- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله سبحانه وتعالى خلق الخلائق كلها قبل عالم الصور :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع والأربعين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الثانية والسبعين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ(172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ(173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(174)﴾
أيها الإخوة الكرام، هذه قصة الإنسان، الله سبحانه وتعالى خلق الخلائق كلها قبل عالم الصور، خلقها في عالم الذر، والآية التي توضح هذه الحقيقة هي قوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾
هذه الآية، والآية التي هي موضوع الدرس تتكاملان لتكونا قصة هذا الإنسان.
القضايا ثلاثة أنواع ؛ إخبارية عقلية و حسية :
1 – دائرة المحسوسات أداة اليقين بها الحواس الخمس :
بادئ ذي بدء: بنص الآية التي تلوتها قبل قليل
ولكن القضايا الإخبارية، لابد من أن يكون واضحاً لديكم أن هناك قضايا عقلية، وأن هناك قضايا حسية، وأن هناك قضايا إخبارية، كل أمور الدين، كل حقائق الدين، كل أفكار الدين لابدّ من أن تتوزع بين دائرة المحسوسات، ودائرة المعقولات، ودائرة الإخباريات، فأنا بحواسي الخمس أرى أن هذا كأس ماء، وبحواسي الخمس أرى أن هذا مكبر للصوت، وأن هذا الضوء متألق، وأن هذه طاولة، هذه معرفة حسية، أدواتها الحواس الخمس، أو استطالته، فالميكروسكوب استطالة للعين، ترى بالميكروسكوب دقائق الأشياء، والتليسكوب استطالة أيضاً للعين ترى به الكواكب البعيدة، فكل شيء يُرى، أو يُسمع، أو يُلمس، أو يُشم، هذه أشياء مادية أداة اليقين بها الحواس الخمس، هذه قضية سهلة، الحواس الخمس أو استطالاتها.
لكن هناك قضايا عقلية، القضايا الأولى الحسية شيء ظهرت عينه، أداة اليقين به الحواس الخمس، هذا الكأس أمامي له وزن، من بلور صافٍ، فيه ماء، هذه معرفة حسية أداتها الحواس الخمس أو استطالاتها وهذه ليست موضع خلاف إطلاقاً .
لكن الموضوعات الثانية موضوعات عقلية، تألق المصابيح، تكبير الصوت، عمل المكيفات، هذه كلها من آثار الكهرباء، فالكهرباء غابت عنا ذاتها بقيت آثارها، هذه معرفة عقلية، أيضاً هذه المعرفة ليست موضع خلاف إطلاقاً، هناك عقل يستدل بالأثر على المؤثر، وبالنظام على المنظِّم، وبالخلق على الخالق، وبالحكمة على الحكيم، وبالجمال على الجميل، وبالقوة على القوي .
فالشيء إذا غابت عينه وبقيت آثاره دليل اليقين به العقل، لذلك العقل أصل من أصول المعرفة، هذا الكون كله مظهر لأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، ذات الله لا نراها .
﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
2 – دائرة المعقولات أداة اليقين بها العقل :
لكن كل هذا الكون أثر من آثار خالق السماوات والأرض فنحن نتعرف إلى الخالق من خلال خلقه، وإلى الصانع من خلال صنعته، وإلى المسيِّر من خلال تسييره، وإلى الحكيم من خلال حكمته، وإلى الجميل من خلال جمال الكون، هذه المعرفة الثانية المعرفة العقلية ذات الشيء غابت عنا بقيت آثاره، البعرة تدل على البعير، والأقدام تدل على المسير، والماء يدل على الغدير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير؟ هذه المعرفة العقلية، أداتها العقل، طريقها التفكر .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)﴾
هذه المعرفة العقلية، المعرفة العقلية لابدّ من شيء مادي، من هذا الشيء المادي أنتقل إلى صانعه، هل صنعته متقنة؟ هل صنعته جميلة؟ هل صنعته محكمة؟ وهكذا .
وهذا الموضوع الثاني أيضاً ليس موضع خلاف إطلاقاً .
3 – دائرة الإخباريات أداة اليقين بها الخبر الصادق :
إلا أن الموضوع الثالث؛ الدائرة الثالثة التي نحن بصددها، هذه دائرة لا تخضع للعقل أبداً، العقل يحتاج إلى شيء مادي يدرسه، يلاحظه، يحلله، يفحصه، يختبره، ثم يحكم على صانعه، هذا العقل، أما الموضوع الثالث، الدائرة الثالثة موضوع آخر، العقل لا دور له به إطلاقاً، والحواس الخمس لا دور لها إطلاقاً، الموضوع الثالث جهة أخبرتنا، نسميه موضوعاً إخبارياً، أو سمعياً فقط.
لذلك هذا الموضوع الثالث تنطلق قيمته من المُخبِر، من هو المُخبر؟ إذا الله عز وجل أحد أكبر مصادر المعرفة إخبار الله لنا، الله أخبرنا أنه خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، أخبرنا أن بعد الموت إما جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفد عذابها، أخبرنا أنه لابدّ من أن نتصل به كي نسعد بقربه، أمرنا بالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، نحن في الدين عندنا جانب كبير، جانب إخباري، هذا لا يخضع للعقل أبداً، وأنصح إخوتنا الشباب ألا تحاوروا أحداً في الموضوع الثالث، إلا إذا كان مؤمناً بالله، إن كان ليس مؤمناً تقول له: الملائكة، يقول لك: أين هي؟ ما الدليل؟ لا يوجد دليل معك، معك دليل لك كمؤمن، الله أخبرك، بل إن الذي أخبرك الله به ينبغي أن تأخذه وكأنك تراه .
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)﴾
من منكم رأى هذه الحادثة؟ ولا واحد، وأنا معكم، لكن من المخبر؟ هو الله عز وجل، نحن في هذه الآيات لا تخضع للعقل أبداً، ولا أتمنى عليكم أن تطرحوا أسئلة حولها موضوع إخباري لا يخضع للعقل أبداً، لا للتحليل، ولا للدرس، ولا للسؤال .
قبول الإنسان حمل الأمانة و رفض جميع الخلائق ذلك :
أخبرنا ربنا أنه خلقنا في عالم قبل عالم الصور، وأنه عرض علينا الأمانة، وأن معظم المخلوقات أشفقن منها، وأن الإنسان قال أنا لها وحملها، وأنه إذا أدى الأمانة، لم يكن ظلوماً جهولاً، أما إذا خان الأمانة:
موضوع إخباري، خلقنا الله عز وجل في عالم الذر، قبل أن نكون في عالم الصور وعرض علينا الأمانة، وجميع الخلائق أبى أن يحملها، وخاف منها، وحملها الإنسان.
من حمل الأمانة و أدى ما له و ما عليه دخل الجنة :
الآن لأنك إنسان بحسب هذه الآيات أنت خُلقت في عالم الذر مع بقية المخلوقات، فلما عرض الله الأمانة على هذه المخلوقات
للتقريب: أب عنده عشرة أولاد، غني كبير، قال: كل واحد منكم له راتب شهري، ومركبة، وبيت، وزوجة، أما الذي يقبل أن يذهب إلى بلاد بعيدة، ويأتي بالدكتوراه في إدارة الأعمال أمنحه هذا المعمل كله، هناك عرض، تسع إخوة خافوا، أريح أن يبقى في بلده، وله راتب شهري خمسين ألفاً، وله زوجة وأولاد، وسيارة، أما هذا الأخ العاشر كان طموحاً، قال أنا لها، أرسله أبوه، إن أتى بالدكتوراه تَمَلّك المعمل كله، وإن لم يأتِ بها كل أخوته أفضل منه لذلك:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ(7)﴾
أعلى من الملائكة .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ(6)﴾
من هنا قيل: رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكب الحيوان من شهوة بلا عقل، و رُكب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .
خيروك بين أن تكون طياراً، تأخذ بالشهر خمسمئة ألفاً مثلاً، و بين أن تكون سائق سيارة على الأرض، على الأرض القضية سهلة تعطلت تبلغ صاحبها، تذهب إلى بيتك، لكن بالطائرة لا تستطيع أن تبلغ صاحبها، وقد مات جميع ركابها، خمسمئة ألفاً مقابل احتمال الموت، أما على الأرض الاحتمال أقل .
دائرة المرئيات و دائرة المسموعات و دائرة الخواطر :
فلذلك الإنسان حينما قبل حمل الأمانة، فإن لم يحملها أمامه النار، خالداً فيها أبداً وإن حملها أمامه الجنة .
(( أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
ما لا عين رأت، هذه دائمة، ولا أذن سمعت، أوسع بكثير، أنت زرت القاهرة، وعمان، وبيروت، وباريس، فقط، يوجد هنولولو، هذه أنت ما زرتها، لكن تسمع عنها، يوجد موزنبيق، هناك دول، دائرة المرئيات أقل دائرة، المسموعات أكبر بكثير، أما الخواطر لا تنتهي، قد تقول أتصور إنساناً طوله للقمر، خاطر هذا، ما له أي ضابط ، فهناك دائرة اسمها دائرة المرئيات (أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ)
(( مستريح، أو مُسْتَراح منه ، فقالوا : يا رسول الله ما المستريحُ ، وما المستَراح منه ؟ فقال: العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا، والعبد الفاجرُ يستريح منه العبادُ ، والبلادُ ، والشجر، والدواب ))
الآن العالم كله ينتظر بفارغ الصبر نهاية ولاية بوش (يستريح منه العبادُ والبلادُ، والشجر والدواب)
الأمانة التي قبلت حملها هي نفسك التي بين جنبيك :
أيها الإخوة، لأنك من بني البشر أنت في عالم الذر، قبلت حمل الأمانة، لأنك من بني البشر، ولأنك من بني البشر أنت مهيأ أن تكون فوق الملائكة، كلام دقيق هذا كلام في صميم العقيدة، لأنك إنسان أنت مهيأ أن تكون أعلى مخلوق .
الآن ما هي الأمانة؟
﴿
العقل ميزان الإنسان ليرقى إلى رب السماوات و الأرض :
أودع فيك الشهوات، أعطاك عقلاً، هذا العقل ميزان دقيق.
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ(7)﴾
معك ميزان، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، أودع فيك الشهوات.كلامي دقيق. لترقى بها إلى رب الأرض والسماوات، تشتهي المرأة، وقد أمرك الله أن تغض البصر عنها فتغض البصر عنها وتقول: يا رب احفظني من أن أُفتَن .
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
أودع فيك شهوة المال، وهناك دخل حرام، وهناك دخل حلال، امتحنك الله .
﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ
بالشهوات ترقى إلى الله صابراً و شاكراً :
أنت ترقى مرتين، ترقى مرة حينما تقول إني أخاف الله رب العالمين، ترقى صابراً وترقى شاكراً، تزوجت الله هيأ لك زوجة صالحة جميلة، فإذا ملأت عينك من محاسنها، لك أجر، هذه هدية من الله، ترقى إلى الله هنا شاكراً، وإذا مرت امرأة لا تحل لك ترقى إلى الله صابراً، ترقى بالشهوة مرتين، لك معاش محدود، اشتريت به الطعام، والشراب، أكلت أنت وأولادك، يا رب لك الحمد، وهناك طريق غير مشروع ممكن تهرب مخدرات، تربح ألف ضعفاً، من مكان زراعتها إلى مكان بيعها يوجد ألف ضعفاً، يقول لك: أغنى الأغنياء في العالم تجار مخدرات، امتحنك، المال محبب، إما أن تكسبه حلالاً لكن لا يكون كثيراً جداً هناك جهد، أو أن تكسبه حراماً ترقى مرتين مع المال، إن قلت هذه الصفقة مشبوهة، إني أخاف الله رب العالمين ترقى إلى الله صابراً، وإذا كان صفقة مشروعة وربحت منها ربحاً معقولاً، وأنفقت هذا المال على نفسك وأهلك ترقى إلى الله شاكراً، أودع فيك حب المال وحب النساء
الله عز وجل زود الإنسان بمجموعة من المقومات لمعرفة الطريق الصحيح منها :
1 ـ الفطرة :
دخلت إلى البيت الساعة الواحدة، قالت لك والدتك: ماما أنا رأسي يؤلمني أريد أسبرين، تقول لها: الساعة الواحدة كل الصيدليات مغلقة، قالت: خير إن شاء الله، لكنك تعلم علم اليقين أن الصيدليات مناوبة، هي لم تحرجك سكتت، تريد أن تنام لا تستطيع، أمك يؤلمها رأسها أنت صرفتها عن هذا الطلب، لم تتكلم شيئاً، بعدها شعرت أن الوالدة غالية، نهضت، فرضاً ليس أسبرين دواء ثانِ، أول صيدلية، الثانية، الثالثة، درت عليهم كلهم لا يوجد هذا الدواء، الوالدة بالمرتين الدواء لم تستخدمه، لكن أول مرة تنام غير مرتاح، المرة الثانية بعد جولة ساعة تنام مرتاحاً، أنت أديت الذي عليك، واضح تمام؟
الفطرة دقيقة جداً، شخص دهس طفلاً الساعة الثانية بالليل، وتابع سيره، والضبط كُتب ضد مجهول، يقول لي قريبه: أكثر من أربعين يوماً ما تمكن من النوم .
برمجك برمجة إذا أخطأت تشعر بكآبة، تشعر بالذنب، تشعر بالخطأ، تشعر أنك صغير، لو لم يعلم أحد بهذا الخطأ، برمجة داخلية هذه فطرة، أعطاك عقلاً، مقياس مادي، أعطاك فطرة، مقياس نفسي، أعطاك شهوات قوة دافعة، وأعطاك حرية اختيار.
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
2 ـ الشهوة :
أعطاك شهوة، عقل، فطرة، حرية، أعطاك منهجاً (شرعاً)
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ
3 ـ العقل :
فأعطاك منهجاً، معك منهج، ومعك عقل، ومعك فطرة، ومعك شهوة، الشهوة كالمحرك قوة دافعة، مُسرع يريد أن يأكل جوعان، يريد أن يشتري بيتاً ويتزوج، أعطاك شهوات، قوة دافعة، أعطاك عقلاً ميزان دقيق، أعطاك فطرة ميزان نفسي آخر، معك ميزانان العقل والفطرة، معك شهوة .
4 ـ حرية الاختيار :
أعطاك حرية، قيمة عملك أنك حر ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3)﴾
5 ـ الشرع :
أعطاك شرعاً، للتقريب: هذه السيارة فيها محرك هو الشهوة، اندفاع، وفيها مقود هو العقل، وفيها طريق هو الشرع، مهمة العقل أن يستخدم هذا المقود ليبقي المركبة وهي مندفعة على الطريق، الطريق هو الشرع، والمحرك هو الشهوة، والطريق هو الشرع .
مثل آخر: يوجد بالجيب اليمين جهاز لكشف العملات المزورة، هذا يتحسس بالمعادن، العملات فيها معدن، تضعه على الجهاز يظهر لون برتقالي، معناها عملة صحيحة، إذا ورق فقط من دون معجونة خاصة يظهر لون آخر، فمعك جهاز كشف العملات المزيفة، معك بالجيب الثاني قائمة بأرقام العملات المزيفة، هذا الشرع، باليسار يوجد شرع، باليمين يوجد عقل، فأنت بعت بيتك بعملة صعبة، لا استخدمت الجهاز، ولا قرأت أرقام العملات، ظهر المبلغ كله مزور الخطأ خطأك، معك عقل، ومعك شرع، واضح تمام ؟
فلما قال لك احمل الأمانة، يعني الأمانة نفسك التي بين جنبيك، أعطاك عقلاً، أعطاك فطرة، أعطاك شهوة ، أعطاك إرادة، أعطاك شرعاً، الحسن ما حسّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع.
الإنسان الظلوم الجهول من خان حمل الأمانة :
أيها الإخوة الكرام
لذلك ورد في الجامع الصغير حديث لا يرتقي إلى مستوى الصحاح يقول :
(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى وأنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ))
لأنه خان الأمانة.
من عرّف نفسه بربها و حملها على طاعته سلم و سعد في الدنيا و الآخرة :
والله أيها الإخوة، هؤلاء البشر الذين يقتلون، يسفكون الدماء، هؤلاء الطغاة، الذين يقهرون الشعوب، يقتلون بالمئات، بالآلاف، الذين ألقوا على هيروشيما قنبلة ذرية قتلت ثلاثمئة ألفاً بأربع ثوان، هؤلاء المجرمون في العالم، لو رأيتهم يوم القيامة، وقد أصابهم ألم لا سبيل إلى وصفه، قال تعالى :
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ
فلذلك لأنك إنسان أنت المخلوق الأول، ولأنك مخلوق أول أودع الله فيك الشهوات لترقى بها صابراً، أو شاكراً، إلى رب الأرض والسماوات، ولأنك إنسان أُعطيت حرية الاختيار
فلذلك :
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10) ﴾
أفلح: وردت بالقرآن أربع مرات، نجح نجاحاً عظيماً، أفلح يعني نجح، وتفوق وسلم، وسعد ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾
الله سبحانه وتعالى أخذ من سيدنا آدم ذريته كلها في عالم الذر :
آية اليوم :
﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾
﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾
تسخير ما في السماوات و ما في الأرض لمن قبل حمل الأمانة :
وقال:
﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾
﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ
ولأنه قبل حمل الأمانة أعطاه عقلاً، وفطرة، وشهوة، وحرية، وشرعاً.
﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾
﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾
العقل و الفطرة كافيان لمعرفة الله واتباع أوامره :
﴿قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾
قال تعالى، يوم القيامة يقول هذا الكافر:
﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ
﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾
والحمد لله رب العالمين