وضع داكن
19-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 041 - أحاديث تتعلق بفضل قراءة القرآن – قصة إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

أحاديث تتعلق بفضل قراءة القرآن:


أيها الإخوة المؤمنون؛ لا زلنا في كتاب رياض الصالحين، واليوم في الباب الذي عنوانه: فضل قراءة القرآن.

 الحديث الأول: 

(( قَالَ عُمَرُ: أما إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا, وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ ))

[ أخرجه مسلم ]

معنى ذلك كما قلت في الدرس الماضي، يوم الجمعة: أن هناك مصادر عدَّة للمعرفة؛ منها الكون، ومنها الحوادث، لكن القرآن معرفةٌ شاملة، القرآن بيانٌ إلهي, فيه آياتٌ كونية، وفيه مشاهد ليوم القيامة، وفيه وعدٌ ووعيد، وفيه تبشيرٌ وإنذار، وفيه حِكَم، وفيه قصص، وفيه أمثال، وفيه أخبار، وفيه مُغَيَّبات، وفيه أحكام، إذاً: بيان إلهي، الله عزَّ وجل قال:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾

[ سورة المائدة ]

الذي يكملك أيها الإنسان هو كلام الله عزَّ وجل، أنت مخلوق في أعلى درجات التعقيد؛ نوازع، دوافع، شهوات، ميول، إدراك، طموحات، فطرة، صبغة، كائن من أعقد الكائنات، لا تعقيد عجز بل تعقيد إبداع.

قد تجد طاولة في بيتك، هذه الطاولة غير معقدة, لوحٌ من الخشب, وأربع قوائم، لكن قد تفتح جهاز حاسب إلكتروني, تجد فيه العجب العجائب، تقول: يا أخي شيءٌ معقد، هل تعني بالتعقيد أن الشيء ضعيف؟ لا، بل تعني بالتعقيد شيء عظيم، ترى آلاف الصمامات، التفصيلات، المؤشرات، العدادات، الضوابط, تشعر بصداع في الرأس من شدة التعقيد، تقول: يا أخي شيء معقد، وتعني بالتعقيد أنه شيء عظيم.

وأنت أيها الإنسان من أعقد المخلوقات في الكون، أنت الإنسان المخلوق المكرم، ولأنك مكرم تحتاج إلى تعليمات، تحتاج إلى منهج، إلى دستور؛ افعل ولا تفعل، لا تنس أيها الأخ الكريم قوله تعالى:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)﴾

[ سورة الإسراء ]

إعجاز القرآن في إيجازه, قال تعالى: (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أقوم في أي شيء؟ في كل شيء، إذا طبَّقت آيات القرآن المتعلقة في الصحة, تهتدي إلى صحةٍ طيبة طوال حياتك، قال تعالى:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)﴾

[ سورة الأعراف ]

إذا اهتديت وطبقت آيات القرآن الكريم في شأن الزواج, قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)﴾

[ سورة النساء ]

آياتٌ كثيرة في الزواج، في الأولاد، في التربية، في التجارة، في البيع، في الشراء، لو طبَّقت آيات القرآن الكريم في كل شؤون حياتك، لهداك القرآن إلى الحالة المثلى، إلى التي هي أقوم, قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أقول لكم دائماً: 

ربما كانت التعليمات أهم من الآلة، ما الذي يؤكد هذا؟ الآلة المعقدة إن استخدمتها من دون تعليمات خرَّبتها، وإن خفت عليها من العطب، وليس معك التعليمات، وجمَّدت الآلة، خسرتها، إذاً: التعليمات أخطر من الآلة، ما الذي يؤكد ذلك؟ قول الله عزَّ وجل:

﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)﴾

[ سورة الرحمن ]

لماذا قُدَّم تعليم القرآن على خلق الإنسان؟ لأن التعليمات التي جاءت في هذا القرآن الكريم من الخطورة حيث قدِّمتْ على وجود الإنسان، فوجود الإنسان من دون هذه التعليمات، وهذه التوجيهات، وهذا المنهج، وجودٌ عابث لا قيمة له، ما قيمة الإنسان وهو كالشاة العائرة بين الأغنام؟ ما قيمة الإنسان وهو كالناقة الحرون؟ ما قيمة الإنسان وهو كالتي تَخْبِط خبط عشواء؟ راقب الناس، راقب الضالين، راقب التائهين، راقب الشاردين، تجد الإنسان ضائعًا, لا يعرف لماذا هو في الدنيا؟ ساعةً يُقبل على لذاته ليقتنصها، ساعةً يقبل على جمع الدرهم والدينار، ساعةً يكون مع زيد، وأخرى مع عبيد، هذه الحالة؛ التيه والضياع تعبير عن أن هذه الآلة المعقدة ذات الطاقات الكبيرة من دون توجيه، آلة من دون توجيه، كيف أن المركبة إذا انطلقت بسرعةٍ عالية، وليس لها موجه, فالدمار محقق، فإنسان من دون قرآن هلاك، دمار، شقاء، ضياع، قلق, قال تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾

[ سورة الرحمن ]

القرآن مقدمٌ على وجودك، لأن وجودك من دون قرآن لا معنى له، ضياعٌ، شقاءٌ، قلقٌ عدوانٌ، انحرافٌ، تجاوزٌ، بغيٌ، خوفٌ، يأسٌ، سوداويةٌ، هكذا.

فلذلك: النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, (( أَنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا, وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ) ) القضية أولاً بادئ ذي بدء: 

لا شيء مقدمٌ عليك، فقبل أن تهدي الآخرين, عليك أن تهدي نفسك, صدق القائل:

يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ         هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ

فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها       فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ

عندئذٍ إذا قلت, يسمع بقولك، إذا قلت, يقتدى بك، لأنك جئت بالحقيقة مع البرهان عليها، البرهان عليه؛ سلوكك، تطبيقك، التزامك، فهذا الحديث خطير ((إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا))

 

قوانين القرآن ثابتة:


يعني: إذا قرأت القرآن، وعرفت ما فيه، عرفت مضامينه، عرفت إرشاداته، عرفت توجيهاته، عرفت قوانينه، فكم كنت أتمنى على أخوتنا الكرام, أن يقرؤوا القرآن, ليكتشفوا القوانين الذي جاء به، القوانين يعني قواعد ثابتة، سنن قطعية، طرائق مُقَنَّنة لا تبدل، لا تغير ، لا تعدل، لا تجمد، لا يضاف عليها، لا يحذف منها, قال تعالى:

﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾

[ سورة يونس ]

﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27)﴾

[ سورة الكهف ]

ما هي كلماته؟ قوانينه، لو سألنا الآن: مَن يذكر آية فيها قانون؟ تعامل ثابت مع الله، لما خلق الله عزَّ وجل الإنسان, وضع له منهجًا ثابتًا، قواعد صارمة، مَن يذكر من كتاب الله آية تأخذ معنى القانون؟ السنة الثابتة، القاعدة الأصيلة التي لا تتبدل ولا تتغير, ولا تُجَمَّد ولا تعدل. 

1- قانون التيسير والتعسير:

الآن تكلم إخونا عن آية، الآية هي قانون التيسير والتعسير، كل واحد منا إذا بدأ بعمل, وجد فيه عقبات، الطريق مسدود، تعسيرات، الجهاز تعطَّل، الآلة كُسِرَت، ما وجد شخصًا بعد موعد رسمي، ركب السيارة من جهة إلى جهة، سافر إليه, فوجده سافر، ليس هناك شيء أشق على النفس من التعسير، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً ))

[ أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك ]

عندما تجد الأمور ميسَّرة بعملك، ببيتك، بزواجك، بعلاقاتك مع إخوانك, تشعر براحة كبيرة جداً، تحس أن الله يحبك، وإذا جاءت الأمور معسرة؛ الطريق مسدود، الطريق خطر, الشخص تخلى عنك، فلان وعدك فأخلف، اللقاء لم يتم، الوساطة لم تنجح، تحس بضيق شديد ، لكن هذا الضيق الذي أساسه التعسير، وهذه الراحة التي أساسها التيسير, ألها قانون؟ هذا هو القانون:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾

[ سورة الليل ]

إما أن تكون مسيراً إلى التعسير، وإما أن تكون مسيراً إلى التيسير، ثمن التيسير, قال تعالى: (أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)) صدَّقت بهذا القرآن، أو صدقت بهذا الدين، آمنت به، تبنَّيته، وأعطيت مما أعطاك الله, عملت الصالحات، واتقيت أن تعصي الله، اتقيت أن تعصيه، يعني استقمت على أمره، وعملت الصالحات، وآمنت بالله وبدينه، هذا ثمن التيسير, قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) آثر أن يأخذ لا أن يعطي، آثر أن يكون أنانياً, قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)) عن طاعة الله عزَّ وجل, قال تعالى: (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)) لم يعبأ بهذا الدين، قال: هذا الدين ليس لهذا الزمان، هذا علامة تخلف، علامة ضعف ، حالة من حالات الجهل، هذه غيبيّات, قال تعالى: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)) هذا قانون، فإذا أنت أدركت هذا القانون، وآمنت بالله؛ خالقاً، مربياً، مسيراً، آمنت بكتابه منهجاً صحيحاً، قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، صحيحاً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأعطيت مما أعطاك الله، ترى الأمور تجري كما تحب، لذلك هذا قانون.

2- قانون آخر: 

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)﴾

[ سورة اﻹنفطار ]

إذا وجدت فاجرًا واحدًا في نعيم, فالقرآن فيه غلط، القرآن حق، الأبرار في نعيم، نعيمٌ في الدنيا، ونعيمٌ في الآخرة، نعيم بهذه الطمأنينة، نعيمٌ بهذا الاستقرار، نعيمٌ بهذا الشعور أن الله يحبهم، نعيمٌ بهذا الشعور أن الله راضٍ عنهم, قال تعالى: (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)) جحيم البُعد، جحيم القلق، جحيم المعصية، جحيم الانحراف، جحيم العدوان، جحيم البغي، جحيم القلق، في جحيم، فإذا أردت أن تكون في نعيم فكن باراً، وإذا خشيت أن تكون في نعيم فلا تكن فاجراً، هذا قانون.

فأنت عندما تقرأ القرآن الكريم, لا تقرأه قراءة هكذا، هذا القرآن كلام الله عزَّ وجل، والله أمرنا أن نقرأه, وأن نتدبر آياته، معنى التدبر: أن تقف عند الآيات متأنياً, ماذا تعني هذه الآية؟ ماذا علي أن أفعل تجاهها؟ ماذا علي أن أقوم؟ ما الموقف الذي يجب أن أقفه من أجلها؟.

3- قانون ثالث: 

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) ﴾

[ سورة القصص ]

هذه الدار، هذه الحياة الأبدية، هذه السعادة الكبرى، ثمنها لهؤلاء الذين لا يحبون أن يستعلوا على خلق الله، لا يحبون أن يبنوا مجدهم على أنقاض الآخرين، ولا أن يبنوا غناهم على فقرهم، ولا حياتهم على موتهم، ولا أمنهم على قلقهم, قال تعالى: (لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً) .

الإفساد: التفريق بين المؤمنين، التفريق بين الشركاء، التفريق بين الأحبة، التفريق بين الأم وابنها، الأم وابنتها، بين الزوج وزوجته، بين الأخ وأخيه، بين الصديق وصديقه، بين الجار وجاره, قال تعالى: (لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)) هذا كلام خالق الكون، كلام المُبْدع، كلام المصمم، كلام الذي لا يمكن أن يطرأ على كلامه تغيير ولا تبديل، فأنت مع القول الثابت, قال تعالى:

﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)﴾

[ سورة إبراهيم ]

ما الذي يجعلك مطمئناً؟ أنت مطبق لآيات قرآنية, قطعية الثبوت، وربنا عزَّ وجل جاءت من عنده, وهو أصدق القائلين، فيكفي أنك إذا قرأت آيةً كريمة, وهي قوله تعالى:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية ]

يجب أن تشعر في كل دقيقةٍ, وفي كل ثانيةٍ, أن لك عند الله معاملة خاصة، لأنك مؤمن، إن الله يدافع عنك، وأنت في عنايته، ورعايته، وحفظه، هذا الشعور مسعد، تشعر بالطمأنينة أن خالق الكون يدافع عنك، خالق الكون يحفظك.

عبدي أعطيتك مالاً, فماذا صنعت فيه؟ قال: يا رب أنفقته على كل محتاجٍ ومسكين, لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً, وأنت أرحم الراحمين، قال: أنا الحافظ لأولادك من بعدك

فيعني يكفي أن تدعو وأنت مسافر:

اللهم أنت الصاحبُ في السفر، والخليفة في الأهل, والمال, والولد

هل تستطيع أن تصاحب إنساناً في السفر، وأن يكون هذا الإنسان في الوقت نفسه خليفةً لك في البيت؟! مستحيل، لا يجتمع في بني البشر صاحبٌ ومستخلف، إن كان مستخلفاً لا يكون صاحباً، وإن كان صاحباً لا يكون مستخلفاً، لكن الله سبحانه وتعالى في الوقت ذاته, يكون صاحبك في السفر, وخليفتك في الأهل, والمال, والولد.

هذا الشعور أن الله سبحانه وتعالى مكانك في البيت؛ يرعى أولادك، يرعى أهلك، يحفظهم من كل خطر، وهو معك بالتيسير والتوفيق، والمعونة والإمداد، هذا شعور مسعد.

الحقيقة: أن المؤمن لا يعرف قيمة إيمانه, ولا المدى الذي وصل إليه، ولا الإنجاز الذي حققه، إلا إذا اطَّلع على أهل الدنيا, فرأى ضياعهم، رأى شقاءهم، رأى حيرتهم، رأى سيرهم في طريق مسدود، رأى ضيقهم، انقباضهم, قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

[ سورة الرعد ]

إن القلوب لتصدأ، قيل: وما جلاؤها؟ قال عليه الصلاة والسلام: ذكر الله وتلاوة القرآن

إذا ضاقت نفس إنسان، شعر بانقباض، لأن الإنسان أحيانا يأتيه انقباض ومعالجة، هذا الانقباض, علاجه تلاوة القرآن، لأنه قد تكون قضية ضاغطة كبيرة، فيقرأ قول الله عزَّ وجل:

﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)﴾

[ سورة التوبة ]

يرى أن هناك عطاء كبير ينتظره.

أنا مرة ضربت مثل, أعيده مرة ثانية: لو أن إنسانًا دخله ألف ليرة في هذه الأيام، وعنده ثمانية أولاد، وبيته بالأجرة، وعنده أمراض عديدة, ومشكلات كبيرة، وليس له من الدنيا شيء، وله عم غير متزوج، يملك مئات الملايين، ومات فجأة بحادث, فهذه المئات من الملايين, صارت إليه بمجرد وفاة عمه، ولكن هذا الإنسان الفقير, لا يستطيع قبض هذه الأموال إلا بعد سنة، إجراءات الإرث وما شاكل ذلك، لماذا هو في هذا العام من أسعد الناس، مع أنه لم يقبض ليرةً واحدة، ولم يرتفع مستوى طعامه, ولا درجة، ولا لباسه، ولا بيته، ولا شيء من هذا القبيل؟ لأنه دخل في الأمل، هذا المثل وإن كان صارخًا، وقد يكون غير واقعي ، لكنه ينبئ عن شيء.

هذا الإنسان الفقير المديون، الذي عليه ضغط شديد، ثمانية أولاد، دخله ألف ليرة، بيته بالأجرة، مجموعة أمراض، عليه نفقات أعباء ديون، حينما يشعر أنه امتلك فجأةً مئتي مليون ، ولكن لن يقبضها إلا بعد عام مثلاً، ترى في هذا العام مستبشر، كلما رأى شيئاً, طمح إلى شرائه، يعيش في أحلام ممتعة، هذه أحلام، أما المؤمن يعيش في واقع, قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

[ سورة القصص ]

فالإنسان إذا قرأ القرآن, تأتي آية بشارة، تأتي آية, لما ربنا عزَّ وجل: حكى عن قارون, قال تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)﴾

[ سورة القصص ]

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾

[ سورة القصص ]

فإذا وجد نفسه كلما رأى بيت فخم، كلما رأى مركبة فخمة، كلما رأى محلا تجاريا, تذوب نفسه تمنياً لهذا المحل، أو لهذا البيت، يرى نفسه مع أهل الدنيا، القرآن يوجهه: أنه إذا فعلت هذا يا عبدي, فأنت مع أهل الدنيا، مع الذين لا يعلمون، إذاً: كلما ضاق الإنسان، ضاقت نفسه، شعر بإحباط أحياناً، شعر بقضية ضاغطة عليه، إذا قرأ القرآن, انشرحت نفسه، واطمأنت، وشعرت بأنها عند الله فائزة، إذاً: ((إن القلوب لتصدأ, قيل: وما جلاؤها؟ قال عليه الصلاة والسلام: ذكر الله وتلاوة القرآن)) إذاً: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا, وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)) قد ترتفع بهذا الكتاب إلى أعلى عليين, لذلك احرص على قراءته، احرص على فهمه، احرص على تطبيقه، هو كتاب العمر، الكتاب المقرر.

إذا واحد دخل لمكتبة, أربعة جدران إلى السقف, كلها كُتُب، وعنده امتحان بعد أسبوع، والمادة أساسية، وهو في الصف الأخير، والمادة الأساسية، وإذا تخرج من هذه الجامعة, عين في منصبٍ رفيع، وتزوج، واشترى، أيحق له أن يقرأ كتاباً آخر غير الكتاب المقرر؟ القرآن الكريم هو الكتاب المقرر، هو كتاب الإنسان، هو كتاب العمر، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام, تعوَّذ من علمٍ لا ينفع، لك أن تقرأ ألف كتاب وكتاب، اختر الكتاب كما تختر الأصحاب، كما تختار الأصدقاء، هذا الكتاب يزيد فهمي للدين، إذاً: أقرأه، هذا الكتاب العلمي يزيد فهمي لآيات الكتاب الكونية، أقرأه، هذا الكتاب يفيدني في كذا، أقرأه، هذا الكتاب لا يعنيني، لا أقرأه، إذاً: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا, وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)) كل هذا الكلام الآن منصب على أنك: لو قرأت هذا القرآن, وفهمته, وطبقته، أما إذا انطلقت إلى تعليمه، أصبحت عند رسول الله من خير الناس.

(( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ))

[ أخرجه البخاري في الصحيح وأبو داود والترمذي في سننهما عن عثمان بن عفان ]

التعليم, قال تعالى:

﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)﴾

[ سورة المائدة ]

إذا ذكّرت إنسانًا بآية قرآنية, شرحتها له، فاستوعبها وتأثر بها، وطبقها, فكانت هذه الآية سلماً له إلى الله عزَّ وجل، إذا أحييت هذه النفس, فكأنما أحييت الناس جميعاً, قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) لذلك نحن حتى الآن نقول: إذا قرأته أنت، قرأته لنفسك، وفهمته لنفسك، وطبقته في حياتك, سعدت في الدنيا والآخرة، فكيف إذا أسعدت به الآخرين؟.

 الحديث الثاني: 

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ, فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ, وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا, فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

يعني: إذا كان ممكنًا, أن تغبط أخاك المؤمن على شيء، طبعاً هنا المقصود بالحسد الغبطة، الغبطة الحسد المشروع، والحسد المذموم هو أن تستكثر الخير على أخيك، وأن تتمنى أن يزول عنه، هذا هو الحسد الذي نهى الله عنه, قال تعالى:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)﴾

[ سورة الفلق  ]

ولكن علماء الحديث وجهوا هذه الكلمة في هذا الحديث: على أنها الغبطة، والغبطة إذا رأيت أخاك متعلمًا لكتاب الله, يجب أن تغار منه، يجب أن تغبطه، أن تبارك له هذا التعلُّم, وأن تتمنى أن تكون مثله، هذه غبطة، والغبطة مطلوبة ((لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ, فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ, وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا, فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ)) إذا كان هناك شخصيتان في المجتمع مرموقتان، تشرئب إليها الأعناق، تطمح إليها الأبصار، إذا كان في المجتمع شخصيَّتان, يمكن أن تكون هاتان الشخصيتان مرموقتين، معظمتين، مبجلتين، محببتين، يمكن أن نغبط هاتين الشخصيتين، وهما: رجل علمه الله القرآن، فهو يعلمه آناء الليل وأطراف النهار، ورجل آتاه الله مالاً, فهو ينفقه آناء الليل وأطراف النهار، فلذلك :

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

[ سورة العصر ]

الزمن يمشي، حركة الزمن تعني: أنك خاسر، لأنه كلما مضى يوم, اقتربت النهاية، والنهاية تعني: انتهاء اللذائذ، الدنيا فيها متاعب، فيها لذائذ، فيها مسرات، فيها طعام، فيها شراب، فيها زوجة، فيها أولاد، فيها وجاهة، فيها مكانة اجتماعية، فيها أشياء كثيرة، فيها رحلات، فيها سياحات، فكلما مرَّ عقرب الزمن, اقتربت من النهاية, إذاً: الزمن ليس في صالحك، إذاً: تحرك الزمن يعني أنك في خسارة.

شخص ذهب إلى مكان جميل، كلما انقضى يوم, انقضى بِضْعٌ من هذه الرحلة، واقتربت النهاية، فربنا عزَّ وجل قال: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)) علاقتك مع الزمن علاقة خسارة. 

حركة عقارب الساعة تعني: أنك في خسارة، تعني: أنك تقترب من النهاية، تعني: أن العمر بدأ بالتناقص، يعني الزمن: هو العد التنازلي، المركبة الفضائية قبل أن يطلقوها يجرُون ما يسمى: بالعدّ التنازلي، يدققون قطعةً قطعة في المركبة، فإذا كانت تامة وجاهزة، يقولون مثلاً: إن في المركبة ثلاثة آلاف قطعة، يفحصون القطعة رقم ثلاثة آلاف جاهزة، ألفين وتسعمئة وتسعة وتسعين جاهزة، ألفين وتسعمئة وثمانية وتسعين، وهكذا، هذا اسمه العد التنازلي، إلى أن يصلوا إلى الصفر، وهو يعني إطلاق المركبة، فأنت مع الزمن في عدٍ تنازلي.

لو فرضنا أن إنسانًا مكتوبٌ له عند الله, أن يعيش ستين عامًا، فهناك عدٌّ تنازلي، أيام بالتقويم، يضعون رقمًا مع اليوم، وهذا الرقم من العام، وفي أيام يضعونها أرقام متعاكسة، واحد كانون الثاني يضعون الواحد، اثنينِ اثنين، ثلاثةٍ ثلاثة، رقم تسعين، خمسة وتسعين، يعني مضى من هذا العام خمسٌ وتسعون يومًا.

أحياناً بالعكس العدّ تنازلي، أول يوم من شهر كانون الثاني, يضعون ثلاثمائة وخمسة وستين، اثنين كانون الثاني ثلاثمائة وأربعة وستين، فإما أن تقول: كم من يوم مضى في هذا العام؟ أو كم يوم بقي منه؟ فأنت مع الزمن في عد تنازلي، وكلما استيقظتَ صباحاً, مضى يوم ، نقص عمره يومًا، هذا هو العد التنازلي، فربنا عزَّ وجل قال:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر ]

هؤلاء مستثنون من هذه الخسارة، إذا كان لك في كل يوم تعليم الناس القرآن، أو إنفاق المال، أو عمل صالح، فأنت لست في خسارة.

إذاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ, فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ, وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا, فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ)) .

بالمناسبة: 

رجل آتاه الله القرآن، يقرأه قراءةً صحيحة، شيء جميل. 

إذاً: هو يعلم الناس التجويد، هذا عمل جيد جداً.

إنسان آتاه الله معانيه, إذاً: هو يعلم الناس تفسيره.

إنسان آتاه الله أن يطبقه، وأن يدعو الناس إلى تطبيقه.

فالنبي عليه الصلاة والسلام جعل هذا الحديث مطلقاً: ((رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ)) من أين أُوتيت القرآن, فأنت رابح, قرأته فأنت رابح، حفظته فأنت رابح، جوَّدته فأنت رابح، فهمته فأنت رابح، درَست علومه فأنت رابح، فسَّرته فأنت رابح، طبَّقته فأنت رابح ((رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ)) المطلق على إطلاقه.

 الحديث الثالث:  

(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ ))

[ أخرجه الترمذي في سننه ]

بيتٌ خربٌ مهجور، تشبيهٌ رائع من النبي عليه الصلاة والسلام، تجد كل ثقافته معلومات حياتية, هكذا حدث، هكذا قال فلان، هكذا قيل، بعيد عن القرآن الكريم، أما إذا كان له وعاء مشحون بالمعلومات الدنيوية، الأسعار، الفُرَص، المناسبات، اللقاءات، أخبار المجتمع، أسعار البيوت، أسعار الأراضي، الأخبار العالمية يتَّبعها تماماً، أما إذا أراد أن يقرأ آيةً واحدة لا يستطيع، هذا بيتٌ خرب، لأنه إذا جاء ملك الموت كل هذه المعلومات لا تعنينا، هذه عملةٌ زائفة ليست رائجة عند الموت، لكن الذي يقرأ القرآن، ويفهمه، ويحفظه, ويفسِّره، ويعمل به, هذه عملة رائجة عند الموت، فالنبي عليه الصلاة والسلام يحذرنا أن هذا الذي ليس في جوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخرب.

 

ملاحظة هامة:


هناك موضوع إن شاء الله في الدرس القادم سنبحثه: أن الإنسان إذا قرأ القرآن، وحفظه في مرحلةٍ من حياته، ثم أهمله، فهذا ذنبٌ عظيم، فعلى الإنسان أن يراجع محفوظاته القرآنية من حين لآخر، وإلا عاتبه الله عزَّ وجل، وحاسبه، وآخذه.

((  عَنْ أَبِي مُوسَى, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ, فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

إذا أهمل الإنسان محفوظاته القرآنية, ربما ضاعت منه، ووقع في إثم شديد، وله موضوعٌ آخر إن شاء الله تعالى, نأخذه في درسٍ قادم.

 

أسئلة فقهية:


وردني سؤال في الدرس الماضي, أحب أن أجيب عنه كما وعدت السائلتين. 

السؤال هو: هل هناك من مخالفةٍ شرعية لامرأةٍ تزجج حواجبها إذا كانت كثيفة؟.

هذا موضوع مطروح سابقاً، وموضوعٌ يحتاج إلى تفصيل، الإجابة عن هذا السؤال: من الغلو في الزينة التي حرمها الإسلام النمص، والنمص هو نتف الشعر، هذا من الغلو في الزينة التي حرمها الإسلام، والمراد بالنمص: إزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما، لكن الذي أجاب عن هذا السؤال, يتأكد حرمة النمص, إذا كان النمص شعاراً للخليعات من النساء.

في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان بعض النسوة من الخليعات، البغايا، كان هؤلاء النسوة ينتفن حواجبهن، فإذا فعلت امرأةٌ مسلمةٌ هذا الفعل, فإنما تشبَّهت بهذه النسوة الخليعات المنحرفات البغايا، لذلك تتأكد حرمة النمص إذا كان شعاراً للخليعات من النساء.

وقال بعض علماء الحنابلة: ((يجوز الحف)) فالحف شيء، والنمص شيءٌ آخر، حف الشارب، وحف الحواجب يعني: ترقيق الحواجب، إذا كان في الحاجب كثافة تؤذي العين ((يقول بعض علماء الحنابلة: يجوز الحف، فيقال: حفت المرأة وجهها أو زينته بإزالة الشعر)) وأخرج الطبري عن امرأة أبي إسحاق, أنها دخلت على عائشة، وكانت شابَّة, فقالت: ((المرأة تحف جبينها لزوجها, قالت: أميطي عنكِ الأذى ما استطعتِ)) عندنا مبدأ ثابت: أن على المرأة أن تتزين لزوجها، وهذا من أولى واجباتها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((فليتزوج فإنه أغض للبصر)) ما معنى أغض للبصر؟ أن الزوج إذا رأى امرأته بشكلٍ مُرضٍ ومقبول، من غير شيء منفّر، فهذا الوضع يعينه على غض بصره، والمؤمن مأمور بعض بصره في كل الحالات، ولكن الذي يعينه أكثر، الذي يدعوه إلى غض بصره, أن تكون زوجته كما يريد، فإذا تزيَّنت المرأة لزوجها فقط بشكلٍ أنه يرضى عن زينتها، فهذا عمل من صلب الدين للمرأة، وهي مأمورةٌ به، ومحاسبةٌ عن التقصير به، لكن حينما تأتي امرأةٌ مسلمة, لتقلِّد الخليعات من النساء، المنحرفات، الفاجرات، السافرات، تقلد هذه المرأة المسلمة هؤلاء النسوة الخليعات، فإن في هذا حطاً لمكانتها الإسلامية، أما إذا شاع الشيء بين الناس، وكان مقبولا عند العفيفات الطاهرات، وكان يرضي زوجها ذلك، وبدل أن تنتف الشعر، إذا زججت حواجبها وحفتهم، فهذا شيءٌ مقبولٌ كما جاء في المذهب الحنبلي.

عندنا كليات في الفقه، من أساسيات الفقه: أن المرأة مطالبةٌ بالتزين لزوجها. 

سؤال رقم اثنين: صبغ الشعر، ومايتعلق بموضوع الزينة:

صبغ الشعر في الرأس، فقد ورد: أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى, يمتنعون عن صبغ الشيب وتغييره، ظناً منهم أن التجميل والتزيُّن ينافي التعبُّد والتدين، والإسلام على عكس ذلك، النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((تنظفوا, واستاكوا، تطيبوا, تزينوا لنسائكم)) هذا مطلوب، والمرأة أيضاً مطالبةٌ أن تتزين لزوجها، وفي آية دقيقة بهذا المعنى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) لها حقٌ عند الرجل كما له حقٌ عندها، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم ]

إذاً: صبغ الشعر لا شيء عليه، بل هو مستحبٌ، وهذا الأمر للاستحباب كما يدل عليه فعل الصحابة، فقد صبغ بعضهم كأبي بكرٍ وعمر، وترك بعضهم مثل عليٍ وأبي بن كعب وأنس.

الشيء الذي أحب أن أذكره هو: أن الإنسان إذا صبغ شعره ليغشَّ مخطوبته، أو أن المرأة إذا صبغت شعرها لتغشّ خاطبها، فهذا الشيء نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا كان فيه عملية غش وتدليس فهذا لا يجوز، أما إذا كانت عملية تزيين للزوج، فمسموحٌ بصبغ الشعر للرجال والنساء معاً، كما ورد في هذه الأحاديث.

 

قصة إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ.


والآن: إلى بعض سيرة أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم.

اليوم سيدنا أسيد بن حضير بطلٌ يوم السقيفة، هذا رجل من زعماء الأنصار، جلس أسيد بن حضير وسعد بن معاذ، وكانا زعيمي قومهما, يتشاوران في أمر هذا الغريب الذي جاء من مكة يسفه دينهما، ويدعو إلى دينٍ جديد، مَن هو هذا الغريب الذي جاء من مكة يسفه دين أهل المدينة، ويدعو إلى دينٍ جديد؟ إنه مصعب بن عمير. 

هذا الصحابي الجليل الذي أرسله النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة سفيراً له، وهو أول سفيرٍ في الإسلام.

قال سعدٌ لأسيد:

انطلق إلى هذا الرجل فازجره، وحمل أسيدٌ حربته، وأغذ السير إلى حيث كان مصعب في ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء المدينة الذين سبقوا إلى الإسلام.

سيدنا مصعب بن عمير سفير النبي عليه الصلاة والسلام، أوفده النبي إلى المدينة, ليعلم الناس الإسلام، ونزل في ضيافة أسعد بن زرارة، وجاء الآن أسيد بن حضير ليزجره عن هذه الدعوة.

وعند مجلس مصعب وأسعد بن زرارة, رأى أسيد جمهرةً من الناس، تصغي في اهتمامٍ للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها إلى الله مصعب بن عمير، وفاجأهم أسيد بغضبٍ وثورةٍ، وقال له مصعب، دققوا في هذا اللفظ: 

من أمر بمعروف, فليكن أمره بمعروف، المسلم لطيف، المسلم له ظلٌ خفيف، قال له مصعب: هل لك في أن تجلس فتستمع؟ فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره.

كلام منطقي، اسمع يا أخي، الإنسان قبل أن يرفض, عليه أن يسمع، قبل أن يهاجم, عليه أن يتحقق، قبل أن يشتم, عليه أن يتبصر، 

قال له: يا أخي اجلس فاستمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره.

كان أُسَيْد رجلا مستنير العقل، ذكي القلب، حتى لَقَّبه أهل المدينة بالكامل، وهو لقبٌ كان يحمله أبوه من قبله، فلما رأى مصعباً يحتكم به إلى المنطق والعقل، غرس حربته في الأرض، وقال لمصعب: لقد أنصت، هاتِ ما عندك.

الموقف الآن، سيدنا مصعب بن عمير كان منطقيًا، وأديبًا، ولطيفًا، هكذا الدعوة إلى الله، يا أخي استمع، قبل أن تهاجم اقرأ، قبل أن ترفض استمع إلى هذا الشريط، تعال استمع إلى هذا الدرس، اسمع يا أخي قبل أن تحكم غيابياً، قبل أن تتهم، قبل أن تهاجم، قبل أن تجرِّح ، قبل أن تهرف في ما لا تعرف, تحقق, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ) قال له: والله لقد أنصت، هاتِ ما عندك.

وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن، ويفسر له دعوة الدين الجديد، الدين الحق الذي أُمِرَ محمدٌ عليه الصلاة والسلام بتبليغه، يقول الذين حضروا هذا المجلس: والله لقد عرفنا في وجه أُسيد الإسلام قبل أن يتكلم، عرفناه في إشراقه وتسهُّله.

أحيانًا تجد وجهًا يتألق إذا سمع آية، تفسير آية، تفسير حديث، تأثر فتألق الوجه، أصبحت العينان زئبقتين، هناك إشراق بوجهه، وابتسامة الرضا.

فقالوا: والله لقد عرفنا في وجه أسيد الإسلام قبل أن يتكلم، عرفناه في إشراقه وتسهله، ولم يكد مصعب ينهي حديثه, حتى صاح أسيدٌ مبهوراً: ما أحسن هذا الكلام، وما أجمله!.

يا إخوان؛ الحق مثل الغذاء تماماً، الحق كلام ربنا عزَّ وجل، القرآن مأدبة الله عزَّ وجل، فإذا أكل إنسان من مأدبة الله.

قال: والله ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟.

ماذا أفعل؟ انشرح قلبه.

فقال له مصعب: تطهر بدنك وثوبك، وتشهد الشهادة الحق، ثم تصلي.

طبعاً الصحابي الجليل سعد بن معاذ كان على دين آبائه، فأرسل أسيدٌ بن حضير كي يزجر سيدنا مصعب بن عمير عن دعوته، وهو ينتظره.

الآن: رجع أسيد بن حضير إلى سعد بن معاذ، نظر إلى وجهه، وقال: أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به.

قبل أن يتكلم، قبل أن ينطق بكلمة, وجد وجهًا مشرقًا, فيه راحة، فيه طمأنينة، لأن الحق مسعد، فقد ذهب حانقاً، حاقداً، متألماً, فيه بغض، وعاد بوجه مشرق. 

قال: والله أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به.

فقال أسيد: أجل, نعم.

هناك شيء بسيدنا أسيد، كان ذكيًّا جداً، لو قال لسيدنا سعد بن معاذ: اذهب فأسلم كما أسلمت، ربما لا يرضى، قد يحنق، قد يهاجمه، فأراد بأسلوبٍ ذكي, أن يجره إلى سيدنا مصعب.

الآن: أراد سيدنا أسيد من سعد بن معاذ, أن يجره إلى سيدنا مصعب، وكان مصعب، كما ذكرنا, ينزل ضيفاً على أسعد بن زرارة، وأسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ، هناك قال أسيد لسعد: لقد حُدِّثت أن بني حارثة, قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وهم يعلمون أنه ابن خالتك، يريد سحبه لعند مصعب.

وقام سعدٌ تقوده الحمية والغضب، وأخذ الحربة، وسار مسرعاً إلى حيث أسعد ومصعب, ومن معهما من المسلمين، ولما اقترب من المجلس لم يجد ضوضاءً، ولا لغطاً، وإنما هي السكينة تغشى جماعةً, يتوسَّطهم مصعب بن عمير, يتلو آيات الله في خشوع، وهم يصغون إليه في اهتمامٍ عظيم، هناك أدرك الحيلة التي نسجها له أسيد, لكي يحمله على السعي إلى هذا المجلس.

أحياناً هذه لها معنى, يكون الإنسان متفانيًا في الحق ومندفعًا، لكن الله ما آتاه القدرة على إقناع الآخرين، القدرة على الإقناع، القدرة على البيان، القدرة على التفصيل، التوضيح, هذه قدرة الله عزَّ وجل, يؤتيها من يشاء من عباده، فإذا أراد المسلم أن يهدي الآخرين, وليس عنده إمكانية، عنده أسلوب واحد, هو أن يأتي بهم إلى المسجد، أقنعه أن يأتي ليصلي معك العشاء في المسجد أو المغرب.

فسيدنا أسيد ماذا فعل مع سيدنا سعد؟ جلبه إلى المسجد، وهنا أدرك الحيلة التي نسجت له، ولقد صدقت هذه الفراسة، فكما كاد سعد يسمع حتى شرح الله له صدره للإسلام، وأخذ مكانه بسرعةٍ بين المؤمنين.

سيدنا مصعب جاء للمدينة سفيرًا، آمن به جماعةٌ كُثُر، وهؤلاء الجماعة أضيف إليهم سيِّدان من سادة الأنصار؛ أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ.

 

من مواقفه :


الموقف الأول:

أيها الإخوة؛ عندنا مشكلة، هذا ابن أبيّ زعيم المنافقين، هذا الذي كره النبي عليه الصلاة والسلام، وتحدث عنه بما لا يرضي الله عزَّ وجل، وكان خصماً عنيداً له، السبب: أن هذا الرجل كان على وشك, أن يتوَّج ملكاً على المدينة، فلما جاء النبي عليه الصلاة والسلام ذهب ملكه، فصار عنده حقد.

أنا أعجبني من موقف سيدنا أسيد, أنه لما قال هذا المنافق الكبير أو زعيم المنافقين:

لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه منها إن شاء الله، هو والله الذليل وأنت العزيز.

كأنه طمأن النبي، والتمس له العذر. 

قال له: يا رسول الله ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز, ليتوجوه على المدينة ملكاً، فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكاً.

هذا الكلام لطيف مع رسول الله، يعني هذا الرجل يعاديك، وأنت الأعز، وهو الأذل، لكن له وضع نفسي خاص، هذا كان على وشك أن يكون ملكًا، فلما جاء الله بك خسر ملكه بهذا الإسلام، كأنه أعطاه تبريرًا لطيفًا، أو أعطاه شيئًا من العذر بهذا الموقف المعادي.

فالإنسان ليس له حق أن يؤجج، له الحق أن يبرر، المسلم يبرر ولا يؤجج، عارضك شخص، أو تكلم عليك، وليس له حق في الكلام عليك، هذا يسيء، أنت أججته أكثر، هذا له وضع خاص، مزعوج من قضية، إذا وجدت خصومة, فالمفروض أن تهفف ولا تكبر، تصغر الأمر.

هناك أشخاص يكبرون، وأشخاص يخففون، أما هذا الموقف فقد أعجبني، قال:

يا رسول الله ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك، وإن قومك لينظمون له الخرز, ليتوجوه على المدينة ملكاً.

فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكاً.

موقف آخر له:

آخر موقف لهذا الصحابي الجليل، لما صار الخلاف بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام على الخلافة، بعض الأنصار طالبوها لأنفسهم، وبعضهم طالبوها لسيدنا الصديق، ماذا قال أسيد؟ خاطب الأنصار فقال:

تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، فخليفته إذاً ينبغي أن يكون من المهاجرين، ولقد كنا أنصار رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته، وكانت كلماته برداً وسلاماً في هذا المجلس.

لذلك سماه علماء السيرة: بطل يوم السقيفة، بهذه الطريقة اجتمع الشمل، والتأم الجميع، وبايعوا سيدنا الصديق.

قال: أنتم الأنصار, يجب أن تكونوا أيضاً أنصار خليفة رسول الله.

وتوفاه الله عزَّ وجل، وقال وهو على وشك الموت: اصبروا حتى تلقوني على الحوض، كان في ساعة بشرى من الله عزَّ وجل.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور