وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 60 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 204 - 206 ، كيفية قراءة القرآن الكريم بقراءة التدبر ، وقراءة التعبد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه :


أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الستين وهو الدرس الأخير من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الرابعة بعد المئتين، وهي قوله تعالى : 

﴿  وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(204)﴾

[ سورة الأعراف ]

أولاً فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، هذا كتاب ليس كأي كتاب، إنه كتاب خالق السماوات والأرض، هذا كتاب ليس فيه أي زيغ، ولا فيه أي شك، يقين قطعي، هذا كتاب يجب أن نتلقاه بخصوصيات كثيرة، من هذه الخصوصيات: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ الفرق بين سمع واستمع كبير جداً، أنت حينما تجلس وتأتي بمسجلة وتضع شريطاً وجلست لتستمع هذا شيء، إن كنت تمشي في الطريق ووصل إلى أذنك صوت ما من مذياع، أو من شخص، هذا سماع، فالسماع غير مقصود، أما الاستماع مقصود بذاته.

وهذا من رحمة الله بنا، من استمع، أما الإنسان يمشي في الطريق الأذن مفتوحة، وقد يأتي صوت لا يرغب أن يستمع إليه، لكنه يسمعه، لعظمة هذا الكتاب، قال تعالى:

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ أي اجعل سماع القرآن الكريم مقصوداً، اجلس كي تستمع القرآن الكريم، اجلس كي تتأمل في آيات القرآن الكريم، كي تتفكر في آيات القرآن الكريم.


القرآن الكريم يقدم للإنسان إضاءة لسرّ وجوده وغاية وجوده و لما بعد الموت:


﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ لماذا؟ لأن الله -عز وجل- قبل آية واحدة قال :

﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي ۚ هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)﴾

[  سورة الأعراف  ]

هذا الكتاب يُريك الحق حقاً والباطل باطلاً . 

﴿  قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً(104)﴾

[  سورة الكهف  ]

هذا القرآن يقدم لك إضاءة لسرّ وجودك، لغاية وجودك، لما بعد الموت، لماذا خُلقت؟ ماذا ينبغي أن تفعل؟ ما سبب سلامتك وسعادتك؟ 

﴿بَصَائِرُ﴾ يقدم لك تفسيراً عميقاً دقيقاً متناسقاً عن الكون، والحياة، والإنسان، يقدم لك حقيقة الخير والشر، حقيقة الجمال والقبح، حقيقة العلم والجهل.

لذلك: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ من الذي يربيكم، من الذي خلقكم، من الذي أمدكم، من الذي يعتني بكم، من الذي ينقلكم من حال إلى حال. 

﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى﴾ تهتدي به إلى سبل سلامتك . 

﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)﴾

[  سورة المائدة ]

سلام مع نفسك، سلام مع أهلك، سلام مع مجتمعك، سلام مع من هو فوقك، ومع من هو دونك، سلام من أجل صحتك، من أجل أسرتك، من أجل سعادتك، من أجل سلامتك.


الاستماع إلى القرآن الكريم طريق سلامة الإنسان و سعادته :


﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ الرحمة مطلق عطاء الله، الرحمة سكينة، الرحمة تجلٍّ، الرحمة سعادة، الرحمة أمن، الرحمة طمأنينة، الرحمة رضا، الرحمة تفاؤل، فهذا القرآن فيه هدى، فيه رحمة، فيه بصائر، لذلك ليس القرآن كتاباً كأي كتاب. 

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ استمع، قد يُقرَأ القرآن وهناك أصوات أخرى، يوجد حديث آخر، مثلاً :

القرآن ينطلق من إذاعة، والمذياع في غرفة الجلوس مثلاً وهناك حديث، لا، استمع وأنصت مَن حولك ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ قد تستمع وهناك أصوات كثيرة تأتي إليك، الأَولى والأكمل أن تستمع إلى القرآن، وألا يدخل إلى الأذن شيء آخر معه، وإن كان هذا مستحيلاً، لكن هذا هو الأدب الكامل مع القرآن الكريم . 

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لعلكم تسعدون، لعلكم ترون من خلال آياته الحق حقاً، والباطل باطلاً، لعلكم ترون من خلال آياته طريق سلامتكم وطريق سعادتكم، لعلكم إذا قرأتم آيات القرآن الكريم كان منهجاً لكم، كان سبيلاً إلى سلامتكم ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .


علامة صحة سماعك للقرآن الكريم المبادرة إلى تطبيقه :


إخواننا الكرام، معنى الاستماع: يعني هناك شيء دقيق، الله -عز وجل- يريدنا أن نفهم الاستماع على أنه تطبيق، كيف؟ قال: 

﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾

[ سورة التحريم ]

يعني إصغاء القلوب كان صحيحاً، لا تعد مستمعاً، ولا تعد منصتاً، ولا تعد متلقياً، إلا إذا انقلبت هذه الآيات من أصوات تستمع إليها إلى سلوك يومي.

أيها الإخوة، الدقة البالغة أن الإنصات يعني التطبيق، نأتي بمثل بسيط: إنسان واقف بشكل طبيعي، أمامه صديقه، فقال له صديقه: على كتفك عقرب-الآن دقق- لو أن هذا الذي على كتفه عقرب، بقي هادئاً، مرتاحاً، فلما سمع هذه الكلمة قال له: شكراً على هذه الملاحظة، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافئك عليها، هل تعتقدون أنه فهم ماذا قال له؟ لو أنه فهم ماذا قال له لقفز، وخلع معطفه، وصاح، العقرب لدغتها قاتلة أحياناً، فلذلك لأنه بقي هادئاً وما تحرك، ولا خلع معطفه، ولا اضطرب، معنى ذلك لم يستمع.


علامة استماعك الحقيقي الانفعال وعلامة الانفعال الحقيقي الحركة :


علامة استماعك الحقيقي الانفعال، وعلامة الانفعال الحقيقي الحركة.

لذلك بعض العلماء جاؤوا بقانون، هذا القانون أساسه أن هناك إدارك، وهناك انفعال، وهناك سلوك، لا يصح إدراكك إلا إذا نتج عنه انفعال، إذا كان هناك خبر خطير ما تحركت، قال لك عقرب ما اضطربت، قال لك أفعى ما مشيت، ولا تأثرت، علامة صحة الإدراك الانفعال، وعلامة صحة الانفعال السلوك، تتحرك، إما لقتل الأفعى أو للهروب منها، أما كلام خطير متعلق بمصيرك، متعلق بسلامتك، متعلق بسعادتك لا تتأثر! هنا المشكلة، فلذلك: 

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(21)﴾

[  سورة الأنفال  ]

كأن السماع عند الله -عز وجل- في القرآن الكريم يعني التطبيق، علامة صحة سماعك المبادرة إلى التطبيق ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ كان إصغاؤها صحيحاً صغت من الإصغاء ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾

أنت في هذا الدرس وأنا معكم إن لم تنقلب هذه الآيات إلى سلوك فكأننا ما سمعناها، عند الله السماع يعني التطبيق، والآيات واضحة ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ وهم عند الله لم يسمعوا ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ فإذا قال الله -عز وجل-: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ أي اصغوا إلى آياته، وترجموها إلى سلوك، قال لك: غض بصرك، غض بصرك . 

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)﴾

[  سورة هود  ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ(12)﴾

[  سورة الحجرات  ]

لا تغتب أخاك، هذا المعنى الدقيق لكلمة: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ أي طبقوا ما فيه.


الأدب مع سماع القرآن الكريم :


أيها الإخوة ﴿وَأَنْصِتُوا﴾ لا تسمح بتداخلات، وأصوات كثيرة، وتعليقات، وأنت تستمع إلى كتاب الله، هذا كتابنا، هذا منهجنا، هذا دستورنا، هذا كلام خالقنا، ومرة ثانية فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه. 

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ يعني حديث ورفع صوت في غرفة الجلوس، وأنت تستمع إلى القرآن الكريم، لا، أنصتهم، تعلم الأدب في سماع القرآن، نجلس لنستمع إلى القرآن الكريم. 

﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ هل تستهين بكلمة ﴿تُرْحَمُونَ﴾ ؟ ترحمون أي أنت سعيد، أي أنت حكيم، أي أنت آمن، أي أنت موفق، أي أنت مستجاب الدعوة، أي أنت متصل بالله، هذا معنى ﴿تُرْحَمُونَ﴾ أنت راضٍ عن ربك، راضٍ عن وضعك في الدنيا.

الآن هناك من يستمع ولا ينصت، يسمع قرآناً لكن لا يوجد إنصات، لا يوجد متابعة، لا يوجد تدقيق، لا يوجد تأمل، لا يوجد تدبر، يستمع ولا ينصت، هناك من يستمع وينصت ولا يتعبد، هذا القرآن تعبَّدَنا الله بقراءته، كتاب ليس كأي كتاب، إذا قرأناه نتعبد الله بقراءته.


على الإنسان أن يقرأ القرآن بنيّة عبادة الله عز وجل بقراءته :


أيها الإخوة : 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾

[  سورة الأنعام ]

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)﴾

[  سورة الكهف  ]

كأن الكون كله بكفة، وكلام الله -جلّ جلاله- في كفة أخرى، الله -عز وجل- خلق الدنيا ونورها بالقرآن، يُشق الطريق، بعد أن يُشق الطريق، توضع شاخصات، هنا منعطف خطر، هنا جسر، هنا طريق صاعدة، هنا طريق زلِقة، انتبه يوجد شاخصات، فالله -عز وجل- خالق الأكوان ونوّرها بالقرآن الكريم. 

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ يجب أن تقرأ القرآن وأنت بنية أن تعبد الله بقراءته .


على الإنسان أن يقرأ القرآن قراءة تدبر :


لذلك ليست العبرة أن تقول قرأت جزءاً، اقرأ جزءاً كتلاوة، اجعل لك قراءتين، قراءة تدبر، وقراءة تعبد، التعبد أن تقرأ القرآن كل يوم جزء، جزأين، وهناك كلمة عند حُفاظ كتاب الله من لم يقرأ خمساً ينس، يعني ينسى، حُفاظ كتاب الله يقرؤون كل يوم خمسة أجزاء، هذه قراءة تعبد، أما أنت بحاجة إلى قراءة تدبر، ولو قرأت في اليومين آية واحدة، أن تقف عند معانيها، عند مدلولاتها، عند التطبيق العملي لها، ماذا ينبغي أن تعمل؟

يعني مثلاً قرأت آية فيها أمر هل ائتمرت بما أمر الله؟ قرأت آية فيها نهي هل انتهيت عما نهى عنه الله، قرأت آية فيها وصف لأهل الجنة، هل تسعى إلى الجنة؟ قرأت آية فيها وصف لأهل النار، هل تفر من النار ولو بشق تمرة؟ قرأت آية فيها وصف لأمة سلفت عصت ربها فأهلكها الله، هل اتعظت بها؟ قرأت آية فيها من آيات الكون هل تفكرت بها؟ التدبر أن تأخذ موقفاً من الآية، الأمر أن تأتمر، النهي أن تنتهي، وصف الجنة أن تسعى إلى الجنة، وصف للنار أن تفر منها.


على الإنسان أن يستمع وينصت ويتعبد الله أثناء تلاوة القرآن الكريم :


إذاً هناك من يستمع، وهناك من يضيف إلى الاستماع، هناك من يسمع، لو هناك قرآن يصدح من محل تجاري مثلاً، أنت سمعت الآيات، هناك من يسمع، وهناك من يستمع، هناك من يستمع وينصت، هناك من يستمع وينصت ويتعبد الله بهذه التلاوة .

مثلاً: سيدنا جعفر يقول كلاماً رائعاً، قال: عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قوله تعالى: 

﴿  الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)﴾

[  سورة آل عمران  ]

ماذا قال الله بعد هذه الآية ؟ 

﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)﴾

[  سورة آل عمران  ]

لذلك سيدنا جعفر يقول: عجبت لمن يخاف ولم يفزع إلى قوله تعالى: 

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾


الاستعانة بالله عز وجل أساس نجاة الإنسان من المصائب : 


ثم يقول سيدنا جعفر: وعجبت لمن اغتم ولم يفزع إلى قوله تعالى : 

﴿  وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87)﴾

[  سورة الأنبياء  ]

وهو في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، في ظلمات ثلاث والأمل بالنجاة معدوم ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ماذا قال الله بعدها؟ 

﴿  فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾

[  سورة الأنبياء  ]

فعجبت لمن يخاف ولم يفزع لقوله تعالى، وقرأ هذه الآية، وعجبت لمن مُكر به ولم يفزع إلى قوله تعالى : 

﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)﴾

[  سورة غافر ]


المؤمن المستقيم الطائع يفوض أمره إلى الله عز وجل عند مكر الآخرين به :


إذا أنت مؤمن، مستقيم، طائع، محب، مقبل، ولك عدو خطير، وأقوى منك فمكر بك، ليس لك حل إلا أن تقول: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ فجاء الجواب : 

﴿  فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ(45)﴾

[  سورة غافر  ]

إذاً: حينما يجتمع الناس ضدك 

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ وعجبت لمن اغتم ولم يفزع إلى قوله تعالى : 

﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ وعجبت لمن مُكر به ولم يفزع إلى قوله تعالى : 

﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ .


القرآن شفاء للنفوس :


أيها الإخوة، إذاً هذا القرآن فيه شفاء، القرآن شفاء للنفوس، والقرآن فيه طرق السلامة والسعادة ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)﴾

[ سورة طه ]

عقله ﴿وَلَا يَشْقَى﴾ نفسه . 

﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾

[  سورة البقرة  ]

من تبع هداي لا يخاف مما سيأتي، ولا يندم على ما سبق، فمن يتبع هدى الله -عز وجل- لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت.

أيها الإخوة، الآن عجبت لمن طلب الدنيا، كما قال سيدنا جعفر، ولم يفزع إلى قوله تعالى: 

﴿  وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً(39)  فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)﴾

[   سورة الكهف  ]

أربع آيات إما أنك تخاف، أو يُمكر بك، أو تطلب الدنيا من وجهها الصحيح، فكل آية جاءت بعدها آية ﴿فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ﴾ .


الإنصات أساسي أثناء سماع القرآن الكريم :


الآن ومعنى: 

﴿أَنْصِتُوا﴾ معنى واسع جداً، أنصت حينما تتلو القرآن، لا تستمع إلى غيره، هذا المعنى الأول. 

أنصت حينما تقرأ القرآن في الصلاة، وأنصت حينما تقرأ القرآن في المسجد، وأنصت إذا استمعت إلى خطيب المسجد، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: 

((  إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة : أنصِتْ - والإمام يخطُب - فقد لَغوْت ))  

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة  ]

لذلك الآخرون يعجبون من المسلمين، تجد بالجامع عشرة آلاف، فإذا صعد الخطيب المنبر لا تستمع إلى كلمة، من هذا التوجيه الإلهي، شيء رائع جداً في حياة المسلمين خطبة الجمعة، عبادة دعوية، والكل ينصت، وقد يكون المتكلم أقل علماً ممن يستمع للخطبة أحياناً، يكون هناك أستاذ جامعي، يكون هناك إنسان ذو رتبة عالية في الجامعة، ينصت، الخطيب يتلو آيات القرآن الكريم .

إذاً أول حقيقة: أن الاستماع يعني التطبيق، لا تكون مستمعاً للقرآن إلا إذا طبقت أحكامه


التولي و التخلي :


ثم يقول الله -عز وجل- : 

﴿  وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ(205)﴾

[  سورة الأعراف  ]

﴿تَضَرُّعاً﴾ أي تذللاً، القضية أيها الإخوة كلما تذللت إلى الله رفعك الله، وكلما استعليت خفضك الله، إن أردت العز فتذلل بين يدي الله -عز وجل-، هناك درسان خطيران درس بدر، ودرس حنين، درس بدر بليغ جداً، ونحتاجه جميعاً، ودرس حنين خطير جداً، ونحتاجه جميعاً، في درس بدر هناك افتقار إلى الله، افتقروا إلى الله: 

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾

[  سورة آل عمران  ]

ببدر افتقروا إلى الله فلما افتقروا إلى الله -عز وجل- نصرهم، وفي حنين اعتمدوا على كثرتهم قال : لن نغلب من قلة.

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾

[  سورة التوبة  ]

فلم ينتصروا، الملخص: إذا قلت: أنا، تخلى الله عنك، قلت أنا بمالي، بقوتي، بمنصبي، بعلمي، بشهادتي، بأسرتي، بمركزي في المجتمع، بتاريخي، إذا قلت: أنا، تخلى الله عنك، وإذا قلت: الله تولاك بالرعاية .


من تذلل لله رفعه :


إذاً: 

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً﴾ مع الله -عز وجل- هناك افتقار، كلما ازددت افتقاراً له رفعك، وأعلى قدرك، ورفع ذكرك، أعلى شأنك، هابك أعداؤك، بل خدمك أعداؤك، وكلما استعليت على طاعته أذلك الله . 

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت      فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

* * *

(( اللَّهمَّ اهدِني فيمن هديت، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ ))

[ صحيح أبي داوود عن الحسن بن علي بن أبي طالب ]

مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ لذلك: 

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً(42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً(43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً(44)﴾

[  سورة الأحزاب  ]


المناجاة بين العبد و ربه مسعدة لاتصاله مع خالق السماوات و الأرض :


أيها الإخوة، المنافقون قال الله تعالى عنهم : 

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)﴾

[  سورة النساء  ]

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً﴾ تذللاً، اجعل لك ساعة تناجي بها ربك، تتذلل له، يا رب أنا فقير وأنت الغني، أنا ضعيف وأنت القوي، أنا جاهل وأنت العليم يا رب، يا رب ارحم ضعفي، ارحم ذلي بين يديك، هذه المناجاة بينك وبين الله مسعدة، لأنك تتصل مع خالق السماوات والأرض. 

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾ يجب أن تكون في مناجاتك له متذللاً وخائفاً والوضع الطبيعي أن تخافه وأن تعظمه وأن تحبه، ورد : 

(( أن يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إليّ تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ))

[ أخرجه البيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عباس وفي سنده انقطاع ]

ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.


ذكر الله علامة الإيمان :


المؤمن الصادق بقلبه تعظيم لله، بقلبه محبة لله، بقلبه خوف من الله، يوجد أمراض، يوجد أورام، يوجد فشل كلوي، يوجد خثرة بالدماغ، يوجد شلل، يوجد بلاء مخيف، يوجد صحة، يوجد راحة نفسية، يوجد زوجة صالحة، يوجد أولاد أبرار، يوجد دخل وفير، ويوجد أشياء تحملك على محبة الله، ويوجد آلاء، ويوجد مجرات، ويوجد كواكب تدعوك إلى تعظيم الله.

إذاً: ذكر الله علامة الإيمان . 

((  من أكثر من ذكر الله فقد برئ من النفاق  ))

[  ابن شاهين في الترغيب في الذكر عن أبي هريرة وهو ضعيف ]


دوران الذكر مع الإنسان في كل شؤون حياته :


والأمر بالذكر لا ينصب على الذكر فقط بل على كثرة الذكر لقوله تعالى: 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ لكن بالمناسبة قراءة القرآن ذكر، والاستغفار ذكر، والدعاء ذكر، والتسبيح ذكر، والتهليل ذكر، والتكبير ذكر، والتمجيد ذكر، وقراءة كتاب العلم من أجل أن تعرف الله ذكر، والدعوة إلى الله ذكر، والأمر بالمعروف ذكر، والنهي عن المنكر ذكر، لذلك الذكر يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾ وكما قال الله -عز وجل- : 

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

[  سورة العنكبوت  ]

قال علماء التفسير: أكبر ما فيها : 

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[  سورة طه  ]

أكبر ما فيها، وقال بعضهم: ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية له، أما إذا ذكرك منحك الحكمة . 

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[  سورة البقرة  ]

يعني الصلاة الصحيحة تعني أنك حكيم وقفت كي تصلي وذكرت الله، فأنت حينما تذكره يذكرك، يذكرك بأن يهبك الحكمة، يذكرك بأن يهبك الرضا، يذكرك بأن يهبك التوفيق، يذكرك بأن يهبك السداد والرشاد في القول والعمل.

لذلك ثمار الصلاة الصحيحة تفوق حدّ الخيال، أقل هذه النتائج أنك في حفظ الله وفي رعايته.


إخفاء الذكر أفضل من رفع الصوت وإزعاج الآخرين :


إذاً: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً﴾ أي تذللاً ﴿وَخِيفَةً﴾ أي خوفاً، هذه صفات المؤمن الذاكر. 

﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ رفع الأصوات، وأن تعلو على كل صوت، يعني الله -عز وجل- يريد قلبك، يريد إخلاصك، يريد مودتك، يريد محبتك، لا يريد صوتك العالي .

لذلك : ﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ .

﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (110)﴾  

[ سورة الإسراء  ]

هناك إنسان إذا ما رفع صوته إلى أعلى طبقة ممكنة لا يعد ذاكراً، لا، أفضل الذكر إخفاء الذكر، هناك ذكر بالقلب، وهناك ذكر باللسان، لكن بشكل لطيف، أما رفع الأصوات وإزعاج الناس، يعني الآذان في المئذنة لكن المكبر بشكل معتدل، لأن هناك مريض، إنسان يعاني ما يعاني، فرفع الصوت، وإزعاج الآخرين، ليس من الذكر إطلاقاً.


الذكر شحن للإنسان :


﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ أنت بحاجة إلى الذكر قبل الذهاب إلى العمل، بالغدو، وبعد العودة من العمل، بحاجة إلى ذكر يومي وإن الصلاة ذكر﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ الذكر شحن، أنت كهاتف جوال أنت بحاجة إلى شحن يومي صباحاً ومساءً . 

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ قبل الذهاب إلى العمل إنسان صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، وصلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، أنت مغطى برعاية الله مدة أربع و عشرين ساعة .


أكبر مرض يصيب الإنسان أن يكون غافلاً عن الله عز وجل :


﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ أكبر مرض يصيب الإنسان أن يكون غافلاً عن الله . 

أيا غافلاً تبدي الإساءة و الجهل        متى تشكر المولى على كل ما أولى

عليك أياديه الكرام وأنت لا تراه          كأن الـــــعين حولاء أو عميا

لأنت كمزكوم حوى المسك جيبه          ولكن الــــمحرم ما شمّه أصلاً

* * *

﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ الغفلة أخطر ما يصيب الإنسان لذلك قال تعالى: 

﴿  إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ(206)﴾

[  سورة الأعراف  ]

العندية هنا ليست عندية مكانية، الله -عز وجل- فوق المكان والزمان، هو خالق المكان والزمان، عندية قرب من الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ الملائكة المقربون ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ﴾ التسبيح: التعظيم، التسبيح: التمجيد، التسبيح: التنزيه، إذا قلت سبحان الله فقد مجدته، وإذا قلت سبحان الله فقد نزهته عن كل نقص، وإن قلت سبحان الله فقد عظمته، التمجيد والتنزيه.

﴿وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ يخضعون، المؤمن لا يخضع إلا لله وحده.

أيها الإخوة الكرام، بهذا الدرس انتهت سورة الأعراف بتوفيق الله وفضله الكريم.

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور