- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠7حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الاستقامة:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس العشرين من دروس حقائق الإيمان والإعجاز ، وفي لقاء سابق بينت لكم أن هناك كليات في الدين.
كيف أن الدولة هي كليات ثلاث، سلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية، وسلطة قضائية، هذه الدولة التي فيها مئات ألوف المكاتب والموظفين تنقسم في النهاية إلى كتل ثلاث، تشريع، تنفيذ، و قضاء.
ودائماً وأبداً في كل القطاعات الواسعة جداً هناك كليات، ففي هذا الدين العظيم بأي موضوع من موضوعات الدين تجد المراجع بعشرات الألوف، اقتنِ أي كتاب بالفقه يقول لك: المراجع 83 صفحة، أي كتاب بأصول الفقه، بالتشريع الإسلامي، بالتاريخ الإسلامي، فالمكتبة الإسلامية فيها مليارات الكتب.
هذا الدين العظيم يمكن أن يضغط بكليات ؟ كان هذا الموضوع السابق، وبدأنا بإحدى أكبر كلياته، إنها الاستقامة، وما لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً.
الدين و الثقافة:
هناك شيء اسمه دين منهج حياتي، تعليمات الصانع، الطريق إلى السلامة والسعادة، الطريق إلى نيل ما خُلقت من أجله وهو الجنة، هذا الدين، وهناك ثقافة دينية، الدين إن لم يطبق أصبح ثقافة والآن يسمونه تراثاً، الثقافة إسلامية، هناك أقواس إسلامية، زخرفة إسلامية، فن إسلامي، ثياب إسلامية، حتى هناك شِعر إسلامي ملتزم.
فنحن الآن الحديث عن الدين لا عن الثقافة، الثقافة أي إنسان يطلع عليها، بل أي إنسان يتقنها، بل إن في بعض الجامعات الغربية أستاذ الفقه الإسلامي، أو أستاذ الحديث الشريف ليس مسلماً، بل إن أهم المرجعيات العلمية في تراثنا من تأليف أجانب، هذه حقيقة.
فالثقافة شيء والدين شيء آخر، الثقافة معلومات، أي إنسان أوتي فهماً وذاكرة، وقوة إداركية يستوعبها، ويلقيها، ويتفنن في إلقائها، والدين شيء آخر، الدين التزام، ما لم تلتزم، ما لم تعطِ لله، تمنع لله، تصل لله، تقطع لله، ترضى لله، تغضب لله، الدين منهج تفصيلي، وأكبر خطأ وقع به المسلمون أنهم توهموه عبادات شعائرية ليس غير ، منهج تفصيلي، يبدأ معك من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، كيف تأكل، كيف تشرب، كيف تنام، كيف تمضي وقت الفراغ، كيف تطلب العلم، كيف تعامل أولادك ، جيرانك، أصحابك، من فوقك، من تحتك، كيف تبر والديك، تفاصيل وتفاصيل لا تنتهي.
من فهم الدين عبادات شعائرية ليس غير ابتعد عن فهم حقيقته:
لذلك: لمجرد أن تفهم الدين عبادات شعائرية ليس غير فأنت بعدت بعد الأرض عن السماء عن حقيقة الدين.
ولعلي بكلمة قالها بعض العلماء أوضح لكم ذلك: " ترك دانق من حرام ـ الدانق سدس الدرهم، أقل من ليرة سورية ـ خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ".
(( دَخَلت امْرَأةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ: ربطتها، فلم تُطْعِمها، ولم تَدَعْها تأْكُل مِن خَشاشِ الأرض ))
الذي ينقل أقوال الناس إلى أصحابها هذا ماذا يسمى ؟ يسمى نماماً، النمام غير المغتاب، لا يدخل الجنة نمام.
(( إن فلانة ذكر من كثرة صلاتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في النار ))
هناك نصوص تقصم الظهر، الدين سلوك، الدين انتماء، الدين التزام، الدين أن يراك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، الدين استقامة، الدين انضباط، الدين ضبط الدخل، ضبط الإنفاق، ضبط العلاقات، ضبط الحركة، في كل حركة تتحركها هناك حكم شرعي.
الاستقامة على أمر الله أحد أكبر كليات هذا الدين العظيم:
لذلك: هذا الدين العظيم أحد أكبر أكبر أكبر كلياته الاستقامة على أمر الله.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
من المستقبل،
﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
على الماضي، كلمة
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
غطت الماضي والمستقبل
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
عندما يعطي ممرض حقنة، لا بدّ من تعقيمها، وعندما يعطي أستاذ جراحة القلب بالمستشفى حقنة أيضاً لا بدّ من تعقيمها، فإذا تشابهت وسائل الشخصين، ممرض وأستاذ جراحة القلب هل يعني أن هذا الممرض جراح قلب ؟ لا، لا أبداً.
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
من كليات الدين: الاستقامة و العمل الصالح و التفكر:
الدين استقامة، الاستقامة تحقق السلامة فقط، ما دام الدخل حلال الله عز وجل لا يتلف لك مالك، ما دام اخترت زوجة مؤمنة لا تحتاج إلى تطليقها، ما دام ربيت أولادك تربية إسلامية لا تعاني من عقوق الأولاد، الاستقامة تحقق السلامة فقط، لكنها لا تحقق السعادة، السعادة تحتاج إلى بذل، أن تنفق من مالك، من وقتك، من جهدك، من خبرتك، من عضلاتك، من علمك، الاستقامة سلامة، أما السعادة تحتاج إلى عمل صالح.
كان موضوعانا في اللقاء السابق: الاستقامة والعمل الصالح، عندنا كليتان أخريتان، الأولى: التفكر، لأن أصل الدين معرفة الله، والذي أقوله دائماً: إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
من هان أمر الله عليه هان على الله:
لعلي وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى، الأمر معروف، لا يوجد أحد من المسلمين إلا كان بالمدرسة، وتعلم الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والوضوء ، وفرائض الوضوء، والسنن، والمستحبات، والصلاة، وأركان الصلاة، ومستحبات الصلاة، والصلوات الجهرية، والسرية، شيء مألوف، لا يوجد مسلم يعيش في العالم الإسلامي إلا وسمع عن أحكام الفقه، إما من المدرسة، أو من المسجد، لكن معرفة الأحكام الشرعية ومعرفة خالق السماوات والأرض شيء آخر، لعل المليار والخمسمئة مليون الذين ليست كلمتهم هي العليا، وأمرهم ليس بيدهم، ولا وزن لهم في الأرض، مع أنهم يحتلون أفضل موقع في العالم، ويتربعون على أكبر ثروات بالعالم، وبينهم قواسم مشتركة ينفردون بها ، لغة واحدة، وأهداف واحدة، وآمال واحدة، وآلام واحد، ودين واحد، مع أنهم يتمتعون بخصائص ينفردون بها لا وزن لهم في الأرض، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، لأنهم عرفوا الأوامر، ولم يعرفوا الآمر ، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله.
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
تدبر آيات القرآن الكريم:
إذاً لو دخلنا في موضوع التفكر، أنت هل تصدق أنه يمكن أن تقرأ آية في القرآن لا علاقة لك بها، القرآن لمن ؟ للأمم السابقة ؟ لا، لقوم عاد ؟ لقوم ثمود ؟ لقوم فرعون ؟ لا، القرآن لنا، وما دامت آياته لنا فمن تعني ؟ تعنينا.
أول حقيقة ينبغي أن تؤمن بها أن كل آية في القرآن لا بد من أن تأخذ منها موقفاً، هذه حقيقة كلية، يوجد أمر:
﴿ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾
ينبغي أن تصلي، نهي:
﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾
ينبغي ألا تغتاب، يوجد أمر تأتمر، نهي تنتهي، مشهد من مشاهد الجنة ينبغي أن تسعى إليها.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
وإذا كان مشهد من مشاهد أهل النار:
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾
لا يمكن أن تقرأ آية بالقرآن إلا ولك منها موقف، هذا الموقف هو التدبر.
القراءات في القرآن الكريم:
هناك قراءة لغوية، و قراءة تجويدية، هناك فهم، وهناك تدبر، وهناك تطبيق، أهم شيء في هذه القراءات الخمس اللواتي يشار إليهن في قوله تعالى:
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
أي قراءة من هذه القراءات الخمس قراءة فهم، قراءة تدبر، قراءة تطبيق ، قراءة تجويد، قراءة لغة، أهم قراءة في هذه القراءات قراءة التدبر، والدليل:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
آية أصل في هذا الموضوع، فالأمر تأتمر، والنهي تنتهي، مشهد أهل الجنة تسعى إليها، مشهد أهل النار تفر منها، أمة أهلكها الله سابقاً ينبغي أن تتعظ.
التفكر في خلق السماوات والأرض طريق من أهم الطرق لمعرفة الله عز وجل:
إذا قرأت ألفاً وثلاثمئة آية في الكون ما الموقف من هذه الآيات ؟ ألف وثلاثمئة آية تقريباً تتحدث عن الكون، ما علاقتك بهذه الآيات ؟ إن علاقتك بهذه الآيات التفكر في خلق السماوات والأرض.
التفكر في خلق السماوات والأرض طريق من أهم الطرق لمعرفة الله عز وجل، إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الآمر.
أنت تسمع أن هناك جهازاً في الدماغ معقد جداً، والجهاز يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، مركبة أطلقت بوقها، دخل صوت بوق المركبة إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن لأن المركبة تسير نحو اليمين، جاء الصوت هكذا دخل إلى هنا، ثم تابع ودخل إلى هنا، ففي الدماغ يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، والتفاضل قدره واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، ألا تشعر برعشة إيمانية ؟ ما هذه الصنعة المتقنة ؟ لو لم تعرف جهة الصوت، لتحركت نحو المركبة، فتتعدد حوادث الدهس في الأرض، لو أن هذا الجهاز غير موجود ماذا سيحصل ؟
دون أن تشعر تسمع صوتاً فتتحرك يميناً أو يساراً، بحسب الجهاز الذي أدرك جهة الصوت.
لو كان لك عين واحدة، بالعين الواحدة ترى خطين، خط الطول والعرض، أما الخط الثالث العمق لا تراه، حاول أن تضم إبرة بعين واحدة، قد تفاجأ أن الخيط يبتعد عن الإبرة عشرة سنتيمتر، شيء طبيعي جداً، افتح عينيك يأتي الخيط قبل ثقب الإبرة، هناك بعد ثالث، هذا البعد ناتج من انزلاق انطباع صورتي العينين في مركز البصر، هناك انزلاق بسيط حتى أوضحها لك:
يوجد مربع، ويوجد مكعب، كيف ترسم مكعباً ؟ ترسم مربعاً والثاني منزلق عنه، وتعمل أربع وصلات يخرج مكعباًَ، فلولا أن مكان انطباع صورتي العينين في مركز البصر في انزلاق ما رأيت البعد الثالث، البعد الثالث من نعم الله الكبرى.
أحياناً بالمرآة يقول لك: البعد غير حقيقي، تكون المرآة مكعبة أو محدبة، و إذا لم يكتبوا هذا سيتحاسبون، يتحاسبون كصانعي سيارات، يا ترى السيارة بالمرآة المحدبة بعيدة ؟ هي قريبة، لا تستطيع أن تقدر المسافة تماماً إذا كانت المرآة محدبة.
من أعطاك هذه الميزة أن ترى البعد الثالث ؟ الله عز وجل، أقسم لكم بالله يمكن أن يصبح إيمانك كالجبال من تفكرك بخلقك أنت، بجسمك، بالشعر، بالعينين.
تكون آلة تصوير، فيها بالميليمتر مربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي، وبالمليمتر بالشبكية يوجد مليون مستقبل ضوئي.
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
كلما تفكرت في خلق الله، في آيات الله، في العين، في الأذن، في الفم، في اللسان، في الشعر، في الدماغ مئة و أربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد.
التفكر الذي ينتهي بك إلى معرفة الله هذا أحد أكبر أصول الدين:
فأنا أقول لك: حينما تتفكر في خلق السماوات والأرض تقف وجهاً لوجه أمام عظمة الله، بهذا التفكر تكون قد قطعت شوطاً في معرفة الله، وكلما ازددت معرفة بالله ازددت طاعة له، و قد قال سيدنا علي رضي الله عنه: " أصل الدين معرفة الله ".
أيها الأخوة، التفكر الذي ينتهي بك إلى معرفة الله هذا أحد أكبر أصول الدين، لذلك اسمحوا لي بهذه الكلمة وقد تبدو غريبة جداً: يمكنك أن تقف و تتكلم في الدين ساعات طويلة من دون تحضير، وبلغة فصحى، وبأدلة نصية صحيحة، وبتحليل عميق، وبعر ض رائع، وبلغة جذابة، وأنت لا تعرف الله، كلام دقيق، لمجرد أن تعصيه أنت لا تعرفه ، لمجرد أن تأخذ ما ليس لك أنت لا تعرفه، لمجرد أن تعتدي على إنسان أنت لا تعرفه، لا تعرف وعده ووعيده، لا تعرف أنك ستحاسب على كل التفاصيل.
إنسان يحمل دكتوراه في الميكانيك، وعنده سيارة لكن ما أضاف الزيت إلى المحرك فاحترق المحرك، يأتي سائق سيارة غير متعلم، يعتني بوضع الزيت في السيارة ، فمحرك الجاهل سليم، ومحرك الدكتور احترق، أيهما أفضل ؟.
كفاك علماً بالله أن تعرفه، وكفاك جهلاً به أن تعصيه، أنا كنت أضرب مثلاً لعله غير مقبول:
لو إنسان معه أربع شهادات دكتوراه، له مئتا مؤلف افتراضاً، وهناك معصية مقيم عليها، وثابتة، وعنده حاجب لا يقرأ ولا يكتب، لكنه مستقيم على أمر الله، من هو العالم ؟ طبعاً غير مقبول كلامي إطلاقاً.
(( كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْماً أَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَنْ يعجب بعمله ))
حينما تعصي الله لا تعرفه، لكن قد تتكلم بالدين ساعات طويلة، مثلاً إنسان اغتصب بيتاً قُدم له إعارة، من أجل أن يحل مشكلته، والبيت عندما ُقدم له إعارة عدّه مستأجراً بوقت نظام الاستئجار لصالح المستأجر، واغتصب البيت، وهو يصلي، فنصحه أحد أصدقائه قال له: هذا العمل لا يجوز عندك بيت آخر، فينبغي أن تعطيه لصاحبه، وينبغي أن تعلم أيضاً أن صلاتك غير صحيحة، قال له: أنا أصلي في المسجد لا في البيت، الله لا يعرف.
لا تعدوا هذه مبالغة، ما لم تستقم على أمر الله أنت لا تعرف الله، أما قد تتكلم في الدين ساعات طويلة، هذا موضوع آخر، ثقافة إسلامية.
معرفة الله أحد كليات هذا الدين العظيم:
أيها الأخوة، إذاً الشيء الثالث من كليات هذا الدين أن تعرف الله، طبعاً قد تعرفه من كلامه، من تدبر القرآن الكريم، وقد تعرفه من أفعاله.
عفواً انهيار النظام العالمي المالي من أفعال الله، هذا الانهيار تحقيق لقوله تعالى:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾
نظام عملاق، دول عظيمة ملكت مليارات الدولارات، تتحكم بالعالم كله، أمرها نافذ، إرادتها محققة، ما كان أحد يخطر في باله أن هذا النظام العملاق المبني على الربا، وعلى المتاجرة بالقيمة، وعلى المتاجرة بالدين، ينهار، إلى الآن الانهيار لم يبدأ بعد، إلى الآن الانهيار يساوي 25 تريليون، لا يوجد إنسان يملك مبالغ طائلة إلا فقد نصفها، هذا من أفعال الله.
أنفلونزا الخنازير هذه من أفعال الله، أي هناك أشياء كثيرة جداً نراها كل يوم.
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ ﴾
انتصار عشرة آلاف مقاتل ضعاف لكنهم مؤمنون أمام جيش عملاق في المنطقة غير معقول، هذه من أفعال الله.
فأنت يمكن أن تعرف الله من آياته الكونية، أو من آياته التكوينية، أو من آياته القرآنية.
من آياته الكونية خلقه، من آياته التكوينية أفعاله، من آياته القرآنية كلامه، من كلامه تعرفه، من أفعاله تعرفه، من خلقه تعرفه.
التفكر في خلق السماوات والأرض من صفات المؤمن:
لذلك: التفكر في خلق السماوات والأرض من صفات المؤمن، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
أنت تشطر التفاحة شطرين، بعد ساعة ترى أن التفاحة التي شطرت اسودت لماذا اسودت ؟ قال: لأن الحديد الموجود فيها تأكسد مع الجو، من وضع في التفاحة معادن، و أملاح معادن، أنت بطعامك يوجد أملاح معادن، الحديد أساسي بطعامك، إذا شخص معه فقر دم ينصحونه بالتفاح، لوجود الحديد فيه، فالحديد موجود بمواد معينة، من صمم أن المعادن تكون على شكلين، معادن فلزات، ومعادن أملاح، لولا هذا التصميم لم يكن هناك أي مجال لنأكل الحديد.
هذه البقرة تعطي أربعين كيلو حليب، الخلية الثديّة بالبقرة كالقبة فوقها يوجد شعريات، كل أربعمئة لتر دم تساوي لتر حليب واحد، والحليب غذاء كامل، وهناك أبقار تعطي ستين كيلو يومياً، يحتاج وليدها إلى عشرة كيلو أو خمسة كيلو فقط، و الباقي مصمم للإنسان.
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾
العقرب غير مذلل، الأفعى غير مذللة، تقفز منها، أما البقرة تقترب منها، لا تخاف منها، فعندما أطعموا البقر مسحوق الجيف جن البقر، أحرقوا ثلاثة ملايين بقرة ببريطانيا، ثمنها ثلاثة و ثلاثون مليار جنيه إسترليني، كنت أقول دائماً: جنون البقر من جنون البشر، غيروا خلق الله عز وجل.
و في كل شيء له آية:
والله أيها الأخوة، البقرة آية كبيرة، الدجاجة آية كبيرة، الأنعام آية كبيرة، الجمل آية كبيرة، الشمس، القمر، النجوم، المجرات، المطر، الحجر، المدر، الأسماك، الأطيار، جسمك، جسمك الذي بين يديك أقرب شيء إليك، فكر إن لم يكن لك مفصل فينبغي أن تأكل كالقطة تماماً، الصحن على الأرض وأنت منبطح، تأكل الطعام بلسانك مباشرة، صل اليد إلى فمك، لولا هذه الأصابع ـ خمسة أصابع ـ ماذا كنت ستفعل ؟ تصميم رائع جداً.
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴾
أحد أكبر كليات الدين الاستقامة، أحد أكبر كليات الدين العمل الصالح، أحد أكبر كليات الدين التفكر في خلق السماوات والأرض، وأنت تأكل تفكر، ماشٍ في الطريق رأيت القمر، رأيت الشمس، رأيت المطر، رأيت النبات، الأزهار، الشجرة حطب، بالربيع شيء مذهل، ازدهرت، أورقت، أثمرت، قال لي شخص: حصلنا على أربعين صندوق تفاح من شجرة واحدة، معمل، منافعها لا تعد و لا تحصى نحصل عليها بصمت، لا يوجد مدخنة، ولا صوت، الشجرة معمل لطيف، ظلّ ظليل، طعام نفيس، هكذا.
أيها الأخوة الكرام، إن شاء الله في درس قادم نتحدث عن الشيء الرابع وهو الصلة بالله عز وجل.
الموضوع العلمي:
نقار الخشب:
أخواننا الكرام، كنت قبل فترة من الزمن في مكان جميل، سمعنا ضربات متلاحقة، سألت صاحب البيت ما هذه الضربات ؟ قال لي: هذه ضربات نقار الخشب.
فهناك موضوع أعددته في كتاب الإعجاز العلمي عن نقار الخشب، والله شيء لا يصدق.
قال: اسمه نقار الخشب، يتمتع بخصائص تفوق حدّ الخيال، له منقار قوي يقاوم قوى الضغط، ومتين يقاوم قوى الشد، قوي متين
نحن عندنا شيء متين.
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
المتانة تقاوم قوى الشد، والحبل متين، والألماس قاسي، يتحمل ضغط، تحمل قوى الضغط قساوة، تحمل قوى الشد متانة.
أخواننا الكرام، الحقيقة من آيات الله الدالة على عظمته نقار الخشب.
أولاً: منقاره مصنوع من تركيب عجيب في قوة تقاوم قوى الضغط، ومتانة تقاوم قوى الشد، ومرونة وعضلات رقبة في هذا الطائر قوية جداً
لأن قوة العضلات وشدتها ضروريتان لتأمين ضربات إيقاعية قوية، طبعاً الشجرة هكذا، طول منقاره قريب من اثني عشر سنتمتراً، يجب أن يدخل هذا المنقار إلى لب الشجرة، لأن هناك دودة ضمن اللب يأكلها
أما حتى هذه الساعة كيف يعلم هذا الطائر مكان الدودة ؟ لا أحد يعلم، شجرة عملاقة يقف بمكان، ويضرب بمنقاره لحاء الشجر، ويستمر إلى أن يصل إلى لب الشجرة.
له لسان طوله كطول المنقار
وينتهي بسطح خشن عليه مادة لزجة تلتصق الدودة على سطحه بالمادة اللزجة فيسحبها ويأكلها
كيف عرف هذا المنقار مكان الدودة ؟ سؤال ليس له جواب حتى الآن قال:
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
صفات نقار الخشب من آيات الله الدالة على عظمته:
إذاً: منقار مصنوع من تركيب عجيب، في قوة، ومتانة، ومرونة، وعضلات رقبة قوية جداً، لأن قوة العضلات وشدتها ضروريتان لتأمين ضربات إيقاعية قوية للمنقار، الذي يعمل به كأنه إزميل بالضبط
مطرقته رأسه، وقوة رأسه من عضلات رقبته، وهذا المنقار إزميل يدخل في الشجر، يثقبها إلى أن يصل إلى لبها، ويكون في هذا اللب وفي هذا المكان بالذات دودة يصل إليها و يأكلها، أما كيف يعرف الطائر أن هذه الحشرة في هذا المكان ؟ فهذا شيء لا يعلمه أحد حتى الآن.
لابدّ له من جمجمة سميكة، ولكنها أعطيت مرونة بأربطة دقيقة متعامدة
ولابدّ لهذا الطائر من مخمدات للصدمات، عضلات رقبته مخمد للصدمة.
أحياناً عندما أنت تستخدم مطرقة يدها من الخشب، حينما تضرب بهذه المطرقة على السندان، الخشب يمتص الصدمة، يسمونه مخمداً
إذا لم يكن هناك مخمد تُكسر يد العامل، فإذا انتقل رد فعل الضربة إلى يد العامل تُكسر، لابدّ من مخمدات، فعضلات الرقبة مخمدات لهذا الطائر، المخمدات نسيج ثخين جداً بين المنقار والجمجمة
هذا النسيج الثخين هو مخمد للصدمات، ولا بدّ له من لسان رفيع طويل بطول المنقار ينتهي بسطح خشن عليه مادة لزجة، من أجل أن يصطاد الحشرة المفضلة، ولا بدّ من أرجل قصيرة قوية لا تشبه الأرجل النحيلة، أرجل من نوع آخر قوية لكنها قصيرة
لأنه سيستند عليها، وبحسب استناده عليها تكون ضربة الخشب قوية، ولا بدّ من أصابع كالملزمة ـ كالكماشة ـ يمسك بها بلحاء الشجر.
إذاً لابدّ له من أرجل وكماشات تلتصق بالشجرة لوجود الضرب، المطرقة رأسه ، والمخمدات عضلات الرأس، والمنقار قوي، ومتين، ومرن، بداخل المنقار اللسان، ينتهي اللسان بسطح خشن، ومادة لزجة.
أيها الأخوة، لا بد له من ذنب من ريش قاس ومتين، ليستند إلى جذع الشجرة هو يضرب
أما الريش جعله قطعة ملتصقة بالشجرة تماماً، ويعينه على هذه الضربات الإيقاعية كي يوصل منقاره إلى لب الشجرة، ولا بدّ من قائمتين قصيرتين قويتين، ومن أربع كماشات على لحاء الشجرة.
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
أنا كنت في بستان قبل أيام استمعت إلى ضرب مستمر، سألت صاحب البستان ما هذا الضرب ؟ قال لي: نقار الخشب
أي مصمم، أما كيف يعرف مكان الدودة لا يوجد جواب حتى الآن، هذا من آيات الله الدالة على عظمته،
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