وضع داكن
28-03-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 10 - التناهي عن المنكر وعدم التوسط في حدود الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الأمة التي تكيل بمكيالين أمة تستحق الهلاك :

 أيها الأخوة الكرام, أن تهلك أمة بسبب قال الله عنه:

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 إن لم ينه بعضنا بعضاً عن منكر يفعله بعضنا؛ عدم النهي يستحق أن نهلك:

 

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 يسحب على هذا أن يقيس الناس بمقياسين, أو أن يكيلوا بمكيالين.
 تقول عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام :

((إنَّ قُرَيشاً أَهَمَّهُمْ شَأنُ المرأَةِ المَخزوميَّةِ التي سَرَقَتْ، ـ امرأة من بني مخزوم: سرقت ـ فقالوا: مَنْ يُكلّمُ فيها رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومَنْ يَجترئُ عليه إلا أُسامَةُ بن زَيدٍ، ـ أي عملية وساطة, إنسانة وقعت في حد من حدود الله, تستحق قطع اليد, ويبدو أنها من أسرة لها مكانتها, فأرادوا أن يكلموا فيها رسول الله؛ لئلا يقام عليها الحد ـ فقالوا: ومَنْ يَجترئُ عليه إلا أُسامَةُ بن زَيدٍ حِبُّ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ ـ أي من أقرب الصحابة إلى النبي سيدنا أسامة بن زيد ـ والحب ابن الحب؛ ـ كان أبوه أحب الناس إليه, وابنه أحب الناس إليه ـ فَكلَّمَهُ أُسَامَةُ، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتَشفَعُ في حدٍ مِنْ حُدودِ اللَّه؟ ثم قام وخطب، قال: إنَّما أَهلك الذين قبلكم: أنَّهمْ كانوا, إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ: تَرَكُوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف: أقاموا عليه الحدّ, وايْمُ اللَّهِ! لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت: لقطعتُ يَدَهَا))

[أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة]

 هذا كلام بليغ؛ حينما يكيلون بمكيالين, حينما يسرق الشريف فلا تقطع يده, ويسرق الضعيف فتقطع يده, هذه أمة تستحق الهلاك.

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله علة خيرية هذه الأمة :

 أذكر في أعقاب الحرب العالمية الثانية زعيم بريطاني, مشهور جداً, سأل وزراءه واحداً واحداً عن وضع وزاراتهم؛ وزير الصناعة, قال: المعامل جميعها مهدمة, وزير الزراعة قال: الحقول محروقة, وزير المالية قال: الخزانة فارغة, كل وزير يشكو الدمار, فلما وصل إلى وزير العدل, قال: كيف العدل عندك يا مستر فلان؟ فقال: العدل بخير, فقال: كلنا إذاً بخير.
 هذا مبدأ أساسي في الحياة, يجب أن يقام الحد على كل الناس؛ صغيرهم وكبيرهم, قويهم وضعيفهم,

((وايْمُ اللَّهِ! لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت: لقطعتُ يَدَهَا))

 ؛ فأن نكيل بمكيالين, أو ألا نتناهى عن منكر فعلناه هذا يستحق الدمار, والآية الكريمة:

 

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

[سورة آل عمران الآية:110]

 علة الخيرية: الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والإيمان بالله؛ فإذا عطلنا الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر؛ فقد عطلنا خيريتنا, وأصبحنا أمة كأي أمة, ليس لنا أية ميزة عند الله عز وجل.

 

كلما انتشر الفساد انتشر التخلف وعمّ الهلاك :

 

 الأحاديث الصحيحة, الواضحة, المشهورة, كلما زدتها تأملاً زادتك معنىً؛ فمن وسائل النبي عليه الصلاة والسلام في تربية أصحابه (مثل السفينة), فقال عليه الصلاة والسلام:

((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فالذين في أسفلها: أرادوا أن يخرقوا من نصيبهم خرقاً ـ يأخذون الماء منه؛ لئلا يزعجوا من هم في أعلاها ـ قال: فإن أخذوا على يده نجا, ونجوا, وإن تركوه هلك, وهلكوا))

[البخاري عن النّعمان بن بشير]

 كلما انتشر الفساد انتشر التخلف, وعمّ الهلاك؛ فكل شخص يقول: ليس لي علاقة, ليس لك علاقة الآن, لكن بعد حين سيأتي عليك الهلاك؛ إلا إذا وقفت ودافعت عن الإسلام, وقفت وأمرت بالمعروف, ونهيت عن المنكر, لكن إذا لم توجد الرغبة بأن تزيل المنكر فإن المنكر سيصل إليك, أنا لم أجد في الأمثلة أبلغ من هذا المثل: أن الدعوة منطقية؛ لكي لا نزعج الآخرين, من في أعلى السفينة سنخرق الماء خرقاً من فوق السفينة؛ من أجل أن نأخذ الماء مباشرة, قال:

((....فإن أخذوا على يده نجا, ونجوا, وإن تركوه هلك, وهلكوا))

[البخاري عن النّعمان بن بشير]

المجتمع عندما يلغي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينتهي :

 المجتمع عندما يلغي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 ويكيل بمكيال واحد, لا بمكيالين؛ انتهى الأمر, لماذا قال عليه الصلاة والسلام:

(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً ))

[ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ]

 مثلاً شعب يرفض أن ينفذ ستين قراراً للمجتمع الدولي, خلال أربعين سنة, ولا أحد يفعل شيئاً معه؛ إلا قضية ضبط النفس, واللوم, والضجر فقط, وشعب آخر إذا خرق شيئاً من القواعد الملزم بها يموت من الجوع؛ هذا كيل بمكيالين.
 لو أن إنساناً مشى بلا ثياب, وليس في الأرض من هو أبشع من إنسان يمشي بلا ثياب, أهون من التناقض, أي أن تكيل بمكيالين, وهذا الشيء واقع في كل إنسان.
 أحياناً ابنته لها معاملة, وزوجة ابنه لها معاملة, بالنسبة لابنته أخطاؤها كلها مغفورة, أما زوجة ابنه تحاسب أشد الحساب, على مرأى من الطرفين, بلا حياء؛ فالأم تعامل ابنها شيء, وزوج ابنتها شيء.
 كل إنسان يكيل بمكيالين يكون قد خلع من وجهه الحياء, منتهى الوقاحة أن تكيل بمكيالين؛ فهؤلاء سرقت امرأة شريفة, توسطوا لرسول الله ألا يقطع يدها, امرأة ضعيفة سرقت؛ قطعت يدها, ولا أحد يسأل عنها, هذا أحد أسباب هلاك الأمة، فالقيم التي جاء بها الإسلام, بفضلها انتشر الإسلام, ولو أن الصحابة الكرام فهموا الإسلام كما نفهمه نحن عبادات شعائرية, مع مظاهر دينية, ولم تكن قيمهم صحيحة, الإسلام ما كان له أن يخرج من مكة المكرمة؛ فالقضية قضية عدل, وإنصاف, والله عز وجل هو العدل.

 

الإنسان حينما يخرق حدود الله يُعرض نفسه لمعالجة الله عز وجل :

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((إنَّ الله يَغَارُ وَإِن غَيْرَةَ الله أن يَأتِيَ المؤمن ما حرَّم الله عليه))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 أي الله عز وجل رحيم، والله عز وجل مربّ, وكل إنسان يأتي ما حرم الله, وضع نفسه تحت المعالجة الإلهية, تقتضي رحمة الله, وتقتضي عدالته, وتقتضي تربيته أن يسوق لهذا الإنسان بعض الشدائد:

 

﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين﴾

[سورة الأنعام الآية:147]

 تقتضي رحمته ألا يرد بأسه عن القوم المجرمين؛ فالإنسان حينما يخرق حدود الله يعرض نفسه لمعالجة الله عز وجل, لذلك:

((إنَّ الله يَغَارُ، وَإِن غَيْرَةَ الله: أن يَأتِيَ المؤمن ما حرَّم الله عليه))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور