وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1430 - الفوائد - الدرس : 30 - الابتلاء - 1 الابتلاءات الإيجابية والابتلاءات السلبية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

كل إنسان أمام زمرتين من الابتلاءات ؛ ابتلاءات إيجابية وابتلاءات سلبية:

 أيها الأخوة الكرام، مع فائدة جديدة من فوائد كتاب الفوائد القيّم لابن القيم رحمه الله تعالى.
 هذه الفائدة متعلقة بآية كريمة هي أصل في الابتلاء قال تعالى:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)﴾

( سورة العنكبوت )

 أول حقيقة من خلال هذه الآية أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الأصل في الدنيا الابتلاء، أنت ممتحن، أنت ممتحن فيما آتاك الله، ممتحن فيما زوى عنك، أنت أمام زمرتين من موضوعات الابتلاء، أمام زمرتين، الزمرة الأولى التي آتاك الله إياها، آتاك صحة، أنت ممتحن بالصحة، آتاك مالاً، آتاك سلامة في أجهزتك، آتاك مأوىً، أتاك زوجة، آتاك أولاداً، أنت ممتحن فيما آتاك الله، وممتحن أيضاً فيما زوى عنك، فأنت أمام زمرتين من الابتلاءات، ابتلاءات إيجابية وابتلاءات سلبية، الذي نلته من الله أنت ممتحن به، والذي لم تنله أنت ممتحن به أيضاً.

 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء:

 

 لكن هذا يقودنا إلى موضوع دقيق هو أن في الحياة حظوظاً، المال حظ، العلم حظ، الصحة حظ، القوة حظ، الوسامة حظ، الذكاء حظ، طلاقة اللسان حظ، يسميها علماء النفس القدرات الخاصة، بالإنسان قدرات عامة  وقدرات خاصة، الذي يتمتع بذاكرة قوية جداً، الذاكرة القوية حظ، الذي يتمتع بقوة إقناع هذه قدرة بالإنسان، هذا حظ، الحقيقة الأولى أن الله وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، وسيوزع هذه الحظوظ بالآخرة توزيع  جزاء، فالحظوظ هي القدرات، الله عز وجل وزع الحظوظ في الدنيا، هناك إنسان قوي بجرة قلم يحق حقاً ويبطل باطلاً، إنسان ضعيف لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فالقوة حظ والضعف سلب لهذا الحظ، أنت ممتحن إذا كنت قوياً وإذا كنت ضعيفاً، والغنى حظ، والضعف حظ، الغنى حظ إيجابي وانعدام هذا الحظ سلبي، أنت ممتحن إذا كنت غنياً، ممتحن إذا كنت فقيراً، الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء لقوله تعالى:

﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

( سورة المؤمنون )

 لكن هذه الحظوظ سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء:

﴿ و لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 132 )

البطولة من يحتل في الآخرة مقعد صدق عند مليك مقتدر:

 أيها الأخوة الكرام، الحظوظ في الدنيا مؤقتة والحظوظ في الآخرة أبدية، الحظوظ في الدنيا قد لا تعني شيئاً ، والحظوظ في الآخرة قد تعني كل شيء، فلذلك البطولة من يحتل في الآخرة كما قال الله عز وجل:

﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾

( سورة القمر )

 البطولة أن يكون لك حظ في الآخرة، أما أهل الدنيا مالهم في الآخرة من خلاق، فلذلك الله عز وجل حينما يرسل أنبياءه ورسله إلى البشر الذي آمن آمن والذي كفر كفر، الذي آمن هناك إيمان شكلي، هناك إيمان  ظاهري، هناك إيمان حقيقي، فالذي آمن مع أنه آمن إنه مبتلى، ممتحن، هل هذا الإيمان حقيقي أم هذا الإيمان شكلي ؟ فإذا كان هذا الإيمان شكلي قد يأتيه تأديب من الله عز وجل، وإن لم يؤمن قد يأتيه تأديب من الله عز وجل، لا لأنه لم يؤمن بل لأن عدم إيمانه سيقوده إلى عذاب الله وبئس المصير، فلذلك الآية:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾

( سورة العنكبوت )

