- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠5إتحاف المسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
على كلّ قاض ألا يقضي و هو غضبان لأن حكمه يأتي غير صحيح :
هناك طائفة من أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحتاج إلى مقدمة، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((لا يقض القاضي بين اثنين وهو غضبان ))
علة هذا النهي أنه إذا كان القاضي غضباناً جاء حكمه غير صحيح, فجاء العلماء وحملوا عليه حالات كثيرة ـ تزيد عن ثلاثين حالة ـ فلا ينبغي أن يقضي القاضي وهو متلبس بها، لو أن ابنه مريض مرضاً شديداً, هذا القلق على ابنه يمنعه من صواب حكمه, فقالوا: النبي عليه الصلاة والسلام جاء بحالة واحدة, وعرفت علتها, فقاسوا على هذه العلة حالات كثيرة.
هذه قاعدة أصولية: النبي أوتي جوامع الكلم.
ابنه مريض, أيضاً عليه ألا يقضي وهو جوعان ـ الجوع الشديد يشوش الحكم ـ؛ توجد عنده مشكلة, توجد عنده قضية, يوجد عنده زواج.
كل مادة أساسية في حياة الناس عليها زكاة :
شيء آخر: تجب الزكاة في القمح, والشعير, والزبيب, والتمر، وهناك آلاف الأصناف الزراعية لها غلات كبيرة جداً, فالعلماء حملوا على هذه المواد الأربعة مئات المواد, قالوا: تجب في علتها, لا في عينها, ما علة وجوده؟
الزكاة على القمح لأن القمح مادة أساسية، ولها ثمن, وأساسية في حياة الناس, الرز يحمل على القمح, مثلاً: العدس, الحمص, المحاصيل الأساسية التي تعد غذاء أساسياً للإنسان, طبعاً هذان الموضوعان مقدمتان.
الإنسان المتكبر الذي يتكبر بثوبه لا ينظر الله إليه يوم القيامة :
ثم يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا ينظر الله يوم القيامة إلى مَنّ جرَّ ثوبه خيلاءً))
شخص يرتدي ثوباً أنيقاً, شعر بتفوقه, أراد أن يظهر أمام الناس بهذا الثوب الجميل, فجعل ينظر إلى عطفيه متبختراً, فهذا الإنسان المتكبر الذي تكبر بثوبه لا ينظر الله إليه، و الحديث هنا عن الثوب.
وفي حديث آخر:
((لا ينظرُ الله يوم القيامة إلى مَنّ جرَّ إزارَهُ بطراً))
الأول: خيلاءً, والثاني: بطراً.
وعن ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((مَنّ جرَّ ثَوّبَهُ خيلاءً ، لم ينظرِ الله إِليهِ يومَ القِيامَةِ، فقالَ أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! إنَّ إزاري يسترخي ، إلاَ أن أتعاهده ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّك لستَ ممن يفعله خيلاءً))
المحسود الغافل تصيبه عين الحاسد :
الحديث الرابع:
(( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إِليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاث مرات ، فقلتُ : خابوا وخَسِرُوا، مَنْ هُم يا رسول الله؟ قال : المُسْبِلُ، والمنّان، والمنفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحلف الكاذب))
الإنسان ثوبه عادي, لكن أطلع الناس على بيته, يدخل في هذا الحكم, أطلع الناس على مركبته, أطلع الناس على ما عنده من حظوظ الحياة الدنيا, أراد أن يستعلي؛ كل هذه الحالات يجمعها قوله تعالى:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً ﴾
لك أن تأكل, ولك أن تشرب, ولك أن تلبس, دون أن تتباهى, دون أن تزهو، قال ابن عباس: "أحـل الله تعالى الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلةً "، الإسراف: معصية, والمخيلة: أن تريد أن تظهر أمام الناس بما عندك كما فعل قارون، خرج على قومه بزينته, الإنسان قد تبدو عليه النعم دون أن يقصد إظهارها, قد تبدو عليه النعم دون أن يهدف إلى إذلال الآخرين, دون أن يهدف إلى استعلائه عليهم, مثلاً إنسانة اشترى زوجها سيارة فخمة, فأينما جلست, وأينما حلت تقول: هذه السيارة الجديدة غير حياة, هدفها أن تدخل الحزن على قلوب قريباتها, أكثر الناس يتباهين بأزواجهن, ببيوتهن, بما صرفن في النزهات, حتى الحفلات وسيلة للتباهي فقط, والآية التي تقصم الظهر:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً﴾
وقديماً قالوا: "كثرة الظهور تقصم الظهور", من هو المحسود؟ هو الذي أظهر النعم بقصد الاستعلاء, فالحاسد فقير محروم, تألم ألماً شديداً, فتمنى زوال النعمة عنه, لذلك العين تضع الرجل في القبر, والجمل في القدر.
المحسود الغافل تصيبه عين الحاسد, وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسد ﴾
الإنسان حينما يستعلي و يتباهى؛ لعل في هؤلاء من هو محروم, لعل في هؤلاء من هو فقير, يتألم ألماً شديداً, ينقم على الله عز وجل؛ لأنه حرمه, فيكون هذا الذي ظهر على قومه بزينته هو السبب, فلنستعذ بالله عز وجل من أن نعرض على الناس ما عندنا, من أن نسعى إلى أن نستعلي على الناس ببيوتنا, بأثاث بيوتنا, بمركباتنا, بدخلنا, بأولادنا, بثيابنا ـ هنا على الثياب فقط ـ لكن القاعدة: كيف أن العلماء حملوا ثلاثاً وثلاثين حالة يمنع فيها القاضي من أن يصدر الحكم، والنبي قال حالة واحدة, (فالعلم حرف, والتكرار ألف).
وجوب الزكاة لا في عين الأشياء بل في علتها :
النبي أوجب الزكاة في أربعة أصناف, والآن: تجب الزكاة في مئات الأصناف, لو قال النبي: تجب الزكاة في القمح, والشعير, والزبيب, والرزـ لا يوجد رز في زمانه ـ فالنبي تكلم في المحاصيل الأساسية في عصره, وأي محصول أساسي يلتقي مع القمح تجب فيه الزكاة.
الآن إلى موضوع التمر: مشاريع تفاح تضمَّن بالملايين, مشاريع العنب تضمَّن بالملايين، فالعنب مادة أساسية, والتفاح مادة أساسية, وأحياناً هناك أنواع من الفواكه لها أثمان عالية جداً, فكل محصول زراعي, أساسي, يدر ثروة طائلة, تجب فيه الزكاة؛ لأنه اجتمع مع القمح, والشعير, والزبيب, والتمر, فتجب الزكاة لا في عين هذه الأشياء, بل في علتها، فالقاضي ينبغي ألا يقضي إذا كان غضباناً بنص الحديث، يأتي القياس إذا كان جوعاناً, إذا كان ابنه مريضاً, أية حالة تشوش ذهن القاضي ينبغي ألا يقضي بها.
من تواضع لله رفعه :
نستنبط أن معظم سلوك الناس الهادف إلى إظهار ما عنده, إلى التباهي؛ هذا منهي عنه, وقد توعد الله عز وجل من خلال كلام نبيه صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل يوم القيامة لا ينظر إليه، والإنسان كلما تواضع ازداد عند الله رفعة, وكلما جلس مع أخوانه, وأصحابه, ازداد عند الله رفعة، أحياناً أقول لكم: تجد مؤمناً غنياً, تشتهي الغنى من تواضعه, ومن سخائه, ومن أدبه.
كان عليه الصلاة والسلام: يأكل مع الخادم, ويصغي إلى المرأة الضعيفة, المسنة, ويقضي حاجة الضعيف, والبائس, كان معه عدي بن حاتم, أخذه إلى بيته إكراماً له, في الطريق استوقفته امرأة, تكلمه طويلاً في حاجتها, قال: والله ما هذا بأمر ملك!
إنسان يجلس على الأرض, يدخل عليه أعرابي, يقول له: "أيكم محمد؟ ـ لا يعرفه ـ يقول له أحد أصحابه: ذاك الوضيء, ومرة قال له النبي: قد أصبت, ما حاجتك؟
بطولة الإنسان أن يكون متواضعاً :
الإنسان بالتواضع يعلو عند الله, والإنسان أساسه عبد, ومن لوازم العبد التواضع, انظر إلى الأكحال ـ الكحل: حجر, وهي حجارة لانت فصار مقرها في الأعين؛ لما الكحل كان ليناً صار مقره في العين, من يضع الحجر في عينيه؟ مستحيل, إلا الكحل أساسه حجرـ فأحياناً الإنسان:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾
﴿ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾
يرى نفسه غنياً فيطغى, قوياً فيطغى, صحيحاً فيطغى, بطولة الإنسان أن يكون متواضعاً, وهو في أشد حالات قوته, لما دخل النبي مكة المكرمة فاتحاً وقد ناصبته العداء عشرين عاماً، دخلها مطأطئ الرأس؛ تواضعاً لله عز وجل, حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس بعيره؛ تواضعاً لله.
فإذا الإنسان آتاه الله عز وجل شيئاً يقول: هذا من فضل ربي, وليكثر من ذكر فضل الله عليه, وأنا أنتبه إلى كلام المؤمنين, يقول: الله أكرمني بهذا الشيء, خصني بهذا الشيء, سمح لي أن أفعل كذا, قدر على يدي هذا العمل الطيب, دائماً يعزو الفضل إلى صاحب الفضل وهو الله عز وجل, وإذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك, وكان عليه الصلاة والسلام: تعظم عنده النعمة مهما دقت.
كان إذا نظر إلى وجهه في المرآة, يقول: "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خُلقي" دائماً يشكر الله عز وجل فهو بين الكبر وبين الشكر.
المؤمن شاكر, الكافر متكبر, فالمتكبر محجوب عن الله عز وجل, ودليل التواضع أن تكون مع المساكين, وأن تجلس إليهم, وأن تستمع إليهم, وأن تصادقهم؛ إنك بهذا تثبت أنك لست متكبراً, برئ من الكبر من حمل حاجته بيده, وبرئ من الشح من أدى زكاة ماله, وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله.