- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
اللهم صلِ على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، وأمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وأرضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
القوي الأمين :
أيها الأخوة الكرام ؛ من الآيات التي قرأت في الصلاة ، وجزا الله الإمام كل خير :
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
سيدنا عمر عين والياً ليدير شؤون بلاده ، أعطاه كتاب التعيين ، قال في كتاب في كتاب التعيين : خذ عهدك ، التكليف يعني ، خذ عهدك وانصرف إلى عملك ، واعلم أنك مصروف رأس سنتك ، وأنك تصير إلى أربع خلال ، أربع حالات ، فاختر لنفسك ، إن وجدناك أميناً ضعيفاً أمين ضعيف ، استبدلناك لضعفك ، وسلمتك من معرتنا أمانتك ، ما في عقاب فقط عزل ، إن وجدناك أميناً ضعيفاً ، استبدلناك لضعفك ، وسلمتك معرتنا أمانتك ، وإن وجدناك خائناً قوياً خائن قوي ، لكن في خيانة ، استهنا بقوتك وأوجعنا ظهرك ، وأحسن أديك ، وإن جمعت الجرمين الضعف والخيانة جمعنا عليك المضرتين ، وإن وجدناك أميناً قوياً ، زدناك في عملك ورفعنا لك ذكرك وأوطأنا لك عقبك ، هذا كتاب التعيين .
والحقيقة كلمة قوي ، القوة خبرة ، والأمانة ولاء ، والإنسان إذا وفق ليختار موظفاً عنده يتمتع بالكفاءة والإخلاص ، بالكفاءة القوة ، والإخلاص الولاء ، يكون قد وفق في اختيار هذا الشخص ، وهذا مبدأ يمكن أن يطبق مع كل موظف يعين في الأرض .
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
قد يكون قوي غير أمين ، وأمين غير قوي ، لكن لابد من أن تجتمع الصفتان ، القوة والأمانة ، هذا التعليق متعلق بالآية التي قرأت .
قال تعالى : لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ....
لكن الأحنف بن قيس وهو يقرأ القرآن فيه آية كريمة يقول الله عز وجل :
﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾
قرآن فيه ذكرنا ، فانتبه الأحنف بن قيس ، فقال : علي بالمصحف لألتمس ذكري اليوم .
أنت مثلاً تقرأ هذه الآية :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾
في سؤال دقيق : أنت من هؤلاء ؟ لذلك حينما قال الله عز وجل ، يصف المؤمنين بأنهم يتلون القرآن :
﴿ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
قال العلماء : ما تعريف حق التلاوة .
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
قال حق التلاوة : أن تقرأه قراءة صحيحة وفق قواعد اللغة العربية ، ما تقرأ ( إنما يخشىَ اللهُ من عباده العلماءَ ) هذه قراءة فاسدة ، الصلاة تبطل بهذه القراءة .
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
أول شرط بالقراءة الصحيحة أن تقرأ القرآن قراءة صحيحة وفق اللغة العربية ، لذلك قال سيدنا عمر : تعلموا العربية فإنها من الدين ، إذا أتقنت اللفة العربية ، إتقان اللغة العربية جزء من دينك ، تعلموا العربية فإنها من الدين ، فلذلك حينما قال الله عز وجل :
﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾
قال : علي بالمصحف لألتمس ذكري ، حتى أعلم من أنا ، ومن أشبه ، فإنه لما علم أن القرآن الكريم قد ذكر جميع صفاة البشر ، وبين طبقاتهم ومراتبهم ، أراد أن يبحث عن نفسه ، في أي الطبقات هو ، وفي أي المراتب هو ، فنشر المصحف وقرأ ، مر بقول الله تعالى :
﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
مر بقوم ، هؤلاء ، هذه صفاتهم .
﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
ومر بقوم :
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
في ملاحظة دقيقة : طبيعة الإنسان المادية تتناقض مع التكليف ، طبيعتك أن تبقى في فراشك الدافئ في الشتاء ، والتكليف أن تستيقظ ، وأن تدع الغطاء ، وأن تتوضأ وتصلي ، فالتكليف يتناقض مع الطبيعة المادية للجسم ، طبعك يقتضي أن تملئ عينك من محاسن النساء ، لكن التكليف يأمرك أن تغض البصر ، طبعك يقتضي أن تتبع عورات الناس ، هذا طلق زوجته لماذا ؟ قال : لأنها خانته ، مع من ؟ تتبع القصص ، والسقطات ، وعورات الناس ، هذا من الطبع بالمناسبة الطبع يتناقض مع التكليف ، ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة .
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
تناقض الطبع مع التكليف هو ثمن الجنة .
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾
هذه الصفة الثانية ، ومر بقومٍ يبتون لربهم سجدا وقياما :
﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾
ومر بقومٍ ينفقون في السراء والضراء :
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
ومر بقومٍ :
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
ألم يقل الله عز وجل :
﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾
هي الآيات ، أنا طبعاً اجتهادي أن هذا الرجل الكبير عند الله كان متواضعاً قال : اللهم نفسي أعرف نفسي هانا ، هي الآية ، يعني أنا لست من هؤلاء اللذين وصفهم القرآن الكريم ، أنا اجتهادي التواضع ، لكن فوقف الأحنف ثم قال : اللهم لست أعرف نفسي هانا ، أي لم أجد هذه الصفات منطبقة علي ، وأنا كان تعليقي المكتوب ولعله قالها تواضعاً ، ثم أخذ الأحنف شبيهاً آخر ، فمر بمصف بقوماً ما سلككم في سقر ، قالوا :
﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾
وقف الأحنف وقال : إني أبرء إليك من هؤلاء ، وما زال الأحنف يقلب ورق المصحف ويلتمس في أي الطبقات هو ، حتى وقع على هذه الآية :
﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
قراءة القرآن قراءة تمعن وتدبر .
فقال : أنا من هؤلاء ، يعني أنا ذكرت هذا النص كي أشعر إخوتي الكرام أنك إذا قرأت القرآن لا بد من أن تسأل نفسك هذا السؤال ، أين أنا من هذا الوصف .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ﴾
يعني هذه الزوجة هل ذكرتها بالآخرة ؟ هل أمرتها أن تحجب مفاتنها عن الأجانب ؟ هل أمرتها أن لا تختلط بمن لا يحل له أن يكون معها ؟
﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
يعني للتقريب : واحد ذهب إلى الطبيب ومعه مرض ، والطبيب متفوق جداً ، قدم له وصفة طبية ، الآن دققوا هذه الوصفة إذا أحسن المريض قراءتها هل يشفى ؟ إذا فهم المريض كل دواء وما استطباباته هل يشفى ؟ لو وضع هذه الوصفة في برواظ أنيق وعلقها على الجدار هل يشفيه ؟ يعني ما في بيت تدخل له إلا المصحف الكبير معلق في أهم غرفة ، في غرفة الضيوف وأيام بكل سيارة في مصحف صغير ، شيء طيب ، طيب جداً ، بس هل أنت مطبق لهذا المصحف ؟ هل الدخل إسلامي أما في شبهة ؟ هل الإنفاق إسلامي ؟ هل المناسبات السارة أو الحزينة إسلامية ؟ في اختلاط ، يعني الأعراس مختلطة أحياناً ، نساء كاسيات عاريات مع الرجال بقلك عرس ، وإذا كان عرس ، مخالفة كبيرة جداً هذه ، فهنا البطولة لا أن أنتمي لهذا الدين انتماء شكلياً ، اقسم لكم بالله الانتماء الشكلي لا يقدم ولا يؤخر .
لو فرضنا محل تجاري مكتوب أنواع البضائع بس ما عنده بضائع إطلاقاً ، ما قيمة هذه اللافتة ؟ ما في شي ، لكن في محل تجاري عنده بضاعة وفي لافتة ، فالبطولة أن تكون البضاعة متناسقة مع اللافتة ، أنت مسلم لكن السهرة المختلطة لا تليق فيك ، هذه التجارة فيها شبهة كبيرة جداً ، فيها مادة محرمة ، فالبطولة أن هذا الدين لما فصلنا عن الحياة انتهينا .
أخوانا الكرام ، يقول سعد ببن أبي وقاص : ثلاثة أنا فيهن رجل ، كلمة رجل بالقرآن والسنة لا تعني أنه ذكر ، تعني أنه بطل ، فما كل ذكر برجل .
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
قال : ثلاثة أنا فيهن رجل ، يعني بطل ، وفيما سوى ذلك ، فأنا واحد من الناس ، ما هه الثلاثة ؟ قال : ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها ، ولا سرت بجنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها ، ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى .
أحياناً ، حينما يقول الله عز وجل :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَات ﴾
المحق بخلاف القواعد المدنية ، أنت إذا اقرضت مئة ألف قرضاً ربوياً ، وردت إليك مئة وعشرة آلاف ، فهذا الربا نما لكن ما محق ، فهذه الآية بالذات بخلاف القوانين .
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَات ﴾
الصدقة دفعت ، فالنقص أكيد ، معك مئة ألف دفعت عشرة آلاف صدقة ، فصار تسعين ، والقرض الربوي ، أقرضت واحد قرض ربوي أقرضته مئة ألف جاء مئة وعشرة آلاف ، فهو النظام المادي بخلاف الآية ، هذا فعل الله عز وجل .
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَات ﴾
بحوادث لبنان شيء لا يصدق ، بالساحة العامة البرج احترق كله بالحوادث ، إلا في محل بعد ما انتهت الأزمة خلال سنة ونصف ، المحل الظاهر محروق كله ، فتح صاحب المحل ما فيه شيء ، مثل ما أغلقه قبل سنتين ، كل البضاعة موجودة ، قبل ما تنشب الحرب عليه زكاة أربعين ألف ، دفعهن ، لذلك ورد :
(( حصنوا أموالكم بالزكاة ))
مثل ما أغلقه ، أنا لي قريب بلبنان ، قريب له ، فتح المحل بالبرج ، بالساحة العامة فتحه ، لكن من الخارج دخان ، دخل إلى الداخل مثل ما هي البضاعة .
(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
أعرف رجل من كبار الأغنياء عنده معمل ضخم ، وفي باخرة فيها بضاعته ، وغرقت بالبحر الأحمر ، معمل براداته هو ، بعد سنتين ثلاثة ، الباخرة أخذ منها كل البضائع ، بضاعته معدنية ، بضاعته كما هي وباعها بعشر أضعاف ، بعد غرق الباخرة بالبحر الأحمر .
(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
(( حصنوا أموالكم بالزكاة ))
أخوانا الكرام ، لما قرأ قوله تعالى :
﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
قال : أنا من هؤلاء ، فالذي أتمناه أنك إذا قرأت القرآن اسأل نفسك هذا السؤال ، أين أنت من هذه الآية ؟ تعمل نقد ذاتي ، تعمل تقييم صحيح ، أما نقرأ ولا يعنينا ما نقرأ ، لذلك :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
يقرؤونه بلغة صحيحة ، وإذا كان ن مجوداً ، في إدغام ، وفي إقلاب وفي إظهار أفضل ، وأن تقرأه مطبقاً له أفضل وأفضل ، وأن تقرأه مدبراً له ، التدبر أين أنا من هذه الآية ، لهذا لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بقراءة القرآن .
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وأمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم .