- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم، والباب اليوم:
باب حق الجار والوصية به.
أول الموضوع أن الإسلام جاء بنظام من أرقى أنواع الأنظمة الاجتماعية:
التكافل الاجتماعي.
1-
2-
على أساس نسبي: كل إنسان مكفول من قِبل أحد أقربائه.
هذا بحث النفقة في الإسلام، نفقته على أبيه، أو على أخيه الأكبر، أو على عمه، هناك تسلسل دقيق جداً، كل أسرة متضامنة متكاتفة، وكأنهم ضمان جماعي على نطاق الأسرة، فالمجتمع خلايا أسر، وكل أسرة متكفلة بأفرادها.
بعض الأسر في دمشق, لها تقليد رائع، أن موسريها متكفلون بمعسريها، رجل من أهل اليسار, كل شباب هذه الأسرة يسعى لتزويجهم، وتأمين بيوت لهم وأعمال، فإذا تضامنت كل أسرة في دمشق, وفي أي مدينة في سورية فيما بينها، فالغني تكفل بالفقير، والموسر تكفل بالمعسر، والقريب تكفل بالبعيد, لكن بحال غير هذه الحال، وقد تجد في بعض الأسر فردا يملك مئتي مليون، وفردا لا يملك قوت يومه، ولا يتعاونون، مع أن التعاون من واجبات المسلم، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا
صلة الرحم تزيد في الرزق.
إخواننا الكرام؛ هناك نصوص كثيرة, تدل على أن صلة الرحم, تزيد في الرزق، كل إنسان يتفقد أهله مطلقاً يزيد رزقه، الذي دفعته يعوّض عليك.
هناك أخ كريم, له ابن عم موظف، وتوفي بمرض عضال، قال لي: دخلت إلى بيته وهو يغسَّل، فسألت أولاده: أعلى أبيكم دين؟ قالوا: نعم، قال: توهمت أو ظننت أن الدين لا يزيد على خمسة وعشرين ألف ليرة، موظف معاشه يكفيه، لعله استقرض في مرضه الأخير، قال : قلت لهم: عليّ دينه، في اليوم التالي سألتهم: كم الدين؟ قالوا: مئة وثلاثون ألفاً، قال لي: والله نقدتها بكاملها، لأني وعدتهم.
حدثني بهذه القصة في صحن جامع النابلسي، وبكى، قال لي: يوم السبت مع أن الأسواق كاسدة بعنا، وكانت حصتي الصافية من مبيعات يوم واحد مئة وثلاثون ألفاً، أقسم بالله وهو حي يُرزق، إذا أراد ربك إظهار الفضل عليك, خلق الفضل ونسبه إليك، الاسم لك, والمال مال الله.
إخواننا الكرام؛ شيء مجرب، كل إنسان يتفقد أفراد أسرته, ويعطف عليهم, فله استثناء خاص.
لي قريب, توفي والده وهو صغير، هو أكبر أخوته، له ست أخوات بنات، وثلاثة ذكور، فَعلَ فِعلَ الأب، يعطي كل واحدة في العيد عشرة آلاف، هذه يؤمّن لها حاجاتها, وكسوة أولادها، أجرة بيتها، مصروفها، ومع كل الظروف الصعبة, يدخل عليه دخل كبير، شيء مجرب، أي إنسان يتفقد أسرته، ليس أولاده، أولاد أخيه.
هناك رجل في الميدان –بارك الله به– توفي أخوه، وترك له خمس بنات، زوج البنات الخمس، ليس أقلّ من بناته ولو بشعرة، كل شيء أُنفق على بناته, أنفق مثله على بنات أخيه لوجه الله تعالى.
وهناك أخ من إخواننا, هنا في الحريقة, أنا أذكره بخير، له أخ توفي، قال لي: والله لا يدخل بيتي شيء, إلا ولأخي قبله، بعد موته، لا يدخل بيته شيء من سمن, ولا من فاكهة, ولا من حلويات, فإلى أخيه مثله، وكل إنسان ينفق على أقربائه, له رزق استثنائي.
صلة الرحم تزيد في الرزق، وتنسأ في الأجل، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام.
أنواع التضامن الاجتماعي في الإسلام:
أيها الإخوة؛ عندنا تضامنان:
1-
2-
والجوار أربعون بيتاً شمالاً جار، وأربعون جنوباً جار، وأربعون شرقاً جار، وأربعون غرباً جار، وفي النظام الحديث أربعون من فوقك جار، وفي اليابان أربعون من تحت جار، في اليابان ثلاثون طابقاً تحت الأرض، فصار عندك أربعون يميناً، وأربعون يساراً، وأربعون شمالاً، وأربعون جنوباً، وأربعون من فوق، وأربعون من تحت، كل هؤلاء جيران، أي جار له عليك حق الجوار، ولو كان مجوسياً.
كان لأبي حنيفة جار مغنٍّ، أقلقه إقلاقاً لا يحتمل، كان مغنياً، طوال الليل يغني, ويقول:
أَضاعُوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعُوا لِيَومِ كَريهَةٍ وَسِدادِ ثَغرِ
اعتقل هذا المغني بمخالفة شرعية، فذهب أبو حنيفة النعمان بقضه وقضيضه, بكل مكانته، بكل تألقه إلى السجان، وتوسّط له فأخرجه، وفي الطريق قال له: يا فتى هل أضعناك؟ والغناء الذي كان يغنيه:
أَضاعُوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعُوا لِيَومِ كَريهَةٍ وَسِدادِ ثَغرِ
فأي إنسان له عليك حق الجوار، أي إنسان في محيط أربعين, في أربعين, في أربعين, في أربعين, في أربعين, له عليك حق الجوار.
فإذا كان مسلماً, فله عليك حقان؛ حق الجوار، وحق الإسلام، فإذا كان ابن عمك له عليك ثلاثة حقوق؛ حق الجوار، وحق الإسلام، وحق النسب.
حقوق الجار:
في الحديث:
(( عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ))
قال تعالى:
﴿
أخلاقيات الجوار.
أخ من إخواننا, عنده بيت أرضي, بأحد أحياء دمشق بالمهاجرين له وجيبة داخلية، فسحة كبيرة، بناية واجبتها إلى الداخل، وبيته أرضي، والوجيبة نحو الداخل، وابنه في سن الزواج، وتمنى أن يزوجه، وهناك دكان تابع للبيت، جعلها غرفة النوم، واضطر أن يعمّر مطبخاً, مساحته متران بمتر واحد، بوجيبته، في أرض عنده في بيته، لا يمنع منظراً, ولا ضوءاً, ولا شمساً, ولا رياحاً، بناية من أربعة طوابق، البناء السفلي أرضي، عمر مترين بمتر حتى يزوج ابنه، الدكان قلبها غرفة نوم، ويحتاج إلى حمّام، الجار من وفقه في الطابق الرابع, اشتكى عليه فهدّموها له، ولكن لوجه الشيطان فقط، إذا كان فيها إيذاء, فهذا موضوع ثان، إذا كان فيها حجب شمس أو حجب مناظر، فهذا موضوع ثان لا ندخل فيه، أما إذا لا تتأذّى إطلاقاً, ولا بالمليار واحد، وتؤذي جارك، هكذا أخلاق الناس اليوم، لأنهم تنكر بعضهم لبعض, فاستحقوا جميعاً غضب الله عز وجل، لا أحد يرحم غيره أبداً، وقد يكون من أقرب الناس إليك، يتفنن في تطبيق أقسى أنواع القوانين، قد لا يكون في الأمر شيء، وقعت ورقة التسعيرة، هذه لا تنتهي بشهرين سجنا، وقعت هذه الورقة، يمكن للإنسان أن يغض بصره، يقول له: اضبط أسعارك، ممكن أن ينصحه، لذلك: حينما لا نرحم بعضناً, نستحق غضب الله عز وجل.
حسن الجوار في الإسلام.
(( عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ, إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً, فَأَكْثِرْ مَاءَهَا, وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ ))
إذا أعطى الله لرجل عمراً مديداً، يذكر أهل هذه البلدة الطيبة قبل خمسين سنة, كان هناك شيء اسمه: السكبة، أي كل جار يقدم لجاره صحنا من طعامه، فالإنسان أمامه عشرة أصناف من الطعام، حتى إذا كان للأكلة رائحة, لا يشتهي الطفل.
وقد ورد في بعض الأحاديث:
(( أتدري ما حق الجار؟ إذا استعان بك أعنته، وإذا استنصرك نصرته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا مرض عدته، وإذا مات شيعته، ولا تستطل عليه بالبناء, فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فاهد له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سرا، ولا يخرج بها ولدك ليغيض ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك, إلا أن تغرف له منها ))
أيها الإخوة؛ بعض رياض الأطفال, يعطي الأب لابنته, عمرها أربع سنوات, خمسمئة ليرة، لأنه غني، هذا حمق، هؤلاء الطالبات مع كل واحد عشر ليرات، أو خمس عشرة، أو خمس وعشرون، أو خمسون، وتعطي ابنتك خمسمئة ليرة، وتحدث مشكلة في المدرسة، وإذا كان سعر الموز مئة وخمس وسبعون ليرة, يعطيها موزتان، الفاكهة النادرة يحب أن تأكلها في البيت أنت وأهلك، لا أن تعطيها لابنك في المدرسة، وهناك حلويات غالية جداً، كلها أجنبية، ثمنها مئة ليرة، يعطيها لابنته في الروضة، تتباهى بها أمام زميلاتها.
(( ولا يخرج بها ولدك ليغيض ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك, إلا أن تغرف له منها ))
ركبت مرة في سيارة إلى بيروت، وجلس إلى جانبي رجل معه كيس من الفستق وفواكه، يأكل طوال الطريق، وهذا الطفل الصغير يشتهي، أعطه موزة، هذا حمق، أنت تأكل أكلاً نفيساً أمام الناس في الطريق, أو في السيارة، ألا تراعي شعورهم؟ الطفل قد يشتهي هذه الأكلة، وليس عنده منها.
فموضوع الأولاد في المدرسة, لا تعط ابنك إلا الشيء المقبول والمعقول الذي يستطيعه كل الطلاب، تفاحة صغيرة، سندويش، قطعة من الحلوى وطنية ثمنها خمس ليرات، إذا كنت غنياً, فأطعمه في البيت، أما في المدرسة, فيجب أن تعطيه من مستوى البقية، لا يحدث بينهم تنافس.
(( ولا يخرج بها ولدك ليغيض ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك, إلا أن تغرف له منها ))
هذه أخلاق الجار.
قال لي أحد إخواننا: في غيابي حدث معه حادث سير، جارنا أخذ ابني إلى المستشفى ، وعالجه وأنهى الموضوع، وأرجعه إلى البيت، وأنا لا علم لي، هكذا الجوار إذا كانت علاقة الإنسان مع الجيران طيبة جدا, يصيرون مثل الأهل، لو سافرت أسبوعاً, فأنت مطمئن، كل من حولك لك أهل، حياة الإيمان جميلة جداً، حياة فيها بحبوحة، فيها سرور، فيها راحة، أخطر شيء جارك، راعه، لا تؤذه، لا تشتك عليه.
قد يقول لك أحد الجيران: إذا أردت أن تبني غرفة: أنا لا مانع عندي، ولكن عليك بجيرانك، لا يتركونك تعمر، إذا كان في الأمر أذى, فهذا موضوع ثان، ولكن إذا لم يكن هناك أذى, صار هناك حب الأذى، إذا لم يكن هناك إيذاء للجار، فهذا الذي يسعى لإغاظة جاره، هذا عنده حب الأذى، قال أحد الشعراء:
حُرٌّ وَمَذهَبُ كُلِّ حُــرٍّ مَذهَبـــي ما كُنتُ بِالغاوي وَلا المُتَعَصِّبِ
يَأبى فُؤادي أَن يَميلَ إِلى الأَذى حُبُّ الأَذِيَّةِ مِن طِبـــاعِ العَقرَبِ
لي أَن أَرُدَّ مَســــاءَةً بِمَســـاءَةٍ لَو أَنَّني أَرضــــــى بِبَرقٍ خُلَّبِ
حَسبُ المُسيءِ شُعورُهُ وَمَقالُهُ في سِــــــــرِّهِ يا لَيتَني لَم أُذنِبِ
إذًا:
(( عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي, إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُا, ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ, فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ ))
أخلاق المؤمن مع جيرانه.
سيدنا الصديق, كان يحلب الشياه لجيرانه العجائز، لما صار خليفة المسلمين, ليس من المعقول أن يستمر في ذلك، فدخل إلى قلبهم بعض الحزن، في صبيحة اليوم الأول من توليه الخلافة, طرق باب أحد الجيران.
يا بنيتي افتحي الباب، قالت: من الطارق؟ قالت: جاء حالب الشياه يا أماه.
لم يتخلف يوم تولى الخلافة عن شياه جيرانه العجائز، وهو خليفة المسلمين.
أنا أرى أنه يمكن لأحدنا, أن يكون جاراً مثالياً، أولاً: يشجع الآخرين على أن يكونوا مثله بالعناية والرعاية والاهتمام، لك جار مسافر، أمّن له كل حاجاته في غيابه.
أعرف بناء في بعض أحياء دمشق, أنا والله معجب بأصحابه، عنده سهرة كل يوم الاثنين، يدعون كل يوم الاثنين, أحد علماء دمشق، سهرة وعشاء ودرس، كل جيران البناية من دون استثناء، يصلون كلهم في مسجد واحد، أقاموا حديقة في الطابق الأول للأطفال، مراجيح وألعاب، وأقاموا قاعة استقبال فخمة جدا، كل الأفراح والأتراح بهذا المكان والولائم، وأتوا بمولِّد في حال انقطاع الكهرباء, يكفي البناء بأكمله.
أنا ما رأيت في الشام بناء منضبطاً, فيه خدمات عالية جداً كهذا البناء, بسبب تعاون الجيران، يتلقون العلم كل يوم الاثنين، ويصلون الجمعة في مسجد واحد، وعندهم كل يوم الاثنين دعوة، ولهم حديقة لأولادهم؛ شلال، وألعاب، ومراجيح، وقاعة استقبال فخمة لأفراحهم وأتراحهم، ومولد كهرباء، كأنهم يعيشون وحدهم، شيء جميل جداً.
لو أن كل بناية هكذا يفعلون, لاختلف الأمر، تجد خصومات من أجل الضوء الأوتوماتيكي، خصومات من أجل تنظيف الدرج، ودفع ثمنه، ما هذا المجتمع؟.
أحاديث تتعلق بحقوق الجار.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَارُ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: شَرُّهُ ))
يخاف من جاره، هذا إنسان شرّير، إذا كان الناس يتقونك –لا سمح الله– هذه صفة مدح أو ذم؟ أنا عندي ذم، وقد ورد في الحديث:
(( إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ, مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّه ))
تخاف من جارك، إذًا: هذا جار سيء جداً، لا بد أن تطمئن له، وفي رواية أخرى مخيفة.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))
إلى جهنم.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمْنَعْ جار جَارَهُ, أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ))
قصة حدثت معي.
أذكر لكم قصة، ولكنها متواضعة.
مرة كنت جالساً في بيتي، وكنت أسمع صوت طرق، ربع ساعة، نصف ساعة، ساعة، وبعد ذلك ما بقي شيء.
هذا جار لي يبيع الزهورات ، حبست الزهورات عنده، ففتح فتحة في السور، والذي يحدث يحدث، فجاء على وجيبة بيتي ، فتح فتحة، فقال لي:
أنا اختنقت الزهورات عندي، سامحنا.
فقلت له: ولكن عندي نشر غسيل وعيال.
قال لي: انظر لك حلاًّ.
قلت: تضع لي لوح حديد مربع, بعيداً عن الحائط عشرة سنتيمترات، يستر النظر، ولكن لا يمنع التهوية.
فقال: كما تريد، فصلّ ووضع الحديد.
أنا ما كنت أعرف الذي جرى، فصارت رائحة الزنبق طوال اليوم في البيت، وضع (الأسبيراتور) حتى يهوي مستودع الأزهار، أنا وافقت, لأنه جار، ومعه الحق، ولكن حتى لا أتأذى, قلت له:
ضع لي حاجزاً من حديد، فوضعه بعيداً عن الحائط عشرين سنتيمتراً، حيث إذا مد الواحد رأسه, كل الزوايا ميتة، وهكذا لا مانع عندي، وأنت حلت مشكلتك، ركب (الأسبيراتور)، وخزّن الزنبق والورود، عشت سنتين أو ثلاثا، ثم تركت البيت، رائحة الزنبق طوال الليل والنهار في البيت.
أحياناً: الإنسان ينفع جاره, فيكرمه الله إكراماً شديداً، وصار بيننا مودة، من هذه الموافقة، هو مضطر، وأنا مضطر ألاّ أُكشف، وجدنا حلاً وسطاً، هو تحققت مهمته، وأنا تلافيت الضرر، لا تكن ضد الجار، حاول أن تعينه، حاول أن تحل له مشكلته.
فالحديث:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ))
الأمير عبد القادر الجزائري, له جار فقير، اضطر أن يبيع بيته، دُفع له مبلغ قليل، فغضب، فقال:
واللهِ لا أبيع جوار الأمير بثلاثمئة ذهباً، فأوصل أحدهم هذا الكلام للأمير، فبعث إليه، وقال له: خذ ثلاثمئة ليرة ذهباً, وابق جاراً لي
أتمنى أن يكون كل واحد منا, أن يعيش في بيت أهل، تكون البناية أهلاً، فيها ود شديد وتعاون تهديهم.
كان أحدهم سليط اللسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَهَادَوْا, فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ, وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا, وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ ))
هكذا علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خاف الرجل من جاره, فهذه مشكلة، لأن أقرب إنسان لك جارك، تخاف منه، لك عيال، ولك بنات، يخرجون ويدخلون، فهناك مشكلة، فلا أعتقد أن من مصلحة أي إنسان, أن يعادي جيرانه، يكون أحمق.
هناك نقطة دقيقة، ورد في القرآن الكريم:
الخلاصة:
أيها الإخوة؛ أرى مناسبة حزينة، الجار إلى جوار جاره, يفتح له بيته، هناك أعمال طيبة جدا، جميلة جدا، ولكن أتمنى أن يوجِد كل واحد جيراناً من الطراز الأول، بالإحسان, واللطف, والتهنئة، والزيارة في العيد، وفي المناسبات.
كنت مسافراً, وجئت بالتفاح, خذ له كيساً صغيراً، قد يكون أغنى منك، ولكن الهدية لها معنى كبير، أنه استفقدني، رأيت ابنه فأعنه، قدم له حلوى، هناك بالعكس، يده للضرب إذا أخطأ، هذا مثل ابنك، هذه توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم.
(( عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ ))
(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا ))
(( عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ تعالى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ, وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ تعالى خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ ))
درسنا اليوم: العناية بالجيران، لك جار سفيه، فإذا كان هو سفيهاً, فلك أجر أكبر، إذا كنت كاملا معه, لم يعد سفيهاً، استوعبه.
مرة ذكر لي رجل كبير في السن، توفي رحمه الله، قال لي: الجيد لا يريدك، أنت يريدك الرديء، باللغة العامية، كلام عميق، أنت يحتاجك رجل رديء, سفيه, شرس، تحتويه، توجّهه، وتكرمه، وتقدم له هدية، تزوره، تجده قد تلملم وانضبط، أنت قصصت له لسانه بالإحسان إليه، هذا سلوك الإنسان مع جاره.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينقلب هذا الدرس إلى واقع عملي.
والحمد لله رب العالمين