وضع داكن
23-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 053 - بر الوالدين وصلة الرحم1 – حديث صلة الرحم - أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ الإمام النووي رحمه الله تعالى, عقد في كتابه رياض الصالحين باباً سماه: 

باب بر الوالدين وصلة الأرحام.

أيها الإخوة الكرام؛ في الإسلام أحكام شرعية تخص الفرد وحده، وفي الإسلام أحكام شرعية تخص الجماعة، والإنسان فيه نوازع فردية، وعليه تكاليف اجتماعية، فنوازعه الفردية متعلقة بطبعه، وطبع الإنسان فردي، أما الناحية الاجتماعية فتكليفية، كيف؟.

طبع الإنسان يميل إلى إطلاق البصر، لكن التكليف يأمره بغض البصر، طبع الإنسان يقتضي أخذ المال، والتكليف يقتضي إنفاق المال، طبع الإنسان يقتضي أن ينام، أما التكليف فيأمره أن يصلي صلاة الفجر، فالتكليف متناقض مع الطبع، متوافق مع الفطرة، طبع الإنسان فردي، والتكليف يأمره أن يتعاون، أن يتواصل، أن يتزاور، فالناحية الاجتماعية في الإسلام تكليف، أما الناحية الفردية طبع.

مثلاً: لن تجد في القرآن الكريم كله آية واحدة تحض الآباء على بر أولادهم، مستحيل ، لأن هذا مركب في الطبع، مؤمن، غير مؤمن، مسلم، غير مسلم، ملتزم، غير ملتزم، جاهل ، متعلم، أي أب حرصه على أولاده لا يوصف، يعيش لأولاده، أي أم، أما الأبناء كلفوا ببرّ الآباء، لأن هذا ليس في طبعه، بر الآباء تكليف، أما رحمة الأبناء طبع، من أجل أن تسير الحياة، من أجل أن يعيش الناس، من أجل أن يربى الأولاد، أودع في قلوب الآباء محبة الأولاد، هل تصدق؟ هل يعقل أن يصدر مرسوماً تشريعياً يأمر الناس بتناول الطعام؟ مستحيل ، السبب أن تناول الطعام شيء مركب في طبع الإنسان، فلا داعي للأمر به، كلام لا معنى له ، تحصيل حاصل، لكن الناس مأمورون ألاّ يسرفوا، قال تعالى: 

﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) ﴾

[ سورة الأعراف ]

الإنسان يميل أن يأكل أكثر مما يحتاج، هناك نهي عن أن يأكل كثيراً، لكن ليس هناك أمر أن يأكل، أما قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) فهذا أمر إباحة متعلق بأيام الصيام.

فلذلك: الإنسان طبعه فردي، يميل إلى الفردية، يميل إلى التقوقع حول ذاته، يميل إلى تحقيق مصالحه، يميل إلى تأمين أكبر دخل له ولأولاده ، هذا من طبعه، ولا يثاب عليه، الذي يقبض المال، ويشتري الطعام ليأكل، ويشتري بيتاً واسعاً، ينام، يتزوج، ينجب الأولاد، يربي الأولاد، هذا كله من مقتضى الطبع. 

أما حينما تتعاون مع الآخرين، حينما تصل رحمك، حينما تبر أباك، حينما تبر أمك، فهذا تكليف، هنا تؤجر.

فلذلك ورد في الأحاديث الصحيحة، وفي الآيات الكريمة نصوص كثيرة, تحض المؤمنين على التواصل، يكاد يكون النظام الإسلامي قائمًا على التكافل الاجتماعي على مستوى الأسرة.

أعرف أخاً كريماً عنده معمل، دخله جيد جداً، أقسم لي بالله أنه ما من شاب من آل صاحب هذا المعمل إلا وزوجه، واشترى له بيتاً، هذا الذي يريده الله عز وجل، حيث يقول: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) ﴾

[ سورة المائدة  ]

وأنا أقول لكم: إن لم نتعاون على حل مشكلة الشباب, ربما تفشت الدعارة في كل أحياء دمشق، التعاون تكليف، أما الناحية الفردية طبع، كل واحد من دون توجيه، من دون انصياع، من دون درس علم، من دون حضور خطبة، من دون قراءة كتاب، من دون تلقي العلم في جامعة، هو حريص على دخل مرتفع، وعلى بيت مريح، وعلى زوجة جميلة، وعلى أولاد نجباء، هذا شيء طبيعي، أما حينما يزور أخته في طرف المدينة، ويتجشم المشاق ليصل إليها ، حينما يكرمها، فهذا تكليف، بذل جهداً، بذل من وقته، و بذل من ماله، وبذل من جهده كي يصل رحمه.

فالإنسان أحيانا يقصر, فتجده ينساق مع هوى نفسه، يميل إلى الراحة، إلى المكوث في البيت، إلى قطيعة الناس، كم من أخت فقيرة لها أخ قريب لا يزورها في العام مرة، شأنها ضعيف، زوجها فقير، أسكنها خارج دمشق، نسيها الأخ الكبير، يمشي مع طبعه، وطبعه فردي، عنده كل يوم حفلة, ولقاء, وسهرة, ونزهة, واجتماع, وموائد تقام، أخته فقيرة، قد يستحي بها، يستحي بزوجها، فكل إنسان يتحرك مع طبعه لا قيمة له مع الله، أما الذي يتحرك مع التكليف فهذا هو الحق.

أحياناً: يدعى الإنسان إلى عقد قران فاخر جداً، في أرقى صالة، أو في أرقى فندق، طبعاً يلبي الدعوة تلبية بحذافيرها، يأتي في الوقت المناسب، يرتدي أجمل ثياب، تلبية دعوات الأغنياء من الدنيا، أما لو دعاك صديق أقام عرساً بمنطقة نائية، والعرس في الطريق، وكرسي وكأس شاي تذهب، وتتكلف بنزينًا بمئتي ليرة، وتلبي دعوة إنسان فقير؟ هنا المشكلة ، تلبية دعوة الفقراء من الآخرة، وتلبية دعوة الكبراء من الدنيا، إذا لبيت دعوة الأغنياء بالشيراتون أو الميريديان أو الشرق، وفيه ضيافة فخمة جداً، وفرقة منشدين من الطراز الأول ، وهناك كلمات، وهناك زهور وورود، أما إذا كان العرس في قرية, ولو كان لقريبك، لو كانت أختك، لو كان صديقك، لو دعاك طالب علم.

 ويشهد الله أني مرة لبيت دعوة طالب علم أول جادة من فوق، في مكان توقفت السيارة، وتابعت المشي على الأقدام، ما أكلت طعاماً أخشن ولا أبسط من هذا الطعام في رمضان، على بساط بلاستيكي، شربت الماء في كأس الشاي، شهد الله ما لبيت دعوة وكنت بها سعيداً كهذه الدعوة، صار فيها تجلٍّ عجيب، طالب علم يقول: هل من الممكن يا أستاذ إذا دعوناك اليوم أن تلبي؟ فقلت: آتي، على عيني، من أنا حتى لا آتي؟.

فأنت لا تعرف لمّا تلبي دعوة متواضعة، دعوة مؤمن صادق كم تشعر بسعادة؟ وكم يتجلى الله على قلبك؟ وقد تدعى إلى قصر النبلاء، مع أن هذا القصر لا يرتاده النبلاء، يرتاده غير النبلاء، لكن فيه فخامة كبيرة جداً.

أردت من هذا الكلام أن أقول لكم: الفردية طبع، والجماعية تكليف، فأنت تتعاون وتلبي دعوة أخوانك، وتصل رحمك، لك أخت فقيرة، لك ابن عم فقير في طرف المدينة، في العيد ماذا تفعل؟ تلبي وتزور الكبراء في حي المالكي، يجب أن تزور الأقرباء بصرف النظر عن مستواهم الاقتصادي، أنت لا تعرف لما تزور إنسانا هو في السلم الاجتماعي في الدرجة السفلى, كم تدخل على قلبه من السعادة؟.

أنا قال لي سائق: مرضت, وأسكن في قرية, في حوران، وزير بعث ابنه ليزور سائقه، قال لي: أموت ولا أنسى هذه الزيارة التي سعدت بها، لم ينس، بعث لي ابنه ومعه هدية أمام أهل قريتي، فأنا مهم جداً، فلا تعرف قيمة الزيارة، وعيادة المريض، وصلة الرحم، هذا تمهيد.

 

ما المقصود بصلة الرحم؟.


أيها الإخوة؛ والذي أريد أن أقوله لكم: حينما يصل الإنسان رحمه فهو ينفذ أمر الله عز وجل، ماذا قال الله عز وجل؟ قال تعالى: 

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36)﴾

[ سورة النساء ]

المؤمن الصادق يزور أقاربه، يزورهم واحداً وَاحداً، أكثر الناس يتوهمون القريب أن يزوره فقط، هذا فهم ساذج، الزيارة من منطلق أن تزوره، ثم تتفقد أحواله، ثم تساعده في الدنيا، ثم تأخذ بيده إلى الله، هذا بالضبط معنى صلة الرحم.

نزور بنت الأخت، نزور ابن الأخ، نزور ابن خالة، وبنت الخالة، أزوره لأرفع معنوياته، ثم أتفقد أحواله المعيشية، ثم أساعده، ثم أدله على الله، أحد أبواب الجنة صلة الرحم ، تبدأ بالزيارة وتنتهي بالهداية، هذا هو المعنى العميق لصلة الرحم، لا أن تفهم صلة الرحم زيارة فقط، إذا زرت إنساناً، والعين بصيرة, وما قدمت شيئاً، ماذا فعلت؟.

 

نتائج صلة الرحم.


أيها الإخوة؛ بالمناسبة: الله عز وجل أحياناً يفتح على أشخاص باب الغنى، بعض الأغنياء هناك سبب لغناهم، لأنهم يتفقدون أرحامهم، يصلونها، يدفعون المال، موسم المدارس ، موسم الشتاء، موسم الأعياد، الأسرة كبيرة، والدخل محدود، وأنت تاجر، إذا زرت أختك، أو بنت أختك، بنت خالتك، بنت عمك، الأقرباء الذين أوصلك الله بهم، فإذا زرتهم, وتفقدت أحوالهم، ثم ساعدتهم، ثم دللتهم على الله, فهذه هي صلة الرحم الحقيقية.

أنا لا أنسى صديقاً من أصدقائي، أخاً كريم من إخواننا, وهو مهندس، زار أخته مرة، فرأى بينها وبين زوجها خصومة على مبلغ من المال تتمناه أن يعطيها إياه كي تقوم بحاجات بناتها، والزوج دخله محدود، ويقول: هذا الراتب لا يكفي طعامنا، فدبّري شأنك دون أن تأخذي شيئاً، واشتدت الخصومة، فتبرع بمبلغ من المال, يقدمه لهذه الأسرة شهرياً، مع أن دخله محدود، قال: أدفع ثلاثمئة ليرة في الشهر، قال: أول شهر أطرق باب أختي, وأقدم لها المبلغ، على ستة أشهر، قال: والله طلبت هي مني أن ألقي على بناتها درساً، حدثت بآية أو حديث، قصة عن الصحابة، صار عندهم درس، وطلاقة لسان، وفائدة، قال: ما مضت سنة أو سنة ونصف, إلا أن كل بنات أختي تحجبن.

هذه صلة الرحم، صلة هداية، صلة مساعدة، بدأ بالزيارة، وتمر بتفقد الأحوال، كيف أنتم؟ كيف وضعكم؟ كيف الأولاد؟ وكيف دراستهم؟ هل عليكم ديون أو مشكلة؟ هذا المؤمن، طبعا عليهم دين، وتستطيع أن تساهم في سداد هذا الدين بجزء من مالك، معك ألف أو ألفان قدمتها لأختك.

أحد إخواننا بالبزورية قال: معي خمسة آلاف في آخر الشهر، وضع صعب جداً، اتصلت به أخته، وقالت: أريد خمسة آلاف، قال: وقعت في صراع، هذه الخمسة لآخر الشهر ، وأختي طلبت مني، ماذا أفعل؟ وقعت في صراع، فغلب حبي للخير على حاجتي للمال، قدمت لها هذا المبلغ، يقسم بالله العظيم دخل إلى محله تجاري، جاءه إنسان من السعودية، عندك هذه البضاعة؟ فقال: لا، قال: أين أجدها؟ قال: في المعمل الفلاني، قال: خذن إليه، فوصل إلى المعمل، هذا الأخ يريد البضاعة الفلانية، في اليوم الثاني بعث له عشرة آلاف، يبدو أنه اشترى صفقة كبيرة، قدم له عشرة آلاف، قال: أنا ترددت في دفع المبلغ.

وأخ ثان له ابن عم توفي، وهو إخواننا الكرام، قال لي: زرت البيت، والميت على المغسل، ابن عمته دكتور في الجامعة، فسأل أولاده: هل على أبيكم دين؟ قالوا: نعم، قال: استحييت أن أقول لهم كم؟ قلت لهم: الدين علي، قال: في ذهني عشرة آلاف, أو عشرون, أو خمسة وعشرون، أو ثلاثون.

في اليوم الثاني, علم أن الدين مئة وثلاثون ألفاً، قال: والله دفعتها حبا وكرامة، والله ذكر هذه القصة في صحن جامع النابلسي وبكى، في يوم السبت، وكانت الجنازة يوم الخميس ، يوم السبت بعنا في هذا الموسم السيء مع كساد الأسواق, نصيبي من الربح الصافي، في اليوم الواحد مئة وثلاثين ألفا، وهم ثلاثة شركاء، قال تعالى: 

﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)﴾

[ سورة سبأ ]

درسنا اليوم صلة الرحم.

لك أخوات بنات، لك بنات أخوات، لك أولاد عم فقراء مكسورين، يجب أن تزورهم، ويجب أن تتفقد أحوالهم، ويجب أن تعينهم، ويجب أن تأخذ بيدهم إلى الله، هذا هو موضوع درسنا اليوم.

 

الحكم الشرعي لصلة الرحم.


أيها الإخوة؛ قال تعالى: 

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36)﴾

[ سورة النساء ]

بالمناسبة: لا تُقبل زكاة مال أحدكم وفي أقربائه محاويج، فمن أولى الناس بالزكاة؟ أقرب الناس إليك نسباً، هم أولى الناس بالزكاة، طبعاً ما عدا الأب والابن والزوجة، وما سوى ذلك, يجوز أن تدفع الزكاة لهم، دفع الزكاة لهم لها أجران؛ صدقة وصلة في وقت واحد، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).

أيها الإخوة؛ قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)﴾

[ سورة النساء ]

كنت مرة في الخليج عند مدير شركة ضخمة، جاءه هاتف، فقال: حاضر، حاضر، بعدما وضع السماعة, قال لي: أتعرف من خبرني؟ عنده ابن له خمس سنوات، قال له: تعال وأوصلني إلى رفيقي، قال: حاضر، عنده حوالي خمسين مهندساً تحت يده، فقلت: سبحان الله! ما هذه الرحمة التي أودعها الله في قلوب الآباء؟ كيف يتدلل الابن على أبيه، ويطالبه بعنف؟، قال له: تعال وأوصلني إلى رفيقي، وعمره خمس سنوات، وأبوه مدير شركة ضخمة، قال له: حاضر، انظر إلى الآية: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) لولا أن الله أودع في قلوب الآباء هذه الرحمة, لما تجرأ الابن أن يسال أباه بجد وعنف.

هناك قصة رمزية ولكنها مؤثرة جداً: 

سيدنا موسى رأى أمًّا تخبز على التنور، وعلى طرف التنور ابنها، تضع الرغيف في التنور, وتقبله، وتضمه, وتشمه، قال: 

يا رب ما هذه الرحمة؟. 

قال: هذه رحمتي أودعتها في قلب أمه، وسأنزعها. 

القصة تعليمية. 

نزع الله الرحمة من قلبها، فلما بكى ألقته في التنور.

هذه القصة كلها. 

إذًا: هذه الرحمة من الله عز وجل، قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) لولا أن الله أودع في قلب الآباء هذه الرحمة, لما تجرأ ابن أن يسأل أباه، يسأله, ويلح عليه، ويطالبه، وأحياناً: يكون في سؤاله قسوة.

 

من هم الأرحام؟.


ويقول الله عز وجل: 

﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)﴾

[ سورة الرعد  ]

الرحم بالمعنى الفقهي الدقيق: الأقرباء من طرف الأب, أو من طرف الأم، أقرباؤك، أعمامك، أولاد أعمامك، أخواك، أولاد أخوالك، عماتك، أولاد عماتك, من طرف الآباء والأمهات، هؤلاء الرحم، وصلة الرحم تزيد في الرزق.


أحاديث تتعلق بصلة الرحم:


(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنهم, قامت الرحم, فقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ, قَالَ: نَعَمْ, أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ, وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى, قَالَ: فذلك  ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ:  فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

أحيانا يغتني الإنسان، ويكبر حجمه، وينسى أقرباءه، صدقوني: كم من الأعمام معهم مئات الملايين، وأولاد أخوته, يموتون من الجوع؟ هذه مشكلة كبيرة جداً.

إنسان في بحبوحة، وأولاد أخوته, يموتون من الجوع، أحياناً: ينفق مئات الألوف ليقول الناس: محسن كبير، فإذا سأله أولاده سؤالاُ, ضاق بهم ذرعاً ((أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ, وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى, قَالَ: فذلك)) ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) وفي رواية للبخاري.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ, فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ, وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ))

[ أخرجه البخاري ]

العلاقة النسبية ثمينة جداً، أحياناً أخوين، أحدهما في قمة المجتمع، والثاني في الحضيض، أحياناً ابن عم لك بحاجة لك، ابن خالة لك بحاجة إليك.

((  عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسولَ الله، إِن لي قرابة، أصلِهُم ويقطعونني، وأُحْسِن إِليهم ويُسيئُون إِليَّ، وأحلُم عنهم، ويجهلون عليَّ؟ قال: لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهُم الملَّ، ولن يزال معك من الله ظهير عليهم ما دُمتَ على ذلك ))

[ أخرجه مسلم ]

كأن النبي أعجب بهذا الإنسان، الذي يحسن ويساء إليه، ويكرم ويمنَع عنه، ويصل ويقطعونه، لذلك أخلاق الأنبياء كما قال عليه الصلاة والسلام: ((أمرني ربي بتسع؛ خشية الله في السر والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة)) .

 

 الخلاصة:


أيها الإخوة؛ ملخص الدرس: صلة الرحم أمر تكليفي، جزاؤها في الدنيا أنها تزيد في الرزق، من أراد أن يكون في بحبوحة في رزقه فليصل رحمه، والصلة زيارة، ثم تفقد، ثم معاونة، ثم هداية إلى الله عز وجل.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور