- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠7حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الخوف من الله وسام شرف للإنسان:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع من دروس حقائق الإيمان والإعجاز، ولازلنا في موضوع الخوف، وقد ورد:
(( رأس الحكمة مخافة الله ))a
الحكمة سوف نمثلها بإنسان، أخطر شيء في الإنسان رأسه، فيه الدماغ، فيه المحاكمة، فيه الاستنباط، فيه الذاكرة، فيه الإرادة.
(( رأس الحكمة مخافة الله ))
والخوف من الله وسام شرف للإنسان، من خاف من الله خافه كل شيء، ومن لم يخف من الله أخافه الله من كل شيء، الخوف من الله عزّ وجل، الخوف من الله أمن، نحن أيها الأخوة بالعلاقات، هناك علاقات ترضية، وهناك علاقات عكسية، مثلاً كلما زاد الملح في الطعام ارتفع الضغط، فالعلاقة طردية، لكن كلما ابتعدت عن الدنيا اقتربت من الآخرة، وكلما اقتربت من الآخرة ابتعدت عن الدنيا، علاقة عكسية، لو طبقنا هذه الحقيقة على موضوع الخوف، الخوف من الله يعني الأمن وعدم الخوف من الله يعني الخوف، فلذلك الله عز وجل يقول:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
من ازداد خوفاً من الله ازداد قرباً منه:
الحقيقة الأولى:
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
معنى أتقاكم أشدكم خوفاً من أن تعصوه، من هو المتقي ؟ الذي يخاف أن يعصي الله، من هو الفاجر ؟ الذي يعصي ولا يخاف، مرة طالب قال لي أنا لا أخاف من الله، طالب شرد عن الله قلت له: أنت بالذات معك حق، قال: كيف ؟ قلت له: الفلاح عندما يأخذ ابنه الصغير إلى الحصيدة، عمره سنتان يضعه بين القمح، قد يمر أمامه ثعبان، طوله اثنا عشر متراً، لا يخاف منه، يلمسه، لأن إدارك لا يوجد، خوف لا يوجد، أنت تخاف من الله بقدر إدراكك، ولا تخافه بقدر جهلك، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت.
أنا أحياناً أقول كلمة يظنها السامع نقصاً، أقول له: أنا ينخلع قلبي عند الفتوى، قلت له: أنا ممكن حضر عشرة دروس وأنا مرتاح، لكن أهون عليّ من فتوى ضحلة، لعلي لم أفهم من السائل حدود المشكلة، أسمح له بشيء هو محرم، أو أحرم عليه شيء هو حلال، فلذلك كلما ازددت خوفاً من الله ازددت قرباً منه و
(( رأس الحكمة مخافة الله ))
سيدنا رسول الله في بيته، على السرير تمرة، قال: يا عائشة لولا أنني أخاف أنها من تمر الصدقة لأكلتها، أي اشتهى أن يأكلها لكنه خاف أن تكون من تمر الصدقة، فكلما ازددت خوفاً من الله ارتفع مقامك عند الله، وكلما اشتد خوفك من الله ازداد أمنك، كأن الله عز وجل لا يجمع على عبده خوفين وأمنين، إن خافه في الدنيا أمنه يوم القيامة، وإن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة.
من ذاق طعم القرب من الله تعالى و سعد به حُجب عن معصية الله عز وجل:
اسمعوا هذه الكلمة هي والله ملخص الملخص، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخافه في الدنيا وأن يخيفك من أحد عباده
احفظوا هذه القاعدة، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخافه في الدنيا وأن يخيفك في الدنيا من أحد عباده، أنت في حصن حصين، أنت في عين الله، أنت في رعايته، لذلك الله عز وجل يلقي عليك مهابة يخافك من حولك، وقد يكون الذي يخافك أقوى منك، وقد يكون الذي يخافك أغنى منك، الإيمان يعطي هيبة:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
بالعبادة الآن تذوق طعم القرب، فإذا ذقت طعم القرب وسعدت بهذا القرب، تخاف أن تعصيه فيحجب عنك هذا.
من متّن علاقته بالله عز وجل خاف من مجافاته:
الآن هناك معنى جديد بين أن تخاف عقابه وبين أن تخاف الجفوة معه، لذلك شاب سمع من شيخه أن لكل معصية عقاباً، فارتكب معصية صغيرة، بحسب كلام شيخه هو ينتظر العقاب من الله، مضى أسبوع
صحته، بيته، أولاده، مركبته لا يوجد شيء، واقع بجفوة يبدو أن قدمه زلت، في أثناء المناجاة قال: يا رب، لقد عصيتك ولم تعاقبني ؟ قال: وقع في قلب هذا الشاب: أن يا عبدي، قد عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفي هذه ؟
المؤمن له صلة بالله، له ود مع الله:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
هذا الود إذا انقطع هناك مشكلة كبيرة، أول مرحلة أخاف عقابه، أخاف بلاءً، أخاف مصيبة، أخاف مرضاً عضالاً، أخاف فقراً، أخاف جفوة، الآن أخاف أن تنقطع هذه الصلة مع الله، بالتعبير الدارج بين أن تخاف منه وبين أن تخاف على حزنه، أنت عندما تمتن علاقتك مع الله تخاف أن يجافيك، لذلك:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
جوهر العبادة التفات القلب إلى الله تعالى:
الآن أريد حقيقة دقيقة جداً في هذا اللقاء الطيب، ممكن جوارحك، أعضاؤك، أن تنصاع لأمر الله، ليس هذا هو الهدف:
﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (37) ﴾
الله عز وجل يريد قلبك، يريد قلباً منيباً له، يريد قلباً مقبلاً عليه، يريد قلباً خاشعاً له، يريد قلباً محباً له:
﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (37) ﴾
لذلك حتى العبادة جوهرها التفات القلب إلى الله، حتى الصيام من أجل أن يتعلق القلب بالله، حتى الصلاة من أجل أن يتصل القلب بالله، فلذلك أن تعبده بقلب حاضر، أو بقلب خاشع، هو سرّ العبادة، العبادة لها شكل ولها سرّ، شكلها أن تقف في الصلاة، أن تكبر تكبيرة الإحرام، أن تقرأ الفاتحة وسورة، أن تركع، أن تسجد، إلى آخره، ولكن الذي ينتظره الله منك أن يلتفت قلبك له وأن تقبل عليه:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
تتقون غضبه، تتقون سخطه، تتقون عقابه، تتقون البعد عنه، تتقون الجفوة معه.
ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه:
أيها الأخوة الكرام، يقول بعض العلماء: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله، أنا أتصور وأنا متأكد إن شاء الله أن هذه الدنيا لا تصلح إلا بالخوف من الله، نحن اخترعنا كلمات ليس لها معنى، يقول لك: ضمير مسلكي، ما هو الضمير المسلكي ؟ يترفع عن ألف ليرة، ألفين، أما خمسة ملايين ينهار أمامهم، أين الضمير المسلكي ؟
انتهى، أما الخوف من الله والله سمعت عن سائق وجد في سيارته عشرين مليوناً (قصة طويلة) بحث عن صاحبها أربعة أيام، يحوم حول المكان الذي ركب معه، إلى أن عثر عليه، أعطاه العشرين مليوناً، صاحب هذا المال شهم سأله هذه السيارة لك ؟ قال: لا، أنا سائق بالأجرة عليها، أخذه إلى سوق السيارات واشترى له سيارة بمليوني ليرة، لماذا ترك العشرين مليوناً ؟ خوف من الله، كلما ازددت خوفاً منه كلما ارتفعت عنده، كلما أعطاك، أيها الأخوة، عندنا قاعدة أنا أتصور أن زوال الكون أهون على الله من ألا تطبق هذه القاعدة:
(( ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه ))
شيء مغرٍ، ضغط كبير، صفقة فيها شبهة، بضاعة مصادرة رخيصة جداً، لكنك إذا أيقنت أنها مصادرة ظلماً ينبغي ألا تشتريها:
(( ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه ))
بأي مجال، بالتجارة، بالزواج، أي فتاة بارعة الجمال لكن دينها ضعيف جداً هذا الشاب نظر إلى مستقبل هذه الأسرة، عنده أولاد، هذه المرأة الغير المنضبطة لا تصلح أماً لأولاده، فاستغنى عنها وقال: حسبي الله ونعم الوكيل، هذا الإنسان مستحيل وألف ألف مستحيل أن يخيب ظنه يوفق إلى زوجة أفضل منها.
الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا و الآخرة:
أيها الأخوة، أصل كل خير في الدنيا وفي الآخرة الخوف من الله، بعضهم قال: قلة الخوف من قلة الحزن في القلب، وإذا قلّ الحزن في القلب خرب كما يخرب البيت.
هناك بيت خرب وهناك قلب خرب، فإذا لم يكن هناك معرفة بالله، لم يكن هناك خوف من الله، هناك من يقول الذي لا يخاف الله خف منه، لما المؤمن خاف من الله أذهب عنه الحزن:
﴿ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) ﴾
الآن بالجنة، غير المؤمن كان في أهله مسروراً، كان في الدنيا ببحبوحة، بيت وأولاد يرتدون أجمل الثياب، يقيم أفخر الولائم، يسافر، يتبجح، يتكلم عن سفرياته، عن مشاهداته، عن بيته، عن ثمن بيته، عن جمال زوجته، عن أولاده النجباء:
﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) ﴾
أما المؤمن دقق:
﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) ﴾
لذلك البطولة من يضحك آخراً، الإنسان يضحك، هناك من يضحك أولاً وهناك من يضحك آخراً، الذي يضحك أولاً يبكي كثيراً، والذي يضحك آخراً يضحك طويلاً إلى ما شاء الله:
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾
أما الكفار في الدنيا يضحكون من المؤمنين، بعض الأئمة يقول: الحزن تلقيح العمل الصالح، أي:
(( إن الله تعالى يحب كل قلب حزين ))
الحزانى معرضون للرحمة، الحزانى في كنف الله.
الاستقامة على أمر الله عز وجل نجاة للإنسان في الدنيا و الآخرة:
الإنسان الله عز وجل أودع فيه الشهوات، والشهوات التي يراها كلها محرمة، امرأة سافرة، كاسية عارية، مائلة مميلة، هو يخاف من الله يبحث عن امرأة صالحة، مؤمنة، طاهرة، محجبة، تربي أولادها، قد يتأخر زواجه كثيراً، عنده مشكلة، عنده دافع قوي للزواج و لا يوجد امرأة صالحة يتألم، صار عنده حزن، قال الحزانى في كنف الله:
(( إن الله تعالى يحب كل قلب حزين ))
الحزانى معرضون للرحمة، الحزن تلقيح للعمل الصالح، لكن بعد أن تحزن ويأتي الفرج تقول: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن:
﴿ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) ﴾
يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الأثر:
ما من بيت، إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات، فإذا رأى أن العبد قد انقضى أجله، وانقطع رزقه، ألقى عليه غم الموت، فغشيته سكراته، فمن أهل البيت الضاربة وجهها، والصارخة بويلها، يقول ملك الموت: ممَّ الفزع ؟ وممَّ الجزع ؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً، ولا قربت له أجلاً، وإنّ لي فيكم لعودة، ثم عودة، حتى لا أبقي منكم أحداً، فو الذي نفس محمد بيده، لو يرون مكانه، ويسمعون كلامه، لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم.
سيدنا ابن عباس يقول: سمع أبو بكر يقول يا رسول الله أراك شبت ؟ ولعله شيب مبكر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( شيبتني هود وأخواتها ))
هود، سورة هود ما الذي شيبه من سورة هود ؟ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا.
أعقل إنسان من يعدّ ليوم القيامة التي لابدّ منها:
بعض الصحابة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء.
مرّ النبي عليه الصلاة والسلام بإخوانه وهم حول قبر يدفنون رجلاً، فبدر من بين أيديهم ثم واجه القبر حتى بلّ الثرى من دموعه، و قال عليه الصلاة و السلام: أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا.
والله مرة شيعت جنازة وعند شفير القبر عندما فتح النعش، وحمل الميت، ووضع في القبر، في الشتاء برد ومطر وطين، وضع هذا الميت في القبر، وضعت البلاطة، أهيل التراب عليه، وانطلق أهله، انتهى الأمر، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على وجه الأرض إنساناً أعقل ولا أذكى ممن يعد لهذه الساعة التي لابدّ منها.
مرة قال لي شخص (ظن نفسه حقق نجاحاً كبيراً): أستاذ لي محضر في الشعلان هو يساوي أربعمئة مليون أخذناه بمئتين، ما شاء الله، كيف ؟ شيء يلفت النظر، قال والله في خمسة وسبعين وريثاً له، عملنا مناقصة شكلية أحضر سبعة، ثمانية، دخلوا بالمناقصة بشكل صوري، يرفعوا المزاد شيء بسيط وبيوم سريع الإعلام عنه ضعيف ما جاء أحد ورسا علينا بمئتين وهو يساوي أربعة، كأنه رأى نفسه بأعلى درجة من الذكاء، قلت له من أصحابه ؟ قال والله عدد كبير، أكثرهم أيتاماً، قلت له ماذا تفعل بالقبر ؟ فكر، قال والله ما جاءت هذه في بالي، اعتبر نفسه تاجراً من الطراز الأول، قلت له: هذا اليتيم إذا قال يا رب يوم القيامة سله لماذا أكل حقي ؟ بحيلة، بمناقصة، بتمثيلية صورية، والله وقتها قال لي إذاً ما الحل ؟ قلت له إما أن تعطي أصحاب هذه الأرض حقهم الكامل، أو انسحب من المناقصة، هذا الجواب.
(( رأس الحكمة مخافة الله ))
من لم يخف من الله عز وجل ففي إيمانه نقص:
والله أيها الأخوة، يستوي عند المؤمن المليار والليرة إذا فيها شبهة، يركلها بقدمه، طبعاً القصص التي أعرفها في هذا الموضوع لا تعد ولا تحصى، إنسان خاف من الله فركل هذه الصفقة بقدمه وقال معاذ الله:
(( ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه ))
الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ(75) ﴾
مضطر أن أتكلم ؛ الأطفال الآن يموتون بغزة لأن كهرباء لا يوجد، هناك حاضنات، هناك أطفال على المنفسة، لا يوجد خبز، لا يوجد أكل والعالم كله يتفرج، شيء مؤلم جداً، والله الذي لا إله إلا هو ما من قطرة دم، وما من طفل يموت جوعاً، وما من مريض يموت بسبب انقطاع الكهرباء، إلا حمل هذا الذنب يوم القيامة إنسان، يا رب سله لما قتلني ؟
والله أيها الأخوة إذا لم تبكِ مع هذه الأخبار هناك نقص بإيمانك، ادعُ لهم الله يحفظهم، إن استطعت أن تساعدهم فساعدهم، لم تستطع ادعُ لهم، أقل شيء تألم، لكن لا علاقة لنا، مسلمون يموتون من الجوع، هناك فندق حفل افتتاحه كلف مئة مليون دولار، قبل أيام، الليلة فيه بتسعة وعشرين ألف دولار، اذهبوا واجلسوا عشرة أيام، أناس يبذخون بذخاً يفوق حدّ الخيال، وأناس يحتاجون إلى منفسة مع الكهرباء، ويموتون من الجوع، هذه أمة ؟ والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن، من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم ؟
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾
العالم كله متفرج.
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ:
أيها الأخوة الكرام، جاءتني فكرة ؛ رئيس دولة عظمى في العالم بلقاء يقول: قبل أعوام مات أو قتل بجنوب إفريقيا
بدولة اسمها رواندا ثمانمئة ألف
يقول هذا الرئيس الأمريكي: كان بإمكاني أن أنقذ حياة أربعمئة ألف لكن ما تدخلت. لأنه لا يوجد نفط، أما على شبهة سلاح شمولي، ثلاثون دولة احتلت العراق على شبهة غير صحيحة، أما أربعمئة ألف ؟! لكن قال كان بإمكاني أن أنقذ حياة أربعمئة ألف لكن ما تدخلت:
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾
(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً ))
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ(75) ﴾
رأس الحكمة مخافة الله:
سيدنا عمر كان يقرأ في سورة الطور فلما وصل إلى قوله تعالى: إن عذاب ربك لواقع بكى واشتد بكاءه حتى مرض وعاده أصحابه.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
سيدنا عمر يقول لابنه وهو على فراش الموت ويحك ضع خدي على الأرض عسى الله أن يرحمني، ثم قال: يا ويل أمي إن لم يغفر لي ربي ثم قضى.
سيدنا عثمان كان إذا وقف على قبر يبكي حتى تبتل لحيته وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيهما أصير.
أبو الدرداء قال: إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي يا أبا الدرداء قد علمت فما عملت فيما علمت ؟
وكان يقول لو تعلمون ما أنتم تلقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوة، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم.
وسيدنا تميم الداري كان يقرأ القرآن فوصل إلى قوله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.
سيدنا عمر بن عبد العزيز كان يصلي دخلت عليه فاطمة بنت عبد الملك زوجته رأته يبكي، قالت: ما لي أراك باكياً ؟ قال: دعيني وشأني، فلما ألحّت عليه قال: ويحك يا فاطمة، إني قد وليتُ أمر هذه الأمة، ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهول، واليتيم المكسور، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، والأرملة الوحيدة، وذي العيال الكثير والرزق القليل، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، وأن خصمي دونهم رسول الله، فخفت ألا تثبت حجتي، فلهذا أبكي.
أيها الأخوة الكرام، في درس قادم إن شاء الله نتابع هذا الموضوع عنوانه
(( رأس الحكمة مخافة الله ))
الموضوع العلمي:
دوران الأرض آية من آيات الله عز وجل:
ننتقل إلى الموضوع العلمي، يعني أيها الأخوة هناك أشياء قريبة جداً منا، الليل والنهار، والشمس والقمر، ومن آياته الشمس والقمر:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾
حقائق بسيطة جداً يعرفها معظم الطلاب، هذه الأرض لولا أنها تدور ما في ليل ولا في نهار، في شهر ؟ ما في شهر، في أسبوع ؟ في سبت، في أحد، في اثنين، في ألفين وثمانية، في ألفين وسبعة، في قرون وسطى ؟
﴿ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ (12) ﴾
لولا أن الأرض تدور ما في زمن أساساً، تصور حياة الشمس في كبد السماء على طول، ما عاد في سنة، ولا شهر، ولا أسبوع، ولا يوم، ولا ساعة، فالأرض تدور، لما دارت صار في ليل ونهار، هذه واحدة، الآن تدور الأرض، لو دارت الأرض على محور موازٍ لمستوي دورانها حول الشمس، نهار إلى أبد الآبدين، الحرارة ثلاثمئة وخمسين درجة فوق الصفر، وليل إلى أبد الآبدين والحرارة صفر مطلق، مئتان وسبعون تحت الصفر، انتهت الحياة، الأرض تدور حول الشمس، يوجد مستوي لدورانها، أي سطح، خط دورانها على هذا السطح، نقول هذا مستوي دورانها، لو دارت الأرض على محور موازٍ لمستوي دورانها حول الشمس، لصار الليل أبدياً والنهار أبدياً:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ (71) ﴾
آية من آيات الله.
عظمة الله عز وجل وحكمته من دوران الأرض على محور مائل على مستوي دورانها:
الآن لو توقفت ألغي الزمن، لو دارت صار هناك زمن، وصار ليل ونهار، لكن دقق لو دارت على محور عامودي على مستوي دورانها، هنا صيف إلى أبد الآبدين، شتاء إلى أبد الآبدين
أي إذا دارت على محور عامودي على مستوي دورانها ألغيت الفصول، وألغي اختلاف الليل والنهار، النهار اثنا عشر ساعة، والليل اثنا عشر ساعة إلى أبد الآبدين، صيف، شتاء، خريف، ربيع، لا يوجد، لو لم تدر لا يوجد زمن، لو دارت على محور موازٍ لمستوي دورانها الليل سرمدي والنهار سرمدي، لو دارت على محور متعامد مع مستوي دورانها لا يوجد اختلاف ليل ونهار، ولا يوجد فصول.
لكن الأرض تدور على محور مائل على مستوي دورانها، الشمس من هنا، هنا صيف، وهنا ربيع، هنا شتاء، الأرض حينما تدور حول الشمس صار هنا صيف، هنا ربيع، هنا شتاء، بهذا المحور المائل صار في اختلاف الليل والنهار:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (190) ﴾
في يوم بالصيف سبع عشرة ساعة وفي يوم بالشتاء تسع ساعات أحياناً:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) ﴾
فقط الشمس والقمر والليل والنهار، فكر، فكر بعظمة الله عز وجل، فكر بحكمته، فكر بعلمه، فكر بقدرته.
التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله:
إن لم يكن هناك دوران فلا يوجد زمن:
﴿ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ (12) ﴾
صار في دوران، الدوران لو كان موازياً لمستوى الدوران نهار سرمدي، ثلاثمئة وخمسين درجة فوق الصفر ما في حياة، ليل سرمدي، مئتان وسبعون تحت الصفر، انتهت الحياة، دوران على محور عامودي مع مستوي الدوران لا يوجد اختلاف ليل ونهار، صيف سرمدي، شتاء سرمدي، ربيع سرمدي، خريف سرمدي، فصول لا يوجد، ما عاد في زراعة، الزراعة تحتاج إلى شتاء مطير وربيع وصيف حار، لما الله يقول:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
من آيات الله الدالة على عظمته، لذلك هذا الكون ينطق بوجود الله، وينطق بوحدانيته، وينطق بكماله، والله عز وجل ذات كاملة، أسماؤه حسنى، وصفاته فضلى، والتفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله، وأقصر طريق نصل به إلى الله.