وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 23 - سورة الأعراف - تفسير الآيتان 55 - 56 ، الدعاء وطريقة المناجاة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والعشرين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الخامسة والخمسين، وهي قوله تعالى :

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(56) ﴾ 

[ سورة الأعراف ] 


الدعاء :


1 – الدعاءُ عبادة :

2 – لماذا كان الدعاء عبادة ؟

أيها الإخوة، لماذا الدعاء عبادة؟ لأن الإنسان بفطرته لا يدعو جهةً لا يؤمن بوجودها، لا أحد يدخل إلى بيت فارغ ويخاطب جهة ليست موجودة، يُتَّهم بعقله، أنت لا تدعو جهة لا تؤمن بوجودها، وأنت لا تدعو جهة لا تسمعك، وأنت لا تدعو جهة ليست قادرة على تحقيق ما تطلب منها، وأنت لا تدعو جهة تسمعك وقادرة، ولكنها لا تريد أن ترحمك، لا تدعوها، أعداء، لمجرد أن تدعو الله عز وجل حُكماً أنت مؤمن بوجوده، ومؤمن بأنه يسمعك، ومؤمن أنه قادر على أنْ يلبّيك، ومؤمن بأنه يحب أنْ يلبّيك، خلقك ليرحمك.

 لذلك يقول الله عز وجل :

﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ  ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) ﴾ 

[  سورة الفرقان ] 

 يعني علامة المؤمن أنه يدعو الله عز وجل . 

3 – ضعفُ الإنسانِ يضطره إلى الدعاء :

 لكن هناك تمهيد لا بد منه، أراد الله عز وجل لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة أن يكون الإنسان ضعيفاً.

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) ﴾ 

 

[ سورة النساء  ] 

 هذا ضعف في أصل خلقه، والإنسان كما قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22) ﴾ 

[  سورة المعارج  ] 

 لماذا خلقه الله هلوعاً، جَزوعاً، مَنوعاً، ضعيفاً؟ لأنه لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله عز وجل، فشقي باستغنائه، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره، يعني خلقنا ضعفاء، وساق لنا بعض المصائب كي نتعرف إليه، ونتصل به، ونسعد بقربه، ونذوق طعم القرب منه . 

4 – علة الدعاء الاتصالُ بالله :

 هذه النقطة دقيقة جداً، علّة الدعاء أن تتصل به، هناك نُخبة من البشر يتصلون بالله عز وجل من دون مشكلة، من دون مصيبة، من دون ابتلاء، هؤلاء الأنبياء والمرسلون، وكبار العلماء، الصديقون، الصحابة الكرام، لكن عامة المؤمنين يحتاجون إلى بواعث، إلى دوافع، إلى محفزات، أحياناً يضعف الإنسان أمام مشكلة، ليس له إلا الله، يدعو الله عز وجل فيستجيب له، فتزداد عقيدته بالله، يدعو الله فيستجيب له، ويذوق طعم القرب منه، فيلزم هذا الباب، كم مِن مشكلة سبّبت قرباً من الله، كم من مشكلة سبّبت عودة إليه؟ كم من مشكلة سبّبت قرباً منه، كم من مشكلة سبّبت أن الإنسان بعد أن يعرف الله يزهد فيما سواه .

 هناك قصة رمزية يرويها بعض العلماء: أن شاباً أحب فتاةً وخطبها، اشترط عليه والدها وهو له عمل في الدعوة أن يلزم دروسه، فلما لزم دروسه ذاق طعم القرب، وشعر بسعادة الإيمان.

 أحياناً تأتي مشكلة خلاصك فيها، ساق الله لك مشكلة، وأنت ضعيف، أنت في الأساس ضعيف﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾  هذا الضعف في أصل خلقه، لمصلحته، ليلتجئ إلى ربه .

 حينما تصيب الإنسان مشكلة، ويرى الأبواب كلها مُغلّقة، لكن باب السماء مفتوح، يتوجه إلى الله.

 لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أنه إذا كان الثلث الأخير من اليل : 

((  ينْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الآخر، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَه ؟ حتى ينفجر الفجر  )) 

 

[ مسلم عَنْ أبي هُرَيْرَةَ  ] 

 القصد من الدعاء الحقيقي أن تتصل بالله، وأن تذوق طعم القرب منه، وأن ترى ألوهيته، الأمر كله بيده . 

5 – الدعاء يقوي العقيدة :

 أجمل كلمة قرأتها عن الدعاء أنه يقوّي العقيدة، أنت ضعيف، والأمور صعبة جداً، وهناك مشكلة كبيرة جداً لا تُحَل، قمت في الليل، وركعت ركعتين، وتوجهت إلى الله عز وجل، وقلت: يا رب، ليس لي سواك، في اليوم التالي شعرتَ بتبدّل جذري، الذي كان مُصرّاً على منعك تساهل معك، ما الذي حصل؟ تشعر أن الله بيده كل شيء، بيده مَن هم دونك، مَن هم فوقك، بيده الأقوياء، بيده الجبابرة .

 يعني سيدنا موسى لمَ لم يقتله فرعون؟ لمَ هابه، وأجرى معه مناظرة ؟ وجاء بالسحرة، الأمر بيد الله عز وجل .

﴿  قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46) ﴾ 

[  سورة طه  ] 

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِقَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61( قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾ 

[  سورة الشعراء  ] 

 أبو بكر قال: يا رسول الله، لقد رأونا -في الغار-  قال له : 

((  يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ؟  )) 

[  متفق عليه  ] 

 أنا الذي أراه، وأرجو أن أكون على صواب: أن الهدف من الدعاء أن تتصل بالله، المشكلة التي ساقها الله إليك باعث، سبب، وسيلة، أما الهدف أن تقترب منه، أن تدعوه، إن دعوته أجابك، وإن استغفرته غفر لك، وإن تبت إليه قبِلك، وإن تضاءلت أمامه رفعك.

 لذلك أيها الإخوة، الإنسان خُلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خُلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي في استغنائه، خُلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره، ولم يُخلق قوياً لئلّا يستغني عن الله بقوته، فيشقى باستغنائه ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾  لذلك الباعث الديني من ضعف الإنسان، حتى الذين آمنوا بآلهة ما أنزل الله بها من سلطان، الآلهة التي اخترعها الناس، هم يلبون حاجة عندهم، حاجة الضعف عندهم، الإنسان ضعيف، يخاف من مرض عضال، يخاف من فقر، يخاف من مشكلة في بيته، يخاف من علاقة سيئة مع زوجته، يخاف من علاقة سيئة في عمله ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾  هو ضعيف ليقوى بالله، فقير ليغتني بالله، جاهل ليستنير بنور الله، هذه علة الدعاء أن تتصل به .

 يعني بربك بالمثل الواضح: أب عنده ابن، وجاء فصل الشتاء، والبرد شديد، وهذا الابن ليس عنده معطف يقيه البرد، هل هناك أب حكيم، عاقل، رحيم، قوي، غني، لا يعطي ابنه هذا المعطف إلا إذا سأله؟ لا، كمال الأب يقتضي أن يعطيه المعطف سأله أم لم يسأله، ولكن حينما يؤخر شراء المعطف يأتي الابن ويسأل أباه هذا المعطف، يقول له: حباً وكرامة يا بني، أنت ابني، أنت غالٍ عليّ، فنشأت علاقة . 

6 – عدمُ إجابة الدعاء لحكمة بالغةٍ :

 العطاء عطاء، والمنع منع، أدق من ذلك الله عز وجل يتصرف بحكمته، وبرحمته، وبعدله، والدعاء لا يقدم ولا يؤخر، ولكن الدعاء تذوق به طعم القرب، أحياناً هناك خطة إلهية، مهما دعونا لن يُستجاب لنا، لا لأنه لا يحبنا، ولكن تماماً كإنسان مفتوح بطنه بعمل جراحي، والعملية طويلة، تحتاج إلى عشر ساعات، والمرض خطير، والطبيب ماهر ومُحسِن ومتفوق، فجاء أولاد هذا الأب المريض المُلقى على سرير العمليات يرجون الطبيب أن ينهي الأمر، لا بد من أن تأخذ العملية أمدها .

 نحن ندعو الله كثيراً، فإن لم يستجب فنحن في عناية مشددة، نحن في عمل جراحي صعب جداً إلى أن تنتهي العملية، فلا تيئسوا، ولا تقطنوا من روح الله، وتفاءلوا، وكان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن . 

7 – شأن العبد الافتقار ، وشأنُ الواحدِ القهارِ القوةُ والكرمُ :

 لكن الله عز وجل يقول : 

﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾  العبد عبد، والرب رب، شأن العبد الافتقار، وشأن الواحد القهار القوة والكرم.

 لذلك هذا المتألّه، المستكبر، هذا حُجِب عن الله، ورُبّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خيرٌ من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ، معصية إبليس استكباره، ومعصية آدم ضعفه .

﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُفَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا  (115) ﴾ 

[  سورة طه  ] 

 أمّا إبليس قال :

﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖقَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ  خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 

 ما كنت لأسجد له ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾  فرق كبير بين معصية الاستكبار، وبين معصية الضعف.

 لذلك أيها الإخوة، الدعاء يُقبَل إذا أظهرت ضعفك أمام الله، وهناك علاقة دقيقة جداً، فكلما أظهرت ضعفك أمام الله، كلما أظهرت افتقارك إليه كلما رفعك، وما من مخلوق فيما أعلم على وجه الأرض أكثر افتقاراً إلى الله من رسول الله، وما من مخلوق رفع الله ذكره، وأعزّه في الدنيا والآخرة كرسول الله، علاقة عكسية، كلما ازددت خضوعاً لله، كلما مرّغت جبهتك في أعتاب الله، كلما قلت: يا رب، أنا عبد ضعيف .

 اسمحوا لي أن أقول لكم هذا النص: نور الدين الشهيد الذي واجه المغول، مرة سجد قبل معركة، وقال: يا رب ، مَن هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك يا رب .

 كلما ازددت افتقاراً إليه كلما غمرك بالعطاء، كلما رفع ذكرك، كلما أعزّك، كلما ألقى عليك الهيبة، وكلما قلت: أنا وأنا يتخلى عنكَ .

﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ  ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾ 

[  سورة القصص  ] 

 قارون :

﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي  ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) ﴾ 

[  سورة القصص  ] 

﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ  فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ (81) ﴾ 

[  سورة القصص  ] 

 جرب قل: أنا، يتخلى الله عنك، قل: الله، يتولاك .  


درسان بليغان من سيرة الصحابة : درس حُنين ، ودرسُ بَدْرٍ :


 الصحابة الكرام، وهم نخبة الخلق في بدر، وعلى رأسهم النبي عليه الصلاة والسلام افتقروا إلى الله.

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ  ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) ﴾ 

[  سورة آل عمران ] 

 مفتقرون ضعفاء، وفي حُنين، أقوى قوة في الجزيرة فُتِحَت مكة، ودانت الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها، بعد حنين قالوا في أنفسهم، وهم الصحابة الكرام: لن نُغلَب من قِلّة: 

((  لن يهزم اثنا عشر ألفا من قلة  )) 

[  أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن ابن عباس  ] 

 قال تعالى :

﴿  وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾

[  سورة التوبة  ] 

 يعني درس بليغ، درس حُنين، ودرس بدر، ببدر قالوا: الله ، فتولاهم الله، بحنين قالوا: نحن كثر، فتخلى الله عنهم، جرب بعملك، بزواجك، ادخل إلى البيت قل: بسم الله الرحمن الرحيم، اخرج من البيت قل: اللهم إني أعوذ بك من أن أضلّ أو أُضل، أو أذلّ أو أُذلّ، أو أن أجهل أو يُجهل علي ، الله يتولاك، يسدد خطاك، ينطقك بالصواب، يلهمك الحكمة، يلقي عليك هيبة، يهابك الناس، قل: أنا متفوق، عندي خبرات متراكمة، الناس كلهم يحبونني، ترى استخفافاً من الناس، وتخلياً من الناس يصعقك، لأنك قلت أنا .

 أيها الإخوة، لذلك الدعاء يحتاج إلى خضوع، إلى تضرع، إلى افتقار، أنت حينما تفتقر للواحد الديان يرفعك في أعلى عليين، يمنحك الحكمة، يمنحك الهيبة، يمنحك الوقار، يمنحك القوة، يمنحك العلم، يمنحك النجاح، التفوق، اخضع، تذلل. 

وما لي سوى فقري إليك وسيلة  فبالافتقار إليك فقري أدفع

وما لي سوى قرعي لبابك حيلة  فإذا رددت فأي باب أقرع

[ الإمام السهيلي ] 

 لا تعتمد على أحد، اعتمد على الله . 

((  لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ، لكن أخ وصاحب في الله  )) 

[ صحيح المسلم عن عبد الله بن مسعود ] 


معنى : ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا 


 لذلك: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾  يعني أظهر ضعفك، أظهر افتقارك إليه، تذلّل بين يديه، مرّغ جبهتك في أعتابه، قل: يا رب، أنا جاهل علمني، أنا ضعيف قوني، أنا فقير أغنني يا رب، أنا لست حكيماً ألهمني الحكمة .

سيدنا يوسف نبي عظيم قمة في مجتمعه، قال :

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ  (33)﴾

[  سورة يوسف  ] 

 حتى استقامته وعفته ما نسبها إليه ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾  شأن العبد الخضوع، وشأن الله العطاء، بقدر ما تخضع يرفع شأنك، ألم تقرأ قوله تعالى:

﴿  أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4) ﴾ 

[  سورة الشرح  ] 

 وهذه الآية تنسحب على كل المؤمنين، بقدر استقامتك، وطاعتك وإخلاصك يرفع الله لك شأنك، يلقي محبتك في قلوب الخلق، إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق، وإذا أبغض الله عبداً ألقى بغضه في قلوب الخلق، لا أحد يحبه، إذا أحب الله عبداً كتب له القبول عند الخلق.

 لذلك: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾  أظهرْ ضعفك، أظهرْ تذلّلك، مرّغْ جبينك في أعتابه. 

8 – لا ترفع صوتَك بالدعاء :

 أيها الإخوة، لكن ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾  رفع الصوت بالدعاء، التّفاصُح بالدعاء، الكلمات المُنمّقة بالدعاء، الدعاء الطويل، ساعة أحياناً .

حدثني أحد العلماء: كان في حفل بدأ المتكلم بالدعاء، خمس دقائق، عشر دقائق، ربع ساعة، فنام، استيقظ وقال له: أين وصل؟ هذا عدوان، رفع الصوت عدوان، والإطالة عدوان، عدوان في الدعاء. 

9 – حقُّك في الدعاء محفوظ :

 أيها الإخوة، يجب أن تتأكد أنك إن دعوته، أو لم تدعه لا يفعل معك إلا الأصلح، فإذا كان الأصلح لك أن يستجيب لك استجاب لك، وإذا كان الأصلح لك ألا يستجيب لا يستجيب، لكنك حقك في الدعاء محفوظ .

 دقق، إذا كان الأصلح لك وهو الحكيم الخبير، أن يستجيب لك استجاب لك، إذا كان الأصلح لك ألا يستجيب لا يستجيب لك، ولك أجر الدعاء، ويقرّبك لكن مضمون الدعاء لا يتحقق، لذلك الله عز وجل لا يفعل إلا الأصلح لك، دعوته أو لم تدعُه .

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) ﴾  

[ سورة البقرة ] 

 لأن الله علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون 

قد يكون طموح الإنسان أن يكون ذا دخل غير محدود، والله عز وجل شاءت حكمته أن يكون ذا دخل محدود، يوم القيامة حينما يكشف الله لك عن الذي ساقه إليك، عن الظروف التي وضعك فيها، لماذا أنت من فلان ومن فلانة؟  لماذا جئت في هذا العصر؟ ولم تكن في عصر الصحابة؟ لمَ كنت من ريف أو من مدينة؟ لمَ كنت وسيماً أو لست وسيماً؟ لمَ كنت حاد الذكاء أو أقلّ من ذلك؟ حينما يكشف الله لك ما ساقه لك في الدنيا يجب أن تذوب كالشمعة شكراً لله على ما ساق لك.

 لذلك مشكلة البشر مع خالقهم يوم القيامة في كلمة واحدة :

﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  (10) ﴾ 

[  سورة يونس ] 

 أيها الإخوة﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾  تذلُّل ﴿وَخُفْيَةً﴾  يا رب، لا نسألك رد القضاء، نتحمل، ولكن نسألك اللطف به، هذا تطاول على الله، هذا الدعاء مرفوض، لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم، يا رب، اصرف عني هذا البلاء كله، أنت الكريم يا رب . 

﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾  بصوت منخفض .

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً(3) ﴾ 

[  سورة مريم  ] 

 كنت في بلد إسلامي، ودخلت إلى أضخم مسجد في إفريقيا، يعني يقترب من الحرم النبوي، الذي أشاد هذا المسجد استقبلني، وقال لي: كنت في سجن الفرنسيين وقت الاستعمار، ورأيت التعذيب بعيني، أقسم لي بالله، قال لي: لم أحرّك شفتاي، لكنني أضمرت، إذا أنجاني الله من هذا البلاء سأبني له أضخم مسجد ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾  أنت لا تحتاج إلى صوت مرتفع، أحياناً تجد في الدعاء يهتز المنبر، ادعُه همساً، ادعُه سراً، لا تحرك شفتيك ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا﴾  أحياناً تكون في ظرف لا تستطيع أن تتكلم بأي كلمة، فقل بقلبك: يا رب نجِّني، يا رب، ليس لي إلا أنت .

 لما جاء الحجاج بالحسن البصري ليقطع رأسه، لمّا دخل، رأى السياف واقفًا واضح وضوح الشمس جاء ليُقتَل، حرك شفتيه، لم يفهم أحد ما قال، فإذا بالحجاج يقف له جاء ليقتله وقف له؟! يقول: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، وما زال يقربه من مجلسه حتى أجلسه على سريره، واستفتاه، وأكرمه، وعطّره، وضيّفه، وشيّعه إلى باب القصر، السيّاف صُعق، لماذا جيء بي؟! جيء به لأقتله، الحاجب صُعق، تبعه الحاجب قال: يا أبا سعيد، ماذا قلت لربك؟ قال له: قلت: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم .

 لا تحتاج إلى صوت مرتفع، ولا إلى فصاحة، ولا إلى سجع، ولا إلى كلمات رنانة .

 هناك إخوة كُثُر يقولون: ما الدعاء المرغوب؟ قل: ادعُه باللغة العامية، يا رب ما لي غيرك، يقبلها منك، يريد قلبك، يريد التفاتك، يريد تضرعك، يريد تذللك، يريد قربك.  

لذلك أيها الإخوة ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾  بلا صوت مرتفع، بلا فصاحة زائدة، المتنطّعون، المتفيقِهون، الذين يدعون دعاء بصوت عالٍ جداً بتنسيق، بسجع، هذا مصنوع ما فيه حرارة الدعاء والإخلاص . 

10 – حظُّك من الدعاء الاتصالُ لا الإجابةُ :

 أيها الإخوة، حظك من الدعاء ـ دقق ـ حظك من الدعاء ليس الإجابة، ولكن الاتصال ، الإجابة محققة أو غير محققة، إن كان تحقيقها لصالحك فهي محققة، وإن لم يكن تحقيقها لصالحك فهي ليست محققة، هي محققة من دون دعاء، ولا تُحقَّق مع الدعاء، الدعاء وسيلة للاتصال بالله عز وجل، ولأن تذوق طعم القرب منه، وحلاوة المناجاة له، لكن الذي يفعله الله هو الأصلح لك، أعجبك أم لم يعجبك، وسوف يعجبك . 


معنى : إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ


 لكن : 

﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾  هذه الآية تُحمَل على معنيين : 

المعنى الأول :

﴿لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾  في الدعاء، بالإطالة ورفع الصوت . 

المعنى الثاني :

 ولكنه أيضاً: ﴿لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾  على إخوانهم، وعلى المؤمنين، أيّ إنسان يعتدي لا يُلهَم الدعاء، هناك حجاب عن الله، عدوانه يبعده عن الله عز وجل، يعني المعتدي لا يستطيع أن يدعو الله، لوجود حجاب كبير . 


صورٌ مِن العدوان في الدعاء :


1 – إطالةُ الدعاء : 

 إخواننا الكرام، أحياناً الدعاء فيه عدوان بالإطالة، أو برفع الصوت. 

2 – العدوانُ من حيث المضمونُ:  

﴿  قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا  هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(58) ﴾ 

[  سورة يونس  ] 

 اطلب الهداية، اطلب الإيمان، اطلب عملاً صالحاً، اطلب أن يجعلك الله عالماً، أن يجعلك داعية، اطلب زوجة صالحة، يا رب امرأة جميلة، اطلبها صالحة .

 لذلك هناك عدوان في مضمون الدعاء، طبعاً الأنبياء قمم في الكمال، لكن ليعلِّمنا الله من بعض الآيات :

﴿  وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(46) ﴾ 

[  سورة هود  ] 

 أحياناً يقال: يا رب انتقم منه، الله ينصر دينه بالقوي، من دون أن يشعر، صدقوا أيها الإخوة، ولا أبالغ ما مِن قوي على وجه الأرض طاغية من آدم إلى يوم القيامة، إلا ويوظفه الله لخدمة المؤمنين، لكن خدمة سلبية، وليست إيجابية، لخدمة أهل الإيمان، من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، ومن دون أجر ولا ثواب، هذا له دور، دوره أن يشد الناس إلى الله، شِدته، وغِلظته، وطغيانه، وجبروته يرجئ الناس إلى باب الله .

 لذلك مرة سُئل تيمورلنك: مَن أنت ؟ والله أجاب إجابة رائعة، قال: " أنا غضب الرب " ، الإنسان يغضب يكسر، يرفع صوته، يخبط الباب، إذا غضب الواحدُ الديان يرسل طاغية، إن أحسنت لم يقبل، إن أسأت لم يغفر، إن رأى خيراً كتمه، إن رأى شراً أذاعه، وما مِن إنسان يطغى إلا ويسوق الناس إلى باب الله، تجد البلاد الغنية جداً مستغنية عن الله، وهناك بلاد فيها مشكلات كثيرة، تجد المساجد ممتلئة، الحجاب منتشر، الشباب في المساجد، هل تعلم ما السبب؟ هناك شدة شديدة جداً، هذا القوي لو يعلم أنه موظف عند الله لخدمة المؤمنين لا يصدق، وبلا أجر، وبلا ثواب، وبوِزْرٍ وعقاب .

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ  وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) ﴾ 

[  سورة القصص  ] 

 هذا الدليل: ﴿عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾  ولمجرد أن قيل له: سيأتي طفل من بني إسرائيل يقضي على ملكه، القضية سهلة جداً، أي طفل يجب أن يُقتَل، والمولّدة التي لا تُبلِغ عن طفل ذكر تُقتَل مكانه.

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ 

 دقق الآن : 

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6) ﴾ 

[  سورة القصص  ] 

 اصطلح مع الله فقط، اصطلح مع الله يغيّر الله لك كل شيء .


وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا


 الآية التي بعدها : 

﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾  يعني هل بإمكانك أن تلغي إشراق الشمس؟ لا، بزوغ القمر؟ لا، نظام الليل والنهار؟ لا، خصائص المعادن؟ لا، هذه لا تأتمر بأمرك، لكنك مُخيّر فيما كُلِّفت، بإمكانك أن تصدق أو أن تكذب، أن تخلص أو أن تخون، أن تُحسن أو أن تسيء، أن تُنصِف أو أن تجحد، بإمكانك .

 فلذلك أيها الإخوة، ما دام هذا بإمكانك إياك أن تفسد في منهج الله، تزوجت زوجة، إياك أن تسمح لها أن تبرز مفاتنها في الطريق، أنت أفسدتها، لمّا سمحت لها أن تخرج هكذا انتبهت إلى مفاتنها، فأصبحت تظهرها لا لك بل لمن لا يستحقها، بل للأجنبي، بل للذئاب، أنت أفسدتها، ربيت أولاداً ربِّهم على طاعة الله، لا على منهج استوردناه من الغرب . 

﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ﴾  الآن موضوع ثانٍ، أول آية: ﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ 

 هنا ﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ خوفاً من صفات جبروته، ومن صفات جلاله .

﴿  إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12) ﴾ 

[  سورة البروج  ] 

منتقم، ينتقم من العصاة، ادعُ ربك أن تنجو من صفات جبروته، من صفات جلاله، من صفات قدرته، واطمع في صفات غفرانه ورحمته، خوفاً من صفات جلاله، وطمعاً بصفات كماله، خوفاً من جبروته، وطمعاً برحمته. 

 ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾  ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ﴾ هنا الآن محط الشاهد هنا . 


إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ


﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾  ما عند الله لا تناله بالدعاء، بل بالعمل، بالإحسان، أحسِنْ إحسانك يقربك من رحمة الله . 

1 – معنى : قريب :

﴿قَرِيبٌ﴾  صيغة مبالغة على وزن فعيل بمعنى مفعول، كقتيل يعني مقتول، يعني ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾  مقتربة، أو مقرَّبة من المحسنين، إحسانك يقرِّبك منها، وهي مقترَبة بإحسانك ـ كلام دقيق ـ هي اسم مفعول . 

﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ﴾  مقترَبة منك، من إحسانك، إحسان مقرِّب، الإحسان اسم فاعل، اسم المفعول رحمة الله، رحمة الله عطاؤه، رحمة الله: الصحة من رحمة الله، زوجة صالحة من رحمة الله، سمعة طيبة من رحمة الله، أولاد أبرار من رحمة الله، رزق وفير من رحمة الله، عمر مديد في طاعة الله من رحمة الله، سكينة من رحمة الله، حكمة من رحمة الله، أمنٌ من رحمة الله، سعادة من رحمة الله، يعني عطاء الله في الدنيا والآخرة المادي والمعنوي مجموع بكلمة رحمة الله . 

﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ﴾  توفيقه، تأييده، حفظه، نصره، ألقى في قلبك السكينة، ألقى في قلبك الأمن، ألقى في قلبك السعادة، ألقى عليك الهيبة، خافك من حولك، كلها من رحمة الله، لك سمعة عطِرة، لسانك على كل فم، ذكرك على كل لسان، هذه رحمة الله، هي قريب يعني مُقترَبة، بمعنى فعيل، قريب على وزن فعيل، كأن تقول: جريح، أي مجروح، مقترَبة، من أي شيء ؟ 

2 – الإحسانُ عامٌّ : مِّنَ الْمُحْسِنِينَ :

 ﴿مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أحسِنْ، أحسنْ إلى زوجتك، إلى أولادك، إلى زبائنك، إلى مرضاك، إلى موكليك أيها المحامي، إلى صاحب البناء أيها المهندس، راقب الصب، لا تهمل واجبك، بائع أعطِ الناس بضاعة تقبلها أنت، تأكلها أنت، إياك أن تسيء للناس، إحسانك يحقق أهدافك من الدعاء، الدعاء حظك منه القرب من الله، أما مضمون الدعاء لا يكون بالدعاء، بل يكون بإحسانك للخلق. 

((  إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ  )) 

[  رواه شداد بن أوس عند مسلم  ] 

 تقول رجل صبور، وامرأة صبور، رجل مِعطار يستخدم العطر كثيراً، وامرأة معطار، رجل قتيل، وامرأة قتيل ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾  للذكر والأنثى، اللغة هكذا، أما إذا لم تقل امرأة، تقول: قتيلة، مع كلمة امرأة لا تذكر ولا تؤنث، امرأة هي المؤنث، امرأة قتيل، الآن يقولون النائب فلانة، القاضي فلانة. 

﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيب﴾  هذه قضية لغوية ﴿مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾  المحسن إحسانه يقرّبه من الله . 

والحمد لله رب العالمين 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور