وضع داكن
20-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 077 - حديث قطعتم ظهر الرجل – كراهة المدح في الوجه بمن خيف عليه مفسدة من إعجابٍ وجوازه لمن أمن ذلك في حقه،
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ مع بابٍ من أبواب رياض الصالحين، من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم، هذا الباب عنوانه: 

كراهة المدح في الوجه بمن خيف عليه مفسدة من إعجابٍ ونحوه، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه.

هذا موضوع وجدت أننا في أمس الحاجة إليه، لأن أحدنا إن أحب شخصاً, كال له من المديح بغير حساب، وإن أبغض شخصاً عكس القضيَّة، إلا أنه هناك حكم شرعي، هذا الحكم الشرعي: 

أن الأصل في تقييم الأشخاص من شأن الله جلَّ جلاله.

فالأصل في تقييم الأشخاص هو الله عزَّ وجلَّ، ونحن جميعاً لا نملك وسائل التقييم، لأن الله عزَّ وجل يحاسب على النوايا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) .

(( عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم ]

قيمة العمل محصورةٌ بنيَّته، فقد تجد عملاً طيِّباً، لكن صاحبه أراد الدنيا به، وقد تجد عملاً قاسياً، لكن صاحبه أراد وجه الله به، نحن لسنا مؤهَّلين أن نحكم على الأشخاص حكماً عميقاً، حكماً قطعياً، هذا الموضوع يحتاج إلى دقَّة في المتابعة.


  حديث: قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ...


(( عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ, وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَ, فَقَالَ: أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

الأشخاص أنواع، هناك شخص إذا مدحته لبِسه الغرور، واستعلى على الخلق، وشعر أنه فوق البشر، وهؤلاء الذين يمدحونه, يُسهمون بشكلٍ أو بآخر في إحداث هذا المرض عنده، مرض تضخُّم الذات, سببه المدَّاحون، هؤلاء الذين يكيلون المديح جزافاً.

وأنا مضطر أن أقول: إنه في أكثر الحفلات -عقود القِران- الذين يقفون ليتكلَّموا, يكيلون المدح جزافاً للأسرتين، وفي حادثة في دمشق, حيث تمَّ عقد زواجٍ بين أسرتين، وكان هناك حفل للرجال وحفل للنساء، حفل الرجل أُقيم في مكان، دُعي إليه من يتكلَّم عادةً في مثل هذه الحفلات، وكما هي العادة انزلق هؤلاء, فأثنوا على الأسرتين ثناءً لا حدود له, أثنوا على الأصالة، والتُقى، والنقاء .. إلخ.

عقد القران للنساء, تمَّ في أحد أكبر فنادق دمشق، وزِّعت الخمور، وجيء بالمصورات، وجيء بالمصورين، فصوروا النساء عرايا، نُشرت هذه الصور في صحف لبنان، هاتان الأسرتان العريقتان، التقيَّتان، الورعتان، الطيبتان، هذا الذي يتكلَّم هذا الكلام, أين أصبحت مكانته؟ كلامٌ لا معنى له، لذلك: موضوع المديح, موضوع خطير جداً.

إنسان يعيش من مسبح مختلط، تسبح النساء شبه عارياتٍ مع الرجال، وصاحب هذا المسبح, أراد أن يقيم مولدًا، ودعا من يتكلَّم في هذا الحفل، والمتكلِّمون كما هي العادة, أثنوا على صاحب الدعوى ثناءً عطراً.

أيها الأخ الكريم؛ اعلم علم اليقين: أن الله يغضب إذا مُدِح الفاسق, إنك إن مدحته أربكت الحاضرين.

لو أن إنسانًا زارك في البيت، وهو بعيدٌ عن الدين بُعد الأرض عن السماء، لا يصلي، وقد يشرب، فإذا قلت أنت أمام ابنك: إنه لطيف، لبق، فهيم، مثقَّف مثلاً، انظر لهذه الكلمات.

يأتي على الناس زمان يقال للرجل: ما ألطفه, ما أظرفه، ما أحسنه، وليس فيه ذرة إيمان

فهذا الشيء مرض اجتماعي قد فشا؛ المديح بغير حساب، والناس إذا أحبوا مدحوا مديحاً بغير حساب، فإذا كرهوا ذموا ذماً بغير حساب.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا, عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا, عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا ما ))

[ أخرجه الترمذي ]

يا أيها الإخوة الكرام؛ يجب أن تعلم الحكم الشرعي في هذا، سألني أخ من يومين: 

فقال لي: إذا أخذ الإنسان حقَّه, ولو بالقوَّة مؤاخذ؟. 

قلت له: القرآن الكريم يضبط هذا الأمر. 

فقال لي: أين الآية؟. 

قلت له:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)﴾

[ سورة الشورى ]

من صفات المؤمن: أنه لا يخنع، ولا يخضع، ولا يذِل, قال تعالى:

﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)﴾

[ سورة المنافقون ]

المؤمن عزيز, قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) فأن تأخذ حقَّك؛ سائق طائش، أرعن، منحرف، سبَّب حادثًا لابنك، فلو قلت: الله يسامحك، لا نريد أن نؤذي أحدًا، هذا غير صحيح، يجب أن توقفه عند حدِّه، يجب أن يدفع ثمن خطئه، ألم يقل الله عزَّ وجل:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)﴾

[ سورة النور ]

إذا سامحته، وفلان سامحه، وفلان سامحه، سيرتكب جرائم متعدِّدة.

تُروى قصَّة لعلَّها رمزية: أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه, عُرِف بحلمه الشديد، فتراهن رجلان، وأرسلا طفلاً صغيراً يغمزه, وهو خليفة المسلمين، وهو يصعد إلى المنبر، فكان ذكياً وفطناً, فقال له: يا غلام ربح الرهن، فهم.

هذا الغلام فعلها مع خليفةٍ آخر فقتله، فقالوا: حلم معاوية قتل الغلام، حلم معاوية على هذا الغلام, هو الذي قتله، لأنه فعلها مرَّة ثانية مع بطَّاش فقتله.

فإذا أساء إنسان، وبالغ بالإساءة وقلنا: نسامحه، لا نؤذي أحدًا، هذا الخوف الساذج، هذا ليس من الدين في شيء, قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أما حينما ينتصرون, قال تعالى:

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾

[ سورة الشورى ]

أما أن تقول: سأكيل له الصاع عشرة أَصْوع، هذا كلام الشيطان, أما كلام الرحمن: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) الآن دقِّق: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ) قال العلماء: حينما يغلب على يقينك, أن عفوك عنه يقرِّبه إلى الله، قال: (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) عندئذٍ سيكافئه الله المكافأة العالية.

سائق يسير بهدوء، طفل قفز إلى أمام السيارة، سائق فقير ذو عيال، شارد، تائه، فلما عفوت عنه قرَّبته إلى الله، وشعر أن في الناس رحمة.

 

الغاية من القصص:

 

 القصة الأولى: العفو صفة من صفات المحسنين.

لي صديق توفي رحمه الله، أول ما اشترى سيارة، وقد سُمح حديثاً بالذهاب إلى الأردن بهويَّة.

 قصَّة قديمة.

سيارته حديثة جداً, ركبها، وأخذ معه زوجته وأولاده، فبعد ما دخل إلى الأراضي الأردنيَّة, قفز طفل إلى أمامه، وسار فوقه، لم تأت العجلة فوقه، بل ضمن العجلات، هو حديث عهد بالقيادة، أصابه ألم, لا ينساه طوال حياته، وقف فإذا بالطفل مغمى عليه، أُخذ للمستشفى، وكان والد الطفل من أصل بدوي.

قال لي: أخذني إلى البيت, وذبح لي الخروف. 

قال: نحن أخفناك، وأكرمه إكرامًا منقطع النظير، وكان في ضيافته طوال اليوم.

 الأب عرف أن ابنه هو المخطئ، فطريق عام، طريق سيارات، وابنه قفز، وسار باعتدال، الأب أدرك أنه يوجد خطأ من ابنه.

قال لي: والله أكرمني إكرامًا ما أنساه حتى الموت. أنا كاد قلبي ينخلع من الخوف، وهو طمأنني، وأطعمني، والحمد لله كانت نتيجة الفحص إيجابية، ولا يوجد شيء إطلاقاً، فقط في حالة إغماء، لأن حجمه صغير، لم يتأثر، ولم يحدث فيه شيء, قال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)

القصة الثانية: التجارة مع الله سبيل دخول الجنّة.

فقصَّة أرويها دائماً: أن إنسانًا بعد ما تزوج, من خمسة أشهر, فإذا بزوجته على وشك المخاض، هذا الولد ليس منه، هي زانية، فاستجوبها, فوجد أن قدمها زلت سابقاً، وكان بإمكانه أن يفضحها، وكان بإمكانه أن يطلِّقها، وكان بإمكانه أن يسحقها، وكان بإمكانه أن يمرِّغ سمعتها في الوحل. 

إمام مسجد، أو خطيب المسجد, رأى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة.

طرق بابه، وقال: لك عندي بشارةٌ من رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله لا أقولها لك حتى تخبرني بماذا فعلت؟. 

فامتنع. 

فلما ألحَّ عليه قال له: والله هذه المرأة التي تزوجتها هكذا حالها، وكان بإمكاني أن أطلقها, وكان بإمكاني أن أفضحها، وكان بإمكاني أن أسحقها، وكان بإمكاني أن أمرِّغ سمعتها في الوحل، ولكنني وجدتها زلَّت وتابت، فأتيت بالقابلة، وولَّدتها، وأخذت هذا الطفل -الذي ليس منه- تحت العباءة، ودخل المسجد, بعد أن صلى الإمام الفجر، ووضعه وراء الباب، واقتدى بالإمام، فلما انتهت الصلاة, بكى هذا الطفل الصغير، فتحلَّق المصلون حوله، فدخل بينهم، وكأنه لا يعرف, قال: ما الخبر؟ قالوا: تعال انظر، قال: آتوني به أنا أكفله، فأخذه أمام الحي على أنه لقيط, -كفله-, وردَّه إلى أمه وربَّاه، فقال: قل لجارك فلان: أنه رفيقي في الجنة.

ليس من الحكمة دائماً أن تنتقم، ليس من الحكمة دائماً أن تبطش، المؤمن في بقلبه رحمة، لذلك هناك قضية خطيرة جداً في الدين -قضية التائبين- هؤلاء يجب أن تقبلهم، يجب أن تنسى ماضيهم، ويجب أن تضعهم في المكان الصحيح. 

القصة الثالثة: قصة حاطب بن بلتعة.

النبي عليه الصلاة والسلام, علَّمنا في قصَّةٍ, تقرأها فتذوب.

أحد أصحابه، وهو حاطب بن بلتعة, ارتكب خيانةً عُظمى، أرسل كتاباً إلى قريش, مُفاده: 

أن محمداً سيغزوكم، فخذوا حذركم.

أرسل الكتاب مع امرأة، وضعت هذا الكتاب في عقاصة شعرها، وجاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم, يُنْبِئُهُ بما فعل حاطب، وأرسل صحابيين إلى موقع الروضة، وأُخذ الكتاب من المرأة، واطلع عليه النبي عليه الصلاة والسلام، واستدعى حاطباً، وكان عمر واقفاً فقال:

يا رسول الله, دعني أضرب عنق هذا المنافق، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلا أن قال: لا يا عمر إنه شهد بدراً

أرأيتم إلى هذا الوفاء؟.

قال: والله يا رسول الله ما كفرت، ولا ارتددت، وأنا موقنٌ بنصرك، ولكنني أردت أن أجعل من هذا العمل يداً بيضاء عندهم, أحمي بها أهلي وأولادي, لأنني لصيقٌ في قريش، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدَّقته فصدِّقوه, ولا تقولوا فيه إلا خيراً

فمثلاً: وضع رجل عند رجل أمين صندوق وخانه، أراد أن يعفو عنه، لكن بعد أن يعفو عنه, لا يجعله على هذا الصندوق أميناً، يغيِّر له عمله.

النبي عليه الصلاة والسلام, علَّمنا أن الإنسان إذا تاب, يجب أن تقبل توبته، أرسله في مهمَّة سياسية مندوباً له إلى بعض الملوك -هو نفسه-, وكان من أصحاب النبي الكرام الذين فعلوا ما فعلوا بعد أن تابوا. 

 

ما ينبغي على المسلم أن يعلمه:


فيا أيها الإخوة؛ الحديث يقتضي أن تقف عند الحكم الشرعي. 

أنت لست متفلِّتاً، المؤمن مقيَّد بمنهج الله، يجب أن تعلم أن كل موقفٍ تقفه, له حكمٌ شرعي، بدءًا من الفرض، ثم من السُنَّة المؤكَّدة، ثم من السنة غير المؤكَّدة، ثم من المُباح، ثم من الكراهة التنزيهيَّة، فالكراهة التحريميَّة، فالحرام.

كل شيءٍ في حياتك, لا بدَّ من أن تَعْتَوِرَهُ هذه الأحكام الخمسة؛ فرض، محرَّم، بينهما سنة مؤكَّدة، سنة غير مؤكَّدة، كراهة تنزيهيَّة، كراهة تحريميَّة، بالمنتصف المباح, يستوي فيه الفعل والترك.

فالمؤمن بعد أن يؤمن بالله عزَّ وجل، وبعد أن ينمو إيمانه, لا شيء يقلقه، ولا شيء يستحوذ على اهتمامه, إلا أن يتقصَّى حكم الله في كل شيء.

مثلاً: تجد بائع دجاج -والعياذ بالله- يذبح الدجاجة، وما إن ينزع عن رقبتها السكين, حتى يضعها في ماءٍ يغلي، هذا فيه تحريم شديد، الله عزَّ وجل قال:

﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)﴾

[ سورة الحج ]

بعد أن تموت موتاً كاملاً، وتنعدم الحياة تسلخها، لا يجوز أن تسلخ ريشها أو جلدها, وهي لا تزال حيَّة.

في بعض مزارع السمك, يصطادون السمك -والسمك كله حياة- يفتح بطنه, وينزع أحشاءه، أضاف له عذاباً فوق عذابه، هذا محرَّم.

(( عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ]

وعليه الصلاة والسلام: رأى شاةً تُذبح أمام أختها, فغضب غضباً شديداً، قال: ((هلا حجبتها عن أختها؟ أتريد أن تميتها مرَّتين؟)) أريد من هذا الكلام, أنك يجب أن تعرف حكم الله.

مرَّة أخ يقرأ حديث, قال لي: لم أفهم هذه الفقرة. 

قلت: ما هذا الحديث؟. قال:

(( عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: ذُكِرَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ, أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ, فَقَالَ: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ, ثُمَّ قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ, وَمَلَائِكَتَهُ, وَأَهْلَ السَّموَاتِ, وَالْأَرَضِ, حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا, والحيتان في البحار, لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ))

[ أخرجه الترمذي ]

قال لي: الملائكة, أي أن الله عزَّ وجل أمرهم بذلك، أما الحيتان ما علاقتها بمعلِّم الخير لتصلي عليه؟. 

قلت: لعلَّه حينما يأكل السمك لا يعذِّبه، شيء واضح جداً، كله خير، حتى لو قتل المؤمن قتل بالحق، قتله وفق الشرع، من دون تعذيب، تعذيب الحيوان محرَّم.

 

كراهة المدح في الوجه بمن خيف عليه مفسدة من إعجابٍ وجوازه لمن أمن ذلك في حقه....


  الحديث الأول:

(( عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ, وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَ, فَقَالَ: أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ )) 

[ أخرجه البخاري ومسلم ]


وفي تجربتي المتواضعة في الدعوة إلى الله: حينما يزداد المديح على الأخ يصدِّق ذلك، ويستعلي على إخوانه، ويتساهل في استقامته، وقد يؤذي. 

من الذي حمله على فعل ذلك؟. 

الذي مدحه.

اقتصد في المديح.

لذلك: النبي علَّمنا أن لا نزكي على الله أحدًا، أقول: أحسبه صالحاً ولا أزكي على الله أحدًا. 

يقولون: 

إن سيدنا الصديق وهو على فراش الموت, قيل له: أتولّي علينا عمر بن الخطَّاب؟. 

ألا تخاف الله؟. 

فانتفض وقال: أتخوفونني بالله؟! أقول: يا رب, لقد وليت عليهم أرحمهم. 

شهادة الصديق لعمر بن الخطاب. 

قال: هذا علمي به، فإن بدَّل وغيَّر, فلا علم لي بالغيب.

أنا أنصح لكم: إن سُئلت عن تقييم إنسان, قل: يبدو جيداً فيما أحسب، ولا أزكي على الله أحدًا، ولا أعلم ماذا سيكون بعد ذلك؟.

في حالات كثيرة جداً في حياتنا، صار في انحراف خطير.

سمعت عن عالم من علماء الهِند، بلغ من الرفعة والعُلو مبلغاً كبيراً جداً، ثم انحرف، وادَّعى الألوهيَّة، إياك أن تحكم على المستقبل، المستقبل بيد الله، احكم على الحاضر.

الآن: جيد، كل تزكية اعمل معها تحفُّظ، هذا علمي به، فإن بدَّل وغيَّر, فلا علم لي بالغيب، أحسبه صالحاً، ولا أزكي على الله أحدَ.

يقولون: إنه أول جواب دبلوماسي في القرآن, جواب السيدة بلقيس، عندما سُئلت:

﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)﴾

[ سورة النمل ]

إن قالت: نعم، ولم يكن عرشها, وقعت في حرج شديد، وإن قالت: لا، وكان عرشها, وقعت أيضًا في حرج، فقالت: (كَأَنَّهُ هُوَ) هذا جواب ذكي جداً، والموفَّقون في علاقاتهم الاجتماعيَّة, دائماً عندهم أجوبة لا يؤاخذون عليها، كيفما كان الوضع, فهم ناجون من المسؤوليَّة.

هذا جواب دقيق، أحسبه صالحاً, ولا أزكي على الله أحداً، هذا علمي به، فإن بدَّل وغيَّر, فلا علم لي بالغيب. 

الحديث الثاني:

(( عن خلاد بن السائب رحمه الله قال: دخلت على أسامة بن زيد فمدحني في وجهي وقال: إنه حملني على أن أمدحك في وجهك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

  

الحديثان في ظاهرهما يبدو متعارضان، كيف نجمع بينهما؟.


أيها الإخوة؛ الحقيقة: في أحاديث تبدو متعارضة، ((إذا مُدِح المؤمن, ربا الإيمان في قلبه)) معنى هذا: امدحه، ثم يقول النبي الكريم: ((أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ)) يا ترى ما الذي ينبغي أن نفعله: أن نمدح أو أن لا نمدح؟ قال العلماء: هذه أحاديث متعارضة؛ أي متعاكسة، فكيف نجمع بينها؟.

قال: إذا كنت واثقاً من إيمانه، وواثقاً من توحيده, وواثقاً من ورعه، وواثقاً من إخلاصه، وواثقاً من أن يعزو كل نعمةٍ إلى الله، إن مدحته يزداد إيماناً, أما الإنسان الذي إيمانه وسط، تأخذه كلمتان، تأتي به، والله إذا مدحته وصدَّق, فهذه مشكلة، يصدِّق, فيستعلي عليك أنت. 

 

التعميم من العمى.


إذا دعا رجل شخصًا إلى الله عزَّ وجل.

يأتي شخص ويقول: كلهم كذَّابون، يحطِّمه.

يأتي إنسان آخر يقول لك: والله عندك أخوان ممتازون، الله يجزيك الخير، ينعشه.

فإذا أردت أن تذم الإخوة باستمرار, حطَّمت الداعية، لأن عمله كله غير صحيح، غير نافع، غير مجدٍ, لا تكن متطرِّفاً، لا تعطِ أحكام حادَّة.

الآن: في من صفات الضعاف؛ ضعاف العقول، لا يوجد لديه إلا أبيض وأسود، لونان صارخان، تقي أو كافر، ألا يوجد حل وسط؟ أبداً.

هل يوجد في القرآن أحكام فيها تحفُّظ نسبيَّة؟. 

إذا كان عند الواحد أبيض أو أسود، والله غير معقول، كل شيء أبيض أو أسود، جيد أو سيء، صواب أو غلط، حق أو باطل، لا تجد إلا أبيض وأسود، لكن يمكن لنا أن ندرِّج بينهما مليون لون؛ رمادي، أسود، أسود فاقع، إلى أن نصل إلى الأبيض، كما أنه في الألوان مليون لون بين الأبيض والأسود، أيضاً في العلاقات الاجتماعية هناك درجات. 


هل يوجد في القرآن الكريم آية تبيّن أن هناك وضعًا متوسِّطًا؟. 

 

الآية الأولى:

قال تعالى:

﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)﴾

[ سورة آل عمران ]

هذه آية قرآنيَّة, تبيِّن حكم متوسِّط، آية تخصنا مغزاها في هذا الموطن. 

الآية الثانية:

قال تعالى: 

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)﴾

[ سورة الروم ]

لماذا يفرح المؤمنين بانتصار الروم على الفرس؟!. 

الروم أهل كتاب, والفرس عُبَّاد الوثن مجوس.

فهل هناك اتفاقٌ بيننا وبين أهل الكتاب؟. 

لا، هناك عشرات القضايا المختلفة بيننا وبينهم، ولكن هناك قواسم مشتركة؛ يعتقدون بوجود إلهٍ عظيم، وبالجنَّة وبالنار, لكن بالطبع هم في إشراك, فالمؤمن أقرب إلى الكتابي منه إلى الوثني، هذا موقف معتدل.

أيها الإخوة؛ فهذا الموقف الحاد كافر أو مؤمن، هوِّن عليك، وشيء دقيق قد تعلَّمناه هو: لا نكفِّر بالتعيين.

أنا أقول من الجريمة أن تقول: فلان كافر، أنت قل: كل من قال كذا: فقد كفر، من قال كذا: فقد كفر، من فعل كذا: فقد كفر، من ألقى مصحفاً في الأرض: فقد كفر، من سبَّ الدين أو الإله: فقد كفر.

لا تقل: فلان كافر، لا نكفِّر بالتعيين, درءً للفِتَن.

وهناك شيء آخر: قد ينطق الإنسان بالكفر, ولا يقع عليه الكفر، قال بعض العلماء: (ما كل من وقع في الكفر, وقع عليه الكفر، كيف؟) .

هذا الأعرابي الذي ركب ناقته, ليقطع بها الصحراء، أدركه التعب، استلقى على الأرض، استيقظ فلم يجد الناقة، أيقن بالموت, فبكى بكاءً شديداً، إلى أن أدركه النعاس, مرَّةً ثانية فنام، فاستيقظ فرأى الناقة، من شدة فرحه, اختلَّ توازنه, فقال: يا رب أنا ربك, وأنت عبدي، فهذا الأعرابي ألم يكفر؟ لكن الكفر لم يقع عليه، لأنه ما قصد ذلك، (ما كل من وقع في الكفر, وقع عليه الكفر) ، هذه قاعدة، التمس لأخيك عذراً، ولو سبعين مرَّة، لا نكفِّر بالتعيين، لا نقول: فلان كافر.

أحياناً: الإنسان يتورَّط, فيتهم إنسانًا بالكفر، فتنشأ فتنة لا تنتهي، تؤلَّف كتب، وتوزَّع هذه الكتب، ويُكفَّر أشخاص، وتوزَّع مناشير، لأنه قد وقع في تورُّط، وتكفير بالتعيين، لا نكفِّر بالتعيين، أما أن تقول: الفئة الفلانيَّة كافرة، من قال لك ذلك؟ أو تقول: الشخص الفلاني كافر، أعوذ بالله، هذا شيء غير شرعي.

(( عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكُهُمْ  ))

[ أخرجه مسلم والموطأ وأبو داود ]

((من قال: هلك الناس فهو أهلَكَهم)) هو الذي أهلكهم، فهم ليسوا كذلك، هو الذي وصفهم بالهلاك, وهم ليسوا كذلك، ((إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: قَدْ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ)) أشدُّهم هلاكاً.

(( عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرئ قال لأخيه:  كافر ، فقد باء بها أحدُهما ، إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه ))

[ أخرجه الجماعة إلا النسائي  ]

الكذَّاب صار كافرًا.

 

كيفية الجمع بين الحديثين.


أيها الإخوة؛ إذاً الجمع بين الحديثين: 

إذا كنت واثقًا من أخيك، ومن إيمانه، من توحيده، ومن تواضعه لله، وعنده معنوياته ضعيفة قليلاً، فأثنيت عليه، فبذلك أنعشته، ربا الإيمان في قلبه، أما الإنسان الذي إيمانه وسط، تأخذه كلمتان، تأتي به، والله إذا مدحته وصدَّق, فهذه مشكلة، يصدِّق, فيستعلي عليك أنت. 

الحديث الثالث:

لذلك: كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ ))

[ أخرج الترمذي عن عبد الله بن سخبرة رضي الله عنه ]

((أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُل)) .

 الحديث الرابع: 

(( عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ, -ثلاثاً-, ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ, فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ, وَلَا يزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا, أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا, إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ]

 

 ماذا نفهم من هذه الأحاديث؟.


أنت ماذا تعلم؟ شخص أمامك لطيف، أنيق، يحترمك زيادة، يخضع لك، يثني عليك، أنت مرتاح معه، هل تعلم ماذا يفعل في البيت؟ هل تعلم ماذا يفعل إذا خلا بنفسه؟.

ألم أقل لكم:

(( لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي, يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ, أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا, فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا, قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا -شيء خطير- جَلِّهِمْ لَنَا, أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ, وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ, قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ أِخْوَانُكُمْ, وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ, وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ, وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ أخرجه ابن ماجه ]

فأنت لا تعرف، فلا تتسرَّع، لا تحكم على الآخرين بشيء لا تعلمه، لا تزكي على الله أحدًا.

أبلغ كلمة قالها النبي عليه الصلاة والسلام, عندما سمع امرأة تثني على أبي السائب.

(( عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ, بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً, فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ, فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا, فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ, فَلَمَّا تُوُفِّيَ, وَغُسِّلَ, وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ, دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ, فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ, فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ, وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ, وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ, مَا يُفْعَلُ بِي, قَالَتْ: فَوَ اللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا ))

[ أخرجه البخاري ]

فليس من شأن المؤمن أن يعلم المستقبل، علم المستقبل من شأن الله عزَّ وجل، فأنت حينما تحكم على إنسان في المستقبل، وقعت في مطبٍ خطير، سلوا الله السلامة.

أيها الإخوة؛ بعد ذلك: في نقطة مهمة جداً: حينما يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)﴾

[ سورة الإسراء ]

ألم يخطر في بالكم, لو أن الله قال: رب اجعلني صادقاً، فلماذا هذه التعقيدات؟ أدخلني صادقاً، وأخرجني صادقاً؟ لأن هناك آلاف الحالات تدخل صادقاً فتخرج كاذباً، يجمع أموالا طائلة، يُنشىء مستشفى خَيري لوجه الله، بعدما يتمكَّن أصحاب هذه المستشفى، يأخذون مبالغ ما أنزل الله بها من سلطان.

الآن: عندنا ظاهرة جديدة: فقد تأتي جلطة من الفاتورة، فهي فوق طاقة الإنسان، ثلث ساعة تسعون ألفًا، ليس معه قرش ليأكل، محجوزة هويته، فلا يأخذها، ممكن أن تقول: أنا أريد عمل مشروع خيري، أعمل مستشفى خيريّ، أريد أن أحكِّم المرضى لوجه الله، لكنك تجد أن الفواتير ضخمة جداً، وأموالا طائلة، تتغيَّر النية في كل شيء، حتى في المجالات الدعوية, ممكن أن تبدأ طاهرًا، تبدأ مخلصًا، ولا تخرج مخلصًا، شيء مخيف، التعامل مع الله مخيف جداً، لأن الله ناظر عليك، هناك دنيا ضمن الدعوة، دنيا ضمن العمل الصالح، فالأمور تحتاج يقظة.

دائماً أقول لكم، وأنا أعني ما أقول: القمة بلوغها يحتاج إلى جهد كبيرٍ كبير، ولكن النزول منها سهل جداً، فالصعود للقمَّة يحتاج إلى سنوات؛ طريق ملتوٍ، أشواك، عقبات، غبار، حر، وصلت إلى القمَّة.

الآن: طريق النزول؛ طريق زلق, -بالتعبير الدارج: سيراميك مع صابون-, بثانية تكون تحت من الغرور؛ إياك أن تغتر، إياك أن تغتر, فالغرور قاتل, الإنسان يتمنى ألاّ يتكلَّم هذا الكلام.

الصحابة الكرام على علو قدرهم بحنين، بفتح مكة, كانت قوتهم أقوى قوة ضاربة في الجزيرة، عشرة آلاف مقاتل، إرادتهم نافذة، أقدر قوة، فقالوا قولا تورَّطوا فيه: ((لن نُغلب من قوة)) نحن أقوياء, قال تعالى:

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

[ سورة التوبة ]

فكن معتدلاً في دعوتك، ((وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ, قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا, ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ, وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا, أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا, إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ)) .

 

مرض مدح الذات.


إخواننا الكرام؛ عندنا مرض، وهو: مرض مدح الذات.

هناك من يمدح الآخرين، لكن مدح الذات، فهل مدح الذات مقبول عند الله؟ أبداً، الدليل:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49)﴾

[ سورة النساء ]

لا تمدح نفسك، تجد شخص يمدح نفسه مدح غير معقول، ويستجدي المديح، ويثير الناس ليمدحوه، هذا أيضاً إنسان مريض، وإخلاصه ضعيف، كلَّما اشتد إخلاصك أنت مستغن عن المديح، وكلَّما ضعف إخلاصك أنت مفتقر إلى المديح، لا تكن تحت رحمة المدَّاحين ((أَمَرَنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ)) .

(( وعَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ, عن المقداد, أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ, فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ, فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ, وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا, وجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ, فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ ))

[ أخرجه مسلم ]

لكن إذا كانت معنويات إنسان ضعيفة، وهو طاهر نقي، ومدحته، فالإيمان يربو في قلبه ، امدحه مدحًا معتدلاً، وامدحه مدحًا فيه تحفُّظ.

إذاً: أول حديث، ثاني حديث، ثالث حديث: تبيح أو ترشد إلى عدم المديح، وهناك أحاديث تبيح المديح، وأحاديث تطالب بالمديح، المؤمن حكيم, قال تعالى:

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة ]

 

التعارض بين النصوص وطريقة الجمع بينهما.


العلماء قالوا: ((طريق الجمع بين الأحاديث)) هذا موضوع دقيق بأصول الفقه، التعارض بين النصوص، كيف تجمع بينهما؟. 

واحد يقول لك في حديث: ((جَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلاةِ؟ قَالَ: وَهَلْ هُوَ إِلا بَضْعَةٌ مِنْكَ؟)) وفي حديث: ((يجب أن يتوضَّأ)) كيف نجمع بينهما؟.

في أحوال متفاوتة، إذا لم يشعر بشيء، يجب أن يبقى متوضِّئاً، إن شعر بشيء, يجب أن يعيد وضوءه، فالتعارض يُحل بتفاصيل. 

طريق الجمع بين الأحاديث, أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمالٌ، كمال إيمانٍ ويقين، ورياضة نفسٍ، ومعرفةٌ تامةٌ, بحيث لا يفتتن.

سيدنا عمر كان على المنبر يخطب، فجأةً قطع خطابه، وتكلَّم كلام ليس له معنى: 

يا بن الخطَّاب

يخاطب نفسه.

كنت ترعى الإبل بقراريط لبني مخزوم

أي أنت راعي الإبل بقراريط لبني مخزوم، وأكمل الخطبة، ما فهم الناس ماذا حدث؟. 

فهذه الجملة ليست لها علاقة بالخطبة أبداً، الخطبة قُطعت وظهر إعلان مثل الأخبار، ليست لها علاقة، فسألوه: أنه ماذا حدث لما قلت هكذا؟. 

قال: جاءتني نفسي, وقالت لي: أنت أمير المؤمنين ليس بينك وبين الله أحد

أنت أعلى واحد، أنت قمة المجتمع الإسلامي.

أردت أن أعرِّفها قدرها، أنت كنت راعيًا ترعى الإبل بقراريط لبني مخزوم, قال: أردت أن أعرِّفها قدرها

ومرَّة واحد مدحه من أصحابه، فأحدَّ النظر إليه، فخاف, فقد كان قد قال له:

والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله، فحد النظر له فخاف، فقال أحدهم: لا والله, لقد رأينا من هو خيراً منك، قال: ومن هو؟ قال: أبو بكر، فقال رضي الله عنه: كذبتم جميعاً وصدق

عدَّ سكوتهم كذباً.

كنت أضل من بعيري, وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك

هذه الموضوعيَّة والنزاهة.

سيدنا الصديق لعلو قدره عند الله، عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال:

يا عمر, مدَّ يدك لأبايعك خليفة للمسلمين، سيدنا عمر صُعق وقال له: أنا؟! أي أرضٍ تقلني، وأي سماءٍ تظلني, إن كنت أميراً على قومٍ فيهم أبو بكر؟

أيعقل هذا؟!!.

قال له: أنت أقوى مني يا عمر, قال له: أنت أفضل مني، ثم قال عمر: يا أبا بكر, قوتي إلى فضلك

أرأيت إلى هذه الموضوعيَّة؟.

سيدنا عمر وهو على المنبر نزل درجة، قال:

ما كان الله ليراني, أن أرى نفسي في مقام أبي بكر

سيدنا عثمان مانزل درجة، وهو عين الكمال أيضاً، ما أراد أن يقلِّده، سيدنا عمر عملها مرَّة في أدب جم.

فقال: إن كان الممدوح عنده كمالٌ، كمال إيمانٍ ويقين، ورياضة نفسٍ، ومعرفةٌ تامة حيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه, فليس بحرامٍ ولا مكروه.

فأنت تمدح شخصًا موحِّدًا، شخصًا متواضعًا، شخصًا له رياضة مع نفسه، شخصًا فنيَ بحب الله، شخصًا يرى فضل الله عليه، هذا لا مانع إذا مدحته.

قال: فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيءٌ من هذه الأمور, كره مدحه في وجهه كراهةً شديدة، وعلى هذا التفصيل, تنزَّل الأحاديث المختلفة في ذلك.

نصيحة: إذا كان الإنسان بحاجة إلى أن تمدحه, فامدحه بتحفُّظ.

أبلغ ما قيل في المديح: أن سيدنا الصديق مُدِح, فتوجَّه إلى الله، قال:

يا رب, أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهمَّ اجعلني خيراً مما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون

 

ما يحرم مدحه.


أيها الإخوة؛ إذا كان الإنسان مبتدعًا في الدين ومدحته، فكأنك حملت معولاً هدَّمت به الدين، إنسان يفهم القرآن فهمًا عصبيًا، حيث إن كل ما يفعله الفسقة, يراه مباحًا في القرآن، هذه قراءة معاصرة.

قال لي شخص: دخل إلى بيت، وصاحب البيت له دعوة، قال لي: وقف له، واحترمه، وأثنى عليه، ووضعه إلى جانبه، المبتدع إذا احترمته وعظَّمته, فقد هدمت الدين.

إنسان جاء بالدين بشيء, ليس من أصل الدين، ومعرض، وأنت تمدحه, لذلك: أنت ممنوع أن تمدح شخصين؛ شخصًا مبتدعًا عقيدته فاسدة، وشخصًا فاسقًا؛ المبتدع إذا مدحته فقد هَدَّمت الدين، والفاسق إذا مدحته غضب الله عزَّ وجل، لا تمدح فاسقاً ولا مبتدعاً.

 

ما يجوز مدحهم.


مما جاء في الإباحة؛ إباحة المديح: قوله صلى الله عليه وسلَّم لأبي بكرِ رضي الله عنه: ((أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ)) أي من الذين يُدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها، وفي حديثٍ آخر: ((لستَ منهم)) أي لست من الذين يسبلون أُزرهم خيلاءً، أي أن الإنسان إذا أسبل إزاره خيلاءً, له عقابه عند الله، فخاف سيدنا الصديق فقال له: ((أنت لست منهم)) مدحه، أنت لست من هؤلاء، وقال لعمر رضي الله عنه:

(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا, إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ))

[ أخرجه مسلم ]

  

الخلاصة.


أيها الإخوة؛ والأحاديث في الإباحة والتحريم كثيرة، فالجمع بينهما: يقتضي أن تعرف من تمدح، ومن لا تمدح، فضعيف الإيمان الذي يزهو بمديحك، ويستعلي على خلق الله، ويكون هذا المديح حجاباً له عن الله عزَّ وجل، ينبغي ألاّ تمدحه، وإذا كُلِّفت أن تمدح إنسانًا في غيبته فتحفَّظ، وقل: أحسبه صالحاً، ولا أزكي على الله أحدًا، بالمناسبة: ولا تمدح نفسك, قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)

إخواننا الكرام؛ نحن في أَمَسِّ الحاجة إليه، قال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) لو دقَّقت, وجدت معظم الناس, ينطق عن الهوى، كلامه وفق مصالحه.

أنا مرَّة صار معي حالة، كنت أريد أن أشتري ستارًا, لأضعه بغرفة الضيوف، دُللتُ على إنسان بائع في بعض أسواق دمشق، فقلت له: أريد ستارًا، وعرض الحائط ثلاثة أمتار، فألقى علي محاضرة، وقال لي: أستاذ هذا الستار, إذا أخذت عرض الحائط، وضربته باثنين، وأضفت له مترًا, يكون مظهره جميل جداً، يبدو بشكل مُثَنَّى، وهذا أحلى, انتقيت لونا وقلت له: والله هذا أعجبني، فقاسه، فإذا به ينقصه متر، قال لي: هذا يا أستاذ المطرَّز على الفرد يأتي أحلى، قبل نصف دقيقة, أعطاني قاعدة طويلة عريضة: أن عرض الحائط ضرب اثنين زائد متر، عندما وجد طول هذا القماش, الذي يريد أن يبيعه, أقل من عرض الحائط, ضرب اثنين بمتر، قال لي: هذا المطرز على الفرد يأتي أحلى، هو ينطق عن الهوى بالضبط.

فالذي ينطق عن الحق, قلة قليلة جداً، مصالح، ما دام لنا عنده مصلحة نمدحه بغير حساب، يسمعك ابنك فيصدِّقك، لأن ابنك ليس عنده كذب، يسمعك أخوه يصدقك، يمكن أن يشاركه واحد، وأنت تمدحه, لكي تأخذ دَينك منه فقط، فتقول له: لم أر مثلك، أنت ورع، تقي, نقي، لكي تأخذ دينَك منه، سمعك واحد فوضع معه مئتي ألف، فأكلها منه، هكذا يصير, قبل أن تمدح أنت مؤاخذ، فكثير من الناس, دفعوا أموالا طائلة بمديح كاذب.

قال لي إنسان: زوَّجت ابنتي، وسألت عنه, فقالوا: آدمي، وهو يأتي ببنات على البيت، وهو متزوِّج، فقبل أن تمدح.

الآن: أكثر الزواج الذي فيها مشكلة, سببها: إذا سئل: تزوجه ابنتك؟ يقول لك: طبعاً، فهو ليس متأكدًا، ثم يظهر أنه يشرب الخمر، أو تارك صلاة، أو مُقامر، أو عنده علل خفيَّة، فالمديح شيء خطير جداً.

أما أغرب قصة عرفتها عن إنسان, سُئل عن إنسان من أجل زواج، فهذا الإنسان صدق وقال: والله سيء، وهذا واجب أن تكون صادقًا في موضوع الزواج، موضوع الشركة، موضوع البيع والشراء.

فهذا قال: والله سألت عنك فلانًا, فقيل لي: إنك لست مستقيمًا، سألت فلانًا, فقال لي: إنك سيء، أي منتهى الوقاحة، منتهى الخسَّة, إذا استنصحك إنسان، نقلت أنت رأيك للطرف الثاني، فبذلك تنشأ عداوات.

فقال لي أخ يعمل في المالية: إنسان عليه ضريبة معينة، تأتي شكوى أنه عنده مستودعات، وعنده بضاعة، قال لي: أغفلناها، فأتت شكوى ثانية للوزير، لرئاسة الوزراء، شيء غير معقول، فوراء هذا الإنسان, من يحاول أن يحطِّمه عن طريق الضرائب، في النهاية بدا أنهم سألوا الشخص عنه، فأجابهم إجابة غير إيجابيَّة، فأراد الطرف الثاني أن ينتقم منه.

فإذا سألك واحد في موضوع شيء بديهي جداً، لا تقل للطرف الثاني: والله سألنا عنك فلانًا، وقال: إنك سيء، هذه تعمل عداوات، تعمل فتنًا.

والناس يمدح بعضهم كذباً, لكي يتخلَّصوا من المسؤوليَّة، لو كان المجلس بالأمانة يقول : والله ليس لك مصلحة بهذا الإنسان, أن يتزوج ابنتك، أما إن قلتَها، ونقلها له عنك، تنشأ فتن كبيرة جداً، لدرجة تصير في عداء، وفي خصومات لا تنتهي، فإذا كان المؤمن يخاف من الله عزَّ وجل، واستنصحوه بموضوع، وأدلى برأيه الصحيح, فلا ينبغي أن يقول للطرف الثاني, مَن الذي قال بهذا.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور