الدنيا ممر وليست مقراً، همه الآخرة، همه الجنة ،

﴿فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالحُسنى ﴾

الثاني بخل و استغنى و كذب بالحسنى :

 الصنف الثاني :

﴿وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى * وَكَذَّبَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرى﴾

[سورة الليل: ٨-١٠]

﴿إِنَّ الَّذينَ كَفَروا يُنفِقونَ أَموالَهُم لِيَصُدّوا عَن سَبيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقونَها ثُمَّ تَكونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبونَ ﴾

[سورة الأنفال: ٣٦]

 الحالة النفسية المؤلمة عند الموت حينما يكتشف الإنسان أنه فرط في الحياة الدنيا، قال تعالى:

﴿يَقولُ يا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَياتي * فَيَومَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ * وَلا يوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ﴾

[سورة الفجر: ٢٤-٢٦]

 أصعب حالة نفسية الندم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر عليّ مما ألقى وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ))

[الحاكم في مستدركه]

 فأنت تعيش عمراً محدوداً، كلنا بأعمار متقاربة، سوف آخذ عمراً نموذجياً – أربعون عاماً مثلاً-، هذا الإنسان إن سأل نفسه سؤالاً محرجاً: هل بقي لي بقدر ما مضى؟ بقي أقل مما مضى، لأن النبي الكريم يقول:

((أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ))

[أبو يعلى وابن حبان في صحيحه]

 حالات قليلة ثمانون ما شاء الله! أربعة وثمانون معقول، أما الأعمار فمن الستين إلى السبعين، فإذا جاوز الإنسان الخمسين إذاً اقترب من الموت، هذه الحقيقة المرة، تجلس في البيت، تدخل و تخرج، هنالك مرة سوف تخرج أفقياً، هذا خروج من غير رجعة، الإنسان المقيم ببلد نفطي ودخله فلكي إذا كتب على جوازه: مغادرة بلا عودة ينخلع قلبه، مغادرة بلا عودة ونحن جميعاً سوف نغادر بلا عودة.

 

بطولة الإنسان أن يعد للساعة عدتها :

 مرة كنت بعمان دعيت إلى إلقاء كلمة في البقعة، البقعة من أفقر أحياء عمان، ألهمني الله كلاماً معيناً قلت: إن النبي استقبل رجلاً فهش له وبش، وقال: أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، هذا الرجل من عامة الصحابة كأنه صعق، قال له: مثلي؟ قال: نعم يا أخي أنت خامل في الأرض علم في السماء، أتيت إلى أحد أحياء عمان الغنية جداً بنفس اليوم كان عندي محاضرتان، الحي الغني قلت لهم القصة الواقعة التالية: يوجد بيت بالشام سعره خمسة ملايين أو عشرة، أعرف شخصاً هو والد صديقي بيته بمئة و ثمانين مليوناً، مات في أيام الشتاء المطيرة، فتحوا القبر وجدوا مياهاً سوداء تمشي في القبر، أي مياه المجاري دخلت إلى القبر، فسألوا ابنه وهو صديقي: ماذا نفعل؟ قال: ادفنوه؟ شخص من بيت بمئة و ثمانين مليوناً، من أثاث بعشرات الملايين، من رفاه منقطع النظير إلى قبر فيه مياه سوداء، أين ذكاؤك وبطولتك وعقلك وفهمك؟ أن تضمن النهاية.
 نهاية المؤمن رائعة جداً، حينما يأتيه ملك الموت يريه الله مقامه في الجنة فيقول: لم أر شراً قط، جميع المصائب ينساها، الثاني درجته في النار فيقول: لم أر خيراً قط، يقولون: الذكاء والبطولة والعقل والنجاح أن تعد لهذا اليوم الذي لابد منه.
 مرة شخص مات، هو قريب مني، أعرف مستوى معيشته، دخله الفلكي، وضعوه بالقبر كشفوا عن وجهه أداروا وجهه نحو القبلة، وضعوا البلاط، وضعوا التراب، في ذلك الوقت كان البلاط فيه فتحة أقل من عشرة سنتمترات، فلما أهالوا التراب على البلاطة أعتقد من عشرين إلى ثلاثين كيلو من التراب نزلوا عليه، وانتهى الأمر.
 أين البيت؟ أين الزوجة والأولاد والبنات والصبايا والكنائن والأصهار؟ أين السفر و الإقامة بفندق خمس نجوم؟ ذهبت، أنا أقول: البطولة أن تعد لهذا اليوم، الإعداد بالاستقامة والعمل الصالح، وأن ينتقل من جنة إلى جنة، قال تعالى:

﴿وَلِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾

[سورة الرحمن: ٤٦]

 جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة.

 

قضية الموت قضية خطيرة جداً و العاقل من يستعد لها :

 أيها الأخوة؛ الموت خطير، الصنف الاول،

﴿فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى﴾

 لذلك أكبر عطاء إلهي التيسير، حياته ميسرة، زواجه ميسر، تربية أولاده ميسرة، بناته أزواجهم جيدون جداً.
 والإنسان الآخر:

﴿وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى * وَكَذَّبَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرى﴾

 أهدافه كلها غير محققة، حالة إحباط شديدة، تعسير بدل التيسير:

﴿وَما يُغني عَنهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى﴾

[سورة الليل: ١١]

 عندما وضع في القبر معه مليارات لا تغني عنه شيئاً، سيحاسب على كسبها ولن ينتفع بها، أما المال الذي تنتفع منه فقط ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، مئة مليون الذي أنفقته على حياتك يقدر بمليونين، بين طعام ولباس ونزهات إلخ، هذا المبلغ الذي أنفقته أكلت فأفنيت، لبست فأبليت، تصدقت فأبقيت، هذا الذي لك، والذي لك ثلث مالك، والباقي ليس لك، تحاسب عليه كيف اكتسبته والأولاد يستمتعون به؟ والله أعرف شخصاً - القصة من أربعين سنة - قريباً لي، ترك لأولاده في ذلك الوقت مبلغاً فلكياً، بالملايين، بعد أربعة أيام صديق المتوفى رأى ابنه قال له: إلى أين أنت ذاهب يا بني؟ قال له: أنا ذاهب لأسكر على روح أبي، ترك أموالاً بالملايين يريد أن يسكر على روح أبيه.
 فلذلك البطولة أن تنفق في حياتك، أنا بحكم عملي بالدعوة عندي أكثر من ثلاثين وصية بالبيت، لم تنفذ ولا واحدة، والله شخص ترك لأولاده أربع بنايات في كل بناية أربعة طوابق كل طابق أربع شقق، أي أربع شقق ضرب أربعة طوابق تساوي ست عشرة شقة ضرب أربع بنايات، وكل بيت كذا مليون، وصى عن طريقي بخمسة و عشرين ألفاً كصدقة بعد وفاته، والله لم يدفعوا شيئاً: قالوا: نحن أولى بها، ما سخت نفوسهم بإنفاق خمسة و عشرين ألفاً عن روحه بعد وفاته، لا تعتمد على أحد، أنفق في حياتك، درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد وفاتك، ينفق وإذا لم ينفق؟ لن ينفق، يحتالون على الشرع نحن أولى، يكون لهم ملايين لا يسخون.
 فلذلك أخواننا الكرام؛ اجتهاد شخصي، كل بطولتك، وكل ذكائك، وكل عقلك، وكل توفيقك أن تعد لهذه الساعة التي لابد منها، والذي تجاوز الأربعين الذي بقي من الحياة أقل مما مضى، فإذا مضى الذي مضى كلمح البصر الذي بقي أيضاً يمضي كلمح البصر.
 أنا عندما أرى جنازة هذا إلى أين ذاهب؟ أين كان و أين صار؟ كان ببيت فيه غرفة ضيوف، وصالون، وغرفة جلوس، عنده صحن يبث مئتي قناة، و هناك قنوات إباحية بالليل بعد الساعة الثانية عشرة يتابعها عندما ينام أولاده، فالبطولة أن تعد لهذا القبر هذا العقل والذكاء والفهم والنجاح والفلاح.
 أخواننا الكرام؛ قضية الموت قضية خطيرة جداً، إذا لم تدخل الموت ببرنامجك اليومي. مرة طالب من الطلاب نال درجة عالية جداً في الثانوية واستحق أن يدخل كلية الطب، مرة سألته: ما سرّ نجاحك وتفوقك؟ قال لي كلمة خطيرة قال: لحظة الامتحان لم تغادر ذهني ولا ثانية.
 والمؤمن لحظة الموت ومغادرة الدنيا لا تغادر ذهنه ولا ثانية، يستعد بضبط شهواته، بضبط عينه، ضبط لسانه:

(( إِنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يَهْوِي بها سبعين خريفاً في النار ))

[أخرجه الترمذي]

 والله مرة مقالة قال أحدهم: أنت أخلاقي؟ قال: نعم، قال: لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، لذلك يقولون بالعالم الغربي: القوة هي الشيء الصحيح، الحق هو القوة. الحق ماجاء به وحي السماء لكنه يحتاج إلى قوة، الحق يحتاج إلى قوة تدعمه، لكن إذا أنت قمت باحتلال بلد وقتلت أهله ونهبت ثرواته لأن عندك قنابل نووية وذرية، وعندك جيوش في الشرق الأوسط، لا تظن أنك على حق، أنت على باطل، أنت محتل ظالم غاصب، قوتك لا تلغي خطأك، أما بالعالم الغربي القوة هي الصح، أي القوة تصنع الحق؟ لا.. الحق وحي السماء ويحتاج إلى قوة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور