وضع داكن
18-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 055 - حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها - الاستخارة والمشاورة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ في كتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله تعالى باب عنوانه: 

باب الاستخارة والمشاورة.

وقد صدر الإمام رحمه الله تعالى هذا الباب بعدة آيات كريمة متعلقة بهذا الموضوع. 

الآية الأولى:

فالآية الكريمة أمر موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، من هو النبي؟. 

سيد الخلق، حبيب الحق، ذو الخلق العظيم، الكامل، أعلم من في الأرض، أقرب المخلوقات إلى الله، أشدهم خشيةً له، أشدهم حباً له، ومع كل ذلك: 

أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يشاور أصحابه.

هل بعد هذا المقام من مقام؟ هل بعد هذه المرتبة من مرتبة؟ هل بعد هذا العلم من علم؟ هل بعد هذا التفوق من تفوق؟ هل بعد هذه العصمة من عصمة؟. 

ومع كل هذه الميزات, أمر الله النبي عليه الصلاة والسلام أمراً موجهاً إليه، وموجهاً إلينا بالتبعية، لأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

فأنت مكلف أن تشاور من حولك، والجماعة لا تقوى إلا بالمشاورة، ولا تضعف إلا برأي الفرد، بالمشاورة كل أفراد الجماعة تتفاعل، وتتعاضد، وتتكاتف، ويقوي بعضها بعضاً.

 

الشقي والموفق:


أيها الإخوة؛ في أي مجتمع لو فتح باب المشاورة, لرأيت الذين حولك, عندهم آراء دقيقة جداً، قد تغفل عنها أنت، عندهم حقائق، عندهم وجهات نظر، عندهم تصورات صحيحة ، الإنسان أحياناً يكون تحت ضغط معين، هذا الضغط كالغشاوة، يعيق رؤيته الصحيحة، أما حينما يكون بعيدًا عن الضغط, ما الذي يحصل؟ يستفيد من آراء الآخرين، فإن أردت النجاح في كل ميادين الحياة, فشاور من حولك.

من أنت أمام رسول الله؟ من أنت أمام سيد الخلق؟ من أنت أمام المعصوم؟ من أنت أمام الذي يوحى إليه؟. 

العظماء يشاورون دائماً، يستعينون بمن هم حولهم.

وأحياناً ولا أبالغ: طفل صغير صافي الذهن, قد يعطيك رأياً, لم يخطر على بالك، فالإنسان يسعد حينما يستعير عقول الرجال، من شاور الرجال استعار عقولهم.

أنت أحياناً تشتري كتابًا بمئتي ليرة، هذا الكتاب استغرق تأليفه عشر سنوات، حتى ألفه صاحبه, قرأ تقريباً أربعمئة كتاب، واستخلص من كل هذه الكتب هذا الكتاب، عصارة أفكاره, ومطالعاته، وتجاربه, وخبراته، وأذواقه، وملخص رؤيته، صبها في الكتاب، فهل تساوي هذه الأفكار هذا المبلغ؟ من استشار الرجال استعار عقولهم.

أنت يمكن أن تأخذ عقلا راجحًا، خبرات متراكمة، حكمة عميقة, بسؤال أديب، بسؤال واحد, تأخذ كل هذه الخبرات.

من هو الشقي؟. هو الذي ينفرد برأيه.

من هو الموفق والسعيد؟ هو الذي يستعين بآراء من حوله.

قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر فيما أذكر, اختار موقعاً لأصحابه، فجاء صحابي جليل اسمه الخباب بن المنذر، هذا الصحابي من شدة أدبه، ومن شدة غيرته.

سيدنا عمر رضي الله عنه يقول:

أريد عاملاً -يعني والياً- إن كان أميراً على إخوانه بدا وكأنه واحداً منهم، وإن لم يكن أميراً بدا وكأنه أمير

غيرةً على الحق.

فالخباب بن المنذر من شدة غيرته, وحبه لرسول الله, بحسب خبرته هذا الموقع غير جيد، ويخاطب من؟ يخاطب سيد الخلق، يخاطب المعصوم، يخاطب الذي يوحى إليه، قال:

يا رسول الله، أهذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الأمر والمكيدة؟ 

سؤال تمهيدي رائع، إذا كان وحياً فما كان لي أن أنطق بكلمة، ما كان لي أن أبدي ملحوظة.

قال له: وحي أم رأي؟ قال: بل رأي، قال: والله يا رسول الله ليس بموقع

ما هذا الأدب؟ ما هذه الغيرة؟ والنبي عليه الصلاة والسلام وهو قمة البشرية ما رأى في هذا انتقاصًا لقدره، رأى في هذا إخلاصاً له.

قال: أين ترى المجلس؟ فأشار له بموقع آخر، فقال: هذا هو الصواب، وأمر أصحابه أن ينتقلوا

النبي بهذه القصة ضرب مثلاً أعلى.

هناك فضيلة لا يذكرها أحد، وقلما تعالج في درس، وقلما تعالج في خطبة، وقلما درج في كتاب، هذه الفضيلة اسمها مركّب، اسمها فضيلة الرجوع إلى الحق، هذه فضيلة إذا أخذت موقفًا غير صحيح، اتخذت قراراً غير صحيح.

إنسان مخلص, محب، متواضع، حكيم، لطيف، وجهك توجيهًا، وقال لك: الصواب هكذا، فحينما تقول له: جزاك الله خيراً، أنا شاكر لك جداً، سوف أنفذ ما نصحتني به، الأول ناصح، والثاني فاضل، لأنه رجع إلى الحق، والرجوع إلى الحق فضيلة جداً.

فهذا هو الخباب بن المنذر في أعلى درجات الإخلاص، في أعلى درجات الغيرة على مصلحة المسلمين، في أعلى درجات الأدب، قال له:

هذا موقع أوحاه الله إليك، أم هو الرأي والمكيدة؟ قال: هو الرأي

يعني اجتهاداً.

 قال: يا رسول الله، والله ليس بموقع

والنبي عليه الصلاة والسلام سأله عن الموقع المناسب، وأمر أصحابه أن يتحولوا إليه، وهكذا علمنا النبي فضيلة من أعظم الفضائل: أن ترجع إلى الحق، لا أن تتمادى في الباطل، أن ترجع إلى الصواب، لا أن تركب رأسك، أن ترجع إلى الخير، لا أن تجانب الخير، لذلك ربنا قال عز وجل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) عود نفسك أن تسأل أهلك، أولادك، إخوانك، إلا أنه محظور عليك أن تشاور كافراً، محظور عليك أن تشاور من غفل عن الله. 

الآية الثانية:

قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾

[ سورة الكهف ]

إذا شاورت الضال دلك على الضلال، إن شاورت أهل الهوى دلوك على الهوى، إن شاورت أهل الدنيا دلوك على الدنيا، إن شاورت أهل الحق دلوك على الحق، إن شاورت أهل الحب دلوك على الحب لله عز وجل، إن شاورت أهل الإيمان نصحوك بالإيمان، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾

[ سورة لقمان ]

 

أنت بحاجة إلى مرجع مركزي.


أيها الإخوة؛ أنا أرى من علامات التوفيق: أن يكون لك مرجع، أنت بحاجة إلى مرجع ، لكن بحاجة إلى مرجع مركزي, يعطيك الدليل من الكتاب والسنة، لا إلى مرجع مزاجي، أحياناً الإنسان يتخذ والده مرجعًا، ووالده غير متعلم، غير مهتد، مرة يوافق، ومرة لا يوافق، بلا سبب، بلا دليل، هذا ليس بمرجع، أما المرجع الديني يقول لك: افعل ولا تفعل، وهذا شيء مباح أو مندوب، لا تفعل هذا شيء محرم، هذه الآية, وهذا الحديث.

أنا أشعر أن كل واحد منا, مهما علا مقامه, بحاجة إلى مرجعية، يا سيدي عرضوا علي كذا وكذا، فما رأيك؟ ما حكم الشرع في هذا؟ هل تنصحني في هذا الذي عرضوه علي؛ شراكة، مشروع عمل، سفر، وظيفة، زواج؟ ماذا أفعل؟ لا بد لك من مرجع، لأن الإنسان حينما يستشير, يستعير عقل المستشار.

أنا أنصح كل إخواننا؛ ليكن لك مرجع في كل حقل، إذا كنت تعمل في التجارة، وتعرف تاجرًا قديمًا، صالحًا، مؤمنًا, فاتخذه مستشاراً لك قبل أن تعقد صفقة، قبل أن تدخل في شراكة، قبل أن تشتري محلاً بسعر غال، ارجع إلى هذا المرجع، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)﴾

[ سورة الأنبياء  ]

﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)﴾

[ سورة الفرقان ]

في الأمور المتعلقة بالدين فقط, اسأل أهل الحق، في موضوع الصلاة، موضوع الاستقامة، موضوع الإقبال على الله، موضوع تزكية النفس، موضوع حفظ القرآن، موضوع فهم القرآن، (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)) .

وفي موضوع الدنيا قبل أن تقدم على مشروع، على تأسيس عمل، على شراء محل، على توقيع عقد، على سفر، على إقامة، (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)) يوجد عندك رجل خبير في الدنيا، وهو مؤمن، ورجل خبير في الآخرة، وهو مؤمن، إذا كانت القضية أخروية دينية, فاسأل رجل الدين الموثوق.

الإمام الشاطبي يقول: لا بد لك من رجل عالمٍ، ورعٍ، حاذقٍ، ضابط، ضبطه شديد، قدراته العقلية عالية، عدالته النفسية عالية، شيخ ورع، حذق، ولا بد لك من مرجع في أمور الدنيا قبل التورط، قبل إنفاق المال كله، كم من تاجر باع صفقة إلى مكان بعيد، وذهبت الصفقة، ولم يأته ثمنها، فأفلس؟ عشرات، مئات.

ترى الشخص محترمًا، هيئته محترمة، يوقع له شيك بلا رصيد، ويقول له: ضد الشحن، يرسل بضاعة إلى بلاد بعيدة، والبضاعة تستلم، ولا يدفع ثمنها.

وأنت انتقل من بلدك، تسافر، ولا تجده، يغيب، وينسحب، وأنت كل سفرة تكلفك ألوف مؤلفة، لو استشرت ما بعت الصفقة إلى الخارج. 

إخواننا الكرام, هذا الدرس حياتي، حيوي بشؤون التجارة، والصناعة، والزراعة، والسفر، والإقامة، والعمل، وتأسيس المشاريع، شؤون الزواج اسأل المؤمنين، إياك أن تستشير الكافر، إياك أن تستشير الغافل، إياك أن تستشير المنحرف، (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)) ، (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)) عندك مستشارون، مستشار في الدنيا، ومستشار في الآخرة، وإنك إن استشرت استعرت عقل هذا المستشار، بل كله، طبعاً بالأدب، والحكمة، واللطف، والاحترام، هذا عن أمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) .

 

ما هي صفات المؤمنين؟.


أيها الإخوة؛ ربنا عز وجل حينما وصف المؤمنين، فمن صفاتهم؟. 

1- قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

2- من صفاتهم: قال تعالى:

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)﴾

[ سورة التوبة ]

3- من صفاتهم: قال تعالى:

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

[ سورة آل عمران ]

4- ومن صفاتهم: قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

 الآية الثالثة:

أيها الإخوة؛ أنا أرجو الله سبحانه وتعالى ألا تتخذوا قراراً إلا بعد استشارة، الإنسان أحياناً يستشير زوجته، لأن الآية الكريمة:

﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)﴾

[ سورة الطلاق ]

ائتمروا من فعل مشاركة، يعني تأمرها وتأمرك، تنصحها وتنصحك، تشير عليها وتشير عليك، عنده أولاد ناضجين يستشيرهم، قد يأتيه رأي دقيق جداً، قد يأتيه رأي عميق، قد يأتيه رأي من زاوية لم تخطر في باله، زملاؤه في العمل، جيرانه، لكن يجب أن تكون الاستشارة محصورة في أهل الإيمان، المؤمنون نصحة، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنون نصحة متوادون, ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون, ولو اقتربت منازلهم)) يعني أحياناً: 

الشيء الصارخ في حياة المؤمنين التناصح، كل أخ يحرص على مصلحة أخيه، لا تفعل، لا تغادر، افتح باكراً، لا تبع ديناً، لا تسافر إلى هذا المكان، اعمل كذا، صل الصلاة على وقتها.

الكفار غششة، حياتهم كلها مقالب، كلها خداع، حينما يعيش الإنسان بينهم كأنه يمشي في حقل ألغام، الكافر ماكر، والكافر خداع، والكافر ذو وجهين، والكافر يظهر لك شيء، ويبطن لك شيء.

الشيء الصارخ في مجتمع المؤمنين التناصح، والشيء الصارخ في مجتمع المنافقين أو الشاردين هو الغش، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون, ولو اقتربت منازلهم.

حتى في البيع والشراء, أقرب الناس منه, إذا اشترى يغشه, لماذا؟ هذا يستحي أن يناقشني.

المنافق الغشاش إذا جاءه قريبه، صديقه الحميم, ماذا يوجد عنده من بضاعة كاسدة يبيعه إياها، رأس مالها عليه بليرتين فرضاً، مئتا ليرة، يحضر صديقه ويقول له: قل إنك بعتني إياها بخمسمئة من باب الطرفة, يقول: بعتك إياها بخمسمئة، يأتي زبون، ويقسم له بالله العظيم: أن إنسانًا باعه إياها بخمسمئة، وهو يصلي، هذا شيء مضحك جداً.

أيها الإخوة؛ أشعر أحياناً أن الذي يفعل هذا, لا يعرف الله إطلاقاً، عندما تتجاهل أن الله يعلم، وأن الله لا تخفى عليه خافية، وأن الله عليم بذات الصدور، وأن الله لن يعاقب، ولن يحاسب، ولن يؤدب, فأنت حينئذ لا تعرف الله.

تصور طالبًا, له أستاذ من أرقى الأساتذة، من الأساتذة الأعلام لم يدرس، وقال: إن الأستاذ بهدية بسيطة يعطيني السؤال، لماذا؟ ادرس، والأستاذ بينه وبين هذا السلوك ما بين الأرض والسماء، فهذا هو الظن السوء، قال تعالى:

﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)﴾

[ سورة آل عمران  ]

يظن أن الله لا يحاسب، ولا يعاقب، ولا يؤاخذ، ولا ينتصر لهذا المظلوم.

 

التكبر مع الأذى عقوبته قاسية.


ثمة قصة ذكرتها لكم: 

كان رجل يركب سيارة، ينطلق بها إلى المطار، أحب أن يري مَن إلى جانبه براعته في القيادة، وجد كلبًا صغيرًا على طرف الطريق، احتل من الطريق ثلاثين سنتيمترا، فأراد أن يظهر براعته في القيادة, فقطع يدي هذا الكلب.

قال لي: الذي يركب جنبه، سمعتها من فمه, فجأةً انحرف نحو اليمين، انتبهت, فإذا به يضحك ضحكة هستيرية، قال له: انظر قصصت يديه فقط، يقسم بالله العظيم، وأنا أصدقه, مضى على هذا الحادث سبعة أيام، في يوم السبت التالي, في المكان نفسه، إحدى عجلات مركبته, أصيبت بعطب فنزل، وهيأ العجلة الجديدة، وفك العجلة السابقة المعطوبة، وحاول أن يسحبها من مكانها, فوقعت السيارة فوق العجلة, والعجلة فوق يديه, حتى الرسغين، وإلى أن وصل إلى المستشفى, اسودت يداه, فقطعت من الرسغين.

قال لي: والله أسبوع بكامله، وفي المكان نفسه، هل يتمنى هذا الإنسان أن يفقد يديه؟ لا، لأنه لا يعرف الله، ظن أن هذا الكلب لا أحد يدافع عنه، إله عظيم، فهذا الكلب يشعر بالبرد، ويجلس على طرف الطريق، من أجل أن تبرز براعتك في القيادة, تقطع يديه، فكان الجزاء من جنس العمل، بعد أسبوع واحد, قطعت يداه من الرسغين كما فعل بالكلب.

أنا هذا الذي أراه: حينما أرى إنساناً يأكل مالاً حراماً، حينما أرى إنساناً يعتدي على أعراض الناس، حينما أرى إنسانًا يغتصب ما ليس له، حينما أرى إنساناً يستطيل على الناس ، أقول من أعماقي: هذا لا يعرف الله، ولو عرف الله لوقف عند حده.

 

هل المشورة ضرورية؟‏


الآية الأولى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159))

أنت اسأل نفسك؟. ومن أنا حتى لا أشاور؟. 

إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد أمر أن يشاور، فمن أنا حتى لا أشاور؟. 

وإذا كنت في مجتمع المؤمنين، فمجتمع المؤمنين أمرهم شورى بينهم، والجماعة ترقى بالشورى، وتهلك برأي الفرد.

لذلك هذه الأمة الإسلامية وصفت: بأنها خير أمة أخرجت للناس.

لماذا؟.

لعلة أنهم: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. 

علة الخيرية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحينما تتخلى هذه الأمة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, تفقد خيريتها، وتصبح كغيرها من الأمم، ليس لها أي ميزة على الإطلاق.

قال تعالى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[ سورة المائدة ]

ليس لنا أي ميزة، لا تقل: أمة محمد مرحومة، إذا كانت أمة محمد تعصي الله، إذا كان نساؤها كاسيات عاريات، هذه الشام أمامكم، والطرقات أمامكم، هؤلاء الفتيات اللواتي في الأسواق، بأبهى زينة, أليس لهم آباء؟ أليس لهم أمهات؟ أليس لهم أخوة؟ أين الغيرة؟ أين الشرف؟ لا يوجد شيء، كل ما عندها من مفاتن ظاهرة لكل مار.

مرة أنا قلت لأحدهم: فرق كبير بين سيارة عامة وسيارة خاصة، فالخاصة أنيقة جداً، معتنى بها، جديدة، مرتبة، لأنها لصاحبها فقط، أما العامة فلكل الناس، الذي ترتدي ثياباً فاضحة، وتمشي في الطريق, هذه عمومي, قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)) أمر الله النبي عليه الصلاة والسلام, أن يشاورهم بالأمر.


 الاستخارة : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأمُورِ كُلِّهَا...

 

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأمُورِ كُلِّهَا, كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ, يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأمْرِ, فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ, ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ, وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ, فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ ولا أَعْلَمُ, وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ, خَيْرٌ لِي فِي دِينِي, وَمَعَاشِي, وَعَاقِبَةِ أَمْرِي, أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي, ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ, وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ, شَرٌّ لِي فِي دِينِي, وَمَعَاشِي, وَعَاقِبَةِ أَمْرِي, أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ, وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ, ثُمَّ أَرْضِنِي, قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ]

نصف الدرس مشاورة، ونصف الدرس الثاني استخارة لأهل الخبرة من المؤمنين.

دقق: لأهل الخبرة من المؤمنين، لا يكفي خبير، خبير منافق يغشك، لا يكفي مؤمن جاهل، إيمانه على العين والرأس، ولكن لا يوجد عنده خبرة.

أحياناَ: يكون الرجل مؤمنًا، ولكن السؤال طبي، وليس سؤالاً دينيًا، اسأل الطبيب المؤمن.

جاءني سؤال من يومين امرأة, قالت: هل يجوز أن أسقط الحمل؟ لأن الحمل يؤذيها, قلت لها ببساطة: عليك بطبيب مسلم حاذق ورع، وافعلي ما يقوله لكِ.

فأنت بالاستشارة، يجب أن تستشير أولي الخبرة من المؤمنين, لا يكفي أن تستشير مؤمن غير خبير, لا يعرف، كما أنه لا يكفي أن تستشير خبير غير مؤمن يغشك، الخبير غير المؤمن لا ينصحك, والخبير غير المؤمن يغشك، المؤمن غير الخبير لا يفيدك، والخبير غير المؤمن لا ينصحك، عليك بأولي الخبرة من المؤمنين, هذه الاستشارة للخلق، أما الاستخارة للخالق، للحق.

أيها الإخوة, حديث الاستخارة يعني عميق إلى درجة مذهلة, يقول عليه الصلاة والسلام: ((إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأمْرِ)) أيّ أمر، والله سأقوم، وأصلي الظهر، لأستخير الله، أصلي أم لا أصلي؟. 

لا يوجد استخارة في العبادة، ولا بالفرائض، ولا في المحرمات، صيام، حج, لا يوجد استخارة.

الاستخارة في المباحات فقط، أسافر أم لا أسافر؟ السفر مباح, أتاجر أم لا أتاجر؟ التجارة مباحة، تتزوج هذه أم هذه؟ الزواج مباح.

في العبادات لا يوجد استخارة، شرع عظيم من عند خالق عظيم, ينفذ وكفى، أما أنا ساكن، وعندي دخل في الشهر ثمانية آلاف، وعندي خمسة أولاد، وجاءني عرض على دولة نفطية في الخليج, بثلاث آلاف درهم، لكن ممنوع أن آخذ زوجتي، احتار، زوجتك وأولادك من دون أن تشاهدهم سنة، من دون تربية، من دون توجيه ، محروم منها، ومحرومة منك، ثلاث آلاف ضرب اثني عشر, تسعة وأربعين، وسكن، خمسة عشر، والطعام عشرة، بقي لك عشرة آلاف, تضحي من أجل عشرة آلاف بأولادك، وتربية أولادك، وجامعك، ودينك، وآخرتك, لا، ليس لك مصلحة، هذه استشارة، أحب أن يضيف إلى الاستشارة استخارة ((إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأمْرِ, فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ, ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ...)) الله عز وجل هو العليم، يعلم خبايا الأمور، يعلم البواطن, يعلم النتائج، أنت لا تعلم ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِك)) الله يعلم، وعلى كل شيء قدير، أنت استعنت بعلم الله وقدرته.

قال لك رجل: أنا أشاركك، ناعم، لطيف، كل إنسان يستطيع أن يعمل شهر عسل مع إنسان ثان, حتى في الشراكة، تراه لطيفًا ورعًا، فوراً على الصلاة، يخاف من الله، وبعد أن يسجل المحل باسمه, يريك نجوم الظهر.

قال لي أحدهم: أسير مع شريكي، وجد خمس ليرات، أخذها، ووضعها في جيبه بعد جمعة, جاءت في الحسابات ليرتان ونصف لي، والشركة تخسر وتخسر، طلب دفتر الحسابات, حذف صفر من كل شيء، وواضع صفرًا له في كل الحسابات.

قال لي: لا نربح، أما الخمس ليرات فمناصفة، لا يجوز، وزع ورعاً منه، دائماً الإنسان يستطيع أن يمثل.

في الخطبة تريه أجمل ما عندها، ويريها أجمل ما عنده، لطف، أناقة، حياء, وتواضع ، بعد الدخول تسمعه صوتًا خشناً، أين نعومتها؟ أين الحياء؟ كل إنسان بإمكانه أن يمثل تمثيلًا متقنا، ويوجد تمثيل غير متقن.

قال لي أخ كريم: يفعلون تمثيلية بمعهد شرعي، بين سيدنا بلال وصفوان بن أمية، سيده الكافر الظالم، فيعذب سيدنا بلال، يقول بلال:

أحدٌ أحد، أما سيده الظالم، -وهو أخ يمثل دور صفوان-، فقال له: لن أرفع عنك العذاب حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.

هذا تمثيل غير متقن إطلاقاً، ليس من المعقول أن يصلي عليه، وهو يحاربه.

يستطيع الإنسان أن يمثل تمثيلاً دقيقاً في الشركة، في الصحبة، في الزواج، في السفر ، من يعلم الحقيقة؟ الله عز وجل.

الاستخارة: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ, وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ, فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ, وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ)) كلام دقيق جداً، يعني يا رب أنا لا أعلم، فعلّمني، أنا لا أعرف هذا الشخص، أنت الخبير به، قال تعالى:

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17)﴾

[ سورة الإسراء ]

أنت لك الظاهر, والله يتولى السرائر: ((اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي)) أهم شيء الدين، أنت مثلاً لك دخل محدود، وعندك أسرة وأولاد، وبصعوبة بالغة تمشّي أمرك، ولكن ثمة وظيفة بعشرة أمثال راتبك، لكن في بؤرة نجسة، نساء كاسيات عاريات، خمور، محاسب، لا تناسبك، عشرة أمثال، لكن يذهب دينك.

كان سيدنا عمر إذا أصابته مصيبة قال:

الحمد لله ثلاثًا، الحمد لله الذي لم تكن في ديني

إذا سليم دينك, فكل شيء يهون، إيمانك سليم، استقامتك صحيحة, كلّ شيء يهون، أحيانا يأتي دخل كبير، ولكن مع بؤرة سيئة، للتقريب: قد يكون المحل لتصليح سيارات بشارع كله سيارات، وأصوات، وروائح، وزيت، وشحم، وصريخ، ويوجد محل بأرقى شوارع دمشق، يبيع ألبسة نسائية، العين ترغب المحل الأنيق, والجيد، والزبائن الحسناوات، أما هناك فأسلم للدين بكثير، صحيح أن المناظر مؤذية، والروائح كريهة، لكن الإيمان سليم، أما هناك فالمرأة يبدو منها كل شيء، وحوار، وسؤال، وجواب، هذه المصلحة مزعجة.

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ, وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ, فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ, وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي, وَمَعَاشِي, وَعَاقِبَةِ أَمْرِي, أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي, ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ)) إذا كان يصلح لك لأمر دينك وأمر دنياك, في عاجل أمرك وآجله، ينفعك في دنياك وأخراك.

 

ما هو جواب الاستخارة؟.


الآن: جواب الاستخارة منام، لا.

تفتح المصحف لا على التعيين، لا. 

تحس بانشراح، لا. 

انقباض، لا. 

جواب الاستخارة بحسب نص الحديث التيسير أو التعسير.

تعسرت الله عز وجل أجابك، تيسرت أجابك بالتيسير، هذا هو الجواب.

أما الآن فيوجد موضة جديدة لم أفهمها، فلانة تستخير لنا، لا يستخر أحد لأحد، العباد عند الله سواء، والله وكّلنا الشيخ يستخير لنا، لا توكل لا الشيخ ولا غير الشيخ، كل إنسان يستخير لنفسه، ما ورد عن النبي أن أحداً كلفه أن يستخير له، ليس بينك وبين الله حجاب، كل العباد عند الله سواسية.

مرة ثانية, لا موضوع فتح مصحف، ولا منام، الله عز وجل يجيبك على استخارتك بالتيسير، جواب الاستخارة التيسير، ويجيبك عن استخارتك بالسلبية بالتعسير.

((وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي, وَمَعَاشِي, وَعَاقِبَةِ أَمْرِي)) إذا أنت دخلت إلى محل صديقك الحميم، وتريد أن تشتري قطعة بخبرتك، وعلمك، وشطارتك، طبعاً خبرتك لا شيء أمام صاحب المحل، وصاحب المحل رجل دين، وصالح، وصادق، وأمين، وخبير، قلت له: أنا أوكلك أن تختار لي قطعة مناسبة، ماذا فعلت؟ أنت استعرت كل خبرته، وكل إخلاصه لك، عندما المؤمن يستخير الله عز وجل, ماذا فعل؟ يا رب أنت قادر، وأنا لست قادرًا، أنت تعلم، وأنا لا أعلم، أنت علام الغيوب، وأنا لا أعلم الغيب، إذا كان في هذا الزواج خير لابنتي، في دينها ودنياها، وعاقبة أمرها, فيسره لها، وإذا لم يكن فيه خير, فاصرفها عنه، ((وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي, وَمَعَاشِي, وَعَاقِبَةِ أَمْرِي, أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ)) هنا إضافة جديدة، واصرفني عنه، أحياناً الإنسان يتعلق بشيء، ويتعسر, فلكي لا يبقى متعلقًا به قال: يا رب اصرفني عنه، واصرفه عني، لذلك: ((ما كان الله ليعذب قلبًا بشهوة, تركها صاحبها في سبيل الله)) .

((وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ, ثُمَّ أَرْضِنِي, قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ)) هذا الكلام يكتب بماء الذهب، كل كلمة علم، كل كلمة حقيقة، كل كلمة قانون، إذا صلى أحد منا في كل شؤون حياته ركعتين في المباحات طبعاً، ودعا في هاتين الركعتين بهذا الدعاء، وانتظر إذا يسر الله الأمر، معنى هذا: أن الله اختار له بعلمه، واختار له بحكمته، واختار له بقدرته، واختار له بفضله، وإذا تعسر الأمر لا يندم، وإذا رضيت بقضاء الله, يكافئك أن ينسيك إياه.

أحيانا: يخطب رجل فتاة على جانب عال من الجمال، ويتعلق بها، ووضعت عثرات تعجيزية أمامه، لم يوافق أهلها، معنى هذا: أنها ليس فيها خير، الله يكافئه كيف؟ على رضائه بقضاء الله وقدره, أن ينزعها من قلبه ((فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ, أما وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ, ثُمَّ أَرْضِنِي, قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ))

العبرة: لا أن تحوز المال. 

العبرة: أن ترضى بما قسم لك من المال. 

العبرة: لا أن تحوز أعلى زوجة.

العبرة: أن ترضى بهذه الزوجة.

العبرة: لا أن تحوز أعلى مرتبة بالمجتمع، أن ترضى بهذه المرتبة الذي أقامك الله بها.

((وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ)) يا رب إني مجمع على السفر، أو على الشراكة, في هذا العمل التجاري، أو على الزواج من فلانة، هذا دعاء الاستخارة، وهذه صلاة الاستخارة، والمؤمن بين الاستشارة والاستخارة، استشارة لأولي الخبرة من المؤمنين، والاستخارة لرب العالمين، فأنت جمعت إخلاص المؤمنين، ومحبة المؤمنين، وخبرات المؤمنين، ونصح المؤمنين، وجمعت بين علم الله عز وجل، وقدرته، وحكمته، وفضله، ثم توكلت على الله، وهذا سلوك المؤمن، وعندئذ لا يخيب ظنك، تأتي الأمور كما تريد، وكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير والمطلق. 

 

احذر أن تصنع مثل ما صنع هؤلاء.


أيها الإخوة؛ أناس كثيرون يتخذون قرارات ارتجالية غير مدروسة، أحدهم مدرس قدم طلب إعارة إلى بلد عربي، جاءته الموافقة، طرح، وجمع، ولم يستشر أحدًا، قال لنفسه: هل من المعقول أن أدع بيتي مجمدًا خمس سنوات، أبيعه, وأضع ثمنه في استثمار، وأعود، وآخذ الربح؟ فباع البيت بمئة ألف، ووضعها بالاستثمار بالمئة عشرة في السنة، فصار ثمن البيت ثلاثة ملايين بعدما عاد.

يوجد رجل يعمل في التدريس، وله دعوة، وله لسان طليق، وله تأثير في الطلاب، ولكن مدرس ثانوي، فنال الدكتوراه، يريد أن يكون أستاذًا جامعيًا، زهد في التدريس والطلاب والدعوة، وبحث عن مكان ليكون أستاذًا في الجامعة، وهي قصة غريبة جداً، وكان معه مبلغ من المال, يساوي خمسة وثلاثين ألفًا، وجد بيت في الميسات ثلاث غرف وصالون ، هكذا كان سعره، والقصة قديمة جداً، وقال: أعود وأشتري بيتًا، عين أستاذًا في جامعة ببلد عربي، وسافر، ودرس، وعمل، ودروس خاصة، وتأليف، مات خمسين موتة، بعد سنة ونصف أو سنتين, جمع حوالي ثلاثمئة ألف.

أخوه أحد أصدقائي قال له: ابحث لي عن بيت، البيت نفسه لم يبع, صار ثمنه ثلاثمئة ألف، جهد سنتين وثلاث على الأرض، وبعد ذلك جمع مالا كبيرًا، وضعه في شركة استثمارية في الخليج, فأفلس، عشر سنوات تدريس وتعب، لا اشترى بيتًا، ولا تزوج.

إذا اختار إنسان شيئًا خلاف مشيئة الله عز وجل, يدفع الثمن باهظاً، استخر الله عز وجل، إنسان أقامه الله بدعوة، أقامه بنشر الحق، هذا منصب رفيع جداً، يجب أن تخضع كل شيء لهذا المنصب، وليس أي مكسب طارئ تلغي الدعوة وتذهب، هذه عند الله كبيرة جداً، الله قادر أن يشغلك ليلا نهارًا عشر سنوات عمل بلا مقابل، كل شيء حصله, ذهب فرق أسعار، وإفلاس شركة.

وإنسان قال لله عز وجل: بارك لي به، إذا بارك الله لك بشيء، بمال قليل تصنع منه الشيء الكثير، البركة سر، لا أحد يعرف القوانين.

ترى شخصًا دخله محدود، يعيش، ويأكل، ويلبس، ولا ينقصه شيء، ورجل يدخل عليه نهر من الخيرات، ودائماً يشكو الفقر، لا يوجد بركة، إذا استقام الإنسان، وأكل المال الحلال, في هذا المال بركة، الله عز وجل يعينك على إنفاق هذا المال بشكل حكيم جداً، وإذا كان الدخل غير حلال, فكما جاء المال يعود، المال الذي يأتيني سهلاً يذهب سهلاً، ومن أخذ البلاد بغير حرب, يهون عليه تسليم البلاد.

 

الخلاصة:

هذا الدرس مفاده: أن يكون لك علاقة بالله.

مرة قال لي أخ كلمة أعجبتني: فتحت خطًّا ساخنًا مع الله، سؤال وجواب، واستخارة، واعتذار, وترج، وابتهال، صار في صلة بالله عز وجل، أنت ترى المجتمع متوحشًا، كل من حولك كالذئاب, فلذ باللهِ, صدق القائل:

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجابنا       فإنـا منحنا بالرضا من أحبنــا

ولذ بحمانـا و احتــــــم بجنابنا       لنحميك مـما فيه أشرار خلقنـا

وعن ذكـرنا لا يشغلنك شاغل       وأخلص لنا تلق المسرة وإلهنا

يوجد خط مفتوح مع الله، الله عز وجل ليس بينك وبينه حجاب، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة ]

اسأله وترجاه، المؤمن يذلل أمام الله، وعزيز أمام أهل الدنيا، أهل الدنيا بالعكس أمام الأقوياء أذلة، ويستنكف أن يعبد الله.

أحد الإخوة الأطباء توفي، ويوجد علاقة ود بيني وبينه، فذهبت لتشييع جنازته، ولي صديق, وصل إلى أعلى درجة علمية وإدارية، إلى عميد كلية، يحمل دكتوراه، أيضاً هو صديق المتوفى، شيعنا الجنازة إلى مكان الصلاة، دخلت حتى أصلي, لم يدخل، ولم يصل, وقف، صلاة الظهر، ثم صلاة الجنازة, استنكف أن يعبد الله، هو أكبر من الصلاة.

فأهل الدنيا يذلهم الله أمام القوي, يصبح مثل الطفل، لأنه استنكف أن يعبد الله، المؤمن عزيز النفس، يلبسه الله مهابة، ويرفع قدره، ويعلي مقامه، لكن مع الله عز وجل في منتهى الذل والتواضع، في منتهى الافتقار إلى الله، ودرس بدر وحنين أهم درس، ببدر قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾

[ سورة آل عمران ]

بحنين خذلهم الله، قال تعالى:

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

[ سورة التوبة ]

وفيهم رسول الله، تقول: ما يتخلى عنك، تقول: الله يتولاك، أنت بين التولي والتخلي, وفي اليوم عندك ألف امتحان، بالافتقار إلى الله يتولاك، بالاعتزاز بنفسك يتخلى عنك، تقول : أنا عندي شهادات عليا، خبرات، أنا تعبت حتى وصلت إلى هذه الدرجة، هذا كله كلام فارغ، مع الله لا يوجد ذكي.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور