- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠28برنامج الإسلام والحياة - قناة سوريا الفضائية
آيات الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يقول الله جل جلاله في كتابه العزيز :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾
فكما أن خلق السموات والأرض آية كبرى دالة على عظمة الله عز وجل ، كذلك أنه خلق من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها ، وجعل بيننا مودة ورحمة ، آية دالة على عظمة الله عز وجل ، الأصل في العلاقة بين الزوجين أن يسكن كل منهما إلى الطرف الآخر ، وأن تكون المودة والرحمة بينهما ، هذا هو الأصل ، والحقيقة أن تماسك الأسرة له دور خطير في تماسك المجتمع ، ونمو الأسرة له أثر واضح في نمو المجتمع ، لذلك الشرائع السماوية دعّمت الأسرة ، وصانتها من الخطر والزلل .
حقيقة الإنسان وأخلاقه تتبدى في بيته :
أيها الأخوة ، ولكن الإنسان العاقل الواعي إذا بدا عن بُعدٍ أن هناك ملامح للشقاق الزوجي ينبغي أن يستعد لمعالجة الخلل ، فقد قال الله عز وجل :
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾
أي إنه ينبغي أن تكتشف بوادر الشقاق قبل أن يقع ، وهذا من البطولة أن تكتشف الشيء قبل أن تعاينه ، لذلك سيكون موضوع هذا اللقاء الطيب حول أسباب الشقاق الزوجي ، إنه موضوع حيوي ، واجتماعي ، ويمس كل أسرة .
بداية أيها الأخوة ، النبي عليه الصلاة والسلام جعل خيرية الإنسان داخل بيته ، أصل خيريته العامة ، ذلك أن الإنسان خارج البيت يحرص على مكانته وسمعته ، لذلك يظهر من التصرفات ما هو مقبول عند المجتمع ، أما إذا دخل إلى البيت فلا رقابة ، ولا مسؤولية ، لذلك حقيقة الإنسان وتدينه وأخلاقيته تتبدى في بيته ، من هذا المنطلق قال عليه الصلاة والسلام :
((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ))
أرأيتم أيها الأخوة أن الإنسان إذا امتحن لينال شهادة سوق القيادة يمتحن في أصعب أطوار القيادة ، فإذا نجح في الشيء الصعب كان السهل عليه سهلاً ، لذلك أصعب شيء أن تكون أخلاقياً في بيتك ، حيث لا رقابة ، ولا خشية ، ولا سمعة ، من هنا أعيد على أسماعكم قول النبي عليه الصلاة والسلام :
((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ))
أسباب الشقاق الزوجي :
1 ـ الجهل :
إذا حللنا أسباب الشقاق الزوجي هناك أسباب عديدة نحاول في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله تعالى أن نشرح بعضها .
يقع في رأس هذه الأسباب الجهل ، فهو أعدى أعداء الإنسان ، فالجاهل عدو نفسه، ويفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، الإنسان انطلاقاً من حبه لوجوده ، وسلامة وجوده ، وكمال وجوده ، واستمرار وجوده ، حينما يعلم وسائل سلامته وسعادته يقبل عليها بلا تردد ، أين الأزمة ؟ إنها أزمة العلم ، حتى أهل النار وهم في النار يقولون :
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردت حياة زوجية ناجحة عليك بالعام ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كله ، فإذا أعطيته بعضك لا يعطيك شيئاً .
أيها الأخوة ، ما من عقد قران وإلا ويقول العاقد : على كتاب الله وسنة رسوله ، فهل عرف الزوجان ما في كتاب الله وفي سنة رسوله من أحكام الزواج ؟ هل عرف الزوج حقوق زوجته وواجباته تجاهها ؟ هل عرفت الزوجة حقوق زوجها وواجباتها تجاهه وتجاه أولادها ؟ النبي عليه الصلاة والسلام يخاطب النساء عامة من خلال امرأة قال :
(( اعلمي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))
لذلك أيها الأخوة ، لابد من أن تعرف واجباتك أيها الزوج ، ولابد من أن تعرفي أيتها الزوجة واجباتك ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( أكرموا النساء ، والله ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم))
وفي بعض الزيادات على بعض الروايات يقول عليه الصلاة والسلام :
(( يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
يقع في رأس قائمة أسباب الشقاق الزوجي الجهل الذي يهيمن على الأسرة ، حقوق الزوجة وواجباتها ، وحقوق الزوج وواجباته ، الحدود التي ينبغي أن يقفوا عندها ، الحكم فيما بينهم من مشكلات ، الحكم الذي ينبغي أن يرجعوا إليه ، المرجعية التي ينبغي أن تحكم علاقتهما ، هذا كله مفقود في أسرة تفقد العلم الشرعي .
2 ـ ضعف الإيمان :
أيها الأخوة ، السبب الآخر هو ضعف الإيمان ، ذلك أن الزوجين المؤمنين يشعران أن الله بين الزوجين ، فكل طرف منهما يخاف الله أن يظلم الآخر ، وكل منهما يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر ، فإذا كان الزوجان مؤمنين فإيمانهما بالله ، وأنه يراقبهما، وبأن الله سبحانه وتعالى سيكافئهما على عملهما ، هذا أكبر ضمانة لنجاح الزواج في ظروف الإيمان .
وقد قال بعضهم : زوِّج ابنتك للمؤمن ، إن أحبها أكرمها ، وإن لم يحبها - لا سمح الله - لن يظلمها .
أيها الأخوة ، القناعة شيء ، وأن تحمل نفسك على أن تفعل ما أنت مقتنع به شيء آخر ، هناك من يعرف الحلال والحرام ، والواجبات والحقوق ، لكنه أضعف من أن يقوم بهما ، فقوة الإيمان تقوي الإرادة ، فإذا قوي إيمانك قويت إرادتك ، فإذا سألنا هذان زوجان يعلمان الحقوق والواجبات ويعلمان حدود الشريعة فلماذا الشقاق بينهما ؟ لأن كلاً منهما مقصر مع الطرف الآخر ، وهذا التقصير هو الذي يسبب الشقاق بينهما .
على كلٍّ هناك حديث شريف ينطبق على هذا الموضوع انطباقاً تاماً :
(( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يَخْذُلُهُ ، التَّقْوَى هَاهُنَا ، وَقَالَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ، وَمَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا حَدَثٌ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ ))
لا يكفي أن أتعلم الحقوق والواجبات والحدود والقيود لابد من أن أملك إرادة قوية على تطبيق ما أنا مقتنع به ، هذه الإرادة القوية من نتائج قوة الإيمان ، فإذا قوي إيمان الزوجين قويت إرادتهما ، وقوة إرادتهما تعينهما على أن يطبقا ما تعلماه من منهج الله عز وجل .
3 ـ سوء التصرف :
أيها الأخوة الأحباب ، هناك سبب ثالث للشقاق الزوجي هو سوء التصرف ، أنا مقتنع تماماً أن المؤمن له عطاء من الله لا يقدر بثمن ، هذا العطاء قد لا يبدو جلياً واضحاً لعامة الناس ، إنه الحكمة ، فقد قال الله عز وجل :
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
الحكمة أن تضع الشيء في موضعه ، وأن تقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب ، مع الشخص المناسب ، بالقدر المناسب ، الحكمة أعظم عطاء إلهي على الإطلاق ، إنه خاص بالمؤمنين .
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
الحكمة ضالة المؤمن ، ومن ثمار الإيمان .
أيها الأخوة ، أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، وبالحكمة تعيش بمال محدود ، وتقلب الأعداء إلى أصدقاء ، وبانعدام الحكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، وبنقص الحكمة تبدد المال ، وتجعل الأصدقاء أعداء ، لذلك الصفة الأولى التي يتميز بها المؤمنون حكمتهم التي منحهم الله إياها .
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
الحكمة لا تؤخذ ، لكنها تؤتى ، تؤتى للمؤمن كنتيجة لطاعته لله عز وجل ، وكانصياع لأمر الله ، ألم يقل الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
أي إنه من يتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاق الزوجي ، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوق أولاده ، من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من تبديد المال ، فحينما تطبق منهج الله إنك تطبق تعليمات الصانع ، وما من جهة يمكن أن تلتزم بتعليماتها إلا الجهة الصانعة ، لأنها الخبيرة ، قال تعالى :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
4 ـ التعالي :
أيها الأخوة الكرام ، شيء آخر من أسباب الشقاق الزوجي هو التعالي ، أحياناً يتعالى الزوج على زوجته ، أو تتعالى الزوجة على زوجها ، والتعالي معول يهدم السعادة الزوجية ، إذا دخلتَ إلى البيت فأنت واحد من أهل البيت ، إذا دخلتِ إلى البيت فأنت واحدة من أهل البيت ، أما أن أستعلي على شريكي في الحياة ، أو أن أستعلي على شريكتي في الحياة ، وقد يكون هناك تفاوتٌ لبعض الشيء بين مستوى الأسرتين ، ولكن هذا الزوج هو والد أولادك ، وهذه الزوجة هدية الله إليك أيها الزوج ، فإذا دخلنا في عش الزوجية فلا ينبغي أن يكون هناك تعالٍ .
وصية أمامة بنت الحارث لابنتها يوم زفافها :
أيها الأخوة الأحباب ، امرأة قبل الإسلام اسمها أمامة بنت الحارث ، أوصت ابنتها يوم زفافها ، فقالت : أي بنية ، إن الوصية لو تركت لفضل أدبٍ تركت لذلك منك ، ولكنها تذكرة للغافل ، ومعونة للعاقل ، ولو أن المرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها ، أو لشدة حاجتهما إليها لكنت أغنى الناس عنه ، ولكن النساء للرجال خُلِقن ، ولهن خُلِق الرجال ، أي بنية ، إنك فارقت الجو الذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجتِ ، إلى وكر لم تعرفيه ، وقرينٍ لم تألفيه ، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً ، كوني له أَمَة يكن لك عبداً ، أي بنية ، خذي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وأجراً : الصحبة بالقناعة ، أعظم النساء بركة أقلهن مؤونة ومهراً ، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ، المرأة إذا صلت خمسها ، وصامت شهرها ، وأطاعت زوجها ، وحفظت نفسها دخلت جنة ربها ، والتفقد لمواضع عينه وأنفه ، فلا تقع عينك منه على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح ، ولا كحل إلا أحسن الحسن ، والماء أطيب الطيب المفقود .
أيها الأخوة ، ثبت أن لرائحة الجلد رائحة عطرة ، يكفي أن ينظف فله رائحة ، وهذه الحقيقة أشير إليها في هذه الوصية ، والماء أطيب الطيب المفقود ، والتفقد لوقت منامه وطعامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة ، وتنغيص النوم مغضبة ، والاحتراس لماله والرعية على حشمه وعياله ، وملاك الأمر في المال حسن التدبير ، وفي العيال حسن التقدير ، ولا تعصِ له أمراً ، ولا تفشِ له سراً ، فإنك إن عصيت أمره أوغرتِ صدره ، وإن أفشيت سره لن تأمني غدره ، ثم يا بنيتي ، إياك والفرح بين يديه إن كان ترحاً ، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً ، فإن الأولى من التقصير ، والثانية من التكدير ، واعلمي أنه لن تَصلي إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك ، وهواه على هواك فيما أحببت أو كرهت ، والله يختار لك .
أيها الأخوة الكرام ، التعالي معول يهدم السعادة الزوجية ، أراد الله أن يكون بين الزوجين الود والرحمة ، فالود هو تصرف يعبر صاحبه به عن الحب ، والرحمة هي الشفقة، فأراد الله لهذا الزواج أن يستمر ، وينمو بالود والرحمة معاً أو أحدهما فلابد من وجودهما بين الزوجين .
5 ـ التقليد الأعمى :
أيتها الأخوات الكريمات ، أيها الأخوة الكرام ، التقليد الأعمى معول آخر يهدم الحياة الزوجية ، حقيقة دقيقة جداً أنه في حياتنا سعادة ولذّات ، اللذّات منبعها خارجي ، فتأتي من طعام نفيس ، من بيت واسع ، ومناظر خلابة ، وأطفال نجباء ، لكن السعادة تنبع من الداخل ، اللذّات تحتاج إلى مصادر خارجية ، وأموال طائلة ، واللذّات ليست مستمرة ، بل متناقصة ، وإن لم تكن وفق منهج الله تبعتها كآبة ، أما السعادة فتنبع من قلب الإنسان ، ويملكها ، وفي متناول يده ، وتسعده ، ولا علاقة لها بالشروط المادية التي تحيط بالإنسان ، فحينما توازن امرأة نفسها مع امرأة أخرى ، والفرق الاقتصادي كبير ، هذا معول آخر يهدم الحياة الزوجية ، ذلك أن أساس الحياة الزوجية السكن ، قال تعالى :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
و لحكمة أرادها الله جعل الزوجين متكاملين ، وليسا متشابهين ، فكل طرف يكمل نقصه بالطرف الآخر ، فيسكن إليه ، الزوجة تكمل نقصها بزوجها القوي الأمين ، فتسكن إليه، والزوج يكمل نقصه العاطفي بزوجته الجياشة العاطفية ، فيسكن إليها ، وهذا من حكمة الله ، أما حينما تأتي امرأة لتقلد امرأة أخرى لها وضع ومستوى آخر فإنها بهذا التقليد الأعمى تهدم السعادة الزوجية فيما بينها وبين زوجها ، فلذلك قيل : إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين .
6 ـ الغياب الطويل :
أيها الأخوة الأحباب ، شيء آخر من أسباب الشقاق الزوجي الغياب الطويل ، مادامت الزوجة بحاجة لزوجها كي تسكن إليه ، وما دام الزوج بحاجة إلى زوجته كي يسكن إليها ، متى تكون هذه السكنى ؟ إذا كان غيابه عن البيت طويلاً ، العشرة الزوجية أصل في الزواج ، فإذا امتص العمل كل وقت الزواج فهذا العمل مهما كان الدخل فيه كبيراً فهو في الحقيقة خسارة ، لأنه فقَد شريكة حياته ، وفقدت شريك حياتها ، ضاع الأولاد ، وربوا تربية ليست سليمة ، فالغياب الطويل عن المنزل له مضاعفات خطيرة ، قد تكون له مضاعفات معتدلة بين زوجين منضبطين ، وقد تكون له مضاعفات خطيرة بين زوجين غير منضبطين ، حينما تفتقر الزوجة إلى الأنس وعطف زوجها ووجوده إلى جانبها فقد تضعف نفسها أمام خبيث من خبثاء الأرض .
أيها الأخوة الكرام ، عدم الإقامة في البيت لفترة معقولة أحد أسباب الشقاق الزوجي .
7 ـ السكوت وعدم الاهتمام بالطرف الآخر :
شيء آخر ، الأزواج أحياناً لا يهتمون لشأن زوجاتهم ، عدم اهتمامهم يتبدى في عدم اهتمامهم بمظهر زوجاتهم ، قد تعتني بنفسها ، وتظهر بأبهى زينة أمامه ، لا يلتفت إلى ذلك ، قد تعد له طعاماً نفيساً لا يشكرها عليه ، قد يرى الأولاد في أحلى حالة لا يثني عليها بهذا ، قد يرى البيت رائعاً لا ينتبه إليه ، عدم الاهتمام بالزوجة ، بمظهرها ، وبعملها ، وبإدارة بيتها ، وبطعامها ، وبنظافة وتربية أولادها ، هذا يضعف العلاقة بين الزوجين ، فلذلك الزوج الناجح هو الذي يثني على زوجته من حين إلى آخر حتى تشعر أنه يعم قدراتها وما عندها من خير .
8 ـ الابتعاد عن الكلمة الطيبة :
أيها الأخوة الكرام ، شيء آخر في العلاقة الزوجية ، ألم يقل الله عز وجل :
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾
أيهما أحق بكلامك الطيب الناس عامة أم هذه التي هي في البيت أم شريكة حياتك؟ الكلمة الطيبة صدقة .
كان عليه الصلاة والسلام زوجاً ناجحاً ، كانت السيدة عائشة تسأله من حين لآخر: يا رسول الله كيف حبك لي ؟ فعبر النبي عن حبه الشديد لها بمثلٍ قال : حبي لك كعقدة الحبل ، فأصبح هذا رمزاً بينهما ، تسأله من حين لآخر : كيف العقدة ؟ فيقول : على حالها .
أنت تهتم بالزوجة ، وتثني على فعلها ، وهندامها ، وإدارة بيتها ، وطعامها ، وتربية أولادها ، وتسمعها كلمة طيبة ، وتعبر لها عن حبك ، هذا من أسباب السعادة الزوجية، بل إن من عكس ذلك من أسباب الشقاق الزوجي
أضرب لكم مثلاً ينسحب على هذه الحالة : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فِي اللَّهِ ، قَالَ : فَأَخْبَرْتَهُ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَأَخْبِرْهُ ، فَقَالَ : تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : فَأَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ ))
إذا كان هناك ود بينهما ، فلمَ يبخل الزوج بكلمات الحب والود لزوجته ؟ ولم تبخل الزوجة بكلمات الحب لزوجها ؟ هذا أيضاً السكوت وعدم الاهتمام بالطرف الآخر من أسباب الشقاق الزوجي .
9 ـ الطمع المالي :
شيء آخر : من أسباب الشقاق الزوجي الطمع المالي ، هذا العقد بين الزوجين هو أقدس عقد في الأرض ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾
هذا الميثاق الغليظ يفسده الاتجاه المالي ، فحينما يطمع الزوج بمال زوجته، أو حينما تطمع الزوجة بما عند زوجها لتقتنصه لأهلها هذا يفسد العلاقة بين الزوجين ، فالمادة تفسد العلاقة ، وإن جعلتها تحت قدمك تكسبها ، وإن كانت أمامك تخسرها ، وأكبر خسارة أن تخسر الزوجة زوجها أو أن يخسر الزوج زوجته .
10 ـ بخل الزوج :
أيها الأخوة الكرام ، ومن أشد معاول هدم السعادة الزوجية بخل الزوج ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله ))
وقد قال بعض الصحابة الكرام : " حبذ المال أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي " ، إلا أن الصحابية الجليلة حينما تودع زوجها تقول : اتقِ الله فينا نصبر على الجوع ، ولا نصبر على الحرام ، أما المرأة التي تضغط على زوجها كي يكسب المال الحرام فهي شريكته في الإثم .
11 ـ سوء الظن :
أيها الأخوة الأحباب ، من أسباب الشقاق الزوجي سوء الظن ، وهو حزم إذا كان هناك دليل ، وإن لم يكن هناك دليل فهو إثم ، فينبغي أن نحسن الظن إن لم يكن هناك دليل على سوء الظن ، أما إن كان هناك دليل فالحزم سوء الظن .
12 ـ خروج المرأة من دون إذن زوجها :
شيء آخر أيها الأخوة ، خروج المرأة من دون إذن زوجها ، يقول الله عز وجل:
﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾
أصغر مشكلة إذا خرجت الزوجة من بيت زوجها ونشزت تغدو أكبر مشكلة ، وقد تنتهي بالطلاق ، وأكبر مشكلة بين الزوجين إذا بقيت الزوجة في بيت الزوجية قد تنتهي إلى الوفاق .
أيها الأخوة الكرام ، هذه بعض أسباب الشقاق الزوجي ، فالشقاق الزوجي معول يهدم الأسر ، وإذا ضاعت الأسر ضاع المجتمع ، بل إن بعض أقطاب الحضارة الغربية يقول: نحن مهددون بتفكك الأسرة ، وشيوع الجريمة ، وبالانحراف الأخلاقي .
فيا أيها الأخوة الأكارم ، عظمة هذا الدين أنه منهج قويم يبدأ من الأسرة ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، فالزوج والزوجة إذا بنيا بيتهما على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، أما إذا بنيا منزلهما على معصية فيتولى الشيطان التفريق بينهما .
أيها الأخوة الأحباب ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .