وضع داكن
26-04-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 15 - الإنسان مخلوق للجنة ، وكل إنسان يعمل في ما أقامه الله وفي الظرف الذي وجد فيه : لاحسد إلا ..
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الحياة الدنيا هدفها أن نؤهل أنفسنا لدخول الجنة :

 أيها الأخوة الكرام: الإنسان مخلوق للجنة, خلق يوم خُلق ليسعد بجنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين, وجيء به إلى الدنيا ليؤهل لهذه الجنة.
 الحياة الدنيا ـ هذه دنيا لكنها مرحلية ـ هدفها أن نؤهل أنفسنا لدخول الجنة, والله عز وجل لحكمة بالغة أقام كل إنسان في وَضع؛ هذا أقامه غنياً, هذا أقامه فقيراً, هذا أقامه قوياً, هذا أقامه ضعيفاً, هذا أقامه عالماً, هذا أقامه غير عالم، فكل إنسان له طريق إلى الجنة من خلال ما أقامه الله؛ أما حينما يدخل هؤلاء جميعاً إلى الجنة فهذه الوسائل المتنوعة لا قيمة لها؛ هذا دخل الجنة بماله, هذا دخلها بعلمه, هذا دخلها بخدمته.
 فالوسيلة حينما تؤدي الغاية تنتهي قيمتها, هذا المفهوم مفهوم دقيق جداً؛ هذا أقامه الله طبيباً, يصل إلى أعلى درجات الجنة من خلال الطب؛ يتقن عمله, يخلص في خدمة المسلمين, لا يغش أحداً, يرعاهم, يرحمهم, فإذا هو في الجنة؛ الثاني أقامه غنياً, بإنفاق ماله فقط يصل إلى أعلى درجات الجنة, فلان أقامه عالماً, بإنفاق علمه فقط يصل إلى درجات الجنة.
 نظام أسري؛ الأب في المحل, والابن جاء بالأغراض, والزوجة تطبخ, والابنة تمسح البيت, عند الظهر جلسوا على مائدة واحدة, مائدة دائرية بالتساوي, كل واحد له دور، الأب جاء بالمال, والأم طبخت, والابنة نظفت, والابن جاء بالأغراض, فهذا المعنى يدفعنا جميعاً إلى إتقان عملنا, والإخلاص فيه, وحينئذ يكون هذا العمل وسيلة إلى الجنة.
 لو فرضنا للتقريب أن الجنة مدينة جميلة جداً, وفيها ما لذّ, وطاب, وأنت بينك وبينها مئة كيلو متر, من الممكن أن تطلب سيارة, أو دراجة نارية, أو طائرة, أو على دابة, أو سيارة صغيرة, أو كبيرة, هذه كلها وسائل, هذه كلها إذا أوصلتك إلى هذه المدينة التغت قيمتها, فهذا المعنى أولاً: مريح, ثانياً: يدعو إلى العمل؛ فيجب أن تعبد الله فيما أقامك الله.

من أتقن عمله و أخلص في خدمة المسلمين دخل الجنة :

 ليس مقبولاً من الغني أن يتقرب إلى الله بالذكر فقط, مطلوب من الغني أن يتقرب إلى الله بإنفاق ماله, مطلوب من العالم أن يتقرب إلى الله بإنفاق علمه, مطلوب من الخبير أن يتقرب إلى الله بإنفاق خبرته, مطلوب من صاحب الجاه أن يتقرب إلى الله بإنفاق جاهه, وهذا معنى قوله تعالى:

﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

[سورة القصص الآية:54]

 مفهوم الأسرة أن الجنة لكل مسلم, وأعلى درجاتها لكل مسلم, وكل إنسان يصلها من طريق.
 فالإنسان إذا أتقن عمله, وأخلص في خدمة المسلمين، يدخل الجنة؛ إنسان أتقن دعوته, وأخلص فيها لخدمة المسلمين، يدخل الجنة؛ هذا أتقن طبه, وهذا أتقن هندسته, وهذا أتقن تدريسه, هذا أتقن عمل يده, أي لا يوجد حرفة إلا فيها إتقان وعدم إتقان, وإخلاص وعدم إخلاص, لحكمة أرادها الله لأن الإنسان مخير.
 كلُّ الحرف حيادية؛ تجد محامياً يدخل الجنة, محامياً يدخل النار, الشهادة واحدة, شخص نذر نفسه لخدمة الحق, فأية دعوى فيها باطل يعتذر عنها ولو فيها ملايين، والله يرزقه, إنسان بطلاقة لسانه دخل الجنة, وظف هذه الطلاقة في نشر الحق, وإنسان آخر وظف طلاقة لسانه في نشر الباطل, هذا معنى يعبد الله فيما أقامه.
 وهناك معنى ثانياً: وفيما وضعه من ظرف؛ إنسان والده مريض, عباداته خدمة والده, إنسان عنده ضيف, عباداته خدمة الضيف, إنسان عنده عدو اجتاح البلاد, العبادة الأولى الجهاد في سبيل الله وهذا أهم من كل شيء.

 

عبادة الهوية و عبادة الظرف :

 للإنسان وضعان: له هوية, وله ظرف؛ يجب أن تعبد الله فيما أقامك, وفي الظرف الذي وضعك فيه, بالمعنى هذا يصبح المجتمع البشري ورشة عمل, لم يبق فيه حسد, أنا في الأصل خلقني الله لأدخل الجنة؛ الله أقامني بالحرفة, أقامني بالقوة, هذه امرأة, عند الله أصبحت امرأة، الله جعلها امرأة, تدخل الجنة حينما تؤدي وظيفتها كاملة تجاه زوجها, وأولادها.
 لذلك المرأة قد تكون في أعلى مرتبة عند الله؛ لا خطبت, ولا درَّست, ولا سافرت, جالسة في البيت تطبخ, وتنظف, وترعى حق زوجها, وأولادها؛ وهي كالمجاهدة في سبيل الله:

(( انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ أي يعدل الجهاد في سبيل الله ـ ))

[أخرجه ابن عساكر وأخرجه البيهقى في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد الأنصارية]

 إذا فهمت المرأة هذا الحديث؛ وهي في مطبخها, وهي في بيتها, وهي في تعتيم كامل ـ كما يقولون ـ عند ربها في أعلى عليين.
 فكل إنسان يلتفت إلى حرفته؛ يتقنها, يكون صادقاً فيها, وينوي بها خدمة المسلمين يدخل الجنة؛ سمعت عن السلف الصالح كان إذا فتح محله التجاري يقول:" نويت خدمة المسلمين".
 هدفه من المحل أن يخدم الناس, طبعاً لو ربح منهم لكنه ينصحهم, لا يغشهم أبداً, لا يبني علاقاته على مصالحهم, هذا مسلم يجب أن أعطيه حاجة جيدة, متقنة, رخيصة الثمن، لذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

((لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ, فقام به: آناء اللَّيل, وَآنَاءَ النَّهارِ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالاً، فَهوَ يُنْفِقِهُ: آنَاءَ اللَّيلِ, وآناءَ النَّهارِ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر]

الإنسان عندما يتمنى العمل الصالح يؤجر :

 هناك قول لطيف يوضح الحقيقة: العدل حسن لكن في الأمراء أحسن, أي الأمير يصل إلى أعلى درجة في الجنة بالعدل؛ لأن الله أقامه أميراً, والورع حسن لكن في العلماء أحسن, والعالم يصل إلى أعلى درجة في الجنة بالورع؛ الورع جهد, أما العلم فمتعة؛ يمكن أن تتعلم, وتتكلم كلاماً طيباً, أما عندما تطبق فمعنى ذلك أنك صادق, والحياء حسن لكن في النساء أحسن, من علامات قيام الساعة يرفع الحياء من وجوه النساء, تنظر إليك بحدّة, وتسترجل أحياناً, وترفع النخوة من رؤوس الرجال, وتنزع الرحمة من قلوب الأمراء, الحياء حسن لكن في النساء أحسن, والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن, الشاب يصل إلى أعلى درجة عند الله بورعه تجاه النساء؛ بغض بصره يبتعد عن كل مكان مشبوه, الشاب مأخذه المرأة, الغني ليس المرأة بل المال, القوي التسلط, وعدم العدل بين الناس, والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن, أي أجمل شيء في الغني سخاؤه, والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن؛ فصار هناك عالم, وأمير, وغني, وامرأة, وفقير, وشاب، الحديث:

((لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآن, فقام به آناء اللَّيل, وَآنَاءَ النَّهارِ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالاً، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ, وآناءَ النَّهارِ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر]

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه, أَنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال :

((لا حَسَدَ إلا في اثنَتَيْنِ: رجلٌ آتاهُ اللَّه القرآنَ, فهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيلِ, والنَّهارِ, فَسمِعَهُ جَارٌ له، فقال: لَيْتَني أُوِتيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ: فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعمَلُ، ورجلٌ آتاهُ اللَّهُ مالاً, فهو يُنفِقُهُ في حَقَّهِ، فقال رجل: لَيْتَني أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعمَلُ))

[أخرجه البخاري عن أبي هريرة]

 الإنسان عندما يتمنى العمل الصالح يؤجر؛ هناك إنسان يسمع عن شخص فاسق, فاجر, يتمنى أن يكون مكانه، فهو معه في الإثم سواء, وإنسان يتمنى أن يكون مثل هذا الغني؛ الموسر, السخي, أو مثل هذا العالم المنفق لعلمه، فهو في الأجر سواء، التمني شيء جيد, إنسان يتمنى أن يكون هكذا, التمني هذا يقوده إلى أن يكون هكذا.

 

الله عز وجل ما أمر الإنسان أن يستعين به إلا ليعينه :

 آخر حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم, يقول: قال الله تعالى:

((قسمتُ الصلاة بيني, وبين عبدي: نصفين ، ولعبدي ما سألَ ـ وفي رواية: فنصفها لي، ونصفها لعبدي ـ فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين, قال الله: حمدَني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم, قال الله: أثْنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: مَالكِ يومِ الدين, قال: مجَّدَني عبدي, وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}, قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم*َ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ* غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}, قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل))

[أخرجه مسلم والموطأ والترمذي والنسائي عن أبي هريرة]

 واحدة له, وواحدة بينك وبينه, واحدة لك: الحمد لله رب العالمين؛ حمدَني عبدي, الرحمن الرحيم؛ أثْنَى عليَّ عبدي, مَالكِ يومِ الدين؛ مجَّدَني عبدي, {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ـ بيني وبين عبدي ـ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ* غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}, قال: هذه لعبدي، ولعبدي ما سأل).
 وهذه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} خطيرة جداً، ما أمرك أن تستعين به إلا ليعينك, ماذا بقي لك؟ السؤال فقط, السؤال الصادق، قد تصل بهذا السؤال الصادق إلى أعلى درجات في الدنيا والآخرة, أنت ضعيف, في الأصل ضعيف, وما من إله إلا الله, والقوة كلها بيد الله, يعطيها لمن طلبها صادقاً، اسأل الله صادقاً أي شيء تملكه؛ لأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ما قال: {إِيَّاكَ نَعْبُد} فقط, لو قال هذا فقط لصار العبء عليك, قال لك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي الله يعينك على أداء العبادات تامة, وكل إنسان يقول لك: لا أستطيع, فوق طاقتي؛ هذا يكذب قوله تعالى إذ يقول:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها﴾

[سورة البقرة الآية:286]

الإنسان يمكن أن يصل إلى أعلى درجة في أي عصر لأن الله هو هو :

 الإنسان أحياناً يستطيع أن يفعل كل شيء؛ يمكن للإنسان أن يعيش في بلد فيه فسق, وفجور, ويكون ولياً, ويمكن أن يأوي إلى كهف, بيته كهفه, كما يمكن أن يصل إلى أعلى درجة في أي عصر؛ لأن الله هو هو؛ إله الصحابة إلهنا, الذي رزقهم يرزقنا, الذي ينصرهم ينصرنا, الذي أكرمهم يكرمنا, الذي مكَّن لهم يمكِّن لنا, الذي استخلفهم يستخلفنا, الذي طمأنهم يطمئننا, قد يقول قائل: هذه قضية تفاوت من نحن؟ الله موجود, أي الشيء الذي بدا لكم كالمعجزات في عهد النبي يمكن أن يعاد:

((أمتي كالمطر لا يُدرى أوله خير أم آخره))

[صحيح عن أنس]

((الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة))

[ البيهقي عن جابر]

 عملية تحريك ذاتي؛ أنا عليَّ أن أتحرك, وعلى الله الباقي.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور