وضع داكن
23-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 039 - أحاديث تتعلق بالورع وترك الشبهات2 - قصة الصحابي الجليل خباب بن الأرت
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة المؤمنون؛ لا زلنا في الحديث النبوي الشريف، ومن كتاب رياض الصالحين، وفي باب الورع وترك الشبهات، ومن عادة النووي رحمه الله تعالى: أنه يصِّدر أبواب كتابه بالآيات القرآنية التي تتصل بموضوع الباب، ومن العجبِ أنه صدَّر باب الورع وترك الشبهات بقوله تعالى:

﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)﴾

[ سورة النور ]

(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) حديث الإفك، وهو عند الله عظيم، وفي الحديث: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ -مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ-, لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا, يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا في الجنة, وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ -مِنْ سَخَطِ اللَّهِ-, لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا, يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ومالك  ]

أحياناً كلمة، تسبب طلاق امرأة من زوجها، كلمة تسبب ترك طالب علمٍ من معلِّمه، كلمة ثالثة تسبب التفريق بين زوجين، أو بين أخوين، أو بين شريكين، كلمة تسبب انصراف الإنسان عن الحق واتباع الباطل، لذلك: ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ -مِنْ سَخَطِ اللَّهِ-, لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا, يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)) وقد وفِّق الإمام النووي رحمه الله تعالى، في تصدير هذا الباب بهذه الآية: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) .

الآن: 

معظم المسلمين يظنون أن شرب الخمر، والسرقة، والزنا، هذه هي المعاصي، وهو بحمد الله تعالى بعيد عنها، ونسي أن الغيبة, والنميمة, وقول الزور، ونسي أن احتقار المسلم، نسي أن الاستعلاء على الخلق، هذه كلها من الذنوب العظيمة التي تقطع الإنسان عن الله عز وجل. 

أضرب لكم هذا المثل:

لو أن شريط الكهرباء الذي يوصل كهرباء المؤسسة إلى البيت، وفي البيت مصابيح، ومراوح، وبراد، وأجهزة كهربائية كثيرة جداً، إذا انقطع هذا الشريط الذي يوصل تيار المؤسسة بالمنزل، كل هذه المصابيح انطفأت، وكل هذه الأجهزة تعطَّلت، ما قيمة هذا الانقطاع إن كان صغيراً أم كبيراً؟ إذا كان بين الشريطين سنتيمتر واحد، أو ميليمتر، أو عشرة سنتيمترات، أو متر، كله انقطاع، الدعاء المشهور ((اللهم لا تقطعنا بقواطع الذنوب)) إنسان مقطوع عن الله لذنب صغير أو لذنبٍ كبير، في كلا الحالين فهو مقطوع، من أين الخطر؟ حينما يحسب المسلم, أن هذا الذنب صغير, لا قيمة له، فإذا هو مقطوع عن الله عز وجل.

فسهرة مختلطة، لم نفعل فيها شيئًا يا أخي، ولكن مزحنا، فهذا ذنب، هذه المرأة التي أمامك, لا يحل لك أن تنظر إليها، إذا أردت أن تصلي, شعرت أنك بعيد عن الله عز وجل، ما الفرق بين الزنا وبين هذه؟ طبعاً الزنا أكبر، وهذه أصغر، ولكن كلاهما ساهم في بعدك عن الله عز وجل، فالإنسان لو أنه مقطوع عن الله لأسباب كبيرة نقول: لا بد من أن يقطع، أما أن يفقد كل هذه الميزات، كل هذه الخيرات، كل هذا التجلي، كل هذا الإقبال, لأسباب تافهة, كم تكون خسارته؟.

فالإنسان أحياناً تضيع عليه صفقة ثمنها مليون، وهو ليس معه مليون، لكن معه مليون إلا ليرة مثلاً، فمن أجل ليرة واحدة, ضاعت عليه هذه الصفقة، يكون ندمه أشد, إذا ضيع الخير الكثير لسبب تافه، أما إذا ضيع الخير الكثير لسبب وجيه, يقول لك: لا أملك ثمنها، فالنبي عليه السلام أشار إلى آخر الزمان.

(( فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ: يَعْبُدُونَ شَمْسًا, وَلَا قَمَرًا, وَلَا وَثَنًا، وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ, وَشَهْوَةً خَفِيَّةً ))

[ أخرجه الحاكم في مستدركه ]

هذه صغائر الذنوب، هذه قواطع، ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال:

(( إياكم ومحقرات الذنوب، فإنها تجتمع على صاحبها حتى يهلكنه ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط والإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود ]

تتراكم، والمثل الشهير الذي أضربه دائماً: الصغيرة تشبه انحراف المقود سنتيمتراً واحدًا، هذا الانحراف إذا استمر, فالسيارة في الوادي، إذا استمر والطريق مستقيم وعريض، أما الانحراف مستمر، لا بد من أن يسقط في الوادي، أما الانحراف الخطير المفاجئ فيسقطها فوراً، الانحراف الصغير: لماذا هو صغير؟ لأن تلافيه سهل، إن الحسنات يذهبن السيئات، لذلك قال عليه السلام:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ حديث ضعيف ]

(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) الإمام النووي رحمه الله تعالى, افتتح هذا الباب: باب الورع وترك الشبهات, بقوله تعالى : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) وقوله جل وعلا : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) بالمرصاد يراقب كل أعمالك، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، ما تراه كبيراً، وما تراه صغيراً، فإذا كان الإنسان مراقبًا, يحاسب نفسه على أدق التصرفات، إذا أراد أن يصوّر نفسه, تجده يعدل من مظهره، لأنه لا يحب أن يكون مظهره فيه خطأ، وهي صورة عادية ليس لها أي قيمة، في الصورة العادية الإنسان يحاول أنْ يحسِّن شكله، إذا قابل إنسانًا له قيمته تجده ينتبه لثيابه، لألوانه، يضبط كلماته، ما دام تحت المراقبة، وإذا كانت عليه مراقبة كاملة, تجده يحاسب نفسه على الحركات والسكنات، وكل كلمة لها معنى، يوضِّح ما دام تحت مراقبة تامة، فإذا كان الله عز وجل يراقبه, فلا بد من ترك الشبهات، ولا بد من أن يكون ورعاً، هذه الآيات التي صدر بها هذا الفصل أو هذا الباب.

 

أحاديث تتعلق بالورع وترك الشبهات:


الآن إلى أعمال النبي عليه الصلاة والسلام:  

الحديث الأول:

(( عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بتمرة في الطريق, فقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ]

إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام ورع، والورع ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس. 

الحديث الثاني:

الحديث الشهير في الورع كلكم يعرفه، وهناك أحاديث أصبح تداولها بين أيديكم كثير.

((  عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ, وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ, وَبينها أمور مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ, فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ, كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى, يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ, أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى, أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ, أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً, إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ]

فأنت بعته هذا الكتاب ديناً بمئة ليرة، ثم باعك إياه نقداً بثمانين ليرة، الكتاب نفسه، تقول لي: هذا بيع وشراء صحيح، بعته بإيجاب وقبول، وقبض وتسليم، ثم باعك هذا الكتاب بإيجاب وقبول, وقبض وتسليم، هذا بيع حلال إذاً.

يأتي رجلٌ مرابٍ, يحضر كتابًا, ويضعه على الطاولة، وكلما أراد إنسان شراءه, طلب قرضاً منه بفائدة، فيبيعه الكتاب ديناً بألف ليرة، ويكتب: من فلان، ثمن كتاب كذا ألف ليرة، وفي الوقت نفسه يقول له: أتبيعني إياه بثمانمئة؟ يقول له: نعم، يفتح الدرج، ويعطيه ثمانمئة ليرة، فيا ترى هذا العمل بيع وشراء أم ربا؟.

قد يحدث لمرة واحدة، وفي صفاء ونية طيبة، أنت بعت بيعة بإيجاب وقبول صحيحين، وبيع حقيقي ليس خلبيًّا أو شكليًّا، وبعدما بعت, جاءك هذا بعد أسبوع، قال لك: هذا الكتاب أريد أن أرجعه، أنت يمكن أن ترجعه على أساس الإحسان، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾

[ سورة  النحل ]

ولكن أنت أحببت أن تكون بالعدل، العدل أن هذا الكتاب بعته بيعاً قطعياً، والبيع صحيح، والإيجاب صحيح، والقبول صحيح، قال: لك أتشتريه مني؟ مثلاً قد يحدث هذا لمرة واحدة، لظرف قاهر اشترى كتابًا، مع افتتاح المدارس، بعد شهر جاء، وليس له زبون لانتهاء الموسم، ليس لي مصلحة أن أرجعه، فأنت اشتريته منه شراء آخر، يجوز في حالات نادرة جداً, أن يكون فعلاً بيعًا وشراءً، لكن أن تجعل هذا الكتاب وسيلة لتحليل الربا، هذا صار حرام.

فالمتشابهات من جهة تشبه الحلال، ومن جهة أخرى تشبه الحرام، أنا أريد أن أعلم هذه المرأة التي معنا في الدائرة، أريد أن أبين لها الحجاب، وكَذا, وكذا، والله هذه دعوة إلى الله، ولكنها امرأةُ زينةٍ، فأية دعوة إلى الله هذه؟! دخل شيء ثان، بينهما مشتبهات، الحلال بين والحرام بين واضح كالشمس، وأنت تعرف الحلال والحرام بالفطرة من دون تعليم، اشترى طعامًا وأكله من مال حلال، فهذا حلال، أخذ ما ليس له، حرام بالفطرة.

هناك شبهات؛ دخلت معه في بيت، دفعت الربع، ويجب أن أؤدي هذا المبلغ بعد شهرين، أو بعد سنة كما أخذه، ولي عندك أجرة، لا يجتمع في الشرع ضمان وأجار، إذا كان الضمان فلا يوجد أجار، أنت مالك، والمالك لا يستأجر، وإذا كنت أنت مستأجرًا, فلا يوجد ضمان، إذا أخذت أجرة على أوضاع البيت, فبعد سنة يرخص، يرتفع، يستملك، يحترق، لا نعرف، فالموضوع دقيق ((وبينها أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) لذلك سيدنا رسول الله قال: ((تفقهوا قبل أن تحجوا)) تفقهوا قبل أن تدخلوا السوق، ومن دخل السوق بلا فقه, أكل الربا شاء أم أبى، والإنسان يقول لك: استقامة، فالاستقامة يجب أن تعرف الأمر، إذا أردت أن تستقيم على أمر الله, يجب أن تعرف أمر الله عز وجل، معرفة أمر الله حتم واجب ((فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ, اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ)) لأن في الإنسان مشكلة, يمكن أن نسميها بالفيزياء: مبدأ العطالة، وهي أن الجسم المتحرِّك يرفض السكون، والجسم الساكن يرفض الحركة، الدليل:

إذا كنت في سيارة منطلقة بسرعة، والسائق لسبب قاهر استعمل المكبح، أنت تهجم نحو الأمام، لماذا؟ لأن السيارة وقفت بفعل المكبح، أما أنت كجسم متحرك فترفض الوقوف، فعندما وقفت, هي بقيت, أنت تسير، أكثر الحوادث تأتي من الإيقاف السريع، لذلك ببعض الدول حزام الأمان لا بد منه، ما حزام الأمان؟ أنك جسم منطلق بسرعة، تساوي سرعة السيارة، فإذا توقفت فجأة، أنت ترفض الوقوف، وتظل ماشيًا إلى الأمام، فيحدث اصطدام، وتقع في مشكلة.

الآن: الجسم الساكن يرفض الحركة، والدليل: إذا أقلعت السيارة، تشعر أن المقعد الخلفي يدفعك نحو الأمام، لأنك تريد أن تبقى ساكنًا، والآن القمر الصناعي يعطونه سرعة ابتدائية يبقى يدور إلى الأبد، نظرياً طبعاً، ما دام قد أخذ سرعة، وليس هناك قوى مقاومة واحتكاك, فالجسم المتحرك يرفض السكون، هذه هي العطالة، طبعاً القوانين واحدة.

طبق هذا القانون على النفس, عندما يستمرئ الإنسان الحرام، يظل ماشيًا فيه، ولا يقف من حرام إلى أشد، الإنسان طبيعته متحركة، إذا مشى بطريق الإيمان من حسن لأحسن، من موقف فيه ورع إلى موقف أشد ورعاً، من موقف فيه إحسان إلى موقف أشد إحساناً، من صلاة متقنة إلى ما بين الصلاتين في صلاة، فكلما الإنسان مشى بالإيمان يرتقي، وإذا بدأ بطريق الانحراف، حينما تذل قدمه، عندنا قانون مهم جداً، هذا القانون أيضاً هو مادي، فأنت حينما ترى صخرة في رأس جبل، أنت الآن في كل الاختيار؛ لك أن تدعها في مكانها، ولك أن تدفعها نحو الهاوية، ولكنك إذا دفعتها نحو الهاوية، ليس في اختيارك أن توقفها في مكان معين، لا بد من أن تستقر إلى القاع.

الإنسان أحياناً يدفع ابنه أو زوجته إلى شيء من مخالفة للشرع، يظن فقط هذه، هو يريد هكذا فقط، ولكن هذا الأمر تجده يتفاقم، إلى أن تقع المشكلة الكبيرة، هذه قاعدة: الحرام يجر إلى حرام أشد، ماذا قال البوصيري رحمه الله تعالى:

فَلا ترمْ بالْمَعَاصِيْ كَسْر شَهْوَتهَا          انَّ الطَّعَامَ يُقَوِّيْ شَهْوَةَ النَّهِمِ

الخطوة نحو الحرام تتبعها خطوات، تساهل في مخالفة تتبعها مخالفات، نظرة تتبعها ابتسامة، يتبعها حديث، يتبعها موعد، يتبعها لقاء، يتبعها زنا، يتبعها فضيحة، يتبعها طلاق، يتبعها جريمة من نظرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، فالإنسان متحرِّك، هذا الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام الحديث معروف عندكم:

(( عن أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: الإيمان بالله، قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملاً؟ قال: يرضخ مما رزقه الله. قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ به؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان غنياً لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟ قال: يصنع لأخرق. قلت: أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئاً؟ قال : يعين مغلوباً. قلت : أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مغلوباً؟ قال: ما تريد أن تترك في صاحبك من خير؟ يمسك عن أذى الناس. فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟ قال: ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

هناك شيء اسمه تعاظم، أنت امش في طريق الإيمان, تجد نفسك في نمو، اليوم قرأت القرآن، غداً تقرأ القرآن مع التدبر، بعد غد: تقرأ مع التدبر والتفكُّر، وبعده: قراءة, وتدبر, وتفكر, وتطبيق، بعدئذٍ يصبح القرآن ربيع قلبك، احضر مجلس علم، تشتهي الثاني، والثالث، وغير نوع، وحديث، وتفسير، وعقيدة، وفقه، فالإنسان باللغة الأجنبية: ديناميكي، أي طبيعته متحرك، فإن مشى في طريق المعاصي, تتبعه خطوات نحو المعاصي، والطاعات أيضاً تأخذ بيدك إلى الله عز وجل ((وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ, وَقَعَ فِي الْحَرَامِ)) يا إخوان، النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، فسيدنا سعد رضي الله عنه قال: ((والله ما سمعت حديثاً من رسول الله, إلا علمت أنه حق من الله تعالى)) النبي عليه الصلاة والسلام يقول حديث، لو صدقناه جميعاً، أحياناً الإنسان يسمع أحاديث كثيرة، ولكن على قدر إيمانه يصدق، لو صدقت النبي بهذا الحديث, لما اقترفت معصية ((ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خيراً منه, في دينه ودنياه)) يعني من سابع المستحيلات, أن تدع شيئًا لله وتكون خاسرًا، إلا أن تكون أنت الرابح ، إلا أن يعوِّض الله عليك من الدنيا والآخرة، هذا قانون، ولكن ربنا عز وجل امتحانه دقيق، يأتيك شيء فيه شبهة، ويغلق الله عليك كل الأبواب، لا يوجد غيرها، لو كان في باب مفتوح خير، وباب شر، فتقول: أنا أريد الحلال يا أخي، لأنها سهلة، باب الحلال مفتوح، أما ربنا عز وجل لكي يكون الامتحان دقيقًا, يفتح لك باب فيه شبهة، والأبواب كلها مغلقة، إما أن تقول: والله لا أفعل هذا ولو مت جوعاً، أو تقول: يا أخي أنا مضطر، كله مسكر، طبعاً عندما قلت: مضطر كتب عليك ذلك، وأخذت علامة عند الله عز وجل، ربنا عز وجل قال:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾

[ سورة الملك ]

((كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى, يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ)) من ترك ما استبان, كان لما اشتبه أترك، ومن وقع فيما اشتبه عليه, كان لما استبان أوقع، إذا كان في قضية شك تركتها، طبعاً سيكون تركك للشيء الواضح مقطوعًا مئة بالمئة، أما شيء فيه شبهة وقعت فيه، المرة القادمة ستقع في الحرام، على أساس أن الإنسان متحرك ((أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى, أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ)) ، ((واتق المحارم تكن أعبد الناس)) هذا الحديث معروف عندكم, لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما وجد تمرة في الطريق قال: ((لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا)) هذا الموقف من النبي في منتهى الورع، ولكن المنافق أحياناً يعمل موقف فيه ورع، ويكون واضحًا, أنه ليس ورع, أنها تلبسة.

في عهد سيدنا عمر، وفي موسم الحج، والناس منشغلون في الطواف والسعي، رأى رجلٌ لوزةً، أمسكها وصاح بأعلى صوته، حتى ملأ الدنيا صخباً وضجيجاً: من صاحب هذه اللوزة؟ سمعه سيدنا عمر وقال له: ((كلها يا صاحب الورع الكاذب)) .

قال لي أحدهم: شاركت شخصًا في مشروع، ونحن نمشي في الطريق معا, وجد خمس ليرات رفعها, ووضعها في جيبه، بعد شهر قال له: أنت لي معك ليرتين ونصف، قال له: لماذا؟ قال له: مرة كنا نمشي معاً، ووجدت خمس ليرات، وهذه ليست لي فقط، لأننا كنا معا، طار عقله، ما هذا الورع؟ ولكن المشروع يخسر، كل سنة يخسر، الزبائن كثر، مدرسة ثانوية والطلاب كثر، بعد ذلك طلب الدفاتر، ظهر أنه محا خانة واحدة بالمصاريف، دفع كذا مئة، تصبح كذا ألف، أما الخمسة ليرات قال له: لك نصفها.

أحيانا يكون فيه الورع كمصيدة، الورع مصيدة، قال له: ((كلها يا صاحب الورع الكاذب)) أما النبي عليه السلام: ((لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا))

 الحديث الثالث: 

(( عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ, أَنَّهُ تَزَوَّجَ بنتا لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ, فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ, فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ, فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِيني, فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ, قال, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ: فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ, وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ؟ ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ]

فليست القضية سهلة، صار في مخالفة للشرع، صار في أخوة من الرضاعة، صار العقد باطلا، فأصحاب النبي عليهم رضوان الله, ما بلغوا ما بلغوا, إلا أنهم وضعوا كل حظوظ أنفسهم تحت أقدامهم، ما دام هذا العمل يرضي الله أفعله, لا يرضيه لا أفعله.

 الحديث الرابع: 

(( عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْه: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ, فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ, وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ ))

[ أخرجه الترمذي والنسائي ]

هذه قاعدة تكتب بماء الذهب: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)) في أثناء الحساب هناك شك، أنا أنصحك: ادفع له الحساب كاملاً، هذا أكثر اطمئناناًُ لقلبك، والله يعوض عليك، لكن أنت لست متأكدًا، وهو ليس متأكدًا، ما دام هناك شك في أن الدخل حرام ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)) والأذكى من ذلك, سجِّلْ كلَّ شيء، اكتب وصلا بالدَّين، من كتب حجة على مَن لم يكتب ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)) قضية أجازها عالم، ولم يجزها عالمان، صارت القضية خلافية، اخرج من الخلاف، خذ بالأحوط، أفت بالأسهل وخذ بالأحوط، الموقف الشريف أن تفتي بالأسهل، وأن تفعل بالأحوط، العكس أن تأخذ الأسهل، وأن تفتي بالأشد، هذا موقف صعب، لنفسه يفتي بالأسهل، للآخرين يفتي بالأحوط، فالعكس هو الصواب.

 الحديث الخامس: 

(( عن نافع رضي الله عنه: أن عمر كان فَرَضَ للمهاجِرِينَ الأولين أرْبَعَةَ آلاف، وفرضَ لابن عُمَرَ ثَلاَثَة آلافٍ وخمسمائة، فقيل لهُ: هو من المهاجرين، فِلِمَ نَقَصْتَهُ من أربعةِ آلافٍ؟ قال: إنَّما هاَجرَ به أبوهُ, يقول: ليس هو مِمَّنْ هاجَرَ بِنَفْسِهِ ))

[ أخرجه البخاري ]

لأن ابنه هاجر معه، ما جعل هجرته تامة، جعلها ناقصة، لذلك أنقص له فيما فرض له، أيضاً هذا من ورع سيدنا عمر.

 الحديث الخامس: 

((  عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ, -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ, أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ ))

وفي رواية:

(( لا يبلغ العبد حقيقة التَّقْوى, حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ, حَذَرًا مما بِهِ الْبَأْسُ ))

[ أخرجه الترمذي ]

تقريباً موضوع الورع يلخص بكلمتين, قالها النبي عليها الصلاة والسلام: ((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط)) و: ((من لم يكن له ورع, يصده عن معصية الله إذا خلا, لم يعبأ الله بشيء من عمله)) .

 

قصة الصحابي الجليل خباب بن الأرت.


والآن: إلى صاحب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, إنه خباب بن الأرت، جاء في التعليق على هذا الصحابي الجليل: أنه أستاذٌ في فن الفداء، إذا قرأنا قصة هذا الصحابي, يشعر كل واحد منا, أنه ما فعل شيئًا، فقد تأتي إلى مجلس علم، مسجد آمن، فيه كل وسائل الراحة، ساعة من ساعات الوقت, تمضيها في هذا المكان الطاهر، وتشعر أنك فعلت شيئاً, لقد حضرت مجلس علم، لقد جئت من أطراف المدينة.

 

مهنته.


كان صانع سيوف، فخرج نفر من القرشيين, يسرعون الخطا, ميممين وجههم شطر دار خباب، ليتسلموا منهم سيوفهم, التي تعاقدوا معه على صنعها، كان صانع سيوف، وقد كان خباب سيَّافاً يصنع السيوف، ويبيعها لأهل مكة، ويرسل بها إلى الأسواق، وعلى غير عادة خباب, الذي كان ما يفارق بيته أبداً، لم يجده ذلك النفر من قريش, فجلسوا ينتظرونه، وبعد حين طويل, جاء خباب على وجهه, علامات استفهامٍ مضيئة.

لما ينتقل الإنسان نقلة مفاجئة من حالة الكفر إلى حالة الإيمان، من الضياع إلى الوجدان، من الشقاء إلى السعادة، من الاضطراب الفكري إلى العقيدة الصحيحة، من الخوف إلى الطمأنينة، من الشرك إلى التوحيد، يدخل في جنة.

هذا الصحابي يبدو أنه قد عاد لتوه من عند رسول الله، وكان قد التقى معه اللقاء الأول، فالله يجعلنا من الذين يسمح لهم أن يلتقوا بالنبي عليه السلام، طبعاً: الذين آمنوا وعملوا الصالحات, مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

نسأل الله أن يجعلنا أهلا لذلك، ولكن يبدو أن النبي عليه السلام, الإنسان إذا التقى به لقاءً واحداً، يشعر أن كيانه كله قد اهتز، يشعر أن النور قد سرى في كل أنحاء جسمه، فهذا سيدنا خباب يصنع السيوف في بيته، واتفق مع نفر من قريش على صنع السيوف، وجاؤوا لاستلام السيوف، لم يجدوه، عاد من توه من عند النبي، وجدوا على محيَّاه علامات استفهام مضيئة، وفي عينيه دموع الفرح، وحيا ضيوفه وجلس، وسألوه عجلين:

هل أتممت صنع السيوف يا خباب؟. وجفت دموع خباب، وحل مكانها في عينه تألق وسرور، وقال، وكأنه يناجي نفسه: إن أمره لعجيب!!.

إذا كنا نريد أن نقيس, إذا كنت مؤمنًا صادقًا, فيجب أن يحتار الناس في أخلاقك العالية، يجب أن يحتاروا في كمالك، يجب أن يحتاروا في وفائك، وتواضعك، وإنصافك، ورحمتك، وحجتك القوية، وصفائك، وروحانيتك، هكذا الأنبياء، وإن الله أمر المؤمن بما أمر به المرسلين، فالتقى لقاء واحدًا، صار في حيرة، قال: إن أمره لعجيب!!.

فسألوه: أي أمرٍ يا رجل؟ أمر من؟ هؤلاء زبائن السيوف، أي أمر يا رجل؟ نسألك عن سيوفنا، هل أتممت صنعها؟ شارد سيدنا خباب، صار بعالم آخر.

قال: هل رأيتموه؟ هل سمعتم كلامه؟ من؟.

وينظر بعضهم إلى بعض في دهش وعجب، ويعود أحدهم, فيسأله في خبث: هل رأيته أنت يا خباب؟ ويسخر خباب من مكر صاحبه، فيرد عليه السؤال قائلاً: مَن تعني؟.

ويجيب الرجل في غيظ: أعني هذا الذي تعنيه أنت، من هذا الذي رأيته؟ ومن هذا الذي أمره عجيب؟ أي ماذا حدث لك؟.

ويجيب خباب بعد إذ أراهم، أنه أبعد منالاً من أن يستدرج، وأنه إذا اعترف بإيمانه الآن أمامهم، فليس لأنهم خدعوه عن نفسه، واستجرّوا لسانه، بل لأنه رأى الحق وعانقه، وقرر أن يصدع به ويجهر به- يجيبهم قائلاً في نشوة وغبطة: أجل لقد رأيته وسمعته، رأيت الحق يتفجر من جوانبه، رأيت النور يتلألأ من ثناياه.

وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون، عرفوا أنه النبي اللهم صل عليه، فصاح به أحدهم: من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أم أنمار، وكان سيدنا خباب عبدًا لأم أنمار.

وأجاب خباب في هدوء القديسين: ومن سواه يا أخا العرب؟ ومن سواه في قومك يتفجر الحق من جوانبه، ويخرج النور من ثناياه؟!.

وصاح آخر وقد هب مذعوراً: أراك تعني محمداً؟.

وهز خباب رأسه المفعم بالغبطة وقال: نعم, إنه رسول الله إلينا، ليخرجنا من الظلمات إلى النور.

ولم يعلم بعد ذلك شيئاً، لا يدري بعد ما قال هذه الكلمات، ولا ماذا قيل له؟ كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته، بعد ساعات طويلة، ليرى زواره قد انفضوا، وجسمه وعظامه تعاني رضوضاً وآلاماً، ودمه النازف يضمخ ثوبه وجسده، يبدو أنهم ضربوه ضرباً لا يحتمل ، حتى ﺇنه غاب عن الوعي، تكَّسرت عظامه، سال الدم من جسمه، بعد ساعات أفاق من غيبوبته.

 

هذا أول درس في الفداء.


فإذا غضب الأب من ابنه لأنه يصلي، يقول له: لا أتحمل، تكلم معك كلمتين، إذا غضب الشريك من شريكه, لأنه رفض أن يأكل الربا، يقول لك: لست مسروراً، صار شيء، نحن يجب أن نعلم: ماذا قدمنا للإسلام؟ أصحاب النبي عليهم رضوان الله, قدموا كل شيء، بفضل تضحياتهم، وبذلهم، وصبرهم.

الآن: نحن في بحبوحة كبيرة جداً، تأتي إلى المسجد، المسجد مفعمًا بالمصلين، في بحبوحة، وفي راحة، وفي أمان، لا شيء علينا، نحن في نعمةٍ كبيرةٍ جداً، نحن جاءنا الإسلام لقمة سائغة، تفضل احضر الدرس، تستطيع أن تصلي، وتحضر مجالس علم، وتقيم الحق في بيتك، وتفعل الخير، الأمر في يسر وسهولة جداً، وهذا من فضل الله علينا في هذه البلدة، ولكن هل تدري ماذا فعل أصحاب النبي, حتى صار الإسلام بهذا اليسر؟ هل تدري كم تحملوا من تعب، من شقاء، من تعذيب، من قطيعة, من فقر، من هجران، من تشرُّد؟ هل تدري ماذا فعلوا؟.

يقول الشعبي وهو من التابعين: لقد صبر خبابٌ، ولم تلن له على أيدي الكافر قناة، فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف، حتى ذهب لحمه.

أحد الشعراء قال:

لو قال تيهاً قف على جمر الغضا      لـوقفت متــمثلاً ولـم أتوقف

أو كان من يرضى بخدي موطئاً         لــوضعته أرضاً ولم أستنـكف

حالات الحب، حالات الشوق إلى  الله عز وجل، لو قال محبوبه:

لو قال تيهاً قف على جمر الغضا       لـوقفت متــمثلاً ولـم أتوقف

أو كان من يرضى بخدي موطئاً           لــوضعته أرضاً ولم أستنـكف

فكانوا يلصقون ظهره العاري بالرضف، حتى ذهب لحمه.

 

حديث النبي صلى الله عليه وسلم لخباب.


مرة سيدنا خباب من شدة الآلام التي تحملها، لأنه كان عبدًا لامرأة كافرة اسمها: أم أنمار، وكانت تسهم أيضاً في تعذيبه، جاء خباب إلى النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله, كان النبي متوسداً ببرد في ظل الكعبة.

(( فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ, قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ, يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ, فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ, فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ, فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ, وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ, وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ, مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ, وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ, وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ, حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ, لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ, أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ, وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ))

النبي له رؤية بعيدة، لا بد من أن ينصر الله هذا الدين، لأنه دينه، ولأن الأمر كله بيده ، ولكن إذا جاء الضيق, فمن أجل أن يظهر الصادق، من أجل أن يرق الإنسان إلى الله عز وجل، الشيء الذي يأتي باليسر بلا ثمن لا قيمة له، هذا الذي آمن بالنبي في وقت العسرة، في وقت الشدة والضيق, له أجر آخر، غير أجر الذي آمن به في الرخاء.

خاض سيدنا خباب معركة أخرى مع أم أنمار، سيدته، فكانت تأخذ الحديد المحمَّى الملتهب, تضعه فوق رأسه ونافوخه، وخباب يتلوى من الألم، لكنه يكظم أنفاسه حتى لا تخرج منه زفرة, ترضي غرور هذه السيدة، ومر به النبي عليه السلام، هذا في وقت الضعف، والحديد المحمَّى فوق رأسه، فطار قلبه رحمة وحناناً وأسىً، ولكن ماذا يملك عليه؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم انصر خباباً)) دعا له النبي، ولكن هذه المرأة الظالمة الشريرة التي عذَّبت عبدها هذا التعذيب, أصيبت بمرض عضال في رأسها، وكان من جملة الأدوية: أن يكوى رأسها بالنار.

حدثني أخ قال لي: هناك امرأة بعيدة عن الدين بعدًا شديدًا جداً، تكره كل امرأة ديِّنة، وكان لها عمل، بحسب عملها, كل فتاة أو امرأة لها مظهر ديني, كانت تبطش بها، قال لي: فجأة وقد رأيتها, وضعت على رأسها حجاباً، قلت: سبحان الله، لقد هداها الله عز وجل, ولكن القصة ليست كذلك، إن مرضاً خبيثاً أصاب شعرها، فطلبت من الطبيب أن تضع شعر مستعارًا, بعد أن حلقوا لها رأسها كله، فقال لها: لا، لا بد من وضع هذا القماش على رأسك.

فربنا عز وجل أحياناً ينتقم، فالإنسان لا يكون أداة بيد الشيطان، يكون بيد الرحمن، يكون داعيًا للإصلاح، فحينما يقف الإنسان موقفًا, ليطفئ نور الله عز وجل, يقصمه الله عز وجل, قال تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) فهذه المرأة أصابها مرض في رأسها، اضطرت أن تكويه بالنار، جزاء ما فعلته بعبدها سيدنا خباب.

 

علاقة خباب مع عبد الله بن مسعود.


كلكم يعلم أن النبي عليه السلام قال:

(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ, فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ ))

[ أخرجه ابن حبان والحاكم عن عمر بن الخطاب ]

من هو ابن أم عبد؟ عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن مسعود, كان يعد خباباً مرجعاً له فيما يتصل بالقرآن وحفظه ودراسته، انظر الجمع بين التضحية والعلم، بقدر ما هو أستاذٌ في الفداء, هو أستاذٌ في القرآن، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً, لو اتخذه لعلمه.

فأن تقول: أنا لا أعرف، ليس لي دخل، أنت مظنة علم، أنت على ثغرة من ثغر الإسلام.

فهذا خباب بن الأرت, كان يقرأ القرآن على أحد أصحاب رسول الله: سعيد بن زيد، عندما فاجأهم عمر بن الخطاب متقلداً سيفه الذي خرج به, ليصفي حسابه مع محمد، ولكن لم يكد يتلو القرآن المستور في الصحيفة التي كان يعلم منها خباب، كان خباب عند سيدنا سعيد بن زيد يعلمه القرآن، فدخل سيدنا عمر، سيدنا خباب من خوفه من عمر, اختبأ في مكانه، دخل عمر، وأمسك بهذه الصحيفة, وقرأها، ثم صاح سيدنا عمر صيحته المباركة:

دلوني على محمد، وسمع خباب كلمات عمر هذه, فخرج من مخبأه، كان خائفًا منه أولاً، فلما سمع كلمات عمر هذه، خرج من مخبئه، الذي كان قد توارى فيه, وصاح: يا عمر، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإني سمعته بالأمس يقول: أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ.

وسأله عمر من فوره: وأين أجد النبي يا خباب؟.

فقال خباب: عند الصفا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم.

ومضى عمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والقصة معروفة، ظنه أصحاب النبي جاء ليقتل النبي، ومعه سيفه، ودخل إلى دار الأرقم.

وكانت هذه أسعد لحظات حياته.

هذه أيام الله، يوم عرفت الله، يوم عقدت الصلح معه، يوم تبت توبة نصوحاً، يوم بكيت من شدة الندم على ما مضى، يوم قرأت القرآن فانشرح صدرك، يوم دخلت المسجد فشعرت كأنك في جنة، هذه أيام الله تذكرها دائماً، يوم عدت إلى الله عوداً طيباً, وأنت في بحبوحة، وأنت في شبابك، وأنت في صحتك، هذه أيام الله.

 

ما سبب بكاء خباب وهو على فراش الموت؟.


سيدنا خباب مرِض مرَض الموت، فجاءه عوَّاده يواسونه، فبعضهم قال له:

أبشر يا أبا عبد الله، فإنك ملاق أخوانك غداً.

فأجابهم وهو يبكي، وبعد حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وبعد خلافة سيدنا الصديق، وسيدنا عمر، وسيدنا عثمان، ذهب إلى الكوفة, وجاءه مالٌ وفير، بنى بيتاً في الكوفة، وصار من أغنياء الصحابة، وكان في هذا الغنى كريم كرمًا شديدًا، ولكنه كأنه شعر بعد موت النبي بالتمتع بالحياة، ولكن أصحاب النبي الأوائل ما تمتعوا بالحياة، شعر بينه وبينهم بفارقٍ كبير.

فأجابهم وهو يبكي: أما إنه ليس بي جزع، ولكنكم ذكرتموني أقواماً وأخواناً, مضوا بأجورهم كلها، لم ينالوا من الدنيا شيئاً، وإنا بقينا بعدهم, حتى نلنا من الدنيا, ما لم نجد له موضعاً, إلا التراب.

لأنه عاش بعدهم حياة مديدة، واغتنى، وبنى دار، وكان كريماً وسخياً، ومع ذلك رأى نفسه دون أصحاب النبي.

وأشار إلى داره المتواضعة التي بناها، ثم أشار مرةً أخرى إلى المكان الذي فيه أمواله وقال: والله ما شددت عليها من خيط, -كان الناس يضعون الأموال بكيس وله خيط، يشنق الكيس لم يدفع شيئاً، العوام يقولون عن البخيل: شانق الكيس، فهنا جاءت في قول الصحابي الجليل: والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها سائلاً.

ثم التفت إلى كفنه الذي كان قد أعد له، وكان يراه ترفاً وإسرافاً، وقال ودموعه تسيل: انظروا هذا كفني، ولكن حمزة عم النبي علي الصلاة السلام, لم يوجد له كفن يوم استشهد، إلا بردة ملحاء، بالية، إذا جعلت على رأسه, قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه, قلصت عن رأسه.

هذا عم النبي سيدنا حمزة.

ومات خباب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة، سبعة وثلاثون عاما عاشها بعد الهجرة، مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية، ومات أستاذ صناعة الفداء والتضحية والقرآن في الإسلام. 


  الخاتمة :


أيها الإخوة؛ كفار قريش، وزعماء قريش الأغنياء المتكبِّرون، جاؤوا النبي عليه الصلاة والسلام يوماً، فقالوا: اجعل لنا يوماً نلتقي بك، ويوماً لهؤلاء أمثال خباب وصهيب وبلال، هؤلاء من دهماء الناس، صغار، عبيد، يوماً لنا، ويوماً لهم، بماذا أجاب النبي؟ هل تدرون بماذا أجاب النبي؟ ماذا طلبوا منه؟ يوما لنا ويوماً لهم، القرآن الكريم أجاب عنه, قال الله عز وجل يخاطب النبي الكريم:

﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)﴾

[ سورة الأنعام ]

يعني خباب وصهيب وبلال قال تعالى: (فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ربنا عز وجل في عليائه, يرحب بهؤلاء الصغار؛ سيدنا خباب، سيدنا بلال، سيدنا صهيب، هؤلاء الفقراء العبيد، لأنهم: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بعد هذه الآية، كلما دخل عليه سيدنا خباب، وصهيب ، وبلال, كلهم عبيد فقراء، من الطبقة السفلى في المجتمع، كلما دخلوا عليه, ماذا يقول لهم؟ يقول لهم: ((أهلاً بمن أوصاني ربي بهم)) الإنسان لا يحتقر إنسان، فهذا الذي تجده على بابك واقف، أنت قد تكون بوظيفة عالية جداً، وعندك مستخدم على الباب، قد يكون أرقى عند الله منك، فمقياس القرآن مقياس التوبة، مقياس الإخلاص، مقياس الاستقامة، مقياس المحبة، مقياس الطاعة، مقياس العمل الصالح، هذا المقياس، فرب مبلغ أوعى من سامع، رُبَّ إنسان تحتقره قد يكون عند الله أعلى منك بكثير.

آخر الكلمات التي قيلت في هذا الصحابي الجليل: سيدنا خباب، كلمة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حين كان عائداً من معركة صفين، فوقعت عيناه على قبرٍ غضٍ رطيب، فسأل:

قبر من هذا؟ فقالوا: هذا قبر خباب، فتملاه خاشعاً آسياً، وقال: رحم الله خباباً، لقد أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهدا.

يا إخوان؛ الدنيا ساعة, اجعلها طاعة، كله ماضٍ، كل ما تشاء، واسكن في أي بيت تشاءه، كله موقت، وكله إلى زوال، وكله إلى فناء، والذي يبقى العمل الصالح، الذي يبقى هذه المواقف المشرفة، هذه الطاعة، هذا الإخلاص، هذا الفداء، هذه التضحية، هذا البذل، هذا العطاء، هذا الذي يبقى، وما سوى ذلك فانٍ، لذلك قيل: ((الدنيا جيفة, فمن أرادها, فليصبر على مخالطة الكلاب)) الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له، الحقيقة: أن أصحاب النبي عليهم رضوان الله، كل واحد يمثل نموذج بشري، كأنه في حكمة بالغة، كأن ثمة تخطيطًا دقيقًا جداً: أن الله عز وجل, اختار للنبي عليه الصلاة والسلام أصحاباً, يمثلون كل الطبقات، كل الفعاليات، كل المناشط، كل المستويات؛ كبار، وجهاء، عظام، صغار، فقراء، ضعاف, أحرار، عبيد، أغنياء، فقراء، مرضى، أصِحَّاء، أذكياء، أقل ذكاء، تجد في أصحاب النبي من كل النماذج البشرية، وكل واحد له قدوة.

فإذا كان شأن الواحدِ في المجتمع ضعيفًا، وعمله متواضعًا جداً، لا أحد يعرفه، وما ضره أنه لا أحد يعرفه, إذا كان الله يعرفه, له من هذه القصة أسوة حسنة، الناس لا قيمة لهم في هذا الموضوع، إذا كان الله يعرفك، يعرف إخلاصك، النبي الكريم كانوا إذا دخلوا عليه رحب بهم، قال: ((أهلاً بمن أوصاني بهم ربي)) فإن أكرمكم عند الله أتقاكم، فلا يهمك المرتبة الاجتماعية، تكون بعمل متواضع جداً, لا أحد يعرفك، عمل بسيط ليس له شأن إطلاقاً، ولكنك إذا كنت مستقيماً على أمر الله, لك عند الله شأن كبير، والله عز وجل لا بد من أن يرفع لك ذكرك, قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾

[ سورة الشرح ]

هذه من لوازم المؤمنين.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور