- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠28برنامج الإسلام والحياة - قناة سوريا الفضائية
أعزائي المؤمنين، إخوتي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من سور القرآن ذات الدلالات العظيمة سورة، الليل فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾
ولا يخفى أن هذه الواو هنا هي واو القسم، والإنسان عادةً يقسم بعظيم، وهل من شيء في الكون أعظم من الله عز وجل ؟ إذاً يمكن أن تكون هذه الواو تشير، أو تلفت نظرنا إلى عظم هذه الآيات الذي أقسم الله بها.
فالليل والنهار من آيات الله الدالة على عظمته، بل إن اختلاف الليل والنهار آيتان دالتان على عظمة الله، الأرض تتحرك، وكل كوكب في الكون، وكل نجم في الكون يتحرك، ولولا حركة النجوم لأصبح الكون كتلةً واحدة، ذلك أن هناك تجاذبًا بين النجوم، فالكتلة الأكبر تجذب الأصغر، ولولا حركة قائمة مع كل نجم لأصبح الكون كتلةً واحدة، إن الحركة التي يحركها النجم نحو نجم آخر ينتج عنها قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة.
إذاً هذا الكون بوضعه القائم أساسه حركتان متوازنتان، حركة الجذب، وحركة النبذ ، فالله سبحانه وتعالى يقسم بالليل، فالليل هو حركة الأرض نحو ذاتها.
لكن أيها الإخوة، مادام الليل والنهار من آيات الله الدالة على عظمته فينبغي أن نفهم أن هذه الأرض، لو أنها تدور على محور موازٍ لمستوى دورانها حول الشمس لما كان ليل ولا نهار، الأرض تدور هكذا، والشمس من هنا، نهار سرمدي، وليل سرمدي، لو أن الأرض دارت على محور موازٍ لمستوى دوران الأرض حول الشمس لانعدم اختلاف الليل والنهار، نهار سرمدي، وليل سرمدي، والله سبحانه وتعالى ذكرنا لو أنه لو كان النهار سرمدياً لانعدمت الحياة.
أيها الإخوة، شيء آخر، لو أن هذه الأرض تدور حول نفسها على محور متعامد مع مستوى دورانها حول الشمس لانعدمت الفصول، فمن دورتها حول نفسها بمحور غير موازٍ لمستوى دورانها يكون الليل والنهار، ولو أنها دارت على محور متعامد مع مستوى دورانها لانعدم تبدل الفصول، صيف أبدي، وشتاء أبدي، وخريف وربيع أبديان، ولكن شاءت حكمة الله أن تدور الأرض حول محور مائل، هذا الميل ينتج عنه اختلاف الفصول، تكون الشمس عموديةً على قسم الكرة الشمالية في الصيف، فإذا انتقلت الأرض إلى الطرف الآخر تكون الشمس عموديةً على القسم الجنوبي من الأرض، فإن اختلاف الليل والنهار رحمة للإنسان، وهذا من آيات الله الدالة على عظمته، بل إن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)﴾
وهذه الآية تعطي الكون صفة تنطبق على كل جزئياته، فما من كوكب إلا ويدور حول كوكب آخر، هذا الكوكب الآخر الذي يدور حوله ينطلق من مكان نسبي، ويرجع إلى مكان انطلاقه، إذاً:
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)﴾
وكلما تقدم العلم كشفت جوانب عظمة هذه الآيات الكونية.
أيها الإخوة الأحباب، دورة الأرض حول نفسها ينشأ عنها اختلاف الليل والنهار، والميل المحوري الذي تدور حوله الأرض ينشأ عنه تبدل الفصول، وهاتان الآيتان دالتان على عظمة الله، فالله سبحانه وتعالى جعل الكون مظهراً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى.
أيها الإخوة الأحباب،
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)﴾
الليل إذا غشي الأرض يغطي كل شيء، والنهار إذا تجلى أيضاً أوضح كل شيء، وكشف كل شيء، فالليل والنهار آيتان من آيات الله الدالة على عظمته.
﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)﴾
أيها الإخوة، انظروا إلى هذا التصميم الرائع، الذكر والأنثى، فالذكر له خصائص جسمية ونفسية واجتماعية و خلقية هي كمال في المهمة التي أوكلها الله إياه، والمرأة لها صفات جسمية وعقلية ونفسية واجتماعية هي كمال في المهمة التي أوكلها الله إياها، إذاً يقول الله عز وجل:
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
الأنثى لها خصائص متميزة، والذكر له خصائص متميزة، ولكن هذه خصائص في الذكر والأنثى متكاملة، ومن تكامل خصائص الذكر مع الأنثى ينشأ هذا الميل الذي أودعه الله في قلب الإنسان اتجاه زوجته، والميل الذي أودعه الله في قلب الزوجة اتجاه زوجها.
يقول الله عز وجل:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)﴾
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
إذاً هذا السكن يسكن الزوج إلى زوجته، لأن صفاته تتكامل مع صفاتها، وتسكن الزوجة إلى زوجها، لأن صفاتها تتكامل مع صفاته،
﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)﴾
امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه زوجه، قَالَتْ عَائِشَةُ:
(( تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: } قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ { ))
أيها الإخوة، تقول هذه المرأة التي سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات تقول: يا رسول الله، لي أولاد، إن ضممتهم إليه ضاعوا، أنا أربيهم، وإن ضممتهم إلي جاعوا، هو ينفق عليهم، كأن هذه المرأة أشارت إلى أن كل من الزوجين له خصائص، وله مهمة أوكله الله إياها، وهذا التكامل في الخصائص فيه حكمة بالغة، هذه الحكمة تجعل كل طرف ينجذب إلى الطرف الآخر، وكما أن السماوات والأرض آيتان من آيات الله الدالة على عظمته، وكما أن الليل والنهار وكما، أن الشمس والقمر، قال تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
أيضاً هذه آية كبرى من آيات الله الدالة على عظمته، ولكن إذا قلنا كما قال القرآن الكريم:
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
من حيث اختلاف الخصائص العقلية والنفسية والاجتماعية، هذه الخصائص إذا اختلفت تتكامل، والتكامل يسبب هذا الانجذاب، ولكن الحقيقة الصارخة التي نؤمن بها جميعاً، والتي جاء بها القرآن الكريم، وأقرها النبي عليه أتم الصلاة والتسليم هي أن المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، هي مكلفة كما هو مكلف، مكلفة بأركان الإيمان، وأركان الإسلام، وهي مشرفة كما هو مشرف، وهي مسؤولة عن بيتها، وعن زوجها، كما هو مسؤول عن بيته وعن أهله.
لذلك هناك حقيقتان ثابتتان في الإسلام مأخوذتان من القرآن والسنة، أن المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، لكن خصائصها الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية متوافقة تماماً مع المهمة التي أوكلها الله إياها، لذلك قال عليه الصلاة والسلام يخاطب المرأة مطلقاً يقول عليه الصلاة والسلام: اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله
وأية امرأة باتت وزوجها عنها راض فهي معي في الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام.
إذاً الذكر والأنثى متساويان في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية.
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
لكل خصائصه، وليس من صالح الحياة الاجتماعية، ولا من صالح متانة المجتمع أن نلغي هذه الفوارق بين الجنسين، لكننا نعتمد المساواة التي جاء بها الدين الحنيف.
أيها الإخوة الأكارم،
﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)﴾
يعني أن الإنسان له سعي، له حركة في الحياة، يأكل، ويشرب، وينام، ويعمل، ويذهب، ويعود إلى البيت، ويخاصم، ويغضب، هذا السلوك مع المنطلقات النظرية التي سببته بمجموعه نسميه حركة الإنسان في الحياة، الإنسان له حركة في الحياة، يعمل، وفي عمله يصدق أو يكذب ، يخلص أو يخون، يقسو أو يرحم، ينصف أو يظلم، في بيته قد يكون زوجاً مثالياً، وقد يكون زوجاً سيئاً، في تربية أولاده، في حله وترحاله، في أوقات فراغه وأوقات عمله، في علاقاته، يقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ﴾
كأن السعي هنا حركة الإنسان في الحياة.
﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)﴾
متباين مختلف، هناك المؤمن، وهناك الكافر، هناك المستقيم، وهناك المنحرف ، وهناك الصادق، وهناك الكاذب، هناك المخلص، وهناك الخائن، هناك العفيف، هناك المنصف، وهناك الجاحد، إذاً هذا السعي مختلف، ولكن الله سبحانه وتعالى لحكمة أرادها هذا السعي المختلف، وقد يختلف هذا السعي باختلاف البشر، ولكنه عند الله صنفان لا ثالث لهما، وسوف تأتي الآيات تبين هذين الصنفين.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)﴾
أيها الإخوة الأكارم، هذان النموذجان هما الثابتان عند الله، والناس مهما اختلفت أعراقهم وأجناسهم، ومللهم ونحلهم، ومذاهبهم ونزعاتهم وميولهم، مهما اختلفوا فهم عند الله صنفان لا ثالث لهما، والحقيقة أن هذا التقسيم تقسيم إلهي، وهذا التقسيم تقسيم رباني، وهذا فنحن إذا اعتمدناه حلت معظم مشكلاتنا، ما هو النموذج الأول ؟ قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)﴾
الحقيقة أن لترتيب هذه الفقرات حكمة دقيقة، هو صدق بالحسنى، هو آمن أن الإنسان مخلوق للجنة، مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
أيها الإخوة، هناك دائرة المرئيات، أنت قد ترى بلداناً عدة، مدناً عدة، لكن لم ترَ كل بلدان العالم، دائرة المرئيات دائرة محدودة، لكن دائرة المسموعات دائرة أوسع بكثير، أنت قد تستمع في الأخبار إلى مئات المدن في العالم، لكن لم تزر إلا بعضها، فدائرة المسموعات أوسع بكثير من دائرة المرئيات، أما دائرة الخواطر فلا حدود لها، قد يخطر على بالك إنسان طوله من الأرض إلى الشمس هذا خاطر، يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: } فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ { ))
فالإنسان مخلوق للجنة، والدنيا سماها الله حياة دنيا لأنها دنيا، فيها متاعب، فيها قلق، فيها خوف، فيها أمراض، فيها خصومات، فيها حروب، فيها فقر، فيها قهر، هذه الحياة الدنيا هي إعداد للحياة الآخرة، فإذا أيقن الإنسان أن هذه الحياة الدنيا هي الحياة الوحيدة وقع في إشكال لا ينتهي ، هذه الدنيا إعداد للآخرة،
((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
آمن أنه مخلوق للجنة، وأن للجنة ثمناً، ثمنها أن تؤمن بالله الإيمان الذي يحملك على طاعته، وثمنها أن تستقيم على منهج الله، أن تطيع الله فيما أمر، وأن تنتهي عما عنه نهى وزجر، وثمنها أيضاً أن تعمل الصالحات التي تتقرب بها إلى الله، فالعقيدة أخطر شيء في حياة الإنسان، لا يمكن لأية عقيدة نعتقدها إلا أن تنعكس سلوكاً، فأي عقيدة فاسدة تنعكس سلوكاً فاسداً منحرفاً، لذلك لو أن العقيدة ليس لها أثر في السلوك فاعتقد ما شئت، ولكن لأن هناك تلازماً حتمياً بين ما تعتقد وما تعلم كانت هناك خطورة بالغة فيما تعتقد، فالذين ينحرفون في سلوكهم، ويأخذون ما ليس لهم يعتقدون أن هذه الدنيا هي كل شيء، وأنه لا حساب بعد الموت، أما إذا اعتقدت اعتقاداً جازماً أنك سوف تسأل عن كل شيء كما قال الله عز وجل:
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾
عندئذ تنضبط، إذاً هذا المؤمن، أو هذا الصنف الأول الذي وصفه الله عز وجل وصفه بأنه مصدق للحسنى، والحسنى هي الجنة، أي أن الإنسان مخلوق للجنة، وقد قال الله عز وجل:
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، نحن في الدنيا لا نرى الله، لأن طبيعتنا لا تحتمل، لا تدركه الأبصار، ولكن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، قال تعالى:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾
أيها الإخوة، هذا المؤمن، أو هذا الصنف الأول من التقسيم القرآني الرباني الإلهي مصدق بالحسنى، ولأنه صدق بالحسنى فهو منضبط وفق منهج الله، منهج الله افعل، ولا تفعل، منهج الله منهج الصانع، والجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
وأنت أيها الإنسان أعقد آلة في الكون من دون استثناء، ولهذه الآلة المعقدة، طبعاً أقول معقدة وأعني به تعقيد الإعجاز، لا تعقيد العجز، أنت أيها الإنسان أعقد آلة في الكون، ولك صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم كتاب كريم، هو تعليمات الصانع، أو تعليمات التشغيل والصيانة، كما تشاء أن تسمي هذا الكتاب، فلذلك الذي آمن أنه مخلوق للجنة، وأن ثمن الجنة أن تأتمر بما أمر، وأن تنتهي عما عنه نهى وزجر، وأن تعمل الصالحات، كثمن لهذه الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
المؤمن صدق بالحسنى، واتقى أن يعصي الله، ليس الولي الذي يطير في الهواء، ولا الذي يمشي على وجه الماء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك هذا هو الولي.
الصفة السادسة من صفات الصنف الأول في التقسيم القرآني أعطى، يعني بنى حياته على العطاء، أعطى من وقته، أعطى من ماله، أعطى من علمه، أعطى من خبرته أعطى من جاهه، المؤمن له خصيصة ثابتة، أنه يعطي، إن أردت أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة فانظر ما الذي يسعدك، أن تعطي أم أن تأخذ ؟ المؤمن يسعده أن يعطي، لذلك مثله الأعلى هو النبي الكريم e، النبي الكريم أعطى، ولم يأخذ، الأنبياء جميعاً أعطوا، ولم يأخذوا شيئاً، أعطوا من علمهم، ومن رحمتهم، ومن حكمهم، أعطوا كل شيء، لذلك أقسم الله بعمر النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾
جاء الحياة، وغادرها، وترك الفضيلة والخلق والحق منتشراً في الأرض.
يا أيها الإخوة الكرام، عندما نعتمد التقسيم القرآني نسعد في حياتنا، فأما من أعطى واتقى أن يعصيه، وصدق بالحسنى، لذلك الأنبياء أعطوا كل شيء، ولم يأخذوا شيئاً، والذين يقابلونهم أخذوا كل شيء، ولم يعطوا شيئاً، الإنسان إذا بنى حياته على العطاء فهو من أتباع الأنبياء، وإن بنى حياته على الأخذ فهو من أتباع الأقوياء، الأنبياء ملكوا القلوب بكمالهم، والأقوياء ملكوا الرقاب بقوتهم، وإن أردت أن تملك القلوب فعليك أن تعطي، تعطي من عطفك، من حنانك، من رحمتك، من علمك، من خبرتك، من كل شيء وهبه الله لك، وقدوتك الأنبياء والمرسلون، أما إذا بنيت حياتك أيها الأخ الكريم على أن تأخذ فأنت من أتباع الأقوياء، لا من أتباع الأنبياء.
النموذج الأول: أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، الرد الإلهي كيف، يكافئك الله في الدنيا قبل الآخرة، ذلك أن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، يقول بعض العلماء: بستاني في صدري، إن أبعدت فإبعادي سياحة، وإن قتلت فقتلي شهادة، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾
عرفها لهم في الدنيا، يعني ذاقوا طعمها، قال تعالى:
﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾
جنة في الدنيا هي جنة القرب من الله عز وجل، وجنة في الآخرة هي الجنة الموعودة.
الرد الإلهي على هذا الصنف الأول الذي صدق بالحسنى، واتقى أن يعصي الله، وأحسن إلى عباده، بنى حياته على العطاء، هذا الصنف الأول جزاءه في الدنيا أن ييسر لليسرى ، يعني ييسر الله له زواجه، تأتيه زوجة تسره إن نظر إليها، وتحفظه إن سافر عنها، وتطيعه إن أمرها، يأتيه الله أولاد أبرار، لأنه اتقى الله في تربيتهم، فكانوا له أبراراً، تأتيه زوجة صالحة، لأنه اتقى الله في اختيارها، من تزوج المرأة لجمالها فقط، دون أي عامل آخر أذله الله، من تزوجها لمالها أفقره الله، من تزوجها لجاهها وحسبها زاده الله دناءةً، كما ورد في بعض الآثار، فعليكم بذات الدين، كما قال عليه الصلاة والسلام.
أنت حينما تتقي الله في اختيار زوجتك تسعدك زوجتك، وحينما تتقي الله في تربية أولادك يبرك أولادك، هذا الصنف الأول أعطى، واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، أي يسر الله له شأن زواجه، وعمله، وصحته، وسمعته، وصفائه، وراحة باله، لذلك قال تعالى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
وما من شيء يتعب النفس كتعسير الأمور، كالإحباط، كالإخفاق، أنت حينما ييسر الله لك حياتك ودنياك، وعملك وزواجك، وتربية أولادك، وحينما تؤدي ما أمرك الله أن تؤديه من الواجبات، وأن تحفظ الحقوق، وأن تتقي الله عز وجل يهبك الله سبحانه وتعالى في الدنيا عطاءً متميزاً، مثلاً قال تعالى:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
والأمن أثمن نعمة ينعم الله بها على المؤمن، لكن الذي يبتعد عن الله، ويشرد عن منهجه يلقي الله في قلبه الخوف، وأنت من خوف المرض في مرض، ومن خوف الفقر في فقر، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها.
أيها الإخوة الأحباب، هناك نقطة دقيقة، هي أن العلاقة بين الطاعة ونتائجها علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، وأن العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة سبب بنتيجة، إذا وضع الإنسان يده على المدفأة، وهي مشتعلة تحترق يده، فالعلاقة بين وضع اليد على المدفأة واحتراقها علاقة علمية، هذا شأن العبادات، وشأن المنهج الإلهي، أما شأن ترتيبات البشر فقد تكون علاقة وضعية لا علاقة علمية بين السلوك والنتيجة، لكن في العبادات، وفي منهج الله سبحانه وتعالى هناك علاقة علمية بين السبب وبين النتيجة.
شيء طبيعي جداً أن تغدو حياة المؤمن سعيدةً، قال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
أما الطرف الثاني، الطرف الثاني بخل، واستغنى، وكذب بالحسنى، الطرف الثاني آمن بالدنيا فقط، ولم يؤمن بغيرها، والإيمان بالآخرة كما يقول بعض العلماء إيمان إخباري، لكن بعض العلماء يقول: هو إيمان عقلي، ذلك أنه يستحيل على الله أن يكون غنيا وفقيرا، وقويا وضعيفا، ووسيما ودميما، وذكيا ومحدودا، وظالما ومظلوما، وأن تنتهي الحياة هكذا بلا شيء، هذا مستحيل، وألف ألف مستحيل، لابد من يوم تسوى فيه الحسابات، لابد من أن يؤخذ للمظلوم من الظالم، لابد من أن يعطى المؤمن عطاءً استثنائياً.
الطرف الثاني، الصنف الثاني كذب بالحسنى، لم يؤمن بها، لذلك بني على هذه العقيدة الفاسدة أنه استغنى عن طاعة الله، تفلت من منهجه، وبني على هذه العقيدة الفاسدة أيضاً أنه بخل، أخذ ولم يعطِ، استهلك جهد الآخرين، ابتز أموالهم، اعتدى على أعراضهم، النموذج الثاني، قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
يعني لا يحقق النجاح في حياته، حياته ضنك، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾
أيها الإخوة الأحباب، هذان النموذجان صارخان، أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، جزاءه التيسير، بخل، واستغنى، وكذب بالحسنى، جزاءه التعسير، لكن لماذا بخل ؟ من أجل أن يجمع المال، والمال مادة الشهوات، يقول الله له:
﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)﴾
إذا دخل في القبر ماذا ينفعه ؟ ينادى الإنسان في أول ليلة يوضع في قبره: أن عبدي قد رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
أرجو الله تعالى أن نكون جميعاً قد أفدنا من هذه الحقائق القرآنية أرجو وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.