 الفتنة هي الامتحان فالإنسان يمتحن:

﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3) ﴾

( سورة العنكبوت )

 المؤمن الصادق راسخ كالجبل و ثابت على الحق في إقبال الدنيا وفي إدبارها:

قال تعالى:

﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا(23) ﴾

( سورة الأحزاب )

 ثابت، راسخ كالجبل، كالسفينة العملاقة، لا تتأثر بالأمواج، موقف مبدئي، ثابت على الحق في الرخاء وفي الشدة، في إقبال الدنيا وفي إدبارها، في الصحة وفي المرض، في القوة وفي الضعف، في الغنى وفي الفقر:

﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا(23) ﴾

( سورة الأحزاب )

من كان في قلبه مرض يمتحن فلا ينجح:

 

 لكن وأما الذين في قلوبهم مرض ماذا قالوا ؟

﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾

( سورة الأحزاب )

 إن أحدهم قال: أيعدنا صاحبكم أن تُفْتَح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ ما قال أيعدنا رسول الله، أيعدنا صاحبكم أن تُفْتَح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ هذا  الذي امتحن فلم ينجح.
 أيها الأخوة، آية أخرى:

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) ﴾

( سورة البقرة الآية: 214 )

 الآية الثانية دقيقة جداً:

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ﴾

المسلمون اليوم في امتحان صعب جداً:

 هناك آية ثانية:

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) ﴾

( سورة الأحزاب )

 ونحن أيها الأخوة في هذه الأيام في امتحان صعب جداً، أحد هذه الامتحانات الصعبة أن الله يقوي الطرف الآخر يقويه يقويه، أسلحة فتاكة، أقمار صناعية، أموال فلكية، إعلام بيده، التحالفات كلها طوع بنانه، يقوي الطرف الآخر حتى يفعل ما يقول، إلى أن يقول ضعيف الإيمان أين الله ؟ ترون يحتلون البلد، ينهبون الثروات، يهدمون البيوت، يقتلون الشباب، ويتصدرون الشاشات ويتبجحون أنهم أتوا من أجل حريتنا، ومن أجل الديمقراطية، وهم مجرمون، إرهابيون، كذابون، أتوا من أجل النفط، في بلد في أفريقيا جرت فيه حرب أهليه ـ راوندا ـ أعتقد في سبعة أيام تمّ ذبح ثمانمئة ألف إنسان، أنا استمعت إلى تصريح لزعيم غربي كبير قال: لقد  تمّ قتل ثمانمئة ألف إنسان، وكان بإمكاني أن أتدخل، وإذا تدخلت حقنت دماء أربعمئة ألف لكنني لم أتدخل، السبب في هذا البلد ليس هناك نفط، أما في بلاد أخرى على وهم الأسلحة الشاملة، ثلاثون حليفاً، جاء واحتل  البلد، ونهب النفط، ونهب الثروات، ودمر كل شيء، فلذلك هذا الامتحان صعب جداً:

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ(10)هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11)وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا(12)﴾

( سورة الأحزاب )

على كل مسلم معاهدة رسول الله على السمع والطاعة في المنشط والمكره:

 

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) ﴾

( سورة الأحزاب )

 لذلك عاهدنا رسول الله على السمع والطاعة في المنشط والمكره، أي في إقبال الدنيا وفي إدبارها، في الفقر والغنى، في الصحة والمرض، في القوة وفي الضعف، هذا قرار بالتعبير المعاصر استراتيجي، أنت تعامل  خالق السماوات والأرض، اتخذت قراراً بالإقبال عليه، والإيمان به، والدعوة إليه، وأنت صابر على كل ظرف صعب، وأنت تتطلع إلى كل هدف كبير، هذا هو الابتلاء، فالآية الثانية:

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) ﴾

( سورة البقرة الآية:214 )

 ونحن في هذا الامتحان الصعب، الطرف الآخر قوي جداً، وغني جداً، وذكي جداً، بيده أسلحة فتاكة، بيده الإعلام، بيده الأموال، بيده الأقمار، فالبطولة أن تبقى مؤمناً أعلى إيمان، أن تبقى واثقاً من الواحد الديان، أن  تبقى واثقاً أن الله لن يتخلى عن عباده المؤمنين:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران )

الامتحان الصعب أن يقوي الله الطرف الآخر فيبطش والامتحان الثاني أن يظهر الله آياته:

 ومن الآيات التي تبشر:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

( سورة إبراهيم )

 

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) ﴾

(سورة آل عمران)


 الله عز وجل يطمئن، لكن الامتحان ليس سهلاً، الامتحان الصعب أن يقوي الله عز وجل الطرف الآخر فيبطش، ويحتل، ويجتاح البلاد، ويدمر، ويتهدد، ويتوعد، والامتحان الثاني أن يظهر الله آياته حتى يقول الكافر: لا إله إلا الله، أي حينما انهار النظام المالي الغربي أكثر من خمسة وعشرين ترليون قد فقد العالم من ثرواته بانهيار النظام المالي الغربي، صار هناك جرعة منعشة، الله عز وجل على كل شيء قدير، ولما الله عز وجل أيد  فئة قليلة في غزة فانتصرت على أقوى جيش في المنطقة، أيضاً هذه جرعة منعشة كأن الله عز وجل يقول لنا أنا موجود، لا تخافوا:

﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران )

طريق الجنة طريق محفوف بالمكاره:

 

 ومن الآيات المتعلقة بالفتنة قوله تعالى:

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

( سورة النحل )

 هناك فتنة، و مجاهدة، و صبر، أولاً اعتقد يقيناً أن طريق الجنة ليس محفوفاً بالورود، طريق الجنة محفوف بالمكاره لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))

 

[ أحمد عن ابن عبَّاس ]

 الإنسان إذا استرخى، وأكل ما يشتهي، وأطلق بصره في الحرام، ولم يعبأ لا بحرام ولا بحلال، ولم يعبأ لا بخير ولا بشر، وعاش وفق شهواته:

 

(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))

 

[ أحمد عن ابن عبَّاس ]

معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية:

 أيها الأخوة الكرام، شيء آخر لحكمة أراد الله إيقاعها أن الله عز وجل سمح أن يكون حتى لأنبيائه أعداء، قال تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112)وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ(113)﴾

( سورة الأنعام)

 أحياناً الله يسمح أن يكون للنبي أعداء، وللدعاة الصادقين أعداء، لأن الله عز وجل كما تعلمون هو واجب الوجود، لكن ما سواه ممكن الوجود، ومعنى ممكن الوجود أي ممكن أن يكون وممكن ألا يكون، وممكن إذا كان أن يكون على ما هو كائن، أو أن يكون على خلاف ما يكون، فلذلك انطلاقاً من القاعدة الثانية أن ما سوى الله ممكن الوجود، الله عز وجل قادر أن يجعل الطرف الآخر في كوكب آخر، على الأرض مؤمنون و على المريخ كفار، أو قادر أن يجعل الكفار في قارة بعيدة، أو أن يجعلهم في حقبة معين، لكن شاءت حكمة الله أن يكون المؤمنون مع الكافرين في كل مكان وفي كل زمان، يبنى على هذه الحقيقة أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، كل مؤمن صادق يوطن نفسه على أنه لا بد من أن يواجه خصوماً، لذلك اعتقدوا يقيناً أن معركة الحق والباطل في كل بقاع الأرض معركة أزلية أبدية مستمرة، لكن الله مع المؤمنين، ويسمح للكافرين أن يهددوا المؤمنين، يسمح لهم أحياناً أن يكونوا أقوياء لكن لا يمكن، ولا يعقل، ولا يقبل أن يسمح الله لقوي في الأرض من آدم إلى يوم القيامة أن يكون قوياً، إلا وأن يوظف قوته لخدمة دينه والمؤمنين، وأقوى دليل على ذلك الآية الكريمة:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ﴾

(سورة القصص )

تنوع الامتحانات في الدنيا:

 أيها الأخوة الكرام، قيل للشافعي: يا إمام، أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى.
وطن نفسك أنه لا بدّ من امتحان صعب في الدنيا، والامتحانات متنوعة، ونعود إلى أول آية في هذا اللقاء قال تعالى:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)﴾

( سورة العنكبوت )

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور