وضع داكن
21-11-2024
Logo
الإسلام والحياة - الدرس : 16 - أسباب السعادة الزوجية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

إخوتي المؤمنين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 في الحلقة السابقة تحدثنا عن أسباب الشقاق الزوجي، وفي الحقيقة هو موضوع سلبي، ولكن هذه الحلقة إن شاء الله تعالى سنتحدث فيها عن أسباب السعادة الزوجية، والحقيقة أنه ينبغي أن نتلافى أسباب الشقاق، ثم أن نفعل موجبات السعادة الزوجية، لو عدنا إلى كتاب، ومنهج الله، وتعليمات الصانع، وكلام الخبير فإننا نجد الله عز وجل يقول:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

(سورة النساء)

 ما معنى كلمة معروف ؟ المعروف تعرفه الفطر السليمة بداهة، إذا قال الله عز وجل:

 

﴿ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾

 

(سورة آل عمران)

 ما المعروف ؟ الشيء الذي تعرفه النفوس بداهة يقول هكذا فطرت يقول وجبلت عليه، ألم يقل الله عز وجل:

 

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

 

(سورة الشمس)

 يعني أنها إذا اتقت تعلم أنها اتقت من دون أن ينبّهها أحد، وإذا فجرت تعلم من دون أن ينبهها أحد، هذه هي الفطرة، وهي متوافقة تماماً مع منهج الله، قال تعالى:

 

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾

 

(سورة الروم)

 أي أن تقيم وجهك نحو الدين، أن تشدّ همتك إلى تطبيق الحق، هو ما جبلتَ أنت عليه في الأصل، لذلك حينما يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾

 

 

 الشيء الذي تعرفه النفوس فطرة وابتداء وبداهة من دون توجيه، والفطرة أيها الإخوة شيء مهم جداً في الدين.
يقول الله عز وجل:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)﴾

(سورة النساء)

 نحن في دار ابتلاء، لا في دار استواء، وفي منزل ترح، لا منزل فرح، ومن عرف الدنيا لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى:

 

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

قالوا: ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها.
 أيها الإخوة الكرام، روت كتب الأدب والسيرة أن قاضياً شهيراً اسمه شريح لقيه صديقه الفضيل، فقال له: يا شريح، كيف حالك في بيتك ؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح ؟ قال خطبتُ امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدتُ صلاحاً وكمالاً، يقصد صلاحاً في دينها، وكمالاً في خُلقها، فصليتُ ركعتين شكر على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر شكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوتُ منها، فقالت لي: على رِسلك يا أبا أمية، ثم قامت فخطبت، وقالت: أما بعد، فيا أبا أمية، إنني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحبه حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ـ e ـ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتّقِ الله بي، وامتثل قوله تعالى:

 

 

﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾

 

(سورة البقرة)

 ثم قعدتُ ! قال: فألجأتني إلى أن أخطب، فوقفت وقلت: أما بعد، فقد قلتِ كلاماً إن تصدقي فيه، وتثبتي عليه يكن لكِ ذخراً وأجراً، وإن تَدَعيه يكن حجة عليك، أحِبُّ كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدتِ من حسنة فانشريها، وما وجدتِ من سيئة فاستريها.
 أيها الإخوة، وصف النبي عليه الصلاة والسلام المرأة الصالحة بأنها ستّيرة، والمرأة الفاجرة فضّاحة، وقال في بعض الأحاديث: إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها.
وعَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ))

[الترمذي]

 ولا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه، وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها، قالت: كيف نزور أهلي وأهلك ؟ ما رأيك في هذا الموضوع ؟ قال: نزورهم غباً، مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملُّوا، وفي الحديث الشريف:

(( زر غباً تزدد حباً ))

[الطبراني عن عبد الله بن عمرو]

 قالت: فمَن مِنَ الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ؟ ومن تكره ؟ قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم غير ذلك، يقول شريح: ومضى علي عام عدت فيه إلى البيت، فإذا أم زوجتي عندنا، رحبت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت: يا أبا أمية، كيف وجدت زوجتك ؟ قلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أمية، ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب، ثم التفت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة، ومضى علي عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت أنا الظالم.
 ألم أقل لكم في الحلقة السابقة: إذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، أما إذا بني على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بينهما، إذا أطاع المؤمن ربه ألهمه الحكمة، فعاش مع زوجته حياة سعيدة، وإذا عصى الرجل ربه ألهم الحمق، فكم من إنسان يحفر قبره بيده، ويهدم سعادته بيده، إنه حينما ينقطع عن الله عز وجل فيحرم من الحكمة، الآية الأولى:

 

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)﴾

 

 

 أيها الإخوة، شيء آخر، الله عز وجل بين الزوجين وهو أروع ما في الزواج الإسلامي، كل طرف يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، وكل طرف يرجو رحمة الله بخدمة الطرف الآخر، هذا من خصائص الزواج الإسلامي، الآن يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

(سورة البقرة)

 كما أنك تحب أن تحترم أهلك هي تحب أن تحترم أهلها، كما تحب أن تراها بمظهر أنيق هي تحب أن تراك بمظهر أنيق، كما تحب أن تكون صادقة معك هي تحب أن تكون صادق معها، كما تحب أن تقدر شعورك تحب أن تقدر شعورها.

 

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ

 

 والمعروف ما في الفطرة ما ركز في أهل الفطرة، وما جبل عليه الإنسان، أما هذه الدرجة التي للزوج فهي درجة واحدة، درجة القيادة، لأن الزواج والبيت مؤسسة لا بد لها من قائد واحد، وصاحب قرار، لكن الزوج ينبغي أن يستشير زوجته أحياناً، والدليل أن الله عز وجل يقول:

﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾

(سورة الطلاق)

 بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية استشار أم سلمة، وأشارت عليه، ونفذ استشارتها، وحلت المشكلة، ينبغي أن تستشيرها، وتستشيرك، وتتبادلا الآراء، ولكن هذه المؤسسة تحتاج إلى صاحب قرار، الله عز وجل يقول:

 

﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾

 

(سورة آل عمران)

 فهذه الدرجة درجة القرار، لأن الذي يراه الزوج قد لا تراه الزوجة، والذي يعرفه الزوج من الظروف المحيطة بالبيت قد لا تعلمها الزوجة، أما أن يظن الزوج أن له كل شيء، وليس لها شيء، فهذا جهل فاضح في حقوق الزوجة.
أيها الإخوة الكرام،

 

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

 

 

 هناك فكرة دقيقة، وهي أن هذه الدرجة درجة الخدمة والرؤية والحزم والقرار، وليست درجة التعسف، ولا درجة الاستبداد، بل درجة السلامة، ودائماً وأبداً كلمة ( لا )عنوان السلامة، وكلمة ( نعم ) عنوان الهلاك، فالذي يملك قيادة البيت هو الزوج.
 شيء آخر، المرأة أيها الإخوة في القيم الإسلامية، والفكر الإسلامي، وفي النصوص الإسلامية مساوية للرجل تماماً في التكليف، فهي مكلفة كما هو مكلف، وفي التشريف، هي مشرفة كما هو مشرف، وفي المسؤولية هي مسؤولة كما هو مسؤول، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام فيما تروي بعض الروايات حينما فتح مكة ركز رواء النصر عند قبر خديجة، من خديجة ؟ زوجته الأولى، ويروى أنه نصب الراية أمام قبرها ليشعر الناس جميعاً أن هذا الفتح المبين لها جزء كبير من الفضل فيه، كانت رضي الله عنها سنده من الداخل، فلذلك أشار النبي إلى فضلها، وما تتمتع به من حرص لنجاح الدعوة، لذلك أشعر الناس أن لهذه المرأة العظيمة التي كانت عند النبي عليه الصلاة والسلام، والتي عاش معها ربع قرن كان لها فضل كبير حتى في هذا الفتح المبين.

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

 

 أما قوله تعالى:

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾

(سورة النساء)

 قوَامون جمع قوَام، قوَام صيغة مبالغة اسم الفاعل، شديد القيام، يفهمها بعض الناس أن قوامة الرجل سيطرة، وعنجهية، واستعلاء، واستبداد، وتعسف، لا، أبداً، بل قوامة الرجل جهد كبير في داخل البيت وخارجه، متابعة للأمور، تصحيح للمسار، تصويب للأخطاء، هذه قوامة الرجل، فالله سبحانه وتعالى أناط مسؤولية الأسرة بالرجل، لأنه بحسب تكوينه الفكري والجسمي والاجتماعي والنفسي، لعله أقدر على قيادة هذا المركب من الزوجة، فلذلك حينما يقول الله عز وجل:

 

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾

 

 

بمعنى أنهم يتحملون مسؤولية سلامة، ونمو هذه الأسرة.
 أذكر أن سيدنا عمر مرة قال: لست خيراً من أحدكم، ولكنني أثقلكم حملاً، وينبغي أن يقول الزوج: لست خيراً من واحد من أسرتي، ولكنني أثقلهم حملاً، هذا معنى قوامة الزوج:

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾

 فهي تكليف، وليست تشريفًا، هي إشراف، وخدمة، وحرص، ودأب، وجهد، وسعي، وليست استعلاء وغطرسة، وتحكماً، وتعسفاً، واستبداداً.
آية أخرى تنظم العلاقة والسعادة الزوجية، هذه المرأة الصالحة التي قال عنها الله في بعض الأدعية: } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيًا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ {، قالوا: حسنة الدنيا المرأة الصالحة، التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك، المرأة الصالحة شيء لا يقدر بثمن، هي سبب سعادة زوجها وأولادها، ألم أقل لكم في الحلقة السابقة: يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ورد في الأثر]

 أليست العبادة بالمفهوم الواسع أن تعبد الله فيما أقامك ؟ إن أقامك أيها الرجل غنياً فالعبادة الأولى إنفاق المال، وإن أقامك عالماً فالعبادة الأولى تعليم العلم، وإن أقامك قوياً فالعبادة إنصاف الضعيف، وإن أقامكِ امرأة فالعبادة الأولى حسن رعاية زوجك وأولادك.

 

﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾

 

(سورة النساء)

 المرأة الصالحة تحفظ نفسها وفق منهج الله، لا وفق مزاجها وتصوراتها الضعيفة، ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
أيها الإخوة الكرام، بقيت آية من آيات الله التي تنظم العلاقة بين الزوجين، يقول الله عز وجل:

 

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

 

(سورة الأنفال)

هذه الآية تفهم على مستويات ثلاثة:
 أولاً: أن أصلح علاقتك مع الله، فإن صلحت علاقتك معه صلح معك كل شيء، حتى إن بعض العارفين يقول: إني أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي، إذا كانت علاقته بالله قوية يلهم الله الزوجة أن تنصاع له، وتعتني به، وتحبه وتكون في خدمته، أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي.

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

 

 أنت حينما تطبق منهج الله عز وجل تكون كبيراً في نظر زوجتك، وذا هيبة كبيرة، وعندئذ تنصاع لك، وتتودد إليك، وتتقرب منك، وأصلحوا العلاقة بينكم وبين جهة أخرى، وهل من جهة أقرب إليكم من زوجاتكم ؟ أي أصلحوا العلاقة ين الزوجين، والخطأ يصحح، مادام الإنسان حيًّا يرزق، ومادام القلب ينبض فكل شيء يصحح، الخطأ يصحح، يمكن أن نعتذر، أن نقدم هدية.

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

 والمعنى الثالث: ينبغي أن تصلح العلاقة بين كل اثنين، مع الله أولاً، فإن صلحت علاقتك مع الله صلح معك كل شيء، " ابن آدم، اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، ابن آدم، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، ابن آدم، كن لي كما أريد، ولا تعلمني بما يصلحك، نصلح علاقتنا مع الله أولاً، ثم مع زوجاتنا ثانياً، ونصلح أية علاقة بين اثنين ثالثاً، هذه آية أخرى تنتظم العلاقة الزوجية.
 أيها الإخوة الكرام، هناك بعض القواعد الاجتماعية من شأنها أن تديم الحب بين الزوجين، وأن تديم حرارة العلاقة بين الزوجين، وأن تديم الود بينهم والرحمة، وكلها مستنبطة من نصوص الكتاب والسنة، إما مباشرة، أو بشكل غير مباشر.
 أيها الإخوة، إن كنت تحب زوجتك فلمَ لا تعبر عن هذا الحب ؟ ألم يقل النبي لأحد الصحابة: هل أعلمته أنك تحبه ؟ قال: لا، قال: أعلمه.
مَن أولى الناس أن تعبر لها عن حبك ؟ حينما تعبر لزوجتك عن محبتك فهذا سبب من أسباب السعادة الزوجية، ويديم الحب بين الزوجين، وحرارة اللقاء بينهما.
 أيها الإخوة، أن تثني على عملها كما قلت في الدرس السابق، بيتها نظيف، طعامها طيب، مظهرها أنيق، أولادها مرتَّبون، هذه الإنجازات التي تفعلها ينبغي أن ترى صداها عندك، فحينما تثني على ما عندها، على عملها، واهتمامها، فهذا يديم السعادة الزوجية، وقد ورد في بعض الأحاديث أن من سعادة المرء أن تكون زوجته صالحة، وأولاده أبرارًا، ورزقه في بلده، ومنزله واسعاً، ومركبه وطيئاً.
 شيء آخر، أن تجلس معها، وتنصت إليها، وتسألها عن يومها، هذا اهتمام بها، في أيام الخطبة قد تستمر المكالمة ست ساعات بعد حين من الزواج لا ينطق ولا بكلمة، ولا يتكلم، ولا تتكلم هي، ما هذه القطيعة ؟ ينبغي أن تجلس معها، وتنصت إليها دون أن تتشاغل بمجلة أو جريدة، أن تعطيها من اهتمامك، وتقبل عليها، وتسألها عن يومها، عمّا حدث لها، عن شؤونها، عن إنجازاتها، هذا يعني أنك مهتم بها حتى تهتم بك.
 أيها الإخوة الكرام، كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله يخدمهم، فعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ:

(( كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ ))

[البخاري]

 أحياناً إن رأيتها مشغولة، أو مريضة، أو متعبة فحاول أن تعينها على أعباء المنزل، وأن تقدم لها شيئاً، وتأتيها بطعام جاهز، وتعفيها من بعض المهمات، هذا يؤكد الود بينكما، وهذا أيضاً من سنن النبي عليه الصلاة والسلام.
 أنا أقول لكم أيها الإخوة: إن ضغط العمل، وضغط عمل المنزل، والحياة الرتيبة، والضغوط النفسية الشديدة، هذه تفضي إلى توتر شديد، النزهة المنضبطة وفق منهج الله أساسية في تجديد النشاط، وتمتين العلاقات، لا تنسى أن تأخذ أهلك إلى نزهة من حين لآخر، على أن تكون النزهة منضبطة، هذا أيضاً من أسس العلاقة الزوجية.
 ما الذي يمنع أن تتصل بها مراراً، وأنت في عملك كي تطمئن عنها ؟ أن تتصل بها هذا يشعر أنك تحبها، وهي في بالك، وأنك تحبها، فاتصالك الهاتفي من خلال عملك بها تسألها عن أحوالها، تعلمها ببعض الأفكار والحالات، هذا جزء من حسن العلاقة بين الزوجين.
 أيها الإخوة، إذا كنت سوف تتأخر فينبغي أن تعلمها عن طريق اتصال هاتفي، أما أن تنتظر، وتنتظر إلى بعد منتصف الليل، وقد تكون معذوراً، لكن الاتصالات الآن جيدة جداً، فهذا الذي لا يكلف نفسه أن يتصل بزوجته كي يعلمها أنه متأخر فهذه حالة مَرَضية تسبب عدم المبالاة بين الزوجين.
أيها الإخوة الكرام، هذا من بعض ما تقتضيه الحكمة التي قال الله عز وجل عنها:

 

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾

 

(سورة البقرة)

 أعود وأقول: أنت بالحكمة التي يهبها الله لك كمكافأة على إيمانك به، وطاعتك له قد تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة قد تشقى بزوجة من الدرجة الأولى.
 أيها الإخوة، من هذه القواعد الاجتماعية إذا سافرت خارج البلدة فينبغي أن تتصل بها، وتخبرها عن رقم هاتفك، وأنك وصلت بالسلامة، وتتيح لها أن تتصل بك، هذا شيء من الود بين الزوجين، هي تحب من يهتم بها، ويسأل عنها، بل إنك إن سافرت بعيداً فينبغي أن تخبرها أنك تفتقدها، وأن لها دورًا خطيرًا في حياتك، وأن الحياة من دونها لا تطاق، هذا من حكمة الزوج.
بل كما علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا تدخل إلى بيتك من بعد سفر إلا بعد أن تعلمها عن موعد قدومك كي تهيئ نفسها.
 النبي عليه الصلاة والسلام حينما يكون في الغزوات لا يأتي أزواجه مباشرة، يقيم خارج المدينة يوماً، ويُعلِم من في المدينة أنهم قد حضروا، هذا من حكمة الزوج، لا تفاجئ زوجتك بدخول البيت عقب سفر طويل، لابد أن تعلمها مسبقاً عن موعد قدومك.
 أيها الإخوة، تعاطف مع مشاعرها، إنه بدت متعبة، أو شعرت بالضيق، فالكلمة الطيبة صدقة، حينما تتعاطف مع مشاعرها في حال الضجر فهذا التعاطف هو العلاج والحل، والذي يمتص ضجرها، وقلقها، وتبرمها، ثم إنك إن فاجأتها بهدية من حين إلى آخر فهذا جيد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ... ))

(سنن الترمذي)

 فهي رسالة محبة ورمز المودة، فعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ ))

(موطأ مالك)

 ليس القصد أن تكون الهدية ثمينة، بل أن تكون معبرة، ليس غير، فمن حين إلى آخر لا تنسَ أن تقدم لها هدية، ليست البطولة أن تبلغ القمة، بل أن تبقى في القمة، ليست البطولة أن تتزوج، بل أن يبقى الزواج ناجحاً، ليس البطولة أن تحب زوجتك في أيام الخطبة، بل أن يدوم هذا الحب، ويتنامى بعد العرس، وأن يكون خطك البياني صاعداً، لا أن يكون نازلاً، ففاجئها بهدايا صغيرة من حين لآخر، فإن الهدية كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( تذْهَبِ الْغِلُّ ))

(( وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ ))

 إذا كانت مريضة اسألها عن حالها، تفقد شأنها، واسألها عن تطور المرض، وعن الأدوية التي تأخذها، حاول أن تذكرها بأوقات الأدوية، هذا اهتمام منك بها، أما إذا جرحت مشاعرها فما الذي يمنع أن تعتذر لها ؟ وتقول لها: سامحيني لقد أخطأت معك، فهذه كلمة تنسيها كل الألم والضجر، فلذلك:

 

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

 أيها الإخوة، حينما تنجح في إسعاد زوجتك وتربية أولادك تستطيع مواجهة المشكلات الخارجية، كنت أقول دائماً: لو بلغت أعلى منصب في العالم، وجمعت أغلى ثروة في الأرض، ولم يكن بيتك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، أما إذا كنت سعيداً في بيتك فكل شيء يهون.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بهذا النهج المحمدي السليم في زواجنا وبيوتنا، وفي علاقتنا مع زوجاتنا، وتربية أولادنا، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور