وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 30 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 86 - 93 الحق واحد والباطل متعدد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثلاثين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية السادسة والثمانين، وهي قوله تعالى :

﴿  وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(86) ﴾  

[ سورة الأعراف ]


مقدمة للآية :


1 ـ هما طريقان لا ثالث لهما :

أيها الإخوة الكرام، هناك طريق إلى الله، وهناك طريق إلى جهنم، طريق إلى الجنة، وطريق إلى جهنم، طريق إلى الله، وطريق إلى الشيطان، لكن الطرائق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، المنهج واحد، أما سبل الوصول إلى الله متعددة، يمكن أن تصل إلى الله بإنفاق مالك، أو بضبط تربية أولادك، أو بإحسانك، أو بطاعتك، أو بعباداتك، أو بصيامك، أو بوسائل لا تعد ولا تحصى، المنهج الإلهي واحد، الحق لا يتعدد.

﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾

[  سورة الأنعام  ]

2 ـ الحق واحد ، والباطل متعدِّد :

الحق لا يتعدد، الحق واحد، لكن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، أما الباطل متعدد، هناك مليون باطل، باطل اعتقادي، باطل شهواني، باطل كيدي، باطل قهر، باطل اختلاس، باطل كذب، باطل انغماس في الشهوات، الباطل متعدد، مذاهب، وفرق، ومِلَل، ونِحَل، واتجاهات، وتيارات، وطوائف، ومذاهب، لا تعد ولا تحصى 

كما أنه لا يمر بين نقطتين إلا خط مستقيم واحد، ولكن يمر بين نقطتين ملايين الخطوط المنحنية والمنكسرة، فالباطل متعدد، والحق واحد .

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) ﴾

[ سورة البقرة ]

جمع ﴿إِلَى النُّورِ﴾ مفرد . 

﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ إذاً: الحق واحد، والباطل متعدد، لكن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، أنواع الأعمال الصالحة، إنسان يتقرب بإنفاق ماله، إنسان يتقرب ببذل وقته، إنسان يتقرب ببذل علمه، إنسان يصلح بين اثنين، إنسان يوفق بين زوجين، إنسان يزوج الشباب، إنسان يبني المساجد، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، هذه الحقيقة الأولى، هناك حق واحد، وهناك باطل متعدد .

إلا أن طرق الوصول إلى الله لا تعد ولا تحصى، كما أن طرق الوصول إلى النار لا تعد ولا تحصى، هناك ربا، هناك زنا، هناك دعارة،  هناك اختلاس،  هناك سرقة،  هناك قهر، هناك ظلم،  هناك قتل، هناك استبداد، الطرق الموصِلة إلى النار لا تعد ولا تحصى، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، إلا أن الحق واحد لا يتعدد، والباطل متعدد، هذه أول فكرة .

3 ـ الشيطان لا يترك مَن يسير على صراط مستقيم :

حينما قال الله عز وجل في هذه السورة بالذات على لسان الشيطان:

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ﴾

[  سورة الأعراف  ]

يعني ما دام الإنسان يمشي في طرق الباطل، في طرق الشهوات، في طرق الانغماس في الدنيا، ما دام في طريق يؤدي به إلى النار فالشيطان يتركه، لأنه يحقق هدفه، ما دام الإنسان يمشي في طرق تنتهي به إلى النار فالشيطان يتركه، هذا مضمون، أما حينما يبدأ الإنسان السير إلى الله، يصطلح مع الله، يتوب إليه، يُقبل عليه، يقلع عن الذنوب كلها، يبدأ دور الشيطان مع هذا الإنسان ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ والصراط مستقيم، والحق صراط مستقيم، والمستقيم أقرب خط بين نقطتين.

4 ـ في كل عصرٍ ضلالاتٌ يروِّجها الشيطانُ :

ماذا يفعل هذا الشيطان ؟ قال :

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) ﴾

[  سورة الأعراف  ]

في هذا العصر ضلالات يستخدمها الشيطان كأوراق رابحة، من هذه الضلالات موضوع الجينات، أن المنحرف له جينات خاصة، إذاً: ليس ذنبه، فإذا كان الإنسان منحرفًا أو شاذًّا فبتركيبه الجيني خصوصية، من هذا المنطلق غير الصحيح، ومن هذا الوهم أُعطِي المنحرفون والشاذّون حقوقهم المدنية، هذه ضلالة من ضلالات العصر، فالشيطان يروج لهذه الضلالات .

نظرية داروين التي تنفي وجود الخالق، وتبين أن هذا الكون كان بهذا الشكل محض صدفة، وبدأ من مخلوق وحيد الخلية، ثم تطور، وهناك قفزة نوعية بين المادة وبين الخلية الحية، وأن الخرق البالية تنتج فأرة، وأن الوحل ينتج ضفدعاً، وأن اللحم المتفسخ ينتج دوداً، هذا في كتاب أصل الأنواع لداروين، والعلم أثبت عكسه، وأثبت بطلانها، داروين إذاً يروَّج لها، الشيطان يروج لهذه النظرية، لأنها تلغي المسؤولية، تلغي وجود الإله، تلغي الجنة والنار، تلغي الحساب والعذاب، تلغي المنهج، تلغي افعل ولا تفعل: ﴿لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ كل إنسان منحرف يقول: في جيناته انحراف، لكن حينما اكتُشِفت الخارطة الجينية، وكان اكتشافها قفزة نوعية في العلم، أثبتت هذه الخارطة أنه لا علاقة للجينات بالسلوك، فكل هذا الذي كان يتوهمه الناس أصبح باطلاً .

إذاً: ﴿لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أروّج لهم ضلالات العصر، وشهوات العصر، يوجد بكل عصر ضلالات، وشهوات، يعني هناك شبهات وهناك شهوات، وأنا أقول في أول كل درس: أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم .

هناك مقولة: أنك ما دمت الأقوى فأنت على حق، فالقوي على حق، ولو سحق الشعوب، ولو أباد الشعوب، ولو بنى مجده على أنقاض الشعوب، ولو محا ثقافة الشعوب، ولو أباد الشعوب، ما دام يملك قنبلة نووية إذاً هو يدمر بها كل شيء، هذه أيضاً من ضلالات العصر .

القوة تصنع الحق، لكن المناهج الإلهية تؤكد عكس ذلك، الحق يصنع القوة، أنت قوي لأنك على حق، لكن في عالم المادة أنت على حق لأنك قوي، هذه أيضاً من ضلالات العصر، ومِن هذه الضلالات العنصرية، لك ما ليس لغيرك، لك حق الفيتو؛ الاعتراض، أما بقية دول العالم لا تملك هذا الحق، لك أن تمتلك أسلحة الدمار الشامل، لكن لا تسمح لأي جهة أن تمتلك هذا السلاح، العنصرية أن تتوهم أنه ما لك ليس لغيرك، وما على غيرك ليس عليك، يمكن لك أن تضع في السجن كما يفعل الصهاينة عشرين ألف أسيراً، أما إذا أُخذ أسير واحد يُدمَّر بلد عربي بأكمله، من أجل أسير واحد، لك ما ليس لغيرك، وعلى غيرك ما ليس عليك، هذه من ضلالات العصر، وتسمى الآن العنصرية .

فالجينات أنواع الانحراف والشذوذ تُفسَّر تفسيراً يريح المنحرف، أن هناك خصوصية في جيناته، والعلم أثبت عكس ذلك، لا علاقة للجينات بالسلوك، الأخلاق نسبية، ما هو محرم في بيئة مقبول في بيئة أخرى، والمعنى أنْ ليس هناك قيم ثابتة، كل بلد له عادات وتقاليد، وتراث وموروثات، فإذا كان الشيء هنا محرم، هناك مقبول ومباح، هذه الفكرة ميّعت القيم، فأصبح المجتمع بلا قيم.

أيها الإخوة، الفتن الطائفية من هذه الضلالات، نستورد مشكلات من التاريخ، ونجعلها أصلاً في الدين، ونسفك الدماء من أجلها، هذا من ترويج الشيطان، بل إن كل طاغية يستخدم سلاح الفتن الطائفية .

﴿  إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4)  ﴾

[  سورة القصص  ]

وطغاة العصر يقول بعض وزرائهم: أنا لا يعجبني أن يكون العالم مئتي دولة، أتمناه خمسة آلاف دولة، الفتن الطائفية من ضلالات العصر، العنصرية من ضلالات العصر، التطهير العرقي يقتل الرجُلُ لأنه من هذا العرق فقط، لا علاقة له، لم يسفك دماً، ولم ينهب مالاً، ولم ينتهك عِرضاً، موت كعقاص الغنم لا يدري القاتل لم يقتل، ولا المقتول فيما قُتل، هذا أيضاً من ضلالات العصر . 

﴿ثم لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ من هذه الضلالات، من أجل الحفاظ على أسعار اللحوم يُعدَم عشرون مليون رأس غنم في أستراليا، للحفاظ على مستوى السعر، بينما شعوب بأكملها تموت من الجوع.

أحياناً تُتلف كميات من الزبدة يساوي حجمها حجم أهرامات مصر حفاظاً على السعر المرتفع، ومحصول البرتقال أُتلِف بأكمله، لكن لما تسلل الزنوج ليأكلوا منه مجاناً في العام القادم سُمِّم هذا المحصول، ورُشّ بالسموم، الشيطان يروج لهذه الضلالات وتلك الشهوات .

الضعفاء يُسحقون، يُقتَّلون، تُنهب ثرواتهم، تُؤخذ أموالهم، يُعتقل شبابهم، هذا أيضاً من ضلالات العصر، هذه الضلالات.

وهناك الشهوات، الجنس الآن في العالم إلهٌ يعبد من دون الله، إذا كان هناك 800 محطة فضائية، 400 محطةٍ منها إباحية، وإذا كان 8 مليارات موقع بالإنترنت 23 مليونًا موقع إباحي، وهناك تجارة الرقيق الأبيض منتشرة في العالم.

إذاً: ﴿ثم لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾

5 ـ الفتن والاختلافات والدعوة إلى الجاهلية أساليب الشيطان :

ما في التاريخ من فتن، تُحيا هذه الفتن، ويُركَّز عليها، وتعد أصلاً في الدين، ويقتتل الناس من جرّاء هذه الفتن، فتن عرقية، فتن طائفية، فتن مذهبية، هذا أيضاً من فعل الشيطان. 

﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أو إحياء التراث الوثني، وتجاهل الإسلام، يكون قبل الإسلام حياة وثنية، وآلهة متعددة، إحياء التراث الوثني، تمجيد ما قبل الإسلام من أصنام ومن عادات، ومن تقاليد، أيضاً هذا من وسوسة الشيطان ﴿ثم لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾

أما :

﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ فمثلاً التحريش بين المؤمنين هذا من فعل الشيطان، يعني المسلمون جماعات ومذاهب وطوائف وفرق. وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا

الغرق في الجزئيات ونسيان المقاصد والكليات، نختلف على صلاة التراويح، وفي بعض البلاد يتقاتلون، وهي سنة، ووحدة المسلمين فرض، نختلف على تسمية الأشياء، ما تعريف صلاة التهجد وصلاة قيام الليل؟ نختلف ونقتتل، نختلف على التشهد، بحركات متتابعة أم بحركة واحدة؟ نختلف على أشياء تعد من الدرجة المئة في سلم الأولويات، ومع ذلك نختلف ونقتتل أحياناً. 

﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ الدعوة إلى الذات لا إلى الله، دعوة إلى الذات أساسها الابتداع، أساسها التنافس، أساسها إلغاء الآخر. 

﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ الاهتمام بالمظاهر، تجد المؤتمر إسلامياً، والوفود من شتى بقاع الأرض، والصحفيات يرتدين ثياباً فاضحة، ولا شيء عليهن، مؤتمر الالتزام منعدم فيه، الاهتمام بالمظاهر، وإلغاء السنة، والاكتفاء بالقرآن ﴿ثم لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ ألم يقل الله عز وجل :

﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾

[  سورة الحشر  ]

﴿ثم لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ شبهات العصر، وشهوات العصر ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ العادات والتقاليد ما قبل الإسلام، يُروَّج لها، ويُحتَفى بها، وتُقدَّس ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ هذه القضايا الخلافية تُضخَّم، وتُروَّج، وتصبح موضوعاً للصراع .

6 ـ شبهات التأويل :

الدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن، أو اللعب بتأويله، يعني أعداء المسلمين بوسوسة من الشيطان اخترقوا المسلمين في ثلاث قضايا، القضية الأولى: اللعب بالتأويل .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

 إذا كان الربا ضعفاً واحداً فلا شيء فيه، النهي عن أضعاف مضاعفة.

أيها الإخوة، نسبية النص، هذه شبهة كبيرة، أن هذا النص لا يصلح لهذا العصر، لكنه يصلح لعصور الصحراء، فلا بد من قراءته قراءة جديدة، لا بد من قراءته تمهيداً لإلغائه، أو تمهيداً لإخراجه عن مضمونه، أو تحييداً له عن واقع الحياة، فقد كان الدين كياناً واضحاً صلباً، واضح المعالم، صار كياناً مرِناً، هذه المرونة ازدادت، فصار لزجاً، ثم صار سائلاً، والسائل يتغير شكله، ويبقى حجمه ثابتاً، الآن الدين غاز، ليس له شكل ثابت، ولا حجم ثابت، تُرتكَب أكبر المحرمات والمعاصي والآثام والمظهر ديني، والإطار يدني، وكل شيء فيه تسامح، إلى أن فَقَد الدين محتواه ومضمونه. أيها الإخوة، هذا : ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ أما : 

﴿عَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ ترويج الخمر، هناك قيم روحية، وهناك مشروبات روحية، روحية وروحية، الخمر سميت بأسماء كثيرة، الاختلاط والتعري والزنا، وأكل الربا، نحن أمة اقرأ ( سابقاً )، الآن أمة ارقص، بدل اقرأ ارقص، اختيار ملكات جمال حضارة .

أيها الإخوة، هذه الآية دقيقة جداً ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ يعني معه ملايين مملينة ويشكو، الشكوى جزء من حياته، يشكو الدخل لا يعجبه والحياة لا ترضيه، وزوجته لا يهتم بها، وهكذا .


وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ 


أيها الإخوة، هذا تمهيد لدرسنا، أما الدرس فيقول الله عز وجل: 

لا تأخذوا دورَ الشيطانِ في تثبيطِ الناسِ عن العمل الصالح :

﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ﴾ كلما وجدتم طريقاً إلى الله، الصدقة طريق إلى الله، تنهون الآخرين عن الصدقة، حضور مجلس العلم طريق إلى الله، دعك من هذا المجلس، اهتم بشيء آخر، اهتم بدراستك، طريق بناء مسجد، المساجد كثيرة، طريق إطعام الجياع، لهم رب يتولى شأنهم، كلما رأيت إنساناً تحرك نحو عمل صالح تنهاه عن هذا العمل، فالله عز وجل يقول: إياكم، ثم إياكم، ثم إياكم أن تأخذوا دور الشيطان في تخويف الإنسان من إنفاق ماله، أو من حضور مجلس علم، أو من طاعة، أو من اختيار عمل شريف، يقول لك: الدخل لا يكفي، هذا العمل دخله كبير، دعك من هذه الوسوسة، لا تكن متزمتاً. 

﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ﴾ أي: بكل طريق يؤدي إلى الحق، إلى طاعة الله، إلى إنفاق المال، إلى إتقان العمل، إلى غض البصر، إلى ترك الاختلاط، إلى تلاوة القرآن، إلى حفظ القرآن ... هذه الطرق التي تفضي إلى الله عز وجل، الذين شردوا عن الله ينهون سالكيها عن بلوغ أهدافهم. 

﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ﴾ إذاً: هذا الذي يفعل هذا شاء أم أبى، أعجبه أو لم يعجبه، رضي أم غضب، هو شيطان، لأنه أخذ دور الشيطان .

أحياناً يقوم عمل معين، مَن الذي فعله؟ هناك دراسة تحليلية، الذي انتفع به هو الذي فعله، مثلاً: الخلاف بين المسلمين، من ينتفع به، الشيطان وحده، لأن الشيطان ينتفع به وحده، إذاً: كل إنسان يشق صفوف المسلمين، يفرقهم، يشرذمهم، يثير العداوة والبغضاء بينهم هو إذاً شيطان، ما دام المنتفع الأول من هذه الخلافات هو الشيطان، إذاً: الشيطان هو الذي يدفع بالناس إلى هذه التفرقة. 

﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ أي تُخوِّفون مَن يسلكه، إياك أن تحضر مجلس علم، ما الخطر؟ يؤخذ اسمك، وإذا أخذوا اسمي! ما مِن شيء إطلاقاً، درس مرخص، درس نظامي، درس فيه دعوة إلى الأخلاق، دعوة إلى السلم، دعوة إلى المحبة، دعوة إلى التعاون . 

﴿تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ طريق إلى الله تصد عنه، طريق إلى الدنيا، إلى الشهوة، إلى المعصية، إلى النار تُروِّج له .


وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً 


﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ يعني أحكام الدين تُفرَّغ من مضمونها.

مثلاً: لمّا حرم الله على اليهود الصيد يوم السبت، ماذا فعلوا؟ صنعوا بحيرات، وجمّعوا فيها الأسماك، وأقفلوها مساء السبت، واصطادوها يوم الأحد، هذه هي الحيل الشرعية . 

﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ دائماً هناك احتيال على تطبيق الشريعة، لذلك الآية الكريمة :

﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) ﴾

[  سورة الإسراء  ]

هذه الفتنة بدأت من عهد النبي عليه الصلاة والسلام: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ الإسلام مقبول كإطار، مسجد، مؤتمر، مؤلفات، دروس، أما تطبيق منهج الإسلام الحقيقي فهذا ينبغي أن يُغيَّر، لأنه لا يتناسب مع روح العصر، ,تحريم الربا مشكلة كبيرة، وإلغاء الاختلاط مشكلة أكبر .

فلذلك أيها الإخوة، الصد عن سبيل الله وأن يبتغي الإنسان الأمور بشكل مِعوَج، وكلّ أمر له طريق معوج، هذا غير صحيح، للتقريب :

هذه المرأة يجب أن تحج، ما معها محرم، تكتب عقد زواج صوريًّا، هذا طريق معوج للحج، لا يرضي الله، الله عز وجل لا يُعبَد إلا وفق ما شرّع، أو أن أسلك طريقًا ملتوياً كي أصل لهدف معنى ذلك أن الذي يفعل هذا ليس مخلصاً .


وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ


ثم يقول الله عز وجل : 

﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ﴾ قد يكون الإنسان ضعيفاً، الله عز وجل يقويه، والمسلمون كانوا قلة، لكنهم كانوا في أعلى درجات القرب من الله، وفتحوا العالم، الآن مليار و500 مليون، ربع سكان الأرض التي فيها ستة آلاف مليون، المسلمون مليار و500 مليون، وهم يملكون ثروات طائلة كثيرة، كثيرة وقليلة، كثيرة لا تقدر بثمن، أكبر احتياطي نفط في العالم ببلاد المسلمين، وفي العراق بالذات، وأرخص نفط في استخراجه هو نفط العراق 450 مليار برميل الاحتياطي البعيد الأمد، يملكون ثروات كبيرة، وموقعاً استراتيجياً، أمة واحدة، إله واحد، نبي واحد، قرآن واحد، آمال واحدة، آلام واحدة، والحدود بينهم والسدود، بينما الذين خاضوا حروباً لـ200 عام في أوربا، أوربا الآن كلها بلد واحد .

كنت مرة في مدينة في ألمانيا، فجأة قيل لي: هذه هولندا، صعقت، أين الحدود! أين اللوحات! أين الجوازات! لا شيء، ولا لوحة، ولا إشارة، ولا عبارة، كيف عرفتم؟ قال: من لون لوحات السيارة، كانت بيضاء، فأصبحت صفراء، لأنهم اتحدوا، اقتصاد واحد، عملة واحدة، ناطق واحد ينطق باسمهم جميعاً، ونحن إذا أتوا إلينا يقولون: سُنة، وشيعة، وأكراد، وآشوريين، وعرب، أعوذ بالله : 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾

[ سورة القصص ]

لذلك: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ أيها الإخوة الكرام، الله عز وجل يرينا آياته إن شاء الله في الطرف الآخر الذي طغى وبغى، ونسي المبتدى والمنتهى، هم قلقون جداً لفتح الحدود بين غزة ومصر، لماذا، لأن الموت المحقق للنساء والأطفال لم يقع، إذا هم قلقون، ما الذي يريحهم ؟ إبادتنا، هذا الذي يريحهم .

الآن :

﴿  وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(87)﴾

[  سورة الأعراف  ]


وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا


أناس آمنوا بالله، وأناس لم يؤمنوا، الذين لم يؤمنوا قد يكونون أقوياء وأغنياء وأذكياء، وناصية العالم بيدهم، الأموال بيدهم، الأقمار بيدهم، التحالفات بيدهم، الإعلام بيدهم، أناس آمنوا وهم ضعاف، أناس لم يؤمنوا وهم أقوياء . 

﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا﴾ أيها الضعيف اصبر، سوف تنتصر، وأيها القوي اصبر، فسوف ترى النتائج، الصبر الأول صبر رجاء، والصبر الثاني صبر تهديد، أيها الضعيف اصبر، وأيها القوي اصبر، سوف ترى .


حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ


﴿فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ أنتم أيها الإخوة، لو قرأتم التاريخ لا تتصورون حجم المعركة بين قريش وبين المسلمين. أيها الإخوة:

﴿  قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ(88)﴾

[  سورة الأعراف ]

 

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ


يعني هناك تناقض صارخ بين المؤمن المستقيم وبين غير المؤمن، وهذه معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، أرادها الله عز وجل لحكمة بالغة، لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أهل الحق لا يستحقون العطاء الأبدي السرمدي إلا بالبذل والتضحية .

أيها الإخوة: ﴿قَالَ الْمَلَأُ﴾ يعني وجهاء القوم، كبراء القوم، الأغنياء الأقوياء، المتبوعون . 

﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ إنكم إذاً لخاسرون، جاء أمر الله .

﴿  فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(91)  ﴾

[  سورة الأعراف  ]


المعالجة الربانية للناس :


﴿  الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِين(92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ(93)  ﴾

[  سورة الأعراف  ]

الله عز وجل أرسل نبياً كريماً، ونصحهم، وبيّن لهم، وعالجهم، وأدبهم، وأصروا على كفرهم، وانتهى الأمر.

لذلك هذه القصص أيها الإخوة، ما ذُكرت في كتاب الله إلا لكي تكون لنا دروساً نستفيد منها في حياتنا، هؤلاء الذين جاؤوا إلى الدنيا، وما عرفوا ربهم، بل كذبوا بالحق لمّا جاءهم هلكوا في الدنيا، وفي الآخرة .

والحمد لله رب العالمين 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور