- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الستين وهو الدرس الأخير من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الرابعة بعد المئتين، وهي قوله تعالى :
﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(204)﴾
أولاً فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، هذا كتاب ليس كأي كتاب، إنه كتاب خالق السماوات والأرض، هذا كتاب ليس فيه أي زيغ، ولا فيه أي شك، يقين قطعي، هذا كتاب يجب أن نتلقاه بخصوصيات كثيرة، من هذه الخصوصيات:
وهذا من رحمة الله بنا، من استمع، أما الإنسان يمشي في الطريق الأذن مفتوحة، وقد يأتي صوت لا يرغب أن يستمع إليه، لكنه يسمعه، لعظمة هذا الكتاب، قال تعالى:
القرآن الكريم يقدم للإنسان إضاءة لسرّ وجوده وغاية وجوده و لما بعد الموت:
﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي ۚ
هذا الكتاب يُريك الحق حقاً والباطل باطلاً .
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً(104)﴾
هذا القرآن يقدم لك إضاءة لسرّ وجودك، لغاية وجودك، لما بعد الموت، لماذا خُلقت؟ ماذا ينبغي أن تفعل؟ ما سبب سلامتك وسعادتك؟
لذلك:
﴿
سلام مع نفسك، سلام مع أهلك، سلام مع مجتمعك، سلام مع من هو فوقك، ومع من هو دونك، سلام من أجل صحتك، من أجل أسرتك، من أجل سعادتك، من أجل سلامتك.
الاستماع إلى القرآن الكريم طريق سلامة الإنسان و سعادته :
القرآن ينطلق من إذاعة، والمذياع في غرفة الجلوس مثلاً وهناك حديث، لا، استمع وأنصت مَن حولك
علامة صحة سماعك للقرآن الكريم المبادرة إلى تطبيقه :
إخواننا الكرام، معنى الاستماع: يعني هناك شيء دقيق، الله -عز وجل- يريدنا أن نفهم الاستماع على أنه تطبيق، كيف؟ قال:
﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا
يعني إصغاء القلوب كان صحيحاً، لا تعد مستمعاً، ولا تعد منصتاً، ولا تعد متلقياً، إلا إذا انقلبت هذه الآيات من أصوات تستمع إليها إلى سلوك يومي.
أيها الإخوة، الدقة البالغة أن الإنصات يعني التطبيق، نأتي بمثل بسيط: إنسان واقف بشكل طبيعي، أمامه صديقه، فقال له صديقه: على كتفك عقرب-الآن دقق- لو أن هذا الذي على كتفه عقرب، بقي هادئاً، مرتاحاً، فلما سمع هذه الكلمة قال له: شكراً على هذه الملاحظة، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافئك عليها، هل تعتقدون أنه فهم ماذا قال له؟ لو أنه فهم ماذا قال له لقفز، وخلع معطفه، وصاح، العقرب لدغتها قاتلة أحياناً، فلذلك لأنه بقي هادئاً وما تحرك، ولا خلع معطفه، ولا اضطرب، معنى ذلك لم يستمع.
علامة استماعك الحقيقي الانفعال وعلامة الانفعال الحقيقي الحركة :
علامة استماعك الحقيقي الانفعال، وعلامة الانفعال الحقيقي الحركة.
لذلك بعض العلماء جاؤوا بقانون، هذا القانون أساسه أن هناك إدارك، وهناك انفعال، وهناك سلوك، لا يصح إدراكك إلا إذا نتج عنه انفعال، إذا كان هناك خبر خطير ما تحركت، قال لك عقرب ما اضطربت، قال لك أفعى ما مشيت، ولا تأثرت، علامة صحة الإدراك الانفعال، وعلامة صحة الانفعال السلوك، تتحرك، إما لقتل الأفعى أو للهروب منها، أما كلام خطير متعلق بمصيرك، متعلق بسلامتك، متعلق بسعادتك لا تتأثر! هنا المشكلة، فلذلك:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(21)﴾
كأن السماع عند الله -عز وجل- في القرآن الكريم يعني التطبيق، علامة صحة سماعك المبادرة إلى التطبيق
أنت في هذا الدرس وأنا معكم إن لم تنقلب هذه الآيات إلى سلوك فكأننا ما سمعناها، عند الله السماع يعني التطبيق، والآيات واضحة
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا
لا تغتب أخاك، هذا المعنى الدقيق لكلمة: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾
الأدب مع سماع القرآن الكريم :
أيها الإخوة ﴿وَأَنْصِتُوا﴾
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾
﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
الآن هناك من يستمع ولا ينصت، يسمع قرآناً لكن لا يوجد إنصات، لا يوجد متابعة، لا يوجد تدقيق، لا يوجد تأمل، لا يوجد تدبر، يستمع ولا ينصت، هناك من يستمع وينصت ولا يتعبد، هذا القرآن تعبَّدَنا الله بقراءته، كتاب ليس كأي كتاب، إذا قرأناه نتعبد الله بقراءته.
على الإنسان أن يقرأ القرآن بنيّة عبادة الله عز وجل بقراءته :
أيها الإخوة :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ
كأن الكون كله بكفة، وكلام الله -جلّ جلاله- في كفة أخرى، الله -عز وجل- خلق الدنيا ونورها بالقرآن، يُشق الطريق، بعد أن يُشق الطريق، توضع شاخصات، هنا منعطف خطر، هنا جسر، هنا طريق صاعدة، هنا طريق زلِقة، انتبه يوجد شاخصات، فالله -عز وجل- خالق الأكوان ونوّرها بالقرآن الكريم.
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
على الإنسان أن يقرأ القرآن قراءة تدبر :
لذلك ليست العبرة أن تقول قرأت جزءاً، اقرأ جزءاً كتلاوة، اجعل لك قراءتين، قراءة تدبر، وقراءة تعبد، التعبد أن تقرأ القرآن كل يوم جزء، جزأين، وهناك كلمة عند حُفاظ كتاب الله من لم يقرأ خمساً ينس، يعني ينسى، حُفاظ كتاب الله يقرؤون كل يوم خمسة أجزاء، هذه قراءة تعبد، أما أنت بحاجة إلى قراءة تدبر، ولو قرأت في اليومين آية واحدة، أن تقف عند معانيها، عند مدلولاتها، عند التطبيق العملي لها، ماذا ينبغي أن تعمل؟
يعني مثلاً قرأت آية فيها أمر هل ائتمرت بما أمر الله؟ قرأت آية فيها نهي هل انتهيت عما نهى عنه الله، قرأت آية فيها وصف لأهل الجنة، هل تسعى إلى الجنة؟ قرأت آية فيها وصف لأهل النار، هل تفر من النار ولو بشق تمرة؟ قرأت آية فيها وصف لأمة سلفت عصت ربها فأهلكها الله، هل اتعظت بها؟ قرأت آية فيها من آيات الكون هل تفكرت بها؟ التدبر أن تأخذ موقفاً من الآية، الأمر أن تأتمر، النهي أن تنتهي، وصف الجنة أن تسعى إلى الجنة، وصف للنار أن تفر منها.
على الإنسان أن يستمع وينصت ويتعبد الله أثناء تلاوة القرآن الكريم :
إذاً هناك من يستمع، وهناك من يضيف إلى الاستماع، هناك من يسمع، لو هناك قرآن يصدح من محل تجاري مثلاً، أنت سمعت الآيات، هناك من يسمع، وهناك من يستمع، هناك من يستمع وينصت، هناك من يستمع وينصت ويتعبد الله بهذه التلاوة .
مثلاً: سيدنا جعفر يقول كلاماً رائعاً، قال: عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قوله تعالى:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)﴾
ماذا قال الله بعد هذه الآية ؟
﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)﴾
لذلك سيدنا جعفر يقول: عجبت لمن يخاف ولم يفزع إلى قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾
الاستعانة بالله عز وجل أساس نجاة الإنسان من المصائب :
ثم يقول سيدنا جعفر: وعجبت لمن اغتم ولم يفزع إلى قوله تعالى :
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87)﴾
وهو في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، في ظلمات ثلاث والأمل بالنجاة معدوم ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾
فعجبت لمن يخاف ولم يفزع لقوله تعالى، وقرأ هذه الآية، وعجبت لمن مُكر به ولم يفزع إلى قوله تعالى :
﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ
المؤمن المستقيم الطائع يفوض أمره إلى الله عز وجل عند مكر الآخرين به :
إذا أنت مؤمن، مستقيم، طائع، محب، مقبل، ولك عدو خطير، وأقوى منك فمكر بك، ليس لك حل إلا أن تقول: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾
﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ(45)﴾
إذاً: حينما يجتمع الناس ضدك
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾
﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾
القرآن شفاء للنفوس :
أيها الإخوة، إذاً هذا القرآن فيه شفاء، القرآن شفاء للنفوس، والقرآن فيه طرق السلامة والسعادة
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ
عقله ﴿وَلَا يَشْقَى﴾
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
من تبع هداي لا يخاف مما سيأتي، ولا يندم على ما سبق، فمن يتبع هدى الله -عز وجل- لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت.
أيها الإخوة، الآن عجبت لمن طلب الدنيا، كما قال سيدنا جعفر، ولم يفزع إلى قوله تعالى:
﴿
أربع آيات إما أنك تخاف، أو يُمكر بك، أو تطلب الدنيا من وجهها الصحيح، فكل آية جاءت بعدها آية
الإنصات أساسي أثناء سماع القرآن الكريم :
الآن ومعنى:
﴿أَنْصِتُوا﴾
أنصت حينما تقرأ القرآن في الصلاة، وأنصت حينما تقرأ القرآن في المسجد، وأنصت إذا استمعت إلى خطيب المسجد، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة : أنصِتْ - والإمام يخطُب - فقد لَغوْت ))
لذلك الآخرون يعجبون من المسلمين، تجد بالجامع عشرة آلاف، فإذا صعد الخطيب المنبر لا تستمع إلى كلمة، من هذا التوجيه الإلهي، شيء رائع جداً في حياة المسلمين خطبة الجمعة، عبادة دعوية، والكل ينصت، وقد يكون المتكلم أقل علماً ممن يستمع للخطبة أحياناً، يكون هناك أستاذ جامعي، يكون هناك إنسان ذو رتبة عالية في الجامعة، ينصت، الخطيب يتلو آيات القرآن الكريم .
إذاً أول حقيقة: أن الاستماع يعني التطبيق، لا تكون مستمعاً للقرآن إلا إذا طبقت أحكامه
التولي و التخلي :
ثم يقول الله -عز وجل- :
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً
﴿تَضَرُّعاً﴾
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ
ببدر افتقروا إلى الله فلما افتقروا إلى الله -عز وجل- نصرهم، وفي حنين اعتمدوا على كثرتهم قال : لن نغلب من قلة.
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾
فلم ينتصروا، الملخص: إذا قلت: أنا، تخلى الله عنك، قلت أنا بمالي، بقوتي، بمنصبي، بعلمي، بشهادتي، بأسرتي، بمركزي في المجتمع، بتاريخي، إذا قلت: أنا، تخلى الله عنك، وإذا قلت: الله تولاك بالرعاية .
من تذلل لله رفعه :
إذاً:
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً﴾
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
* * *
(( اللَّهمَّ اهدِني فيمن هديت، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ ))
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً(42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً(43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً(44)﴾
المناجاة بين العبد و ربه مسعدة لاتصاله مع خالق السماوات و الأرض :
أيها الإخوة، المنافقون قال الله تعالى عنهم :
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً﴾
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾
(( أن يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إليّ تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ))
ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.
ذكر الله علامة الإيمان :
المؤمن الصادق بقلبه تعظيم لله، بقلبه محبة لله، بقلبه خوف من الله، يوجد أمراض، يوجد أورام، يوجد فشل كلوي، يوجد خثرة بالدماغ، يوجد شلل، يوجد بلاء مخيف، يوجد صحة، يوجد راحة نفسية، يوجد زوجة صالحة، يوجد أولاد أبرار، يوجد دخل وفير، ويوجد أشياء تحملك على محبة الله، ويوجد آلاء، ويوجد مجرات، ويوجد كواكب تدعوك إلى تعظيم الله.
إذاً: ذكر الله علامة الإيمان .
(( من أكثر من ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
دوران الذكر مع الإنسان في كل شؤون حياته :
والأمر بالذكر لا ينصب على الذكر فقط بل على كثرة الذكر لقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
قال علماء التفسير: أكبر ما فيها :
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
أكبر ما فيها، وقال بعضهم: ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية له، أما إذا ذكرك منحك الحكمة .
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
يعني الصلاة الصحيحة تعني أنك حكيم وقفت كي تصلي وذكرت الله، فأنت حينما تذكره يذكرك، يذكرك بأن يهبك الحكمة، يذكرك بأن يهبك الرضا، يذكرك بأن يهبك التوفيق، يذكرك بأن يهبك السداد والرشاد في القول والعمل.
لذلك ثمار الصلاة الصحيحة تفوق حدّ الخيال، أقل هذه النتائج أنك في حفظ الله وفي رعايته.
إخفاء الذكر أفضل من رفع الصوت وإزعاج الآخرين :
إذاً: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً﴾
﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾
لذلك : ﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾
﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ
هناك إنسان إذا ما رفع صوته إلى أعلى طبقة ممكنة لا يعد ذاكراً، لا، أفضل الذكر إخفاء الذكر، هناك ذكر بالقلب، وهناك ذكر باللسان، لكن بشكل لطيف، أما رفع الأصوات وإزعاج الناس، يعني الآذان في المئذنة لكن المكبر بشكل معتدل، لأن هناك مريض، إنسان يعاني ما يعاني، فرفع الصوت، وإزعاج الآخرين، ليس من الذكر إطلاقاً.
الذكر شحن للإنسان :
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾
أكبر مرض يصيب الإنسان أن يكون غافلاً عن الله عز وجل :
﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾
أيا غافلاً تبدي الإساءة و الجهل متى تشكر المولى على كل ما أولى
عليك أياديه الكرام وأنت لا تراه كأن الـــــعين حولاء أو عميا
لأنت كمزكوم حوى المسك جيبه ولكن الــــمحرم ما شمّه أصلاً
* * *
﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ
العندية هنا ليست عندية مكانية، الله -عز وجل- فوق المكان والزمان، هو خالق المكان والزمان، عندية قرب من الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾
﴿وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾
أيها الإخوة الكرام، بهذا الدرس انتهت سورة الأعراف بتوفيق الله وفضله الكريم.
والحمد لله رب العالمين.