وضع داكن
19-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 064 - حديث إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا - النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ مع رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين عليه أتم الصلاة والتسليم، باب من أبواب هذا الكتاب, تشتد الحاجة اليوم إلى تطبيق مضمونه.

باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا, وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالَ ))

[ أخرجه مسلم ]

مركز الثقل في هذا الحديث: أن المال قوام الحياة, شاءت حكمة الله أن يجعله قوام الحياة. 

لذلك المرء يوم القيامة يسأل عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟. 

يسأل عن علمه ماذا عمل به؟. 

يسأل عن شبابه فيما أبلاه؟. 

وعن عمره فيما أفناه؟. 

وعن علمه ماذا عمل به؟.

وعن ماله سؤالين: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟.

من صفات غير المؤمن: أنه يسرف ويبذر.

الإسراف في المباحات، والتبذير في المعاصي.

وأهل الدنيا الشاردين عن الله عز وجل, إن أنفقوا المال, أنفقوه إسرافاً وتبذيراً ، وإن منعوهُ, منعوه بخلاً وتقصيراً.

وحينما يرى الإنسان, ماذا يحل بالمسلمين في بعض بقاع الأرض؟ مئات الألوف في العراء, لا غطاء، ولا كساء، ولا ماء، وحينما الإنسان يسرف في إنفاقه, يكون قد تجاوز الحد الشرعي الذي أمر الله به.

أيها الإخوة؛ الله عز وجل كره إضاعة المال، إنسان قد تقوم حياته على خمسين ألف يحتاجها للزواج، قد تقوم حياته على بيت يأوي إليه، وقد يكون في طرف المدينة، قد تستقيم حياته على دخل في الشهر خمسة آلاف، فالذي ينفق المال جزافاً من دون وعي، من دون دقة, من دون حكمة، ماذا يفعل؟ .

 يحرم أناساً كثيرين قوام حياتهم، لاحظوا أن الشاب إذا وجد عملاً، بحث عن زوجة، فإذا وجد مسكناً, كان الزواج، قوام الأسرة مسكن متواضع، وعمل فيه دخل.

فأنت حينما تنمي المال عن طريق الأعمال, تحتاج إلى فرص عمل، وحينما تنمي المال عن طريق المال تربية ربوية, لا تحتاج إلى فرص عمل، فكل من يجعل كسب المال عن طريق الأعمال, هذا عمل شرعي ويرقى بصاحبه، أما الذي يجعل كسب ماله عن طريق توليد المال، هذا طريق ربوي, هذا يشيع البطالة في الناس.

أيها الأخ الكريم؛ لا تظن منهج الإسلام منهجًا عباديًا، هو منهج تعاملي أيضًا، المجتمع المؤمن, يجب أن يكون مجتمعًا متماسكًا، مجتمعًا مكتفيًا، لا أقول بالغنى المعنى الشائع، الغنى الاكتفاء، أن يكفي الإنسان أن يجد قوت يومه، أن يجد كساءه، أن يجد ما يطعم أولاده، ما يكسوهم، ما يربيهم.

 

ما هي علة وجود الإنسان على وجه الأرض؟.


أيها الإخوة؛ الحديث: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا, وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالَ ))

[ أخرجه مسلم ]

العبادة علة وجودك على وجه الأرض.

أنت في هذه الأرض من أجل أن تعبد الله، والعبادة لها مفهوم دقيق جداً؛ العبادة أن تتعلم، والعبادة أن تعمل، والعبادة أن تتصل بالله، العبادة معرفة، العبادة سلوك، والعبادة انفعال، اتصال بالله، فالعبادة لأنها علة وجودنا وغاية وجودنا، وأنت حينما تعبد الله, تكون في أعلى مستويات النجاح والفلاح.

يا أيها الإخوة الكرام؛ قضية العبادة أخطر موضوع يعالج في بيوت الله، يجب أن يكون همك أن تعبد الله، لكن سبحان الله! كيف أن هذا المفهوم ضاق, حتى ظن الإنسان إذا صلى يكون قد عبد الله؟ العبادة تشمل كل شؤون حياتك، بدأً من تنظيف جسمك إلى علاقتك بزوجتك.

أدق الخصوصيات: العبادة فيها منهج، فيها توجيه، فقضية أننا صلينا, فعبدنا الله عز وجل, هذه قضية, فيها جهل كبير جداً، عبدنا الله, يعني راعينا منهج الله عز وجل في كل شؤون حياتنا، في احتفالاتنا, يجب أن نعبده، في أحزاننا، في إنفاق المال، في كسب المال، في كل حركة وسكنة من حياتنا, هناك عبادة، ولا يغيب عن ذهنكم, أنني ألح على مفهوم العبادة المطلق، أن تعبد الله فيما أقامك، وفي الظرف الذي وضعك فيه، وفي الزمان الذي أضلك.

تصور إنسانًا عنده ضيف، عبادته الأولى إكرام الضيف، عنده مريض؛ عبادته الأولى معالجة المريض، في وقت السحر؛ العبادة الأولى أن تصلي في أيام رمضان؛ أن تصوم في يوم عرفة؛ أن تصوم، يوجد وقت، وظرف، هوية، وكل إنسان يحدد هويته، المرأة عبادتها: أن تحسن تبعل زوجها، الغني عبادته: إنفاق المال, القوي عبادته: إنصاف الضعيف، العالم عبادته: إنفاق العلم، والعبادة معرفة، والعبادة سلوك، والعبادة سعادة، يعني: علم, وعمل, وإقبال على الله عز وجل. 

فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوه...

لكن كلمة تعبدوه, قد يفهم منها: أنك تعبده وقد تعبد غيره معاً، لا, أن تعبدوه وحده أول شيء، وأن تعبدوه وفق ما أمرك أن تعبده فيه.

لذلك: من البديهي أن العمل عند الله عز وجل لا يقبل إلا بحالتين: إلا إذا كان خالصاً وصواباً وفق المنهج, وفي إخلاص لله عز وجل. 

وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...

الآن: قد يجد الإنسان أقوياء في الأرض، ويبدو أن الأمر بيدهم، ويبدو أنهم يفعلون ما يريدون، هذا امتحان لنا جميعاً، قال الله عز وجل:

﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)﴾

[ سورة الشورى ]

الآية محيرة، بيد من كانت حتى صارت إليه؟. 

هي بيده دائماً, ما معنى الآية إذاً؟. 

قال: أهل الدنيا في الدنيا, يتوهمون أنها بيد زيد أو عبيد، ولكن يوم القيامة حتى أهل الغفلة, يرون أن الأمر بيد الله وحده، لكن المؤمنين وهم في الدنيا, لا يرون الأمر إلا لله.

أنت في زحمة, ما يجري في العالم قطب واحد, متحكم بالعالم؛ قرار واحد، بطش، قتل، تدمير، أنت في هذه الزحمة, هل ترى أن الله وحده الفعال، وأنه لا يقع شيء في ملكه إلا إذا أراد، وأن يد الله فوق أيدي كل الناس، وأن الله عز وجل إليه يرجع الأمر كله؟ التوحيد مريح جداً، من دون توحيد ينشأ ألف سؤال وسؤال، مع التوحيد يتلاشى ألف سؤال وسؤال ((ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد)) التوحيد أن لا ترى مع الله أحداً. 

فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...

الشرك مخيف.

إذا رجل قال: أنا عندما أصوم يوم الاثنين والخميس, أشعر بنشاط والحمد الله، إن شاء الله سوف أصوم دائماً، لم يعد صيامًا، صار رياضة، أو سلوكًا صحيًّا.

العبادة أن تبتغي بها وجه الله عز وجل.

كل عبادة يشوبها حظ دنيوي لم تعد عبادة، إن العبادة التي أردت بها وجه الله عز وجل، فذلك: الإنسان قد يشرك وهو لا يشعر، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)﴾

[ سورة يوسف ]

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾

[ سورة يوسف ]

والعبادة هي التوحيد، أن توحد الله عز وجل.

طبعاً: ربما لا تملك تفسيرًا جاهزًا، أنت مكلف أن تعبده، ومكلف أن تفوض الأمر إليه، وأن تستسلم له.

 

ما هي الطرق لمعرفة الله؟.


أيها الإخوة؛ ودائماً أقول لكم: يوجد طرق لمعرفة الله آمنة، وطرق غير آمنة. 

الطرق الآمنة: أن تعرفه من خلقه، والطرق الآمنة أن تعرفه من كلامه.

أما لو أردت أن تعرفه من أفعاله, فربما لا تستطيع أن تفسر أفعاله تفسيراً يليق بكماله، هنا المشكلة.

يعني: كأنك أن تعرف الله من خلال أفعاله حقًّا، ربما لا تملك التفسير الصحيح، لأن عقلك قاصر عن إدراك حكمة الله، ولن تستطيع أن تعرف حكمة الله, إلا إذا كان لك علم كعلمه، وهذا مستحيل.

إذاً: دعك أن تعرف الله من خلال أفعاله, أعرفه من خلال خلقه، طريق آمن وسالك، أعرفه من خلال قرآنه، أما من أفعاله, فأرجئ هذه إلى مرحلة بعيدةٍ، والله عز وجل يفعل شيئاً لا تفهم تفسيره، بعد حين ينكشف لك الأمر، فتسجد لله عز وجل ذوباناً في كماله.

 

توضيح:


كنت ذكرت لكم من قبل, أن صلى الله عليه وسلم أعطى توجيهًا في معركة بدر، توجيهًا صعب تفسيره، عمه مقيم في مكة، ومعركة بدر على وشك أن تبدأ, فقال:

لا تقتلوا عمي العباس

إذا أساء الإنسان الظن، نحن نقتل آباءنا وإخواننا في سبيل الله، لأنهم كانوا كفاراً, فلماذا ينهانا النبي عن قتل عمه؟ كأنه بدا له أن القضية قضية تعصب، بعد حين اكتشف أن عمه العباس مسلم، وهو عينه في مكة، وإنهم لو أنه لم يشترك معهم في الغزوة لكشف نفسه.

لو أن النبي قال: هو مسلم لكشفه، وأنهى دوره، لو سكت لقتلوه، لو أن عمه العباس, امتنع عن أن يدخل في المعركة, كشف نفسه أمام كفار قريش, وانتهى دوره الاستطلاعي.

لو أن النبي الكريم قال: لا تقتلوا عمي العباس, إنه مسلم، أيضاً: الخبر يتناقل، وينتهي دوره، لو أن النبي سكت, هو مع الكفار, مسموح لهم أن يقتلوه, ربما يقتلوه، فقال: ((لا تقتلوا عمي العباس)) بعد أن انكشف الأمر، وظهرت حكمة النبي عليه الصلاة والسلام، كان يقول هذا الصحابي:

ظلت أتصدق عشر سنين, على أمل أن يغفر الله لي, سوء ظني برسول الله

 

ماذا لو كشف الغطاء؟!.


أيها الإخوة؛ ما من حدث محير في الأرض, واللهِ لو كشف الغطاء, لذاب الإنسان محبةً لله وتقديراً لحكمته، لكن عقولنا قاصرة عن إدراك حكمة الله عز وجل.

فقد تجد حدثاً غير معقول، هجمة على الإسلام شرسة في العالم كله، المسلمون يقتلون، يشردون، تغتصب نساءهم، يقتل شبانهم، يلقون في العراء بلا طعام, ولا شراب، ولا مأوى، ولا شيء، ضعيف الإيمان, يرى هذا ظلماً شديداً.

الله عز وجل خلق المؤمن لجنة عرضها السموات والأرض، لحكمة لا نعلمها، لعل الله عز وجل يكتب لهم من الرحمة ما لا ندركه نحن، أما الكافر يفعل فعلاً لعله يخلد في النار إلى أبد الآبدين.

أحياناً: تعجب من النار، يا ربي إلى الأبد؟ حينما ترى جرائم بعض الناس وقسوتهم، وفعلهم الشنيع، حينما ترى أن هؤلاء المجرمين, لا يروي غليلك إلا أن يكونوا في النار إلى أبد الآبدين، فشكر الله عز وجل على أن بصرك في الحقيقة، وأنت في الدنيا ، الناس في عمى، هؤلاء الذين يقترفون هذه الجرائم, هم في عمى، أما المؤمن فذو بصيرة. 

يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا...

طبعاً: أن تعبدوه أوّلا، وألا تشركوا به شيئاً ثانيًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.

هذا مفهوم دقيق، نقول: يجب أن نتحد، كيف نتحد؟ لا بد من شيء يوحدنا، إن لم يكن هناك شيء يوحدنا, فالوحدة مستحيلة، لأنه يوجد أهواء, ومصالح, ومنازعات.

الآن: مجتمع أهل الدنيا مجتمع الخصومات, والعداوات، والمشاحنات، لأنه يوجد مصالح والمصالح متضاربة، أما بين المؤمنين فيوجد مبادئ، وهذه المبادئ متعاونة، أهل الدنيا يتخاصمون, أما أهل الآخرة فيتعاونون، وهذا فرق كبير، فإذا كانت الدنيا بيننا تخاصمنا، وإن كانت الآخرة بيننا تعاونا, لذلك: ((وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)) .

إخواننا الكرام؛ يوجد حقيقة دقيقة وخطيرة؛ ما من عداوة أو بغضاء بين اثنين, إلا بمعصية ألم بهما أحدهما أو كلاهما، قال تعالى:

﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)﴾

[ سورة المائدة ]

بين زوجين، بين أخوين بمسجد، بين جارين، بين صديقين، بين شريكين، بين أي اثنين، أحدهما عصى الله عز وجل، شرد عن الله صار ماديًّا، والمادي يحب أن يأخذ ما له، وما ليس له، حينما يأخذ ما ليس له, أورث عداوة أخيه، وصار في خصومات.

الإنسان أحياناً: يحب أن يحلل الأمور، بين الأسر عداوات، بين الشركاء، بين أبناء الحي الواحد، بالمدارس، بالمستشفيات، هذه عداوات المعاصي.

لو أننا اتقينا الله عز وجل, لأحب بعضنا بعضاً أبداً، هذه قاعدة.

تريد أن يسود الود، والحب، والوئام، والتعاون، والتفاني، والمؤاثرة، والإخلاص، أطع الله، إن أطعت الله عز وجل طلبت مالك، وتركت ما ليس لك، وكل إنسان أخذ ماله، وترك ما ليس له, أحبه الناس.

تجد دعوى عشر سنوات، دعوى إخلاء، لأن هذا البيت مغتصب، صاحب البيت أولى أن يزوج ابنه في البيت، أولى منك، أنت عندك بيت آخر، وتغتصب بيتًا وتمنع صاحبه أن يزوج ابنه.

طبعاً: يوجد عداوة، ومحاكم، ومحامون، ويوجد دفع مشروع وغير مشروع، ويوجد هموم، وتوتر أعصاب، لأن الرجل أخذ ما ليس له.

لو تتبعت مشكلات الناس, لوجدت أساسها العدوان، لمجرد أن تأخذ مالك فقط, لا يوجد ولا مشكلة، عدد الدعاوى في قصر العدل بعشرات الألوف، بضع عشرات الألوف، ستة آلاف دعوى إخلاء، لأنه يوجد بيت مسكون بمئة ليرة في الشهر، وثمنه عشرون مليونًا، هذا عدوان، طبعاً يوجد ظروف مخففة، هذا موضوع شائك لا يحسم بكلمة، موضوع معقد، لكن الإنسان يعلم علم اليقين ما إذا كان ظالماً أو غير ظالم.

هذا الاعتصام، الوئام، الحب، التفاني، التعاون، أساسه طاعة الله من الفريقين، لكن يوجد معصية، وإهمال لطاعة الله عز وجل، فصار بينهما عدوان، ومع العدوان عداوة، العدوان يقتضي العداوة، والمجتمع الذي فيه عدوان، وعداوات ممزق، لذلك وصف الله عز وجل الكفار وقال:

﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)﴾

[ سورة الحشر ]

إذاً: الله عز وجل رضي لنا أن نعبده. 

والعبادة معرفة، وسلوك، واتصال بالله.

ناحية معرفية، سلوكية، وجمالية.

ويرضى لنا أن لا نطيع أحداً سواه، وإذا عبدناه أن نعبده كما يريد هو لا كما نريد، وأن نعتصم بحبل الله جميعاً, هو الذي يوحدنا.

في المطر يكون في الجو بخار ماء، لا تنعقد ذرات المطر, إلا على جزيء من غبار، يجب أن يكون شيء تنعقد عليه حبة المطر.

والمجتمع لا بد من شيء تنعقد عليه القلوب، لا بد من شيء يوحدنا، يجمعنا، يؤلف بيننا, هو القرآن ((أَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا)) وشيء ملاحظ، تسافر أحيانًا إلى أقصى الدنيا، تلتقي بمسلم, لا يحسن أن يتكلم العربية، تشعر مع أنه لا يتكلم العربية, أقرب إليك من أخيك النسبي، ما الذي جمعك به؟ الإسلام والقرآن ((يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)) لا تضحِّ بأخيك الإنسان، إياك أن تفترق، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)﴾

[ سورة الأنعام ]  

وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ...

يعني كل وقته؛ ماذا قال فلان؟ من رد عليه؟ كيف كان الرد؟ هل الذي رد عليه تلقى رداً على كلامه؟ داخل بمقالة القيل والقال، مع أنه إذا اتجه إلى الأعمال, لكان خيراً له، بالتعبير العامي: -العي- دعك من العي، دعك من المجادلة، من المشاحنة.

ابن درس فلسفة في فرنسا، جاء إلى أبيه، وهو جالس مع أمه، وعلى المائدة دجاجتان مشويتان، فالابن ذكي جداً، ومعه شهادة فلسفة، وعنده قوة إقناع شديدة، فأحب أن يفتخر أمام والده فقال: أستطيع أن أقنعك أن هاتين ثلاثة فراريج، وليسا اثنتين، الأب أذكى من ابنه, فقال له: أنا سوف آكل واحدة، وأمك الثانية، وأنت كل الثالثة.

ترى جلسات بموضوعات صغيرة جداً, تافهة جداً، هامشية جداً، تهلكنا، استهلكنا، على سؤال: يا ترى إذا المرأة ماتت هل يجوز لزوجها أن يغسلها؟ طبعاً يوجد حكم فقهي عند الأحناف لا يجوز، عند البقية يجوز.

الآن: أريد شيئًا واقعيًا، كم مرة يمكن أن تغسل زوجتك؟ ولا مرة، مكتب دفن الموتى جاهز، نبقى في هذا الموضوع، وماذا قال أبو حنيفة؟ وماذا قال الشافعي؟ ولماذا يجوز؟ ولماذا لا يجوز؟ انتهى العقد بالموت، إذاً: أصبحت أجنبية عنه، لا, لم ينته، والنبي غسل، لا، تدخل في موضوع, لا تحتاجه أبداً في حياتك، لكن دخلنا في هذه المتاهة ((وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ)) كما قال بعض التابعين عن الخوارج: ((يقتلون صحابياً جليلاً، ويسألون عن دم البعوضة طاهر أم نجس؟)) يوجد أشياء يفعلونها, وهي كبيرة جداً، ويحتكمون إلى أشياء صغيرة، فالذي أتمناه هذا العي، وهذه كلمة معبرة، القيل والقال, دعك من هذا, اتجه نحو الأعمال.

 

أوضح مثل أضربه:


لو فرضنا جبلاً شامخًا على قمته قصر، هذا القصر لمن وصل إليه، ويوجد أناس يستبقون إلى هذا القصر ليصلوا إليه، أنت من الأكمل: أن تجد السير, كي تصل إلى هذا القصر أم تقف؟ كم غرفة فيه؟ سمعنا أن فيه مئتي غرفة، ليس معقولا، دخل في متاهة المناقشة، كم غرفة؟ الغرفة ما مساحتها؟ ما نوع الأثاث؟.

أنت لو أسرعتَ في السير, ودخلت إلى القصر, لفهمت كل شيء، الموضوع جمده الآن، وامشِ، وإن كان مثلا غريبًا، ولكنه معبر تماماً، شيء سوف أعرفه تماماً، أما العبرة فأن أغذ السير كي أصل إليه، لذلك الناجحون في الحياة, لا يوجد عندهم وقت للقيل والقال، وقتهم مصروف في الأعمال، وكل إنسان يحب القيل والقال تائه وشارد.

(( عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ, إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ, ثُمَّ تَلا: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ))

[ أخرجه الترمذي في سننه ]

وكل إنسان يحب القيل والقال تائه وشارد، ترى قضية عليها تفريغ.

 

من أخطاء الدعاة:


رجل أسلم بمصر, التحق بمسجد, استلمه فقيه، ستة أشهر في أحكام المياه, كاد يخرج من جلده.

الحقيقة: كتب الفقه قبل أن تكون المياه في البيوت، المياه مياه برك، آبار، ويوجد أحكام كثيرة جداً, والفقهاء عندهم وقت فارغ, دخلوا في متاهة، رأيت لو توضأ بماء الحمص مثلاً: ما نوع وضوئه؟ ماء الفول المدمس، توضأ بالبن، أدخلك في متاهة، فهذا الغربي الذي أسلم, وعلق مع هذا الشيخ ستة أشهر في أحكام المياه.

أنا قناعتي, عندما أدرس الفقه, أحب أن أختار موضوعًا, له علاقة بحياتنا, تشتد الحاجة له.

مرة كنت في العمرة، يوجد درس بين المغرب والعشاء بمكة المكرمة، جلست وقلت لنفسي, أستمع إلى درس: عتق العبيد، لا يوجد الآن ولا عبد تعتقه، أحكام عتق العبيد, موضوع غير واقعي، في الكتب موجود، ولكن الآن الموضوع غير موجود إطلاقاً ، هل يوجد على علمكم سوق للعبيد اشترينا وبعنا؟ يوجد الآن شعوب بكاملها تستعبد، أما عبيد الأفراد فلا يوجد الآن, ما وجدت غير هذا الموضوع, أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بال في صحن, وشربت زوجته الصحن، ما وجدت غير هذه السيرة؟.

 إذا بقر رجل بطن بقرة, قد يأتي على الروث، كل كتاب فيه الصحيح والخطأ، أنت خذ الصحيح، ودعك من هذا الجدل ((يَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ)) العي، الجدل، الحوار.


  أمنية غالية.


رجل كان في ندوة فضائية, وصار في تهجم على الدين شديد، فقام، ومشي، في أثناء عرض الندوة على الهواء قال لهم: لا أرغب أن أبقى، قالوا له: أنت في حوار، قال لهم: بل نحن في خوار، خوار البقر، هذا خوار، وليس حوارًا, وفعلاً خوار, إذا كان في تهجم على الدين، بقرة تخور، وليس إنسانًا يتكلم، وكان كلامه معبرًا.

أنا أتمنى أن تبتعد عن المشكلات، عن العي، عن الجدل العقيم، عن أن تستخدم نفسك في موضوعات ثانوية جداً، موضوعات هامشية جداً لا تقدم ولا تأخر، ويوجد أسئلة كثيرة.

والله يطرح أسئلة كثيرة على الدعاة إلى الله, لا تعد ولا تحصى كلها، أولاً تاريخية، ثانياً كيفما كان الجواب لا نتأثر به إطلاقاً، يعني سيدنا يوسف بعد أن صار عزيز مصر, هل تزوج زليخاء؟ والله لا أعرف.

جاءني سؤال يوم الجمعة: أين سوف يدفن المهدي؟ قلت له: دعه يأتي حتى نراه، ولكن ليست المشكلة أن نجد له قبرًا، شيء مضحك، هكذا المسلمون، مستهلكة طاقاتهم في موضوعات ثانوية، هذا الحديث ((يَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ)) .

هذا المستشرق الذي أسلم, وعلق مع الشيخ ستة أشهر, وخرجت روحه، وخرج من جلده, فترك الإسلام، وجده طريقًا طويلاً، متى يصل إلى التيمم، ثم الوضوء، ثم الاغتسال، الصلاة، الصوم ستة أشهر في أحكام المياه, فترك الإسلام، ثم التقى بالإمام محمد عبده قال له: الماء الذي تشرب منه توضأ منه، أنهى له الستة أشهر في كلمة واحدة, وانتهى الأمر. 

يَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ...

ذهب إنسان إلى بيروت، وجلس إلى جانب السائق, فقال له: بيروت كبيرة, فقال له: لا بأس بها، ثم قال له: هل هي على البحر؟ فقال له: طبعاً على البحر، فقال له: يوجد صخر؟ قال له: نعم, يوجد صخر، أهلكه بالأسئلة، سوف تصل، وترى كل شيء، عوض أن تستهلك جهدك بالأسئلة, استمتع بالطريق، فإذا وصلت إلى بيروت, رأيت كل شيء، هذا المؤمن، وهذا على كثرة السؤال.

بنو إسرائيل عندما قال الله لهم: اذبحوا بقرة، لو أنهم تناولوا أية بقرة فذبحوها لأجزأتهم، ما زالوا يسألون، ويشدد الله عليهم, إلى أن كلفوا ذبح بقرة, طلب صاحبها ثمنها ملء جلدها ذهباً، كلما تشددت بالسؤال, شدد الله عليك.

قال لي رجل: يجوز أن ألبس ثياباً من صنع إنكلترا؟ قلت له: يجوز, فقال: أليس حرام يا أستاذ؟ قلت له: لماذا حرام؟ فقال: صنع الكفار، فقلت له: لا تلبسها إذاً.

لما ترى الإنسان كثير التشدد, تراه في نواح كثيرة يفلت.

رجل جلس مع زوجته, وهي واضعة غطاء الصلاة، فقال لها: أنا زوجك، وهم جالسون في بيت عربي، فقالت له: يوجد عصافير، فدخل معها إلى الغرفة أيضاً, مشددة غطاء صلاة, حتى عمت له قلبه، فقال لها: هنا لا يوجد عصافير, فقالت له: هنا يوجد ملائكة، سافر هذا الرجل, فوكل رجل يراقب له البيت، وجد الرجال يدخلون إلى البيت في غيابه.

فإذا رأيت الإنسان متشددًا بشكل غير معقول, فعنده تفلت غير معقول، وهذا شيء ملاحظ جداً. 

 

أعدى أعداء الإنسان: الجهل.


أهداني إنسان كتابًا فيه بعض الجرائم، امرأة مسجونة بتهمة ما أذكرها، وهي ساحرة، دجالة، أو ما شابه ذلك، وفي قانون العقوبات اسم دقيق: لمن يسحر أو يدجل على الناس، فهذه المرأة تقول: أنا لا أفعل شيئاً، لكنني أوهم الناس, أنني أحل مشكلاتهم، فمثلاً تأتيني امرأة علاقتها بزوجها سيئة جداً، فأنا أبتز مالها، وأوهمها أنني أسحرها، وأنا أفك السحر بينها وبين زوجها، ولكن أعطيها توجيهات تكون نظيفة جداً، أنيقة، تتزين له، تطيعه، تسمع كلامه، من ذكائها: أعطتها أسباب الوفاق الزوجي، هي ما سحرت, وما فعلت شيء إطلاقاً، ولكن أوهمتها أنها إذا تزينت له, وأطاعته، واستمعت كلمته، تحترم أهله, تحفظين ماله، تكونين تحت طلبه دائماً، لا تزعجيه، طعامه جاهز، نومه هادئ، سوف يحبك، هي أعطتها أسباب الود، ثم حجابًا, وأسماء, وخربشات، وتمتمات، وطلاسم، وبخورًا، وظلمة، هذه كلها زعبرة، وفعلاً لما طبقت أحبها زوجها، ماذا ظنت؟ أن الساحرة فكت لها السحر الذي كان زوجها مسحورًا به، هذا كله كذب.

أنا أتألم جداً من الجهل، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، العدو لا يستطيع أن يفعل بك كما تفعل أنت بنفسك إذا كنت جاهلاً.


  الخلاصة:


إخواننا الكرام؛ أنا وجدت أن الحديث بعون الله, نحن بحاجة ماسة له، أولاً قضية إضاعة المال، إذا كان من الممكن, أن يوفر إنسان ألف ليرة، يوجد قضية, اطلعت عليها خصومة بين زوجين شديدة جداً، أن معطف الزوجة لا يمكن أن تخرج به، بوضع مزرٍ جداً، وسمعت ثمن المعطف الآن ألف ليرة، إذا وفر إنسان ألف ليرة، وقدمها إلى زوج بحاجة إلى معطف لزوجته, ألم يحل مشكلة؟ ممكن أن يتناول الإنسان بألف ليرة، وممكن أن يوفر الألف، ويأكل في البيت، ويحل مشكلة زوجين مثلاً.

أحياناً: زواج شاب مبني على خمسة آلاف أحياناً، وقد تكون عندك ليس لها قيمة، خمسة آلاف تحل مشكلة، عشرة آلاف، فإذا كنت تقتصد بمصروفك، ويوجد عندك مال قليل, ساعد به أخاك، تكون مؤمنًا ورب الكعبة.

أنتم ترون إذا خرج الإنسان من بيته, شيء أنا لا أراه، ولكن أسمع، شيء لا يصدق من عذاب الناس, إذا أخرجوا من ديارهم بالبرد والثلج، آلاف الأطفال ماتوا من البرد، لا يوجد غطاء، أطفال ماتوا ودفنوا في أثناء الطريق، امرأة كبيرة بالسن من شدة البرد ماتت، الذي يوجد عنده بطانية زائدة.

مرة أخوان أفارقة, كانوا في الشام حوالي خمس سنوات، أنا ما انتبهت، لا يوجد عنده بساط في البيت، والفصل شتاء، لا يوجد إنسان إلا وعنده ستة بسط وسجادة، فإذا تعاونا، هذا ينقصه سجادة، هذا مدفئة، ترى في كل بيت سقيفة، وفيها أشياء غير مستعملة منسقة، أنت عندك منسقة، عند غيرك مهمة جداً.

تصور إنسانًا لا يوجد عنده ثمن مدفئة، طالب علم لا يوجد عنده مدفئة، فإذا أحصى كل إنسان, ماذا يوجد عنده في البيت من أشياء ليس بحاجة لها؟ يوجد برادات زائدة، غسالة قديمة زائدة، مدفئة زائدة، سجادة قديمة مثلاً, طالب علم لا يوجد عنده أثاث إطلاقاً، قدم له سجادة مستعملة, لا يوجد مانع، قدم له مدفأة، الألف تحل مشكلة, يمكن أن يكفه وقود طول السنة لطالب علم, يسكن بغرفة واحدة.

 أنا دعوتي إلى عدم إضاعة المال، لا تبذر، لا تسرف، إذا كان ممكنا أن تضغط نفقاتك، صندوق العافية أجرى ألف وخمسًا وثلاثين عملية بخمسين مليون ليرة، لو دفعت أنت يوم الجمعة عشر ليرات فلك مساهمة، من فضل الله مسجدنا يجمع أكبر رقم، وهذا الرقم لعملية واحدة.

تصور مرة, دخلت إلى بيت الأب, مصاب باحتشاء عضلة قلبية، وبرك، ممنوع أن يتحرك، ممنوع أن يتكلم، وهو عامل بمعمل نسيج، ودخله محدود جداً، وأولاده بكآبة شديدة, قال لي: جاءتني مكالمة هاتفية من رجلٍ, أن العملية على حسابي، امرأة التي قالت له: اتصل بالدكتور الفلاني، اتصل به, فقال له: أنا جاهز، يوم الأربعاء العملية، والعملية نجحت نجاحًا باهرًا.

أنا زرته بعد العملية, وجدت أولاده يرقصون من الفرح، هذه المرأة ماذا فعلت؟ أدخلت الفرحة على خمسة أطفال وأمهم، وصار البيت جنة، لأن العملية نجحت, وعاش حياته الطبيعية.

عندما ترى عرسًا, كلف خمسة وثمانين مليونًا، إذا كل عملية جراحية بمئتي ألف، المليون كم مئتي ألف؟ خمسة، الخمسة وثمانون مليونًا, تعمل لأربعمئة وعشرين إنسانًا عملية قلب، هل أقول لكم, رقم لا يصدق: خمسة عشر ألف إنسان في بلدنا, بحاجة إلى عملية قلب، وكل طاقاتنا حوالي خمسة آلاف عملية في السنة، عندنا عشرة آلاف ليس لهم مكان، ولا يملكون ثمن العملية.

فالإنسان قبل أن يبذخ, ينظر ماذا يجري في العالم الإسلامي؟ ينظر ماذا يجري من الجوع, والعطش، والتشرد، والبرد؟ فأنت ليس لك الحق, أن تنفق إلا الحد المعقول, لا أقول الأدنى، بل المعقول من غير إسراف، مخيلة، إنفاق مال بلا طائل، من غير إتلاف مادي، إضاعة المال, لأن المال قوام الحياة, ممكن أن تحل مشكلة إنسان.

أنا أحياناً: لا أصدق ألف ليرة تقدمها لإنسان، جاءني اتصال هاتفي من امرأة مستورة، كل إنفاقها بالسنة ثلاثة آلاف ليرة, وضعت عند رجل عشرة آلاف أو عشرين ألفًا، ثلاثة آلاف إنفاقها السنوي، تنفق بالليرة، وليس لها دخل سوى هذا الدخل، فإذا قدم إنسان لإنسان ثلاثة آلاف ليرة, معنى هذا حل لها مشكلتها طول السنة، أنا الرقم أصغره جداً، لأن الإنسان يقول: هذا مبلغ بسيط، هذا بسيط عندك، عند من يريده, ليس ببسيط, بل كبير جداً.

مرة كنت في جلسة, فقال رجل: يا أخي, إذا أنت لم تكن داعية إلى الله, تبنى داعية.

يوجد طالب علم, جاء من أفريقيا، فقير جداً, إذا أنت قدمت له مبلغًا، وسكن في بيت مع خمسة رفقاء، وأكلوا أخشن الطعام يعيشون، ويطلب العلم، ويصبح داعية، ويعود إلى بلده خطيبَ مسجد, معه معهد شرعي، بدأ ينشر الحق، هذا في صحيفتك، الإنفاق على طلاب العلم, من أعظم الأعمال، وهذه البلدة الطيبة معروفة في العالم الإسلامي, أنها تحب طلاب العلم، وترعاهم، وكأنهم في بيوتهم.

والله رمضان الماضي, أخوة كثُر جداً، وأكثرهم ما استطاعوا أن يصنعوا وليمة لطلاب العلم، يقفون في الدور على العمل لصالح، طالب علم جاء من بلاد بعيدة, دعوته إلى طعام الإفطار, أكرمته، ألفت قلبه، جبرته، إذا أنت معك مال زائد, يوجد مليون باب لإنفاق هذا المال، ولرأب الصدع، ولم الشتات، وتأليف القلوب، يوجد أبواب للخير لا يعلمها إلا الله، بدءاً من تعليم الصغار، لإكرام طلبة العلم, للعناية بالأرامل والأيتام، يوجد أبواب لا تعد ولا تحصى، ولكن من هو السعيد؟ الذي استخدمه الله في الخير، من هو الشقي؟ الذي جعل الله الشر على يديه ((يا عبادي الخير بيدي، والشر بيدي، فطوبى لمن قدرت على يده الخير، والويل لمن قدرت على يده الشر)) .

الحديث

(( عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عزَّ وجلَّ : أنا اللهُ قدَّرتُ الخَيْر والشَّرّ فطوبى لمن جَعلتُ مفاتح الخير على يديْه، ووَيْلٌ لمن جَعلتُ مفاتح الشر على يديْه ))

[ رواه الطبراني ]

ثلاثة أشياء: ((يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)) وممكن أن نستخدم وقتنا، وجهدنا، وكل طاقاتنا, في موضوعات ثانوية جداً، يوجد عندك أول رمضان، يوجد عي، أستاذ هل صيامنا صحيح؟ يا أخي أنت إنسان مسلم في بلد مسلم، وهذا البلد يوجد له وزير أوقاف، وقاض شرعي، القضية ليست معلقة في رقبتك ، يجب أن نشتغل يومين في أول يوم، هل صيامنا صحيح أم غير صحيح؟ لماذا عندما أحضرت دشًّا, لم تسأل أحدًا؟ لماذا في هذه سألت فقط؟ لأنه عيّ، يرتكب أكبر عمل على الناعم من دون سؤال، ولا يسأل أحدًا، أما أنه وصل إلى موضوع صيامنا صحيح أم غير صحيح!؟ ((وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)) .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور