- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الشهوات و الشبهات أخطر شيء في حياة الإنسان :
أيها الأخوة الكرام : أخطر شيء في حياة الإنسان الشهوات والشبهات، فالشبهات اعتقادية ، والشهوات سلوكية , الإنسان له عقل يدرك ، وقلب يحب ، فالمنطلقات النظرية هذه اعتقاد كلها ، تصور ، والحركة سلوك ، فلذلك :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ ﴾
الآن الآية سوف تلخص فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
التصور , العقيدة , الأيديولوجيا , المنطلقات النظرية , التوحيد , والسلوك العبادي هذه فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء .
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
صارت العقيدة هي التوحيد ، والسلوك هو العبادة ، الآن أخطر شيء بحياة الإنسان الشبهات والشهوات ، أي إذا قرأ إنسان الحديث الشريف التالي وما سمع تأويله وتفسيره من عالم جليل .
(( شفاعتي لأهل الكبائر مِنّ أمَّتي ))
يظن أنه كلما ارتكب كبيرة أكثر يكون أذكى ، هذه فهم خطير ، فهم خطير جداً ، فأخطر شيء بحياتنا الشبهات أي الاعتقاد ، والشهوات أي السلوك ، السلوك فيه شبهات ، والاعتقاد فيه شبهات ، لذلك الآية الكريمة تقول :
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾
يوجد ببعض القراءات إلا الله ، الذي بعدها هذا الاسم الجليل استئناف .
﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
إذاً عندنا شهوات سلوكية ، وشبهات إعتقادية ، فالبطل الذي ينجو من اعتقاد خاطئ ، تصور خاطئ ، أيديولوجيا خاطئة ، منطلقات نظرية خاطئة .
الخطأ بالسلوك :
المشكلة الثانية الخطأ بالسلوك ، الآن :
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ﴾
ما هو التأويل ؟ التأويل وقوع الوعد والوعيد ، أي الحياة الطيبة التي يحياها المؤمن هي تأويل قوله تعالى :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
والمعيشة الضنك التي يحياها الكافر هي تأويل قوله تعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
فلما قال الله عز وجل :
﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾
تأويل الآيات بالضبط وقوع الوعد والوعيد ، إنسان مراب دخله كله ربوي حينما يمحق الله ماله يمحق الله الربا ، محق ماله تأويل قوله تعالى :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي ﴾
والحياة الطيبة التي يحياها المؤمن هي تـأويل قوله تعالى :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
فالبطولة أين ؟ البطولة أن تصدق الله قبل أن يقع الوعد والوعيد ، مثلاً : إنسان يدخن طبعاً لا سمح الله ولا قدر حينما يصاب بورم خبيث في رئتيه يدع التدخين ، لكن متى ترك الدخان ؟ بعد وقوع الوعيد ، فالبطولة أن تدع الدخان عقب قراءة بحث علمي عن مضار التدخين .
في الشام جمعية أنا أحد مؤسسيها ، جمعية مكافحة التدخين ، ثبت علمياً بمليون دليل أن الدخان فيه ثلاثة آلاف مادة سامة ، لذلك قال بعضهم : ما رأيت مدخناً عاقلاً .
مرة كنت ببلد لا أذكر أين هذا البلد ، هناك إعلان دقيق مرسوم فيه إنسان يقتل إنساناً برصاصة - الرصاصة موت سريع – و إنسان آخر يدخن - الدخان موت بطيء - كلاهما قتل لكن هناك قتل سريع فوراً بالرصاص ، وقتل بطيء بالدخان .
فلذلك أنت حينما تدع الدخان عقب قراءة بحث علمي وأقنعك البحث ، فهذا الموقف موقف راق ، أنت عقب القناعة تحركت حركة تناسب هذه القناعة ، أما حينما يأتي الورم الخبيث طبعاً لابد من أن تترك الدخان ولكن بعد فوات الأوان ، لذلك :
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾
الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء :
أخواننا الكرام ؛ هاتان الآيتان :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
هذه الآية فوق المكان والزمان ، وفوق الظروف ، وفوق الحروب ، وفوق النكبات ، جميع أنواع المصائب ، فأنت إذا عملت عملاً صالحاً وكنت مؤمناً لك عند الله حياة طيبة ، قد تكون هذه الحياة الطيبة نفسية ، وقد تكون عقلية ، وقد تكون جسمية ، لكن يوجد حياة طيبة ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، لكن المشكلة أن الله يكافئ بعض المحسنين في الدنيا تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين في الدنيا ردعاً للباقين ، يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، أما الحساب الختامي ، القطعي ، النهائي :
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
لذلك هناك آية تحير قال :
﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾
أي ما منكم واحد إلا وسيرد النار حتى المؤمنين ، العلماء قالوا : ورود النار غير دخولها ، هناك فرق كبير .
مثلاً : حاكم أنشأ سجناً حضارياً ، غرف تدخلها الشمس ، وجبات طعام معقولة ، لكن هذا الإنسان أخذنا منه حريته ، هذا السجن ، فهذا السجن الحضاري رمز التقدم ، فإذا جاءنا وزير داخلية بريطانيا مثلاً زائراً نأخذه إلى هذا السجن الحضاري حتى نريه التقدم الذي عندنا لكن هذا الوزير ليس سجيناً ، هذا زائر .
هذا الورود للنار ، لكن الله عز وجل أسماؤه الحسنى كلها في الدنيا محققة إلا اسم العدل هذا محقق جزئياً لا كلياً ، وقد تجد إنساناً يكون طاغية مدة خمس و أربعين سنة مثل فرانكو وتخرج له أحلى جنازة ، إذاً قد يكون العقاب في الآخرة ، وقد يكون في الدنيا ، نحن لسنا في دار جزاء هذا أهم شيء بل في دار ابتلاء .
تأخر النصر يوقع بعض ضعاف الإيمان بالكفر :
لذلك الشيء الذي لا يصدق النبي الكريم سيد الخلق وحبيب الحق قد لا يتاح له أن يرى مصير الظالمين ، لأن دورة الحق والباطل أطول من دورة الإنسان ، مثلاً يأتي رمضان في شهر آب كل ستّ و ثلاثين سنة مرة ، إذا إنسان عاش عشرين سنة لا يرى رمضان مرة ثانية في شهر آب ، هل هذا الكلام صحيح ؟ دورة عمر الإنسان أقصر من دورة السنن والقوانين .
﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾
أي الناس ينتظرون أن يقع بالظالم ، بالطاغي ، بالقاتل ، عقاب إلهي ، ينتظر سنتين ، ثلاث ، أربع ، لا يوجد شيء ، فهذا يضعف الإيمان عند الناس ، لذلك :
﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
هناك أحداث تجري في المنطقة نقلت أعداداً كبيرة من الإيمان إلى الكفر ، يقول لك : أين الله ؟ يشتد البلاء ويشتد ويشتد ويشتد ، ويستمر ويستمر ويستمر إلا أن يقول ضعاف الإيمان : أين الله ؟ ثم يأتي نصر الله عز وجل فجأةً حتى يقول الكفار : لا إله إلا الله ، هذا من السنن الثابتة، يتأخر النصر ، يتأخر يتأخر يتأخر حتى يقول الناس : متى نصر الله ؟ الآية تقول :
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ﴾
أدق تأويل لهذه الآية ، هم لم ييئسوا لكن اقتربوا من اليأس .
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾
لذلك إنسان عاش مع النبي الكريم في معركة الخندق يقول : أيعدنا صاحبكم - ما قال النبي الكريم - أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ الله قال :
﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
وقد تمر بعض البلاد في الشرق الأوسط الآن بزلازل . هناك من يقول : أين الله ؟ أما من آمن إيماناً عميقاً ، وإيماناً راسخاً ، وإيماناً مبنياً على عقيدة ، فهذا يثق بوعود الله ، لذلك الله ما قال : فقل : لا إله إلا الله ، قال :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
لأن العقيدة أخواننا الكرام لا تقبل تقليداً ولو أنه صحيح . الله قال :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
لذلك :
﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
فتأخر النصر قد يوقع بعض ضعاف الإيمان بالكفر ، وحينما يأتي النصر بعد تأخر طويل ، يقول الكفار : لا إله إلا الله .
الفساد في العقيدة :
أخواننا الكرام ؛ الآن الآية :
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾
الحقيقة إنسان شارب خمر ، ساقه بعضهم إلى سيدنا عمر ، وقالوا : هذا شارب خمر ، فقال : والله يا أمير الؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك ، فقال رضي الله عنه : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ومرة لأنه افترى على الله ، قال : ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
الإنسان عندما يقول : إن الله قدر عليّ ذلك ، هذا أكبر فساد في العقيدة ، مثلاً إنسان لم ينجح ، يقول لك : لم يكتب لي الله أن أنجح ، لا ، أنت لم تدرس ، هذه الكلمة خطيرة وفيها تجرؤ على الله كبير ، ما أخذت بالأسباب ، ما درست ، لذلك ما نجحت ، يقول لك : الله ما كتب لي أن أنجح ، إن الله قدر عليّ ذلك ، قالها إنسان في عهد سيدنا عمر ، فقال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
عقيدة الجبر أخطر عقيدة يعتقدها المسلم :
إذاً أنتم تزعمون أن أخطاءكم وانحرافكم من قدر الله ، أنتم واهمون ، ولو شئنا أن نلغي اختياركم ، وإن شئنا أن نلغي تكليفكم ، وإن شئنا أن نلغي الوعد والوعيد ، لو شئنا ذلك ، لو شئنا أن نجبركم على شيء ما أجبرناكم إلا على الهدى .
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾
ولكن أنتم مخيرون في الدنيا ، والتخيير هو ثمن الجنة ، أنت الآن مخير تأتي إلى هذا المسجد وقد لا تأتي .
مرة إنسانة فنانة تابت إلى الله توبةً نصوحة ، كنت أنا مرة في لوس أنجلوس وهي كانت موجودة ، فألقت كلمة قالت : أنا كنت آتي إلى البيت بعد الفجر أعمل ممثلة ، وقديرة جداً ، بعد توبتي إلى الله صرت أستيقظ عند الفجر ، بين أن تأتي إلى البيت بعد الفجر من مسرحها ومن سهرتها ، الآن هي تستيقظ قبل الفجر ، فالإيمان يصعد ميول الإنسان .
لو شئنا أن نجبركم ، لو شئنا أن نلغي اختياركم ، لو شئنا أن نلغي تكليفكم بطاعة الله لما أجبرناكم إلا على الهدى ، ولكن هذه الأعمال التي تعملونها ليست من قضاء الله وقدره من اختياركم وسوف تحاسبون عليها .
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
الآن ولا أبالغ أخطر عقيدة يعتقدها المسلم عقيدة الجبر ، أن الله أجبرك على عملك ، قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
أنت تركب وراء مقود السيارة ، قد يقول لك من يجلس في الخلف : خذ اليمين لأن المقود معك ، لكن هل يعقل أن يقول راكب في المقعد الخلفي لمن يجلس إلى جانبه خد اليمين ؟ ليس لها معنى ، ما معه مقود ، الله عز وجل قال :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ﴾
على من تعود هو ؟ إن أعدناها على الله معناها فسد ، صار هناك جهة ، الله ساقه إلى النار :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
هو مع قوله تعالى :
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
لا تعني إلا أن المقود مع الإنسان ، أنت مخير ، أي إذا ألغي الاختيار ألغيت الجنة والنار ، ألغي الثواب والعقاب ، ألغي الوعد والوعيد ، الدين كله يلغى إذا توهمت أنك مجبر على عملك ، فلذلك الاختيار أصل في الدين ، والدليل :
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
حرية الاختيار من فضل الله عز وجل على الإنسان :
لكن الآن الآية التي فيها شبهة :
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾
أي لولا أن الله شاء لكم أن تشاؤوا لما شئتم ، منحك حرية الاختيار وهذا فضل من الله كبير ، أنت بهذه الحرية اخترت طاعة الله فاستحققت الجنة .
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾
أي ما كان لكم أن تشاؤوا لولا أن الله شاء لكم أن تشاؤوا ، أي هو سمح لك أن تختار ، جاء بك إلى الدنيا مخيراً ولست مسيراً ، إذاً هذه نعم الله الكبرى .
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾
أي من يشاء الرحمة يدخله فيها .
أخواننا الكرام ؛ قال الإمام الحسن : " لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعصَ مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً " فما لم تؤمن بحرية الاختيار ألغيت دينك ، ألغيت الثواب والعقاب ، ألغيت الجنة والنار ، ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له : إياك إياك أن تبتل بالماء .
إذا الله قدر عليك لا سمح الله الكفر كيف يعذبك يوم القيامة ؟ صار هناك حجة مع الإنسان ، يارب أنت قدرت عليّ ذلك أنا ما ذنبي ؟ فأنت مخير بمئات الآيات ، أنت مخير قولاً واحداً ، أنت مخير يقيناً ، وأما الأخطاء التي يرتكبها الإنسان فهي من اختياره ، وسوف يحاسب عليها ، ولو شئنا أن نجبركم على شيء ما ، ولو شئنا أن نلغي اختياركم لما أجبرناكم إلا على الهدى ، ولكن أنت مخير ، ومعك منهج ، وأعطاك عقلاً ، وهناك كون يشف عن عظمة الله ، و عقل ، و فطرة و منهج ، هذه مقومات التكليف ، وإن شاء الله في لقاءات قادمة أتحدث عن هذه المقومات بتفصيل دقيق جداً .