مدارج السالكين - الدرس : 032 - الصغائر
- التربية الإسلامية
- /
- ٠2مدارج السالكين
بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الصغائر:
أيها الإخوة الأكارم؛ مع الدرس الثاني والثلاثين من دروس مدارج السالكين، في مراتب إيّاكَ نعبد وإيّاكَ نستعين.
في الدروس السابقة القريبة كانَ الحديثُ عن الشِّرك وعن أنواعه، وعن النِّفاق وأنواعه، وعن الفِسقِ وأنواعه، وعن الكُفرِ وأنواعه، وعن الذنبِ، وعن الاثمِ والعدوان، وعن الفحشاء والمُنكر، وكانَ الدرس الأخير حولَ الكبائر، وبقيَ علينا في هذا الدرس الحديثُ عن الصغائر، أو عمّا يُسمى بمصطلح القرآن الكريم اللمم، أو ما يُسمى بمصطلح الحديث الشريف المحقّرات من الذنوب.
وقبل أن نمضي في الحديثِ في هذا الموضوع أضعُ بينَ أيديكم هذه المقدمة، الكبيرة كبيرة تعرفونها من اسمها، ولكن الصغيرة إذا أصررنا عليها أعطت مفعولاً مساوياً للكبيرة، أي حينما ينقطع عنكَ التيار الرئيسي مقدار ميليمتر، أو سنتيمتر، أو عشرة سنتيمتر، أو متر، حصلَ انقطاع، وما سُميت الصغيرةُ صغيرةً إلا لأنهُ من المُمكن أن تتلافاها في وقتٍ قصير، وفي جهدٍ يسير، كالمثل الذي ضربتهُ لكم في الأسبوع الماضي من أنَّ الإنسانَ لو قادَ مركبةً على طريقٍ مستقيمٍ، وعريضٍ جداً، وعلى يمينهِ وادٍ سحيق، وحَرَفَ الِمقودَ انحرافاً يسيراً، إنَّ هذا الانحراف بإمكانهِ أن يعيدهُ إلى ما كانَ عليه في وقتٍ قصير وفي جهدٍ يسير، أمّا إذا حَرفَهُ تسعينَ درجةً فلابُدّ من أن تسقطَ المركبةُ في الوادي، إلا أن المُشكلة والفِكرة أنكَ إذا حرفتَ المِقودَ انحرافاً يسيراً، وثبّتَ هذا الانحراف، واستمرَّ هذا الانحراف، لابُدّ من أن تسقطَ في الوادي كما لو أنكَ حرفتهُ تسعينَ درجة، هذا المثل معنى القول: لا صغيرة مع الإصرار، الذنبُ اليسير إذا استبحتهُ، وإذا استصغرتهُ، وإن لم تُبالِ بهِ، ولم تستغفر منه، ولم تندم على فعلهِ، ولم تُحدّث نفسكَ بالتوبة منهُ، هذا الذنب الصغير هوَ في الحقيقةِ كبيرة من الكبائر، لأنهُ يقطع كالكبيرة، ومادامَ الإنسانُ قُطِعَ عن الله عزّ وجل فحدّث عن مشكلاتهِ ولا حرج.
الناسُ رجُلان:
أيها الإخوة الأكارم؛ شيء دقيق جداً أتمنى أن يكونَ واضحاً بينكم، الحقد خُلقٌ ذميم، البُخل خُلقٌ ذميم، الغضب خُلقٌ ذميم، الاستعلاء خُلقٌ ذميم، حُبُّ الذات خُلقٌ ذميم، لكن لا تستغرب ولا تتعجّب إذا قُلتُ لكَ هذه ليست أمراضاً، إنما هيَ أعراضُ مرضٍ واحد، وهوَ البُعدُ عن الله عزّ وجل، إذاً ممكن أن أقول لك: الناسُ رجُلان بعيدٌ وقريب، موصولٌ ومقطوع، مقبِلٌ ومُدبر، المُقبل المتصل القريب يتحلّى بمكارم الأخلاق، لأنَّ مكارم الأخلاق مخزونة عِندَ الله تعالى، فإذا أحبَّ اللهُ عبــداً منحهُ خُلُقاً حسناً، واللؤم والبُخل والكِبر والاستعلاء وحُبُّ الذات إنما هيَ أعراضٌ لمرضٍ واحد وهوَ البُعدُ عن الله عزّ وجل.
إذاً الذي يتمناهُ كُلُّ إنسان كما أنكَ حريصٌ حِرصاً بالغاً ولا حدودَ لهُ على سلامة جِسمك ينبغي أن تكونَ حريصاً حِرصاً بالغاً ولا حدودَ لهُ على سلامةِ نفسك، وعلى سلامة قلبِك، لأنَّ الحقيقة الثابتة هوَ أنَّ أمراضَ الجِسمِ مهما تفاقمت، مهما كانت مؤلمةً، مهما كانت خطيرةً، تنتهي كُلُّ آثارها عِندَ الموت، لكنَ الشيء الذي يُصعقُ لهُ الإنسان أنَّ أمراض القلبِ وأمراضَ النفسِ وأنَّ أعراضَ الإعراض تبدأُ آثارُها الخبيثة والمؤلمة بعدَ الموت، فالمرض الذي يبدأُ بعدَ الموت ويستمرُ إلى الأبد أشدُّ أم المرضُ الذي يستمرُ فترةً محدودةً وينتهي عِندَ الموت؟ لذلك قالَ تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
من هذا المُنطلق كانَ سيدنا عُمر رضيَّ اللهُ عنه يقول لبعض أصحابهِ: فتعاهد قلبك، من هذا المُنطلق نتحدثُ عن الذنوب، الخطر الكبير أن تكونَ واقعاً في ذنب وأنتَ لا تدري، أن يكونَ كسبُكَ حراماً وأنتَ لا تدري، أن تكونَ منغمساً في انحرافٍ وأنتَ لا تدري، الحقيقة حينما تدري هذه الدراية هيَ الخطوة الأولى في التوبة.
دققوا ضربتُ البارحة مثلاً لو أنَّ طبيباً مختصّاً في الجراثيم، أُجبرَ في وضعٍ ما على أكل طعامٍ ملوّث، وأنَّ إنساناً جاهلاً لا يفقهُ شيئاً عن الجراثيم أُجبرَ مثلَ الطبيب على تناول هذا الطعام، لماذا الطبيب يتألم ألماً شديداً يتصور الكُزاز، يتصور الكوليرا، يتصور السِّل، هذه الأمراض الخطيرة الوبيلة المضنية المُتعبة؟ لأنهُ يرى في المخبر الجراثيم وأشكالهـا وأفعالها، وأعراض المريض؛ اصفرار وجهه، آلامهُ، المغص المِعوي، الإسهال الدائم، شحوب وجههُ، ضعف قِواه، إنهُ يرى بعينهِ إن في المِجهر في مختبرهِ، وإن في وجه المريض آلام آثار المرض، ويعزو أنَّ هذا المرض بسببِ هذه الجراثيم، فإذا أُجبرَ الطبيب على تناول طعام ملوّث يتألمُ ألماً شديداً، ويقلقُ قلقاً شديداً، ويعاني معاناة شديدة، أمّا الجاهل إذا أُجبرَ على أكل هذا الطعام الملوّث، لأنهُ جاهل لا يتألم، يقول لكَ: سمِّ بالله وكُلْ، هذا لا يتألم، لذلك قالَ الشاعر:
ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ وأخو الجهالة في الشقاوةِ ينعمُ
* * *
سألني البارحة أخ كريم: إنَّ المؤمن دائماً متألم، دائماً قلق، خائف على نفسه، خائف على مكانتهِ عِندَ الله، لعلَّ اللهَ ليسَ راضياً عنه، يا ترى عملهُ مقبول؟ غير مقبول؟ نيّتهُ عالية؟ نيّتهُ دنيوية؟ يا ترى عملهُ صحيح وفق السُّنّة؟ خِلاف السُّنّة؟ دخلهُ حرام؟ حلال؟ فيهِ شُبُهة؟ هذه المُقلِقات التي تنتاب المؤمن لماذا؟ ولماذا أهلُ الدنيا ساهونَ لاهونَ غارقون في ملذاتهم كأنكَ تشعر أنهم ليسوا متألمين؟ قُلتُ لهُ: ألم أقل لكم في درسٍ سابق: إنَّ المنافق يستمرُ على حالٍ واحدة أربعينَ عاماً، وإنَّ المؤمن يتقلُّب في اليوم الواحد بأربعينَ حالاً، هذا القلق المُقدس، هذا العِلم، هذه المعرفة التي أكرمهُ الله بها.
لماذا قالَ عُمر: ليتَ أُمَ عُمر لم تلد عُمر، ليتها كانت عقيمةً؟ لماذا؟ لماذا قالَ هذا الصحابي الجليل: لو أنَّ الله أنزلَ أنهُ معذّبٌ واحداً لظننتُ أنني أنا؟ ولو أنهُ راحمٌ واحداً لرجوتُ أن أكونَ أنا؟ ما هذا الخوف من الله الشديد؟ ما الذي دفعَ سيدنا عمر رضيَ اللهُ عنهُ على أن يسألَ حذيفةَ بن اليمان، وأن يُناشدهُ اللهَ عزّ وجل، وأن يقولَ لهُ: ناشدتُكَ بالله أاسمي بينَ المنافقين؟ قال: لا والله يا أميرَ المؤمنين، أنتَ أكرمُنا ولا أُزكّي بعدُكَ أحداً، هذا القلق، هذا الخوف.
أنواع الخوف:
لذلك اسمعوا هذه الحقيقة، إنَّ خوفكَ من الله، والحقيقة الخوف أنواع، قد تخافُ من عقاب الله، وقد تخافُ أن تنقطعَ صِلتُكَ بالله، الخوف من عِقاب الله مرتبة، لكنَ الأعلى منها أن تخافَ أن تنقطعَ صِلتُكَ بالله، فأنتَ تستقيم حِفاظاً على هذه الصِّلة، تتحرى الدخلَ الحلال حِفاظاً على هذه الصِّلة، تخدمُ الناس، تعطِفُ على المساكين، تُطعمُ الفقراء، تحضرُ مجالسَ العِلم، تَبرُّ والديك، حِفاظاً على هذه الصّلة، اسمعوا جيداً، إنَّ هُناكَ علاقةً مضطردةً، عِندنا نحنُ علاقة طردية وعلاقة عكسية، العلاقة الطردية شيئان يتناميان معاً، والعلاقة العكسية كُلّما ازدادَ العِلمُ قلَّ الجهلُ، الخوفُ من الله يتحركُ بشكلٍ مضطرد مع العِلم، كُلما كَثُرَ عِلمُك كُلما كَثُرَ خوفُك.
والله مرةً دخلت إلى معمل، رأيتَ صاحبَ المعمل مكفهرَ الوجه، أصفرَ اللون، أي مظهرهُ يدلُّ على أنهُ فقدَ أحد أولادهِ، قُلتُ: خيراً إن شاءَ الله أبا فُلان، ما المُشكلة؟ قالَ لي: تعالَ انظر، والله سِرتُ معهُ في أرجاء المعمل ما رأيتُ شيئاً، رأيتُ معملاً واسعاً كبيراً، شاهقَ البنيان، الآلات حديثة تعمل، قالَ لي: انظر؟ قُلتُ: إلى أين؟ قالَ: إلى هذا الجِسر، قُلتُ لهُ: ما بهِ؟ قالَ: ألا ترى هذا الخطَّ الصغير، خط عرضهُ ميليمتر واحد تقريباً على جسر، قُلت: ما بالُ هذا الخط؟ قال: جاء المهندس دكتور في الهندسة فأخبرني بأنَّ هُناكَ انزلاقاً في أساسات المعمل، وأنَّ تدعيمَ هذا المعمل يحتاج إلى خمسمئة ألف، والقضية عام السبعين، قديمة، دكتور في الهندسة درسَ دراسة دقيقة، وجدَ أن الأساس منزلق بفعل المياه المالحة، انزلاق الأساس جعل هذا الصدع في الجسر الأساسي في المعمل، قُلتُ: لو جاء إنسان ليسَ مهندساً، مع احترامي لكل غير المهندسين، ونظرَ إلى هذا الشق، قال: هذا يحتاج إلى معجونة، شتّانَ بينَ هذا وهذا، مسافةٌ كبيرةٌ جداً بين من يقول لكَ: هذا الشِّق يحتاج أن نملأهُ بالمعجون، وبينَ من يقول لكَ: هذا البناء خَطِر، يحتاج إلى تدعيم، ويُكلّف هذا المبلغ الكبير، هذا العلم، كُلما ازدادَ عِلمُك ازدادَ خوفك، قاعدة، أبداً، إن كُنتَ لا تخاف فأنتَ لا تعلم.
من ازداد علمه ازداد خوفه:
قد ذكرتُ لكم سابقاً أن طالباً مرةً قالَ لي: أنا لا أخاف من الله، طبعاً أردتُ أن أجيبهُ جواباً مُفهماً، قُلتُ له: معكَ الحق أنتَ بالذات، قال: ولِمَ؟ قلتُ لهُ: يا بُني، الطفل الصغير الرضيع يأخذهُ أهلهُ أحياناً إلى الحقلِ ليحصدوا القمح، يمرُّ إلى جانبهِ ثعبانٌ ثخين، لو رآهُ بطلٌ لخرجَ من جلدهِ خوفاً منهُ، هذا الطفل الصغير الرضيع يضعُ يدهُ على هذا الثعبان، ويلمسهُ بيدهِ، ولا يخاف، لماذا لا يخاف؟ لأنهُ لا يُدرك، لو أنهُ أدرك لصاحَ صيحةً ملأت الأجواء، لكنهُ لا يُدرك، الإدراك غير موجود، الخوف غير موجود، كلام دقيق، أي أنت لا سمحَ الله ولا قدّر لو ارتكبتَ معصيةً ولم تشعر بشيء، كيف أن الطبيب يضع يده على النبض، يقول: لا يوجد نبض، يقول: ائتوني بمرآة يضعها على أنف المريض لا يوجد بخار، ائتوني بمصباح يضعهُ في عين المريض القزحية لم تنقبض، يقول: هذا أمرهُ منتهٍ، وأنا أقول لكم قياساً على هذه القصّة: إن الذي يفعل الذنب ولا يشعر بشيء أبداً، يقول لكَ: ماذا عملنا؟ هذا منتهٍ، هذا ماتت نفسه، والدليل قول الله عزّ وجل:
﴿
﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)﴾
﴿
صاروا ثلاث آيات، الرابعة:
﴿
معناها إذا الإنسان ما أحسَّ بذنبهِ، ولا تألّم، ولا تمزّقت نفسهُ، ولا خاف، ولا ندم، ولا حدّث نفسهُ بالتوبة، ولم يُبالِ، وضحِكَ مِلءَ فمهِ، ونامَ نوماً عميقاً، وغطَّ في نومٍ عميق، وبدا مرِحاً، وهوَ يقترفُ الذنب، من عصى اللهَ وهوَ يضحك دخلَ النارَ وهوَ يبكي، هذا ميت، فلذلك إذا وجدت أخاً وقع، زلّت قدمهُ فتألمَّ ألماً شديداً، صلى قيام الليل، استغفرَ اللهَ عزّ وجل، دفعَ صدقةً مرهقةً لعلَّ اللهَ يعفو عنه، معنى هذا أنه يوجد نبض، يوجد حياة، لذلك هذا معنى قول النبي الكريم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ.
أي إن لم تشعروا بذنوبكم، إن لم تُحسّوا بها، إن لم تتأثروا بها، أنتم انتهيتم، لا خيرَ فيكم، ((لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا)) بمعنى لو لم تحسّوا بذنوبكم ((لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ)) أي إذا أذنبوا تألّموا، ((يُذنبون)) يشعرون بذنوبهم، ((فيستغفرون فيغفر الله لهم)) إذاً هذا الكلام مقصدهُ أنهُ حينما صارَ التعريف بالنِّفاق، بالشِّرك، بالكُفر، بالفِسق، بالإثم، بالعدوان، بالفحشاء، بالمُنكر، بالكبائر، من أجل أن تأخذَ حذرك، وإنما العِلمُ بالتعلّم.
الذنوب صغائر وكبائر:
الآن الصغائر، طبعاً المقدمة انتهت دخلنا في صُلب الموضوع، الذنوب كما أجمع عليه العلماء تنقسم إلى صغائر وإلى كبائر بنصِ القرآن والسُّنّة وإجماع السلف، قال تعالى:
﴿
سياق الآية يَشِفُّ عن أنَّ الكبائر شيء والسيئات شيء آخر، وقال تعالى:
﴿
أيضاً سياق الآية يَشِفُّ عن أنَّ اللّمم ليست كالكبائر، وفي الحديث الصحيح:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
في المصطلح النبوي الشريف قال: إيّاكم ومحقّرات الذنوب، فمحقّرات الذنوب هيَ الصغائر التي أرادها النبي، لكن يقول: إيّاكم،
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
أحياناً إنسان يشرب شراباً فيه أصبغة كيمائية، يا ترى كم في هذا الكأس من الصِّباغ الكيميائي؟ شيء لا يُذكر إطلاقاً، لكنَّ الأطباء يقولون: إنَّ هذه النِّسب التي لا تُذكر إذا تراكمت من إدمانهِ على هذا الشرب، المشروبات الغازية كلها أصباغ كيماوية، منكهات كيماوية، ملونات كيماوية، حافظات غذائية كيماوية، أي الذي أكثر طعامه معلبات ومياه غازية، اي أشياء كلها كيماوية، هذه النسب الضئيلة جداً من الأصبغة والمنكهات والملونات وحافظات بنزوات الصوديوم هذه كُلُّها تتراكم تتراكم فإذا بلغت حدّاً معيّناً أصبحت مسرّطنة، هذا الذي عناه النبي عليه الصلاة والسلام: ((إيّاكم ومحقّرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجلِ حتى يهلكنهُ)) لذلك تجد المسلم يقول لكَ: أنا الحمد لله لم أسرق في حياتي، ولم أزنِ، ولم أشرب الخمر، شيء جميل وباركَ اللهُ بِكَ، لكن ممكن أن يُصافح امرأة، ويُطلق بصرهُ، ويكذب، وقد يغتاب، وفي ظنهِ أنَّ هذه صغائر معَ أنها كُلُّها كبائر، فلذلك ((إيّاكم ومحقّرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجلِ حتى يهلكنهُ)) .
اللّمم من صغائر الذنوب:
الآن من أدقّ المعاني لقولهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ﴾ الجمهور قال: اللّمم هو أن يقترفَ الذنبَ مرةَ واحدةَ في حياتهِ ثمَ يتوبُ منه، أي ما كانَ يعلم أنَّ هذا حرام، أي اشترى خاتماً ذهبيّاً أعجبه فوضعهُ، ثمَ أُبلغَ أنَّ هذا حرام، ألمَّ بذنبٍ من دونِ عِلمٍ، بجهلٍ، تابَ من فورهِ، أقلعَ من فورهِ، هذا رأيُ بعض العلماء في اللمم، أي ألمَّ بذنبٍ من دون أن يعلم، فلما عَلِم تابَ منهُ فوراً، هذا المعنى معنى لطيف: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ﴾ .
قال جماعةٌ من السلف: اللّمم هو الإلمام بالذنبِ مرة ثمَّ لا يعودُ إليه أبداً، أي أقرض إنساناً مبلغاً من المال، الإنسان المُقترض اشترى بيتاً، قال لهُ: أنا سأجعل هذا القرض ثمن ربع البيت، وسأعطيكَ أُجرة، وبعدَ عامين أُعطيكَ المبلغَ نفسهُ، الحمد لله بارك الله، هوَ ظن أنَّ هذه قضية إيجار، لكن فاتهُ أنَّ هذا رِبا، الإيجار تملّكتَ رُبعَ البيت، ولو أنَّ هذا البيت احترق ذهبَ مالُك، لو أنَّ هذا البيت صودر ذهبَ مالُك، لو أنَّ هذا البيت انخفضت قيمتهُ انخفضَ مالُك، إذا رضيتَ بهذه الشروط الثلاث لكَ الحق أن تأخُذَ الأُجرة، لأنهُ لا إيجارَ معَ الضمان، فإذا أردتَ أن تستعيدَ مالكَ يُقيّم البيت مرةً ثانية تقييماً جديداً، هذا الإيجار الصحيح، أمّا إذا أردتَ أن تُقرِضَ إنساناً، وأن يُسمّي هذا القرضَ شِراءً لِرُبعِ المنزل، ويُعطيكَ على هذا القرض أُجرةً ثابتةً، مبلغك مضمون وثابت تأخذهُ بعدَ عام هذا رِبا، ما كانَ يعلم، فلّما عَلِم أقلعَ فوراً، باركَ الله، هذا اللّمم، أي وقعَ بالذنب مرةً لأنهُ لا يعلم، فلمّا عَلِم أقلع وتاب: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ﴾ ومن أجمل المعاني هذا المعنى، أحد العُلماء سُئل: اللمم، قالَ: هوَ الرجُلُ يُلمُّ بالذنبِ ثمَ لا يُعاودهُ أبداً.
﴿
تعريف آخر؛ على كُلٍّ جمهور العلماء يقول: اللممُ ما دونَ الكبائر ، الكبائر تحدثنا عنها في الدرس الماضي واللمم ما دون هذه الكبائر، وقالَ بعضُهم: الذنبُ الذي لم يُذكَر عليه عِقابٌ ولا حدٌّ ولا وعيدٌ في الآخرة-هكذا قالَ بعضُهم-هوَ اللمم.
وأمّا سعيد بن المُسيّب فللهِ درّهُ، قالَ: اللممُ ما ألمَّ بالقلب، لا تُحاسب عليه ، خطرَ في بالهِ أن يفعلَ شيئاً لكنهُ لم يفعلهُ، إنَّ الله عزَّ وجل لا يُحاسبُ على الخَطَرات، خطرَ في بالهِ أن يأخّذَ هذا لهُ، لكنهُ لم يفعل، خافَ اللهَ عزّ وجل، فاللمم ما ألمَّ بالقلب، الخاطر الذي لا يُرضي الله إذا ألمَّ بالقلب فهوَ لمم، هذا في بعض التفاسير، وهذا التفسير للتابعيّ الجليل سعيد بن المُسيّب.
والحُسين بنُ الفضلِ يقول: اللممُ النظرُ إلى المرأةِ من دونِ تعمّد، لا يقصد أبداً أن ينظر، أي يمشي بطريق، فيه منعطف حاد، فجأةً رأى نفسهُ أمامَ امرأةً، فغضَّ بصرهُ مباشرةً، فوراً، إذاً هذه النظرة الأولى التي لا تملكُ لها تلافياً، لم تكن عن إرادةٍ، ولا عن قصدٍ، ولا عن رغبةٍ، ولا عن طلبٍ إطلاقاً، ولمجردِ أن رأيتَ امرأةً غضضت البصرَ عنها، قال: هذا هوَ اللمم.
قال الحُسين بن الفضل: اللممُ هوَ النظرُ من غير تعمّدٍ، فإن أعادَ النظرَ فليسَ باللمم، الثانية ليست لمماً الأولى فقط لمم، كما قالَ النبي الكريم:
(( عن بريدة بن الحصيب الأسلمي يا عليُّ!
وهوَ ذنبُ كبير، هذا الذي قالهُ النبي مرةً:
(( عنِ ابنِ عبَّاسٍ في هذه الآيَةِ:
يدخل الرجل أحياناً إلى دائرة حكومية نصفها موظفات، بالطريق هوَ يغضُّ بصرهُ، وحينما غضَّ بصرهُ فوراً هذا هوَ اللمم الذي عنتهُ الآية الكريمة، هذا رأي العالِمُ الجليل الحُسين ابن الفضل.
سعيد بن المُسيّب: اللمم ما ألمَّ بالقلب، أي الخواطر، واللهَ سبحانهُ وتعالى لا يُحاسب إلا على الأعمال، أمّا الخواطر لا يُحاسب عليها، أمّا المؤمن الوَرِع يخافُ من الخواطر لأنها قد تنقلبُ إلى أعمال، إذا أعطى لخواطرهِ العِنان، ولم يُبالِ بالخواطر التي تتأتى إلى ذهنهِ، ربما أصبحت خواطرهُ أفعالاً، فالوَرِع لا يسمح لخواطرهِ أن تتجه في اتجاهٍ لا يُرضي اللهَ عزّ وجل.
النفس اللوامة:
بالمناسبة كُلما حَجبكَ ذنبٌ صغيرٌ صغير عن رِبكَ العظيم فهذا لِعلوِ مقامك، أنت ما الذي يحجُبُك؟ يسمونها الحساسية، يوجد ميزان مثلاً ميزان يزينون فيه السيارات الشاحنة، لو فرضنا موضوعاً على الصفر، ومرَّ إنسان وزنهُ مئة وخمسون كيلو لا يتحرك، هذا مهيأ أن يزن خمسة طن، ثمانية طن، عشرة طن، اثني عشر طناً، فهذا الميزان حساسيتهُ فوق المئتي كيلو، فهناك إنسان ميزانهُ ميزان سيارات، أي حتى يرتكب كبيرة يقول لكَ: والله تضايقت، أمّا على الصغائر فلا يوجد عِندهُ حساسية أبداً، هذا ميزانهُ تعبان، كُلما ارتقى الإيمان يُصبح الميزان حساساً، يوجد الآن موازين، إذا وزنت بها ورقةً، وكتبتَ على هذه الورقة كلمة محمد، إنَّ وزنَ الحِبر الذي استغرقتهُ كلمة محمد يجعلُ الكفةَ ترجح، فكُلما علا مقامُكَ عِندَ الله يَدِقُّ ميزانُك، لذلك أثنى اللهُ على النفس اللوامة، قال تعالى:
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)﴾
يُحاسب نفسهُ على النظرة، قاضٍ من القضاة عُرفَ في المدينةِ بحُبهِ الشديد للرُّطبِ في بواكيرهِ، الفاكهة في أولها محببة، والآن ضعنا بهذه الزراعة المحمية، قال: طُرقَ بابهُ مرةً، وجاءَ الخادم بطبقٍ من الرُّطب في بواكيرهٍ، قال: ممن هذا يا بُني؟ قال: من فُلان، قال: صِفهُ لي؟ قال: صِفتهُ كيتَ وكيت، فعرفَ أنَّ هذا الشخص الذي قدّمَ هذا الطبق أحد خصومٍ عِندهُ في القضاء، فقال: رُدّهُ إليه، فردّهُ إليه، في اليوم الثالث توّجّهَ إلى الخليفة، وطلبَ منهُ أن يعفيهُ من منصب القضاء، قالَ: ولِمَ؟ قالَ: واللهِ قبلَ يومين جاءني طبقُ رُطب ورددتهُ، في اليوم التالي حينما وقفَ الخصمان أمامي تمنيت أن يكونَ الحق مع الذي قدّمَ ليَ طبقَ الرُّطب، تمنيت أن يكونَ الحق مع الذي قدم لي الرّطب، قالَ: هذا وقد رددتهُ فكيفَ لو قَبِلتهُ؟ فعندهُ ميزان دقيق جداً هذا الميزان أظهر.
يقولون: كان سيدنا عليّ كرّمَ الله وجهه في حضرة سيدنا عُمر، دخلَ يهودي يُخاصم سيدنا عليّاً، فقالَ: يا أبا الحسن، جالس بجانبه خليفة المُسلمين، أمير المؤمنين، هذا ساعدهُ الأيمن المقرّب، دخلَ شخص يُخاصم أبا الحسن، ما كانَ من عُمر إلا أن قال: قُم يا أبا الحسن فقِف إلى جنب الرجل، هكذا القضاء، فتأثّرَ سيدنا علي وتغيّرَ وجههُ، فلما حكمَ بينهما وانصرفَ اليهودي، قالَ: لِمَ يا أبا الحسن وجلت؟ أوَجِدت عليّ؟ قالَ: نعم، قالَ: ولِمَ؟ قالَ: لِمَ قُلتَ لي: يا أبا الحسن، ولم تقل لي: يا عليّ؟ لقد كرّمتني، ميزّتني عنهُ، أيضاً ميزانهُ دقيق جداً، إذاً هذا الذي تردّدَ قبلَ أن يُضحي بنفسهِ، قال:
يا نفــسُ إلا تقتلي تموتي هذا حِمـام الموتِ قد صليت
إن تفعلي فعلهما رضيت وإن تــوليت فقـــد شـقــيت
* * *
وقاتلَ حتى قُتل، قالَ عليه الصلاة والسـلام: رأيتُ في مقامهِ ازوراراً عن صاحبيه، فأنتَ كُلما ارتقى إيمانك يُصبح عِندك ميزان حساس جداً، تُحاسب نفسك على النظرة، على الكلمة، على السكوت أحياناً، لماذا هادئ؟ هذا قادم لعِندكَ إلى البيت، ذاهب نزهة، لماذا هذا الكهنوت؟ النبي كان يمزح مع أصحابه، أحياناً الإنسان يُعطي لنفسهِ هيبة مصطنعة، هذا ذنب، أحياناً إنسان يشكو لكَ همه، يقول: زوجتي غير جيدة، يقول له: أنا الحمد لله ممتازة، والله هذا ذنب، استوحش لحاله، أنتَ زوجتك ممتازة فقط هوَ زوجتهُ سيئة، من الأُنس أن تقولَ غيرَ هذا، فلذلك كُلما ارتقى الإيمان يَدقُّ الميزان، يصبح حساساً.
تفاسير أخرى للمم:
هناك تفسير جميل جداً، قالوا: اللمم ما فعلتهُ في جاهليتك قبلَ أن تؤمن، قبلَ أن تُسلم، قبلَ أن تتوبَ إلى الله عزّ وجل: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ﴾ لم تكن تعلم في عهد الجاهلية، حينما كُنتَ شارداً، حينما كُنتَ تائهاً، هذا لمم أيضاً، كلمة لمم يا إخوان أنا أُركّزُ على هذا الموضوع لسبب، أشعر أنَّ معظم المُقصّرين، أكثر المُسلمين، يفعلون كُلَ المعاصي تحت اسم اللمم، أخي هكذا قالَ الله: ﴿إِلا اللَّمَمَ﴾ هذا فهم شيطاني والله لهذه الآية، أي إبليس وسوسَ بهذا المعنى، حتى قال أحدهم: كلُ ما ليسَ عليه حدٌّ فهوَ لمم، حسناً، الحدود كلها خمسة؛ حدّ القتل، وحدّ الزِنا، وحدّ الخمر، معناها الباقي كلهُ لا بأس به حسب الآية، لا، هذا فهم ما أراده الله عزّ وجل.
مرةً ثانية، اللمم ما فعلتهُ قبلَ الإسلام، اللمم إذا نظرتَ لامرأةٍ وأنتَ لا تُريد أن تنظرَ إليها، النظرة الأولى التي لا تستغرق عُشرَ الثانية، هذه لمم، اللمم ما ألمَّ بالقلب، أي الخواطر، اللمم ما ليسَ بالشِّرك لأنهُ يُغفر، هذه المعاني، أمّا أن تظُنَّ اللمم أن تفعلَ كل شيء تحتَ اسم اللمم فهذا اللمم صار مُهلِكاً.
اللمم حينما تتخذُ الذنب عادةً، حينما تُصرُّ على الذنب، أصبحَ الذنبُ الصغيرُ كبيرةً، اللمم مرة واحدة لم تكن تعلم، سارعتَ إلى التوبة والاستغفار، هذا اللمم، أمّا تفعلُ الذنب على أنهُ ذنب، وتقول: هذا صغير، حينما تقول: هذا صغير فهوَ كبير، لا تنظر إلى صِغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت.
يروى أن سيدنا علي بن أبي طالب دُفع إليه سارق فأمرَ بقطعِ يدهِ، فقالَ: يا أميرَ المؤمنين والله ما سرقتُ غيرَ هذه المرة، فقالَ: كذبت، فلما قُطعت يدهُ، قال: اُصدقني كم لكَ بهذه المرة؟ قالَ: والله كذا وكذا مرة، أي عشرات المرات، فقال: صدقت، إنَّ اللهَ لا يؤاخذُ بأول ذنب أو كما قال.
أول غلطة الله عز وجل يعفو عنها، لم تكن تعلم، زلّت قدمُك، غَلبَتكَ نفسُك، تُبتَ سريعاً، بابُ التوبِ مفتوح، أمّا حينما تعيد وتُكرر هذه أصبحت كبائر، العائدُ إلى الذنب كالمستهزئ بربهِ، الذي يعود من توبتهِ ويُذنب مرةً ثانية كالمُستهزئ بربهِ.
من أجمل معاني اللمم معنى جديد، أي إذا هممتَ أن تفعلَ هذا الذنب ولم تفعلهُ خشيةَ الله عزّ وجل، هناك قصة مشهورة؛ شاب بمقتبل حياتهِ، في ظروف سمحت لهُ أن يَحُج، وهو بالثامنة عشرة أو عشرين سنة، عاد من الحج فتح مكتبة صغيرة في أحد أحياء دمشق، هذه القصة من أربعين أو خمسين سنة، كان هناك حافلات ترام، يبدو أن فتاة وقفت على باب مكتبتهِ، وكانت فاسقةً، كأنها أغرتهُ، أشارت إليه فتَبِعها، هوَ في الطريق تذكّرَ الحجَّ الذي حَجهُ، فرأى حافلة ركبَ فيها وعادَ إلى مكتبته، أي ما فعلَ شيئاً لكنهُ همَّ أن يفعل، هذه قِصة واقعة، وأنا إلى سنوات معدودة قيلَ لي: هذا الشاب لا يزال حيّاً يُرزق، في اليوم التالي جاءه أحد وجهاء الحي وسألهُ هذا السؤال الغريب: يا بُني أأنتَ متزوج؟ قال لهُ: لا والله يا سيدي، قالَ لهُ: والله عِندي فتاة تُناسِبُك، فأرسلَ أُمهُ فإذا هيَ فتاة ممتازة، جاءهُ مرةً ثانية قالَ لهُ: يا بُني كيفَ الأمر؟ قالَ: ممتاز، لكن ليسَ عِندي بيت، قالَ: هيَ والبيت يا بُني، وأغلق الدُّكان، وجعلهُ شريكاً لهُ في تجارة الزيت، قبل سنوات أُبلغت أنهُ لا يزال حياً يُرزق.
أي اللمم الشيطان وسوس لكن مباشرةً عُدت، إذا إنسان همَّ بسيئةٍ ولم يفعلها كُتبت لهُ حسنة، هذا معنى آخر من معاني اللمم، هذه المعاني كُلها رائعة، وكُلها شريفة، وكُلها تنسجم مع طهارة المؤمن، أمّا ينظر لامرأة حتى يأكُلها بعينيه، أخي هذه لمم، أي لمم هذه؟ تحتاج إلى فرم عليها هذه، كله عنده لمم، والله شيء مؤلم، قال: والقُبلة لمم أيضاً في بعض الكُتب، ما هذا اللمم؟ سوف يلتم لم عليها هذه.
الخلاصة:
على كُلٍّ؛ بهذا ننتهي من أنواع الذنوب والكبائر والمعاصي، والحقيقة ذكرتُها كُلها تمهيداً لموضوع التوبة، لأنَّ التوبة أول مرحلة فيها هي العِلم، الآن عَلِمنا ما هي الصغيرة؟ وما هي الكبيرة؟ وما هو الكُفر؟ وما هو الشِّرك؟ وما هو النِّفاق؟ وما هو الفِسق؟ وما هو الإثم والعدوان والفحشاء والمُنكر؟ وأكبرُ كُلِّ هذه الذنوب أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم.
لأنَّ الذنب مهما كانَ كبيراً تتوب منه، لكن المُبتدع ذا العقيدة الفاسدة لا يتوبُ من ذنبهِ، لذلك أخطر شيء في الإسلام أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم، أي إذا أنتَ مُعتقد أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يومَ القيامة لن يَدَعَ أحداً في النار، لابُدَّ من أن يشفعَ لأمتهِ كلها، أما الاعتقاد الفاسد يجعلُكَ تفعل جميع الذنوب، والأخطر من ذلك يمنعُكَ من أن تتوبَ منها أيضاً، فكُلُّ عقيدةٍ زائغةٍ خطورتُها أنها تمنعُكَ من التوبة، لأن من الناسِ من يدري ويدري أنهُ يدري فهذا عالِمٌ فاتبعوه، منهم من يدري قال: ولا يدري أنهُ يدري فهذا غافل فنبهوه، منهم من لا يدري ويدري أنهُ لا يدري فهذا جاهل فعلّموه، لكن الخطِر، ومنهم من لا يدري ولا يدري أنهُ لا يدري فهذا شيطانٌ فاحذروه.
لذلك أكبر كل هذه الذنوب أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم، أن تعتقدَ اعتقاداً فاسداً، أن تعتقدَ اعتقاداً ما أرادهُ الله عزّ وجل، أن تتهمَ اللهَ فيما تظن، ألا تنسِبَ إليه الأسماءَ الحُسنى والصِّفات الفُضلى، لذلك قال لهَ: يا ربي أيُّ عِبادُكَ أحبُّ إليك؟ قالَ: -الحديث طويل-أحبني، وأحبّ من أحبني، وحببني إلى خلقي، إذا حببتَ العِبادَ إلى اللهَ عزّ وجل فأنتَ على حق.
فأيها الإخوة الأكارم؛ إن شاء الله من الدرس القادم نبدأ بموضوع التوبة، لأنَّ التوبة هيَ الباب المفتوح إلى الله عزّ وجل.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين،اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين
