وضع داكن
26-04-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 14 - لكل نبي ومستخلف بالأرض بطانتان خير وشر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الإنسان اجتماعي بطبعه و عليه أن يختار البيئة الصالحة ليعيش فيها :

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، ولا استَخْلَفَ مِن خَليفةٍ، إلا كانَتْ لَهُ بِطَانَتانِ؛ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمعْرُوفِ، وَتَحُضُّهُ عليه، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ، وَتَحُضُّهُ عليه، والمَعْصُوم مَنْ عَصمَ اللهُ))

[أخرجه البخاري والنسائي عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة]

 هذه حقيقة تؤكد أن الإنسان اجتماعي, وأن الإنسان يعيش في بيئة, وأنه إذا اختار بيئة صالحة, هذه البيئة الصالحة تأمره بالخير, وتحضه عليه, وإذا عاش في بيئة سيئة تأمره بالشر, وتحضه عليه.
 فجزء لا يستهان به في اتجاه الإنسان يأتيه عن طريق التغذية اليومية, هذه التغذية لها أثرها الكبير؛ فكم ترى من إنسان هو طيب في الأصل, ولكن التغذية السيئة التي يتغذاها كل يوم حملته على الشر, وكذلك الإنسان الآخر التغذية الطيبة التي يتغذاها حملته على الخير.
 فهناك خطورة بالغة من إنسان يعيش في مجتمع, ويلقي إليه أذنه؛ لأن هذا الإنسان ليس دائماً إنساناً يقظاً, أحياناً تأتيه الكلمة السيئة؛ فتصيب منه موقعاً, تأتيه الكلمة السيئة فيطرب لها, تأتيه الكلمة السيئة فيتبناها, مهما كان الإنسان يقظاً, هذا الصديق الودود؛ المعاشرة اليومية, العلاقة الحميمة, تؤثر فيه, فالمفروض الإنسان كما يختار بيته الجيد, المشرق, ذا الإطلالة, ذا الموقع المناسب, المساحة المناسبة, عليه أن يختار أصدقاءه, وينبغي أن يكونوا من المؤمنين؛ هناك كلمة لبعض الأساتذة: "الإنسان ابن بيئته, وابن وراثته, وابن أمه وأبيه, وابن محيطه".
 فلذلك الله عز وجل هذه القضية ذكرها بالتفصيل, قال:

 

﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْء﴾

[سورة آل عمران الآية:28]

 أي:

 

﴿لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾

 

[سورة التوبة الآية:23]

 فموضوع الولاء والبراء موضوع خطير جداً.

 

من علامات إيمان الإنسان أن يوالي المؤمنين و يعادي الكافرين :

 من ركائز إيمانك, ومن علامات إيمانك أن توالي المؤمنين, وأن تعادي الكافرين, الملاحظ أن الإنسان حينما يضعف إيمانه يبني ولاءه و براءه على مصالحه؛ فقد يوالي قوياً, وقد يوالي غنياً لا يصلي بل يشرب؛ لأنه يتوهم أن مصالحه مع هذا الإنسان, وقد يشمئز من مؤمن طاهر طيب؛ لأنه فقير يقاطعه.
 حينما تبني علاقاتك, وولاءك, وبراءك على مصالحك, فليس في قلبك من الإيمان شيء, فمن أولى بديهيات الإيمان أن توالي المؤمنين, وأن تعادي الكفار, والمنافقين؛ هذه أولى بديهيات الولاء, وأولى بديهيات البراء، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، ولا استَخْلَفَ مِن خَليفةٍ، إلا كانَتْ لَهُ بِطَانَتانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمعْرُوفِ، وَتَحُضُّهُ عليه، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ، وَتَحُضُّهُ عليه))

[أخرجه البخاري والنسائي عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة]

 لذلك الله عز وجل قال:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

 

[سورة الكهف الآية:28]

 لو حللت الشر لوجدت أن الشرير يتغذى تغذية شريرة, وأخطر شيء في حياتنا التغذية, الذي تجلس معه, ماذا قال لك؟ بماذا نصحك؟ بماذا وجهك؟ ما الذي يقوله لك كل يوم؟ ما الذي يزينه في نظرك؟ ما الذي يصغره في نظرك؟ فالإنسان ليس دائماً يقظ, أحياناً له خط دفاع؛ فيكون هناك أسلوب ذكي جداً, هذا الأسلوب يتسرب عبر خطوط دفاعه.

 

القصة من أخطر الاقتحامات لخطوط دفاع الإنسان :

 بالمناسبة: من أخطر الاقتحامات لخطوط دفاع الإنسان القصة؛ لأنها تعبير غير مباشر, لو أن إنساناً قال لمسلم: ليتك تزني, مستحيل أن يقبل؛ لأنه يوجد عنده خطوط دفاع, أما أحيانا يقرأ قصة مغزاها: أن الزنا مغنم كبير, أو يشاهد مسرحية مغزاها هكذا, فهذا اسمه تسلل, أو اقتحام خطوط الدفاع, مثلاً: لو إنسان يقود سيارته بطيش, وألقينا على مسامعه النصائح, حول الاعتدال بالقيادة؛ لا يلقي لها بالاً, أما لو شاهد قصة, كيف أن هذا السائق الأرعن فقد أطرافه السفلية, وصار في المستشفى، القصة ذات أثر أبلغ بكثير, من هنا قال الله عز وجل:

 

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾

 

[سورة يوسف الآية:111]

 فالأب الصالح يبحث عن أصدقاء أولاده؛ لأنهم يغذونه, أحياناً تلاحظ أن ابنك جاء بأفكار جديدة لم تكن من قبل, معنى هذا أنه يرافق شخصاً, وهذه الأفكار انعكاس لأفكار صاحبه, لا ينكر أبداً أثر الصديق, وأثر العلاقة الحميمة في التغذية اليومية, لهذا قال الله عز وجل:

 

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾

 

[سورة لقمان الآية:15]

 هذا الأمر, النهي:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

 

[سورة الكهف الآية:28]

 أحياناً يكون شخص مع زوجته, من أحسن ما يكون؛ تذهب إلى بيت أهلها, وتعود إنسانة أخرى متبرمة, منتقدة, غير قابلة لحياتها، لأنه حصل لها تغذية هناك.

 

الإنسان المؤمن قراره إسلامي نابع من الكتاب والسنة :

 إذاً لك بطانتان: الأنبياء, والخلفاء, والخبراء, والعظماء, والقادة, لهم بطانتان؛ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُم بِالمعْرُوفِ، وَتَحُضُّهُم عليه، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُم بِالشَّرِّ، وَتَحُضُّهُم عليه، والمَعْصُومُ مَنْ عَصمَ اللهُ, والإنسان الحر هو الذي لا يتأثر قراره بأية تغذية, والإنسان المؤمن قراره إسلامي, أي قراره نابع من الكتاب, والسنة، مثلاً هناك إنسان عليه زكاة مال, مبلغ بحوالي أحد عشر ألفاً وخمسمئة وثلاثين ليرة، له زوجة متعبة كثيراً, حضته على عدم دفع الزكاة بإلحاح, لأنها تريد ترتيب بيتها، فاستجاب لها، يقول هذا الأخ: عندي سيارة أصابها حادث؛ عندما قمت بإصلاحها أغرب شيء أن يكون مجموع الفاتورة الكاملة بمقدار الزكاة التي لم يدفعها بالتمام, والكمال, الله تعالى أدبه.
 فلذلك: المؤمن يصدر في قراره من الكتاب والسنة، ولا يعبأ بأية تغذية, يقال لك: البيئة لها أثر؛ لها أثر على ضعاف الشخصية.
 دائماً العباقرة, والمتفوقون يقودون البيئة, يغيرون معالم البيئة, لا يتأثرون بها, يؤثرون بها, أما عامة الناس؛ تسعون بالمئة من الناس يتأثرون بالبيئة, أكثر مشكلة في المجتمع العدوى, الجهة فسدت الكل يفسد معها, أوضح مثل موضوع الأزياء، شخص يهودي, جالس في فرنسا, يصمم موديل, يفرضه على المسلمات, العفيفات, الطاهرات, هكذا الموضة, ماذا نفعل؟ هذا الشرك أساساً, وهذا الكفر, وهذه التبعية:

(( حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ))

[أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ]

التغذية السلبية أخطر شيء على الإنسان :

 الإنسان عندما يكون حراً تكون له شخصية قوية؛ حر من أي بيئة سيئة, من أي تغذية سلبية, حر من أي توجيه:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

 

[سورة الكهف الآية:28]

 هناك رواية أخرى لهذا الحديث:

((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، ولا استَخْلَفَ مِن خَليفةٍ، إلا ولَهُ بِطَانَتان: بِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمعروف، وتَنْهَاهُ عن المُنكرِ، وبِطَانَةٌ لا تَألُوهُ خَبَالا, فَمَن وُقِيَ شَرَّهَا فقد وُقيَِ))

[أخرجه البخاري والنسائي عن أبي سعيد الخدري عن أبي هريرة]

 أي عندك خطر اسمه التغذية السلبية, كلمة, أحياناً الإنسان الكلام إذا استمر؛ يعتقد أنه صواب, وهو لا يشعر, يعتقد صوابه, والباطل باطل لو ردَّدته مليون مرة, أحياناً في موضوع الإرث إنسان مثلاً عنده فتاة متزوجة, و هو ليس على علاقة طيبة مع زوجها؛ يقولون له: لا تكتب لها شيئاً, اكتب لأولادك, هؤلاء من صلبك, هؤلاء لك, هؤلاء أهلك, هذا كل يوم, كل يوم, كل يوم فيستجيب ويحرم بناته فيلقى الله عاصياً, قال: تجب له النار, يعبد الله ستين عاماً, ثم يظلم في الوصية, فتجب له النار, من هنا قال عز وجل:

 

﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾

 

[سورة التغابن الآية:14]

 لم يقل: عداوة حال, عداوة مآل؛ هو يحب زوجته, غذته تغذية معينة فاستجاب لها, يوم القيامة استحق النار, من السبب؟ زوجته فيكرهها, فالإنسان عليه أن ينتبه, القرار كيف اتخذته وفق حكم شرعي أم وفق تغذية مستمرة؟ هذا أخطر شيء في حياة الإنسان.
 لذلك:

(( وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))

[ أحمد والترمذي عن عمر]

(( وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ))

[ الترمذي عن ابن عمر]

(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ ))

[ أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ]

 عظمة الجماعة تأتي من هنا، أنت بين المؤمنين تتلقى عنهم توجيهات صحيحة, تغذية صحيحة

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور