وضع داكن
20-04-2024
Logo
الإسلام والحياة - الدرس : 13 - حلاوة الإيمان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أعزائي المؤمنين، إخوتي المشاهدين، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
في الحديث الصحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد ]

 أيها الإخوة الكرام، هذا حديث مهم جداً في علاقة المؤمن مع ربه، فالنبي عليه الصلاة والسلام ذكر حلاوة الإيمان، وقد وردت هذه الكلمة في أحاديث كثيرة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنما يقابل هذه الكلمة حقائق الإيمان، هناك حلاوة الإيمان، وهناك حقائق الإيمان، فأي إنسان أودع الله فيه عقلاً يمكن أن يدرك حقائق الإيمان، ولكن حلاوة الإيمان لها ثمن، وربما كان ثمنها باهظاً، لكن النتائج باهرة.
 حلاوة الإيمان هي في الحقيقة ثمرة الإيمان، ذلك أن العبادة في أدق تعاريفها، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أي إن العبادة غاية الخضوع لله عز وجل، وغاية الحب، فمن أطاع الله، ولم يحبه فما عبده، ومن أحبه، ولم يطعه فما عبده، إذ إن حلاوة الإيمان هي ثمرة العبادة، فالعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، في هذا التعريف الدقيق جانب معرفي، وجانب سلوكي، وجانب جمالي، فالجانب السلوكي هو الأصل، ما لم يستقم الإنسان على أمر الله، ما لم يلتزم، ما لم يكن له موقف، ما لم يطبق ما أمر، ما لم ينته عما عنه نهي وزجر، ما لم يتحرك:

 

﴿ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 72]

 الأصل في التدين الصحيح أن يلتزم الإنسان الأمر والنهي، من مشى على وجه الماء، ومن طار في الهواء، ولم يكن عند الأمر والنهي فهذا الذي يتحدث الناس عنه لا قيمة له إطلاقاً، الولي كل الولي الذي تجده عند الأمر والنهي، أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، فالأصل في العبادة الطاعة، والأصل في العبادة الطاعة الطوعية، ولكن لن تستطيع أن تحمل نفسك على طاعة الله إلا إذا عرفته، فأصل الدين معرفته، وهذه الأفكار تحدثت عنها قليلاً، بينما ثمرة العبادة تلك السعادة التي يشعر بها المؤمن، والتي تملأ قلبه اطمئناناً، ورضى، وتفاؤلاً، والتي تشعره أنه قريب من الله عز وجل، والتي تطمئنه على مستقبله:

 

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 51]

هذه الحلاوة حلاوة الإيمان هي ثمرة الإيمان، الثمرة جمع، يعرفونه، فيطيعونه فيسعدون بقربه في الدنيا والآخرة.
 أيها الإخوة الأحباب، حلاوة الإيمان ثمرة الإيمان، الهدف الأكبر من الإيمان، وهذا الإيمان له هدف في الدنيا، وله هدف في الآخرة، في الآخرة تدخل جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
قال بعض العارفين:

فلو شاهدت عيناك من حسننـا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
و لو ذقت من طعم المحبة ذرة  عـذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
و لو نسمت من قربنا لك نسمة  لمــت غريباً و اشتياقا لقربنـا

 أيها الإخوة الأحباب، حلاوة الإيمان، وحقائق الإيمان، يمكن أن نشبه حقائق الإيمان بخارطة دقيقة مبنية على علم دقيق لقصر منيف، وإنسان لا يملك كوخاً، لكنه يملك هذه الخرائط، في كل هذه الخرائط تفاصيل دقيقة عن حجم القصر، وعن طوابقه، وعن اتساع الغرف، وعن حدائقه، وعن إطلالاته، ولكنه حبر على ورق، هذه حقائق الإيمان يدركها كل إنسان، ولكن حينما تذوق حلاوة الإيمان فكأنك سكنت في هذا القصر، وملكته، فرق كبير وبون شاسع بين أن تدرك حقائق الإيمان و أن تتذوق حلاوة الإيمان، لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ))

[ مسلم، الترمذي، أحمد ]

 أيها الإخوة، أنت حينما تتصل بشيء من خلق الله عز وجل، ولو كان طعاماً، أو فاكهة، أو منظراً جميلاً، أو وردة رائعة، إنك تتصل عن طريق الحواس، عن طريق العينين، أو عن طريق الأذنين، أو عن طريق اللمس، ما الذي حصل ؟ ما هي المتعة ؟ هي اتصال إنسان بمخلوق منحه الله جل جلاله مسحة من جمال، ذلك أن الإنسان في الأصل فطر على حب الجمال، وعلى حب الكمال، وعلى حب النوال، الإنسان حينما يتصل بمخلوق منحه الله مسحة من الجمال يسعد بهذا الاتصال، فكيف إذا اتصل بأصل الجمال، كيف إذا اتصل بخالق السماوات والأرض ؟ كيف إذا اتصل بمبدع الكون ؟ كل ما تراه عينك من جمال إنما هو أثر من جمال الله عز وجل، من هنا نفهم قول النبي عليه الصلاة و السلام:

((... إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي )).

[البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 من هنا نفهم قول بعض العلماء: " في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة "، هذا المعنى تؤكده الآية الكريمة:

 

﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾

 

[ سورة محمد: الآية 6]

 من هنا نعلم ما ينتاب المؤمن إذا دخل إلى بيت من بيوت الله، و كيف أن الرحمة تتنزل على قلبه، من هنا ندرك حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ يَشْهَدَانِ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَتَغَشَّتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

[ الترمذي، ابن ماجه ]

 هذا الجانب الجمالي الذي يشعر به المؤمن، والذي يكاد يطير به من الفرح حينما يكاد يتنزل على قلبه سكينة من عند الله، هذا الجمال الذي يحرص عليه المؤمن، هو الذي يجعله بطلاً، إن حلاوة الإيمان شيء نفيس جداً، إنها ثمرته الحقيقية، قد تدرك أمر الله التكليفي، قد تعلم علم مخلوقاته، علم الكون، ولكن لا تذوق حلاوة الإيمان، وقد تتعلم علم الأمر والنهي، ومع ذلك لا تذوق حلاوة الإيمان، ولكن إذا عرفت الله سبحانه وتعالى، واتصلت به ذقت حلاوة الإيمان، لذلك يمكن أن نفهم ما قاله بعض الملوك الذين انقطعوا إلى العبادة، وعرفوا الله عز وجل، فقال أحدهم: " لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف ".
 الحقيقة أن الذي يفتقده الناس في العصور المتأخرة هي حلاوة الإيمان، هذه المرأة الأنصارية التي ذاقت حلاوة الإيمان، وبلغها أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قُتل في أحد، ذهبت لتطمئن عليه، رأت في الطريق زوجها قد قُتل، فقالت: لا ضير، إلا أن وقعت عينها على رسول الله e، فقالت: يا رسول الله، كل مصيبة بعدك جلل، ذاقت حلاوة الإيمان، فآثرت هذه الحلاوة على كل شيء، ليس معنى ذلك أن زوجها لا قيمة له عندها، إنها رأته قد استشهد، لكنها كانت تريد أن تطمئن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما يذوق الإنسان حلاوة الإيمان، وهو في ساحة المعركة، ويصاب بجرح بليغ يكاد يودي بحياته، ويطلب الماء، فيأتي من يسقيه، فيسمع أنين أخيه إلى جواره، فيقول: اسق أخي، لعله أشد حاجة إلى الماء مني، الثاني يسمع أنيناً ثالثاً، يؤثِر أخاه الثالث، فيجده الساقي قد مات، فيعود إلى الثاني، فيجده قد مات، ويعود إلى الأول فيجده قد مات.
أيها الإخوة الأحباب، حلاوة الإيمان تجعل من الإنسان بطلاً، حلاوة الإيمان تجعل الإنسان يواجه الشدائد بعزم وثبات منقطع النظير، حلاوة الإيمان تحمل الإنسان على البذل، الذي ذاق حلاوة الإيمان يبني حياته على البذل، يرتاح للعطاء يعطي، يسعد إذا أعطى، ألم يقل الله عز وجل:

 

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾

 

[ سورة الليل ]

 ما الذي يؤكد في المؤمن إيمانه ؟ الذي يؤكد في المؤمن إيمانه حبه للعطاء، لأنه ذاق طعم القرب، هذا الجانب الجمالي الذي حينما يفتقده الإنسان يغدو الدين ثقافة ليس غير، يغدو الدين أفكاراً تتوارد إلى ذهنه، أما إذا ذقت حلاوة الإيمان عندئذ تعرف حقيقة ما فعله الصحابة الكرام حينما فدوا رسول الله بأنفسهم وأرواحهم، ألم يسأل أبو سفيان أحد الصحابة الذين أرادوا أن يقتلوه: يا خبيب، أتحب أن يكون محمد مكانك، وأنت في أهلك ؟ فقال خبيب: و اللهِ لا أحب أن أكون في أهلي وولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول e الله بشوكة، فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً e.
 مظاهر الدين صارخة في هذه الأيام، ولكن هذا الحب الذي كان يملأ أصحاب رسول الله، وقلوب التابعين، وقلوب تابعي التابعين، وقلوب العلماء العاملين، هذا الحب الذي يجعل من الإنسان بطلاً، هذا الحب الذي يدفعك إلى التضحية، يدفعك إلى مقارعة الأعداء، هذا الحب الذي يملأ القلب طمأنينة وسعادة ورضى وتفاؤلاً واستبشاراً، هذه حلاوة الإيمان، وكما بينت في المثلين السابقين أن هناك فرقًا كبيرًا بين أن تملك خارطة قصر، وأنت تسكن في مداخل الأبنية، وعلى كراسي الحدائق، ولا تملك كوخاً، وبين أن تتملك هذا القصر، وأن تسكنه، حلاوة الإيمان تجعل الإيمان يتنامى في الإنسان، أما حقائق الإيمان فقد تدركها، وقد تنساها، وتعيش واقعاً آخر.
 أيها الإخوة الكرام، حلاوة الإيمان لها ثمن، هل يعقل أن يتاح لإنسان أن يصف نفسه بلقب علمي دون أن يدرس السنوات الطويلة من أجل أن يوضع إلى جانب الاسم كلمة دكتور ؟ كم سنة يدرس من حصّل هذه الدراسة ؟ أتريد أن تكون الجنة بلا ثمن ؟ ألا إن سلعة الله غالية، من طلب الجنة من غير عمل فقد وقع في ذنب آخر.
 أيها الإخوة، حلاوة الإيمان، وقد تحدثت عنها قليلاً، وليس من ذاق كمن سمع، حلاوة الإيمان لها ثمن، ثمنها ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: يقول عليه الصلاة والسلام:

(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))

 وقد يفهم هذا الكلام النبوي الشريف فهماً بسيطاً سطحياً، لو سألت كل المسلمين في العالم: ألا تحبون الله ورسوله أكثر من أي شيء آخر ؟ لقالوا: نعم، أظن أن المعنى ليس هذا، أن يكون الله في قرآنه، أي في أوامره، في نواهيه، في منهجه، وأن يكون الرسول e في سنته الصحيحة أحبَّ إلى الإنسان مما سواهما عند التعارض، أي حينما تتعارض مصلحتك المادية، أو مصلحتك المتوهمة، أو مصلحتك القريبة مع الحكم الشرعي، مع النص الشرعي، مع الأمر الإلهي، مع النهي الإلهي، تضحي بمصلحتك الموهومة أو القريبة، وتلتزم طاعة الله عز وجل، وتقول: إني أخاف الله رب العالمين، فقد دفعت حينئذٍ ثمناً باهظاً، وضعت مصلحتك المتوهمة، أو وضعت مصلحتك المادية تحت قدمك، وأردت أن ترضي الله عز وجل، فحينما تتعارض حاجاتنا وشهواتنا ومصالحنا مع الأحكام الشرعية، ونؤثر الأحكام الشرعية، ونؤثر طاعة الله عز وجل، ونسير في رضاه دفعنا ثمناً باهظاً، عندئذ تتنزل علينا رحمة الله، عندئذ تتنزل علينا سكينة الله، عندئذ نذوق حلاوة الإيمان، ومن ذاق عرف، كما قال الشاعر:

 

فليتك تحلو والحـياة مـريرة  و ليتك ترضى و الأنام غضاب
وليت الذي بيني و بينك عامر  و بيـني و بين العالمين خراب
وليت شرابي من ودادك سائغ  و شربي من ماء الفرات سراب

 أيها الإخوة الكرام، الثمن الأول لحلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله، أي أن يكون أمر الله في قرآنه، وأن يكون أمر رسوله في سنته أحب إلى المؤمن مما سوى ذلك، من مصالحه ونزواته وشهواته ورغباته، وما يحب أن يفعله.
أيها الإخوة، لهذا الحديث أصل كبير في القرآن الكريم، الله جل جلاله يقول، وهي آية في سورة التوبة:

 

 

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 24]

 معنى الآية أيها الإخوة، أي إذا آثر الإنسان إرضاء أبيه في معصية الله، أو آثر أن ينبت لحم ابنه من الحرام كي يراه في صحة جيدة، و في مكان عالٍ:

 

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 24]

 أي حينما تؤثروا أحداً من هؤلاء، حينما ترضي أحداً من هؤلاء في معصية الله، حينما تؤثر هؤلاء على طاعة الله:

 

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 24]

 أي تجارة فيها شبهات، بضاعة محرمة، سلوك في العمل التجاري لا يرضي الله عز وجل، حينما تؤثرون أهواءكم، و مصالحكم على طاعة ربكم:

 

﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾

 

 

[ سورة التوبة: الآية 24]

 

 قد تكون التجارة مبينة على معصية، وقد يكون في بعض أنواع التجارة إفساد للشباب، وإفساد للمجتمع، فأي تجارة محرمة، أو أي عمل في تجارة محرم معنى ذلك أنك آثرت هذه التجارة، وتلك الأرباح، وهذه الصفقة على طاعة الله عز وجل:

 

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾

[ سورة التوبة: الآية 24]

 

 أذكر أنني قرأت عن صحابي جليل طلبت منه زوجته مطالب كثيرة، لا يملك ثمنها، فلما ألحت عليه قال: " اعلمي أيتها المرأة، أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها، نور الشمس و القمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك ".
 كانت الصحابية الجليلة تقف مودعة زوجها، تقول: " اتق الله، فإننا نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام "، بينما المرأة الغافلة والجاهلة تضغط على زوجها حتى تحمله على كسب المال الحرام، فتكون سبب شقائه في الدنيا والآخرة:

 

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾

[ سورة التوبة: الآية 24]

 

أي كأن الطريق إلى الله ليس سالكاً، ذلك لأن الإنسان حينما آثر مخلوقاً، وعصى خالقاً صار الطريق إلى الله مغلقاً.
 نحن نقول دائماً أيها الإخوة في افتتاح صلواتنا وفي الأذان: الله أكبر، ما معنى الله أكبر ؟ الإنسان إذا أطاع مخلوقاً، وعصى خالقاً، إذا أطاع زوجته في معصية الله إرضاء لها، وعصى الذي خلقه من عدم، إذا أطاع مخلوقاً، وعصى خالقاً، إذا غش المسلمين في بضاعتهم، أي رأى أن الربح الذي يأتي من الغش أثمن من طاعة الله عز وجل، هذا الإنسان ما قال الله: أكبر، ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة.
أيها الإخوة الأحباب، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، أن يكون أمر الله في قرآنه، وأمر نبيه في سنته أحب إليه مما سواهما.
أيها الإخوة، دائماً هناك قواعد وقوانين تستنبط من حركة الحياة، أنا أقرض إنساناً، القرض إن كان ربوياً يعود المبلغ مع الزيادة، وإن كان قرضاً حسناً يعود بلا زيادة، ومع التضخم النقدي يغدو القرض خسارة، فهذا القانون العلمي المستنبط من حركة الحياة، والذي تحكمه الآلات الحاسبة يؤكد أن القرض الربوي أفضل من القرض الحسن، ولكن الله عز وجل يقول:

 

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

[ سورة البقرة: الآية 276]

 

 ما معنى ذلك ؟ لو وجدت قانوناً، أو قاعدة مستنبطة من حركة الحياة، أنت حينما تؤثر طاعة الله عز وجل يخضعك الله لمنظومة قوانين لا يعلمها معظم الناس، قوانين العناية الإلهية يؤكدها قول الله عز وجل:

 

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

[ سورة البقرة: الآية 276]

 هذا البند الأول، الثمن الأول.
الثمن الثاني:

(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ))

 هذا هو الولاء والبراء، أن تحب المؤمنين، أن تحمل همومهم، أن تدافع عنهم، أن تخفف عنهم المصاب، أن تنتمي إليهم، أن تقدم لهم كل ما في وسعك، أن تعتز بهم، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين الذين أرادوا أن يوسعوا دائرة الشر.
أيها الإخوة الأحباب،

(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار ))

هو في الأعماق، هو لا يعبد الله على حرف، إن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، هو يعبد الله في الأعماق،

(( واللهِ يا عمُّ، لو وضعوا الشمس في يميني، و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه ))

[السيرة النبوية لابن هشام]

 أيها الإخوة الأحباب، هذا حديث دقيق جداً، وأصل من أصول الدين، لا تقطف ثمار الدين إلا إذا ذقت حلاوة الإيمان، ولا تذوق حلاوة الإيمان إلا إذا دفعت ثمن حلاوة الإيمان، أن تؤثر طاعة الله على مصالحك، وأن يكون ولاؤك للمؤمنين، وأن تكون في الأعماق، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور