وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 18 - سورة الزمر - تفسير الآية: 62-67، التوحيد والعبادة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. 

 

لا ينبغي أن تخاف أحداً ولكن ينبغي أن تخاف الله وحده:


أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس الثامن عشر من سورة الزُّمَر، ومع الآية الثانية والستين: 

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾

[ سورة الزمر ]

 ما من آيةٍ في القرآن الكريم تبث الراحة النفسية كهذه الآية، أي شيءٍ خلقه الله عزَّ وجل بيده، لا يستطيع مخلوقٌ أن يتحرك إلا بأمر الله وبعلم الله، يُستنبط من هذه الآية أنه لا ينبغي أن تخاف أحداً؛ ولكن ينبغي أن تخاف الله وحده، والله سبحانه وتعالى أسماؤه حسنى إذاً ينبغي أن تخاف من نفسك، لذلك هذا المعنى مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخافنّ العبد إلا ذنبه، خَفْ أن تأكل حقوق الآخرين، خف أن تُذْنِب، لأنك إن أذنبت فكل شيءٍ خلقه الله عز وجل بيده، يُطْلِق ويقبض، ما من مثلٍ أقرب إلى توضيح هذا المعنى من أن وحوشاً كاسرةً مخيفة كلّها مربوطة بأزِمَّةٍ محكمةٍ بيد جهةٍ قويةٍ، عزيزةٍ، عادلةٍ، بصيرةٍ، سميعةٍ، فعلاقتك أنت ليست مع الوحوش، لأنها مملوكة ومربوطة، ولكن علاقتك مع الذي يملكها فإذا أطلق أحدها وصل إليك، وإذا منعه حجزه عنك، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ .


  الشيء المخلوق بيد الله لا يتحرك إلا بأمره:


الأشياء المخيفة في الحياة كثيرة جداً، هناك أشخاص مخيفون جداً، هناك حيوانات مخيفة، هناك أعراض جوية مخيفة، هناك صواعق، هناك زلازل، هناك براكين، هناك سيول جارفة، هناك بأس الإنسان:

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)﴾

[ سورة الأنعام  ]

الصواعق والقذائف: ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ الزلازل والألغام، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ ، من مسلمات الإيمان أن كل شيءٍ تراه عينك بيد الله عزَّ وجل، والله جلَّ جلاله أسماؤه حسنى، كل الكمالات عند الله عزَّ وجل، عدلٌ، ولطفٌ، ورحمةٌ، وقدرةٌ، وعلمٌ.

 

الدين كلُّه توحيدٌ وعبادة:


لذلك: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ الشيء المخلوق بيد الله لا يتحرك إلا بأمره، حتى الأشياء الجامدة.

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾

[ سورة الأنبياء ]

انتهى الأمر، حتى النار لم تعد ناراً، لذلك هذه الآية أو هذه الآيات التي نحن بصددها تتمحور حول كلمتين، حول التوحيد وحول العبادة، الدين كلُّه توحيدٌ وعبادة، الدين كله أن ترى أنه لا إله إلا الله، والدين كله أن تعبد الله وحده، وإذا شئت الدليل فالقرآن كله يدل عل هذين المعنيين:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

التوحيد والعبادة، نهاية العلم التوحيد، نهاية العمل العبادة، إذا وحَّدت واستقمت فقد حققت المُراد من وجودك، إذا عرفت أنه لا إله إلا الله، ما الذي يدعو إلى معصية الله؟ أن ترى مع الله شركاء، أن تخاف من غير الله، أن ترجو غير الله، أن تحب غير الله، لا تستطيع أن تتقدم في مجالات الإيمان إلا بخطين؛ بخطّ التوحيد وخطّ العبادة، بعد هذه الآية هل هناك في الأرض قوةٌ تخيف الإنسان؟ ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ . ))

[ أحمد : الهيثمي: مجمع الزوائد: رجاله ثقات  ]

هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

 

التوحيد والشرك:


كل الراحة النفسية في التوحيد، كل الضغط النفسي من الشرك، كل الطمأنينة من التوحيد، كل الخوف من الشرك، كل التفاؤل في التوحيد، كل التشاؤم من الشرك، كل الرجاء في التوحيد، كل اليأس في الشرك، لذلك:

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)﴾

[ سورة لقمان ]

الشرك أن تتجه بكل طاقاتك إلى جهةٍ لا تملك شيئاً؛ لا تملك نفعاً ولا ضراً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً، هذا هو الشرك، الشرك أن تعقد الآمال على جهةٍ مفتقرةٍ مثلك، أن تطلب العَوْن ممن يطلب العون، أن تطلب الغنى ممن هو فقير، أن تطلب القوة من الضعيف، أن تطلب التوفيق ممن يحتاج إلى التوفيق، هذا هو الشرك، الشرك أن تتجه إلى ما سوى الله، أن تتجه بقلبك، أو أن تعقد عليه آمالك، أو أن تتكئ عليه، أو أن تعتمد عليه، هذا هو الشرك، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ صغير كبير، جليل حقير، مخيف غير مخيف، كبير صغير، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ انتهى الأمر، والله عزَّ وجل كامل، إذاً مصدر الخوف فقط من أن تذنب، مصدر الخوف الوحيد أن تقع في ذنب، أن تأكل حقّ مخلوق، أن تتجاوز حدود الله عزَّ وجل، دقق في هذا الحديث الجامع المانع الموجَز البليغ: "لا يخافن العبد إلا ذنبه- وإذا وقعنا في مشكلة- ولا يرجون إلا ربه"، لا تخف إلا من ذنبك ولا ترجُ إلا ربك، هذا هو الدين، هذا هو التوحيد، الموحِّد إنسان متميِّز، إنسان عزيز، لا ينافق، لا يمدح مديحاً كاذباً، لا يتملق، لا يخنع، لا يذل، لأن الله عزَّ وجل كرّمه بالتوحيد، أمره بيد الله، رزقه بيد الله، حياته بيد الله، موته بيد الله، ما من إنسانٍ يتمتَّع بالعزَّة كالمؤمن لأنه يرى أن أمره بيد الله، لا بيد زيدٍ أو عُبيد، لكن الشرك يذل، المشرك ذليل، أحياناً تجد المشرك أذلّ من شاته أمام من هو أقوى منه، فهناك حالات من الشرك الإنسان يتألَّم أشدّ الألم لهذه الحالة المتردية عند الإنسان.

 

كل شيءٍ خلقه الله القوة الفاعلة فيه بإذن الله لا تفعل فعلها إلا إذا شاء الله:


﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ هو الخالق، ومن لوازم رحمته وعدالته أنه خَلَق ومَلَك، أحياناً يُصْنع سلاح خطير ويباع هذا السلاح، فإذا هو بأيدٍ غير أمينة، وبأيدٍ غير حكيمة، وبأيدٍ غير رحيمة، هذا السلاح الفتَّاك يؤذي أذىً كبيراً، لأن اليد التي تملكه ليست في مستوى العدالة والرحمة، فالجهة الصانعة صنعت ولكنها ليست مالكة لهذا السلاح بعد أن صنعته، لكن الله عزَّ وجل: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ هذه الآية مريحة، على مستوى عقرب؛ لا تستطيع العقرب أن تلدغ إلا من يأذن الله لها، أبداً، على مستوى أفعى، على مستوى جرثوم، على مستوى فيروس، على مستوى حشرة، على مستوى حشرة تؤذي المزروعات بيد الله، ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ ، الأصح من ذلك أن كل شيءٍ خلقه الله القوة الفاعلة فيه بإذن الله، لا تفعل فعلها إلا إذا شاء الله، لخَّص علماء التوحيد هذه الحقيقة بقولهم: عندها لا بها. النار لا تُحْرق بذاتها، لا تُحرق بالقوة التي أودعها الله فيها، هذه فكرةٌ مغلوطة، لا تُحْرق إلا إذا أراد الله لها أن تحرق، إذاً عند مشيئة الله لا بها. وإذا أيقنت أن كل شيءٍ بيد الله عندئذٍ تشعر بالراحة، أحياناً إنسان أمامك يمكن أن يلفت الله عز وجل نظره إلى أن يوقع بك الأذى، يمكن أن يعمي الله بصيرته فلا يرى المخالفة، يمكن أن يراها ويخلق في قلبه شفقةً عليك، هذا الذي أمامك والذي يخشاه جميع الناس هو بيد الله، فإن شاء الله أكرمك وهو الشرير، وإن شاء الله تغافل عنك وهو الذكي، وإن شاء الله عرف الحقيقة ولكن ألقى في قلبه العطف عليك، فأنت إذا تعاملت مع بني البشر تأكَّد أنهم بيد الله عزَّ وجل حركاتهم وسكناتهم حتى خواطرهم، حتى مشاعرهم، حتى ميولهم، حتى رغباتهم بيد الله عزَّ وجل، فالتوحيد مريح جداً، التوحيد علاقتك مع جهة واحدة، هذا هو التوحيد.

فليتك تحلو والحياة مـــريـرة           وليتك ترضى والأنام غضاب

 وليت الذي بيني وبينك عامرٌ          وبيني وبين العالمين خـــراب

[ أبو فراس الحمداني ]

* * *

 

التوحيد إرضاء الله وحده:


التوحيد أن ترضي الله وحده، التوحيد أن تعمل لوجهٍ واحد يكفك الوجوه كلَّها، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، وألا تعلِّق على غير الله أملاً، حتى الإنسان أقرب الناس إليه، إذا عقد عليهم الآمال خيبوا ظنه، يقول لك: هذه زوجة مخلصة، اعتمد عليها قد يفاجأ أنها تنكَّرت له، يقول لك: هذا الابن ادخرته لكبري، يذهب إلى بلدٍ أجنبي ولا يعود إطلاقاً وانتهى لأنه اعتمد عليه، إيَّاك أن تعتمد على غير الله، إياك أن تثق بغير الله، إيَّاك أن تسعى لغير الله، لا يليق بك أساساً كإنسان أول مكرم أن تُجير لصالح إنسان آخر، هذا لا يليق بك، هذا مما يحط من قدرك، أنت المخلوق الأول والمكرم تكون لحساب إنسان؟! إنسان ضعيف، إنسان جاهل، إنسان لئيم أحياناً.

 

الآية التالية تجعل الإنسان موحَّدَ الاتجاه لا مبعثر الاتجاه:


﴿هو أهل التقوى وأهل المغفرة﴾ هذه الآية مريحة جداً، هذه الآية يشعر بها المؤمن بانتشاء، هذه الآية تجعله شجاعاً، هذه الآية تجعله عزيزاً، هذه الآية تجعله مطمئناً، هذه الآية تجعله موحَّدَ الاتجاه لا مبعثر الاتجاه، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ الأمطار بيده، إما أن يجعلها رحمة، وإما أن يجعها نقمة، قد تأتي الأمطار في وقتٍ غير مناسب تهلك المحاصيل كلها، الرياح بيده إما أن يجعلها نسيماً عليلاً، أو رياحاً تسوق السحب، أو أن يجعلها رياحاً مدمرةً تدمر كل شيء، الولد بيده إما أن يجعله بركةً لوالديه وقرة عين لهما، وإما أن يجعله نِقمةً في حياتهما يشقيا به، الزوجة كذلك إما أن تكون جنةً وإما أن تكون جحيماً، أعضاؤك، أجهزتك، حواسك كل شيءٍ بيد الله، المواد، خصائص المواد، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ .

 

شعور الضعف والخنوع هذه كلها مشاعر الشرك:


تبدأ بالجماد، الخصائص التي أودعها الله في الجماد لا تفعل فعلها إلا إذا شاء الله عزَّ وجل، الحيوان، نحن نفهم أن البقر حيوان ذلول، تجد أطفالاً صغاراً يسوقون البقر من مكان إلى مكان، يحلبون البقر، والبقرة حيوان وديع مستسلم أليف مذلل، لحكمةٍ أرادها الله عزَّ وجل هناك مرضٌ يصيب البقر يجعله متوحشاً، فهذه البقرة الوديعة التي هي رمز العطاء تنقلب لعلةٍ أصابتها إلى وحشٍ كاسر، حدثني أخ أن بقرةً في بعض قُرى دمشق أصبحت متوحِّشة وقتلت رجلين وجرحت ثالثاً، فاضطر صاحبها أن يطلق النار عليها ليقتلها، وليريح الناس منها. فالحيوان مذلل من ذلله؟ الله عزَّ وجل، هذه الغنمة مذللة، الجمل مذلل، البقرة مذللة، أما العقرب غير مذلل، العقرب إن رأيته على جسمك تكاد تخرج من جلدك من شدة الخوف، أليس كذلك؟ وجملٌ يزن ستة أطنان لا تخاف منه بل تقوده، يقوده طفلٌ صغير، الأمر كله بيد الله، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ هذه العقيدة وحدها تبث في نفس المؤمن راحةً ما بعدها راحة، مشاعر القهر التي يعانيها المشركون لا تُحتمل، أن مصيرك بيد إنسان لا يحبك ينوي أن يقضي عليك، هذا شعور القهر، شعور الضعف والخنوع، هذه كلها مشاعر الشرك، لذلك أنت عليك أن توحِّد، فإذا وحَّدت عرفت الله عزَّ وجل، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ يحركه بأمره، لذلك إذا رأيت أهل الكفر والقوة يتحرَّكون فاعلم أن حركتهم وخططهم ومؤامراتهم استوعبتها خطة الله عزَّ وجل، فلا يفعلون إلا شيئاً أراده الله، إنهم لا يسبقون الله أبداً، ما معنى يسبقون الله؟ فعلوا شيئاً ما أراده الله، كل ما أراده الله وقع، وكل ما وقع أراده الله، وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقةٌ بالخير المُطلق، مثلاً يقول لك: الصهيونية العالمية، هذه تضع خططاً رهيبة وجهنمية ومدمرة للإنسانية كلها، لكن خطة الله استوعبتها، فلا يُحَقق من خططها إلا ما يسمح الله به، لذلك إذا عصاني من يعرفني سلَّطت عليه من لا يعرفني.

 

الأمر كله بيد الله فعلاقتنا مع الله وحده:


يجب أن تؤمن أن جهةً في الكون لا تستطيع أن تفعل شيئاً إلا إذا أراد الله عزَّ وجل، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أحياناً يقول لك: هذه القنبلة لم تنفجر، شيء غريب، نُزِع فتيلها وارتطمت بالأرض ارتطاماً شديداً يكفي أن يفجرها، لكنها لم تنفجر لأنها بيد الله عزَّ وجل، فلان أصابته رصاصةٌ مرت جانب رأسه ولم تصبه، لأن هذه الرصاصة بيد الله وهو على كل شيءٍ وكيل، الحجر بيد الله، الرصاصة بيد الله، القذيفة بيد الله، الشظايا بيد الله، الأمراض بيد الله، الجراثيم بيد الله، وهو على كل شيءٍ وكيل، ارتح، نم، قال:

وإذا العناية لاحظتك جفونها                 نَم فالمخاوف كلُّهن أمان

[ عمر اليافي ]

* * *

هل هناك من راحةٍ أبلغ من هذه الراحة أن ترى أن الأمر كله بيد الله؟ ليس لك من الأمر شيء للنبي الكريم، لنبي الله عز وجل، لسيد الخلق، ليس لك من الأمر شيء، فإذا كان النبي سيد الخلق وحبيب الحق ليس له من الأمر شيء، الأمر بيد من إذاً؟ بيد الله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام لو كنت طليق اللسان، واضح الحجة والبيان، ودافعت عن نفسك أمامه في قضيةٍ هو حَكَمٌ بينك وبين خصمك، وانتزعت من فمه الشريف حكماً لصالحك، ولم تكن محقاً، لا تنجو من عذاب الله، علاقتك مع من إذاً؟ مع الله وحده، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ .

 

 القرآن والكون والأحداث كلها تدل على وحدانية الله:


﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)﴾

[ سورة الزمر ]

كلمة السماوات والأرض تفيد الكون، الكون كله مقاليده قال علماء التفسير: مفاتيحه.

أحياناً تجد باباً محكماً، متيناً، قوياً، مُدَعَّماً، يأتي إنسان معه مفتاح صغير وزنه عشرون غراماً يفعل هكذا فيفتح الباب، فالبطولة لا بالمطرقة بل بالمفتاح، فالله عزَّ وجل بيده مفاتيح كل شيء، الإنسان مفتاحه بيد الله، يرضى إذا شاء الله، يغضب إذا شاء الله، يحقد عليك إذا شاء الله، يعفو عنك إذا شاء الله، مفتاحه بيد الله، حتى الأجسام المادية، حتى الكواكب، كل شيء: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي أمر هذا الكون بيد الله بدءاً من الذرة وانتهاءً بالمجرة، الذرة، الفيروس، النبي قال: لا عدوى. إذا الإنسان مرض بسبب العدوى، هو مرض بالعدوى، لكن لا ينبغي أن يقول: فلان عداني، لا، لأن هذا الفيروس أو هذا الجرثوم لا يستطيع أن يفعل فعله إلا إذا شاء الله، إذاً شاءت مشيئة الله أن يمرض الإنسان، إذاً لا عدوى، أمَّا الاحتياط واجب، إذا كنتم في بلدٍ فيه طاعون فلا تخرجوا منه، ولا تدخلوا إليه، شيء طبيعي نأخذ بالأسباب، أما إذا مرضنا لا ينبغي أن نقول: بالعدوى، النبي قال:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ». ))

[ صحيح البخاري ]

لأن هذا الجرثوم بيد الله عزَّ وجل، قال: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ أيَّةُ آياتٍ هذه؟ الآيات الدالة على وحدانيته، آيات التوحيد، الكون كلُّه يدلُّ على وحدانية الله، والقرآن كله يدلُّ على وحدانية الله، والأحداث كلها تدل على وحدانية الله.

 

الآياتٌ القرآنية والكونيةٌ والتكوينية كلُّها تدل على وحدانية الله عزَّ وجل:


﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ ، المسلمون يوم بدر كانوا مفتقرين إلى الله عزَّ وجل.

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾

[  سورة آل عمران  ]

ضعاف، قلةٌ قليلة، قلةٌ في العَدد، وقلةٌ في العُدَد، وضعاف وفقراء، لا رواحل ولا أسلحة، وقريش بأبطالها، وخيلها، ورَجِلها، وعدَّتها، وعتادها، وكل ما تملك جاءت لتحارب المسلمين فأذلَّها الله، في حنين.

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

[  سورة التوبة  ]

الآيات التكوينية تدلُّ على وحدانيته، والآيات الكونية تدل على وحدانيته، والآيات القرآنية تدل على وحدانيته، هذه آياتٌ قرآنية وكونيةٌ وتكوينية كلُّها تدل على وحدانية الله عزَّ وجل، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ لماذا؟ معنى كفروا هنا أي لم يعرفوا، إما أنه ما عرف الوحدانية، ما عرف التوحيد، أو أنه ذُكِّرَ بالتوحيد فأبى إلا أن يشرك، على كل لم يوحد، لم ير يد الله تعمل في الخفاء، مرةً قرأت آية في مسجد والله اقشعرّ جلدي، آية قرآنية مكتوب:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾

[ سورة الفتح ]

هؤلاء الذين تخافهم أيها الإنسان يد الله فوق أيديهم، انتهى الأمر، هؤلاء الذين يرعبونك، هؤلاء الذين يخيفونك، هؤلاء الذين تحسب لهم حساباً، هؤلاء الذين ترتعد فرائصك من ذكرهم، أقوياء طبعاً؛ لكن يد الله فوق أيديهم، انتهى الأمر، انتهت قوَّتهم، وانتهى بطشهم، وانتهى بأسهم، وانتهى معهم كل شيء.

 

الإنسان إذا اعتمد على ما سوى الله اللهُ يخيّب ظنه ويؤدبه عن طريقه:


﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الكونية، بآيات الله التكوينية، بآيات الله القرآنية، الآيات الثلاثة الكونية والتكوينية والقرآنية الدالَّة على وحدانية الله، الدالة على أن الأمر كله بيد الله، الدالة على أنه لا إله إلا الله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ لماذا هو خاسر؟ لأنه اتجه بكل طاقاته إلى ما سوى الله، ما سوى الله فقير، اتجه إلى زيد ليغنيه وهو فقير، اتجه إلى عُبيد ليدعمه وهو ضعيف، اتجه إلى علان ليشفيه وهو مريض، المشكلة الشرك هو أن تتجه إلى جهةٍ موهومة لا تملك شيئاً، والله بيده كل شيء، والله عزَّ وجل يؤدِّب دائماً الخلق، فكلما اتجهت إلى من سوى الله عزَّ وجل معتقداً أنه يفعل ويترك، ويعطي ويمنع، وينفع ويضر، تأديب هذا الإنسان لابُدَّ من أن يكون عن طريق هذا الذي اعتقدت به القدرة، تفاجأ دائماً، دائماً المشرك يفاجأ، فلان صاحبي، فلان يتمنَّى خدمتي، لما يلمحني ينفذ لي كل طلباتي، تطرق بابه تدخل إليه يتجاهلك ولا يقول لك: تفضل استرح، لا أستطيع، القوانين لا تسمح، أين كل آمالك؟ الله ألقى في قلبه أن يشدد عليك لأنك اعتمدت عليه، هذا ملخص الملخص، هذا التوحيد لما تعتمد على ما سوى الله، الله يخيِّب ظنك ويؤدبك عن طريقه، أما إذا قلت: يا رب ليس لي إلا أنت، انتهى، جاء الدعم.

 

الإنسان بين حالين لا ثالث لهما بين حال التخلِّي وحال التولِّي:


أنت في حياتك بين حالين لا ثالث لهما، بين حال التخلِّي وحال التولِّي، دائماً إما أن يتخلَّى الله عنك وإما أن يتولاك، إذ اعتمدت عليه تولاك، وإذا اعتمدت على نفسك أو على من سواك تخلى عنك، فأنت بين التخلية والتولية، يوجد تولية إذاً يوجد توحيد، يوجد تخلية تخلّ يوجد شرك معنى هذا، إذا رأيت الله قد تخلى عنك، ووكلك إلى نفسك، وخيّب ظنك، وجعلك في حالة إحباط ويأس، معناها أنت معتمدٌ على من سواه، أما إذا رأيت الله عزَّ وجل يوفق، ويدعم، ويحقق، فاعلم أنك معتمدٌ عليه. 

الإنسان ضعيف، نقطة دم تجعله مجنوناً، تجمد نقطة دم في رأسه تجعله مجنوناً،  أو فاقداً لذاكرته، ما هذا الإنسان؟ الإنسان ضعيف، تتكل على  ضعيف؟ّ وهو في أوج قوته تنمو خلاياه نمواً عشوائياً يصاب بمرض ليس له دواء حتى الآن، يقول لك: لا يوجد أمل، لو بذلت ألوف الملايين لا أمل في الشفاء، أمراض تتحدى العلم الحديث، كل التفوق العلمي، مثلاً الإيدز هذا مرض تحدّى العصر كله، عقابٌ عاجل للفحشاء والمنكر، لذلك التوحيد مريح، المؤمن يتقلَّب على فراش التوحيد، على فراش وثير، أما الكافر أو المشرك يتقلَّب على فراش القلق والخوف، خائف من فُلان، موزَّع إن أرضى زيداً غضب عُبيد، وإن أطاع فلاناً غضب غيره، مشكلة، موزَّع، مبعثر، مشتت، دائماً في توزع وفي تبعثر، المؤمن موحِّد، ثم يقول الله عزَّ وجل: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ هل من الممكن أن تعبد غير الله؟ هل في الكون جهةٌ تستحق العبادة إلا الله؟ من الذي ينبغي أن يُعْبَد؟ الذي يسمعك إذا دعوته، والذي يستجيب لك إذا سمعك:

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[  سورة فاطر ]

إذاً هذا الذي لا يسمع لا ينبغي أن تعبده، هذا الذي لا يستجيب لا ينبغي أن تعبده، هذا الذي لا يقدر على أن ينقذك مما أنت فيه لا ينبغي أن تعبده.

 

التوحيد هو أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد على الله:


اليوم ذكر لي أخ طبيب كريم بعد الخطبة أن حالات كثيرة جداً يكون الشفاء ذاتياً بلا سبب، يسمّيه الأطباء: الشفاء الذاتي، أما اسمه الحقيقي: شفاء الله عزَّ وجل، وإذا مرضت فهو يشفيني، تجد هذا المرض تراجع بلا سبب، من طبيعته الازدياد، من طبيعته الانتشار، إذا هو يتراجع وينكمش بلا دواء وبلا سبب، هذا هو التوحيد. 

بالمناسبة لو أن الأسباب فعلت فعلها دائماً لنسي الإنسان ربه، لكن شاءت حكمة الله أن يعطِّل الأسباب من حينٍ إلى آخر أو أن يلغيها، تحدث نتيجة بلا سبب، أو يكون السبب ولا تحدث النتيجة، لماذا؟ ليلفت الله نظرنا إلى أن الأسباب لا تخلق النتائج ولكنها ترافق النتائج. وأوضح سبب سيدنا عيسى بلا أب، والسيدة حواء بلا أم، وسيدنا آدم بلا أب ولا أم، والعاقر زوج وزوجة شابان ولا يلدان، الأسباب مرةً تعطل، ومرةً تلغى، السبب موجود ولا توجد نتيجة، أو نتيجة بلا سبب، هذا من أجل ماذا؟ من أجل ألا نقع في شرك الأسباب، أحياناً عندك شرك الأسباب، تأخذ الحيطة، تُعِدّ العدة، وتطمئن، ولكن يؤتى الحذر من مأمنه، حتى الإنسان لا يشرك بالله عزَّ وجل وأن يعتمد على الأسباب وحدها من دون الله، أحياناً الأسباب لا تكفي، 

 لذلك التوحيد أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد على الله، فلو أخذت بالأسباب واعتمدت عليها فقد أشركت، ولو لم تأخذ بها لعصيت، تماماً شبهت أنا التوكُّل والتوحيد بطريق على يمينه وادٍ سحيق، وعلى يساره وادٍ سحيق، إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها سقطت في وادي الشرك، إن لم تأخذ بها سقطت في وادي المعصية، يجب أن تأخذ بها، وأن تعتمد على الله وحده، هذا هو التوحيد، ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ أي ممكن أن يعبد الإنسان غير الله؟ هل يوجد في الكون جهةٌ تستحق العبادة إلا الله عزَّ وجل؟ ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ .

 

من أسلوب القرآن الكريم أن يكون الخطاب للنبي والمقصود أمة النبي:


الحقيقة لا يتصور أن يشرك النبي عليه الصلاة والسلام، الشرك بعيدٌ عن الأنبياء بُعْدَ الأرض عن السماء، ولكن هذا من أسلوب القرآن الكريم، خوطب النبي والمعني أمة النبي عليه الصلاة والسلام، كقول الله عزَّ وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)﴾

[ سورة الطلاق ]

فالخطاب للنبي والمقصود أمة النبي عليه الصلاة والسلام، ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ هذه وَحْدَةَ التشريع: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ معنى يحبطن عملك له معنيان؛ عمل طيب ولكن لغير الله، يأتي الإنسان يوم القيامة فلا يجد لهذا العمل أية قيمة.

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)﴾

[ سورة الفرقان ]

عمل أعمالاً جليلة لكنه ابتغى بها السمْعَة، أشرك نفسه، أو ابتغى بها إرضاء من هم فوقه، هذا هو الشرك.

 

التوحيد يرقى بالعمل والشرك يحبط العمل:


ممكن القاضي يحكم حكماً عادلاً وهو مشرك، هذا الحكم سوف يُراقب من قبل رؤسائه، وسوف يذهب إلى محكمة النقض، وسوف يدقق القاضي الأول في هذا الحكم، وسوف يرى ما إذا كان هذا الحكم نزيهاً أو غير نزيه، إذاً عليه أن يحكم بالعدل، وعليه أن يدقق في هذه القضية، وعليه أن يضع لقراره مسوغاتٍ قانونية حتى يضمن سلامة سمعته عند رؤسائه، هذا عمل طيب، حكم بالعدل لكنه أشرك، أراد بالعدل إرضاء من هم فوقه، ممكن. 

ممكن طبيب يسارع إلى إسعاف مريض وهو يرى أن هذه الرحمة التي أظهرها ترفع من شأنه في المستشفى، وتجعله الطبيب الأول، ربما عُيِّنَ مديراً لهذه المستشفى، ممكن، العمل طيب لكن يوجد معه شرك، لذلك يوم القيامة يأتي أصناف البشر يا رب تعلمنا العلم في سبيلك، يقول الله لهم: كذبتم، تعلمتم العلم ليقال عنكم وقد قيل، خذوهم إلى النار، يا رب قرأنا القرآن في سبيلك. يقول: كذبتم، قرأتم القرآن ليقال كذا وكذا وقد قيل خذوهم إلى النار، معنى إحباط العمل، العمل طيب، لكن أراد به صاحبه غير الله، إما أراد السمعة لنفسه، أو أراد إرضاء من هم فوقه، إذا أراد سمعة لنفسه أو إرضاء من هم فوقه فقد أشرك، وإذا أشرك كأن الله عزَّ وجل يقول: هل لك عندي شيء؟ أنت فعلت هذا الشيء من أجل الناس، أحياناً الإنسان يطعم الطعام، أما هدفه أن يعرض على الناس ما عنده، وبيته وترتيباته وأناقة الطعام، لذلك موضوع الشرك دقيق جداً، ذكرت مرة: أخي أنا أمين أدفع دفعاً جيداً، لا، ليس شرطاً، عليك سند، ودفعت السند لأن صاحب السند قوي، وقد يقيم عليك الحُجَّة، قد يُشَهِّرَ بك بين الناس، قد يقيم دعوى عليك، قد يضعه في التنفيذ، دفعت هذا السند كسلوكٍ آمنٍ مدني المصلحة أن تدفع هذا المبلغ، لكن الأمانة التي هي عبادة ألا تكون مداناً في الأرض إطلاقاً، مثلاً  ضربت مثلاً نادراً مرة ركبت مع شخص في سيارة قال لك: هذه مئة ألف اتركهم عندك أمانة. وصار حادث، ومات هذا الرجل فوراً، ولا يوجد إنسان على وجه الأرض يعلم بوجود المبلغ عندك، فإذا ذهبت إلى الورثة وقدمت لهم هذا المبلغ فأنت أمينٌ ورب الكعبة، هذه الأمانة، لست مداناً أمام أحد، لكنك خفت الله عزَّ وجل، وأديت هذا المبلغ إلى ورثته، هذه الأمانة. فالشرك يُحبط العمل، العمل طيب، يقول لك: فلان يدفع، يدفع ولكنه يحرص على سمعته التجارية، يخاف أن تهتز سمعته فلا يعطيه أحد بضاعة فيدفع، إذا أشركت حبط العمل، أما إذا أردت بأداء الحقوق إرضاء الله عزَّ وجل، أردت بإسعاف هذا المريض إرضاء الله عزَّ وجل، أردت بهذا الحكم العادل إرضاء الله عزَّ وجل، هنيئاً لك أنت الموحد، التوحيد يرقى بالعمل والشرك يحبط العمل، هذه واحدة. 

المعنى الثاني: أنك إذا أشركت، خفت من فلان، أعطاك أمراً غير منطقي، وغير لائق أساساً، غير مناسب، غير إنساني، غير عادل، ونفذته، العمل سيئ، تلبست بعملٍ سيئ لأنك نفذت أمر إنسانٍ ظننت بإمكانه أن يؤذيك، أو أن يرفعك، فأحياناً العمل يسفل لأن الأمر سخيف، الأمر الذي جاءك سخيف وأنت خفت من الآمر فنفَّذت هذا الأمر فحبط العمل.

 

مقام العبودية:


أما المؤمن لا يفعل شيئاً لا يرضي الله عزَّ وجل وليكن ما يكن، أبداً، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ كأن يكلفك بشراء مادة محرَّمة، مشروب مثلاً، اعتذر، وقل: لا أحمله، مهما كلف الأمر، فإذا تلقيت أمراً مما سوى الله، ورأيت أن هذا الآمر مخيف، وبيده الخير والشر، ونفَّذت هذا الأمر حبط عملك، العمل سخيف وسيئ ومؤذٍ، أو أن العمل طيب ولكن النية لغير الله عزَّ وجل.

﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(65)﴾

[ سورة الزمر ]

 أمامنا الآن آية عظيمة هي بيت القَصيد إن صَحَّ التعبير: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ أي أنت أيها الإنسان أنت كعبد هذه مهمتك، ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ لا تنصِّب نفسك وصياً على الناس، لا تنصِّب نفسك مسؤولاً عما يجري في الأرض، أنت عبد عليك أن تتقصّى أمر الله عزَّ وجل وأن تطيع الله، فإذا أطعته جاءتك الخيرات من كل جانب، عليك إذاً أن تشكر، ارتح وأرح، قال أحدهم لعبد: سيدك يريد أن يبيعك. قال له: يعرف شغله. قال له: أنا سأشتريك. قال له: تعرف شغلك. قال له: اهرب. قال له، أعرف شغلي. أحياناً الشغلة ليست شغلتك، الله عزَّ وجل يدبِّر الكون، ما شغلتك أنت؟ أن تعبده، فإذا عبدته جاءتك الخيرات، إذاً اشكره، عليك أن تطيع وتشكر، هذا عملك، هذا اختصاصك، هذا مقامك مقام العبودية، أن تطيع وأن تشكر.

 

همُّ المؤمن بعد أن يعرف الله أن يبحث عن أمر الله:


ما أجمل الآية! (بل) حرف إضراب..﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ همُّ المؤمن بعد أن يعرف الله، همه الوحيد أن يبحث عن أمر الله؛ في بيعه، في شرائه، في زواجه، في تربية أولاده، في مسكنه، في علاقاته الشخصية، في علاقاته الاجتماعية، في أفراحه، في نزهاته، في كل أحواله، همُّه الأول أن يرضي الله، ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ هناك آية ثانية تشبهها:

﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)﴾

 

[ سورة الأعراف  ]

تنتهي هنا مهمتك، أن تطيع الله وأن تشكره، لكن أحياناً تجد من ينصِّب نفسه مسؤولاً عما يجري في العالم، هذا ليس معقولاً؟ إله يتصرف، أنت تعاطف مع المسلم، أنت اخدم لكن تنقم؟ تشك برحمة الله؟ هذا ليس عملك، لن تستطيع أن تثبت عدالة الله إلا إذا كان لك علمٌ كعلم الله، وأنت لا تعرف، صُلح الحديبية في ظاهره مهين ولكن في باطنه عاد بالخير العميم على المسلمين، يوجد أحداث يصعب تفسيرها، يوجد أحداث تفسيرها الظاهري مزعج جداً لا يُحتمل، لا يُقبل، الله عزَّ وجل متصرف، هو الفعَّال، هو الخالق، هو المربي، هو إله البشر جميعاً، هو أعطى القوي قوة، هو ضَعَّف الضعيف، ضَعَّف الضعيف لحكمة.

 

إذا استسلم الإنسان لله يكافئه الله بأن يكشف له الحِكَمَ البليغة من أفعاله:


قال تعالى:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾

[ سورة القصص ]

هذا المسلم قصر فيحتاج إلى صعقة، صعقة صحوة، القلب عندما يتوقف، الأطباء يعطونه صعقة كهربائية، فإما أن يشتغل وإما عظم الله أجركم، هذا المسلم الميِّت ماتت نفسه يحتاج إلى صعقة، هناك صعقات الآن قاسية جداً، هذا عمل الله عزَّ وجل، أنا عليّ أن أستقيم، عليّ أن أخدم، عليّ أن أتعاطف، ولكن ليس عليّ أن أنقم على الله عزَّ وجل، فأنت لست إلهاً أنت عبد ضعيف علمك محدود.

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾

[  سورة الإسراء ]

أنت لا تعرف فهنا استسلم، أنت ابذل جهدك واستسلم، طبعاً.

وسلم إلينا الأمر في كل ما يفعل                 فما القرب والإبعاد إلا بأمرنا

[ علي وفا الشاذلي ]

* * *

لكن والله الذي لا إله هو إذا استسلم الإنسان لله، الله عزَّ وجل مكافأةً على استسلامه، وعلى انصياعه، وعلى عبوديته، يكشف له الحِكَمَ البليغة من أفعاله، يرى أن الذي وقع لابُدَّ من أن يقع، ولو لم يقع لكان الله ملوماً، يرى أن كل شيءٍ وقع أراده الله لحكمةٍ مطلقةٍ بليغة.

 

في الطاعة جانب معرفي وجانب سلوكي وجانب جمالي:


﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾

[ سورة الزمر ]

تعطيك حجمك الحقيقي، أنت حجمك أيها الإنسان أن تعبد الله وأن تشكره، وألا تنصِّب نفسك وصياً على العالم، لماذا يجري ما يجري؟ أين الله عزَّ وجل؟ ما هذا الكلام؟ هذا كلام الضعف والجهل، الله موجود، كل شيء ينطق بوجوده، وكل شيء فعله الكفار بأمر الله، وبإذن الله؛ لكن هناك استحقاق.

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)﴾

[  سورة الأنعام ]

﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ هذه الآية لا اشعر أنني وفيتها حقها، هذا شعارك، هذه مهمتك، هذا حجمك، تحرك بهذه الآية فقط، هذه الآية تحجمك، أنت كعبد مهمتك أن تعبد الله، وأن تشكره، ليس لك مهمة ثانية أبداً، ارتح وريِّح، العبادة الطاعة مع الحُب، حبّ بلا طاعة لا يكون، وطاعةٌ بلا حبّ ليست عبادة، وحبّ بلا طاعة ليست عبادةٌ، العبادة طاعةٌ مع حُب، الطاعة والحب تحتاجان إلى معرفة وتنتهيان بالسعادة، ففي الطاعة جانب معرفي، وجانب سلوكي، وجانب جمالي، الجمالي هو الهدف..

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود ]

والجانب المَعرفي هو الإيمان، والجانب السلوكي هو التطبيق.

 

الشرك أساسه ضعف العلم:


﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(67)﴾

[ سورة الزمر ]

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ معنى الآية دقيق جداً إذا كان في العمل خلل، معنى ذلك هناك نقص في المعرفة، فكلما وجدت خطأً، أو ضعفاً، أو انحرافاً، أو تقصيراً، يجب أن تعود إلى العلم، النقص في العلم ينتج عنه انحرافٌ في السلوك، فعلاج الضعف في السلوك، أو علاج التقصير، أو علاج الخلل، أو علاج الخطأ يأتي من تصحيح العقيدة، لذلك الشرك أساسه ضعف العلم، قال: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ تصور عَرِّيفاً بسبعة أشرطة هدد جندياً، بينما طمأنه لواء، ولكنه خاف من تهديد العريف وصار يبكي، ما الدليل؟ هو لا يعرف ما معنى لواء؟ لا يعرف ما هذا الجيش إطلاقاً؟ إذا خوفه تهديد عريف ولم يطمئنه تطمين لواء لا تعرف معنى رتبة عسكرية، ما معنى صلاحية هذا اللواء قائد الفرقة، فكل إنسان يشرك معنى ذلك أنه لا يفهم شيئاً إطلاقاً، هذا جاهل، الله ماذا قال: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾، لأنهم ما عرفوه، لماذا أشركوا؟ لأنهم ما عرفوا الله عزَّ وجل، لو عرفوا قدرته، وعرفوا وحدانيته، وعرفوا أن كل ذرةٍ في الكون بيده، وكل خاصةٍ بيده، وكل قوةٍ بيده، لوحَّدوه، ولاتجهوا إليه، لكن لضعف علمهم أشركوا.

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

[ سورة فاطر ]

العلماء وحدهم يخشون الله، ولا يخشى الله أحدٌ سواهم.

 

ما من مشكلةٍ على وجه الأرض إلا أساسها المعصية والمعصية أساسها الجهل:


﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ ، هنا الله يعلم الشرك، مشكلة المشاكل الشرك، وسبب الشرك نقص العلم، لذلك أنا أقول: ما من مشكلةٍ على وجه الأرض إلا أساسها المعصية، والمعصية أساسها الجهل، نعود إلى العلم الخطوة الأولى نحو السعادة في الدنيا والآخرة هي العلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، إذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معا فعليك بالعلم، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا﴾ لو فرضنا شخصاً تلقى أمرين متناقضين، أمر من عرِّيف وأمر من قائد الفرقة، هو جندي، وازن وازن فَكَّر فنفذ أمر العريف وعصى أمر قائد الفرقة، معناها جاهل، جاهل جهلاً فادحاً، معناها أحمق، معناها هذا معتوه، إذا نفذت أمر العريف وأغضبت قائد الفرقة، لا تعرف ما هي الصلاحيات، ولا ما بيد القائد من صلاحيات، ومن مجال للترقية أو للتعذيب، إذاً لو وقعت بالشرك فهو نقصٌ في العلم، فعليك بالعلم، قال عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ:

(( من هالَه الليلُ أن يكابدَه، أو بخِلَ بالمالِ أن يُنفِقَه، أو جَبُنَ عن العدوِّ أن يقاتلَه فلْيُكثِر من (سبحان اللهِ وبحمدِه) فإنها أحبُّ إلى اللهِ من جبلِ ذهبٍ ينفقُه في سبيل اللهِ.  ))

[ صحيح الترغيب  ]

إذا بخلت نفسه بالمال، أو ضَنَّت بالسهر في سبيل الله معنى ذلك أنه لا يعرف الله، عليه إذاً أن يجَدِّد إيمانه بالله.

 

نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى:


﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا﴾ كل ما فيها: ﴿قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي نزهوا الله عزَّ وجل، سبحانه عما يشركون، فهذه الآيات كلها حول شيئين، التوحيد والعبادة، والدين كله توحيد وعبادة، وإذا سألتموني أن أضغط لكم الدين كله في كلمتين؛ التوحيد والعبادة:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى، إذا أنت موحِّد ومستقيم جمعت الدين كله، وحزته من كل أطرافه، إذا وحدت وعبدت، و إذا وحدت وعبدت حققت المراد من وجودك، وكنت فائزاً وفالحاً وناجحاً ومتفوقاً وسعيداً.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور