وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الجاثية - تفسير الآيات 01 – 06 الله تعالى عزيز حكيم وكل شيءٍ ساقه لعباده محض رحمةٍ وفضلٍ وعلمٍ وعدالةٍ
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

معاني الحروف المقطّعة:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأول من سورة الجاثية:

﴿ حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)﴾

[ سورة الجاثية ]

أيها الإخوة الكرامَ؛

﴿ حم (1)﴾

[ سورة الجاثية ]

سبق أن فُسِّرت هذه الحروف وقلت لكم من قبل إما أنها أوائل أسماء الله تعالى، أو أوائل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، أو هي إشارةٌ إلى إعجاز القرآن البياني، أن هذا القرآن الكريم نُظِم من هذه الأحرف، والله سبحانه وتعالى يتحدَّى البشر جميعاً أن يأتوا بآيةٍ من مثله، أو كما قال بعض المفسِّرين: "الله أعلم بمراده" .

 

شرف الرسالة من شرف المرسِل:


﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)﴾

[ سورة الجاثية ]

أي الرسالة شرفها من شرف المُرْسِل، قيمة الكتاب من قيمة الكاتب، قيمة الرسالة من قيمة المُرْسِل، فالله سبحانه وتعالى في آياتٍ كثيرة يشير أن أيها الإنسان هل تعلم هذا كلام من؟ هذا توجيه من؟ هذا بيان من؟ إنه بيان الله، إنه توجيه الله، إنه كلام الله، إنّ هذا الأمر أمر الله، إنّ هذا النهي نهي الله، إنّ هذا التفسير للكون وللحياة وللإنسان تفسير الله، إن هذا الكتاب من عند خالق الكون، لذلك قالوا: "فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه"

الإنسان إذا لم يستحضر عَظَمَةَ الله عزَّ وجل وهو يتلو كلام الله لا يستفيد منه، ما لم يشعر الإنسان حينما يقرأ القرآن أن هذا القرآن كلام الخالق.

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾

[ سورة فصلت ]

الله عزَّ وجل كماله مطلق، حكمته مطلقة، علمه مطلق، خبرته مطلقة، كلامه لا يمكن أن يتطرَّق إليه شكٌّ، ولا خطأٌ، ولا غفلةٌ، فمن حينٍ إلى آخر الله عزَّ وجل يقول: هذا كلام الله ، هذا كلام الخالق. 

 

معنى إحصاء أسماء الله:


﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ اسم الله علمٌ على الذَّات، على ذات الله، الله جلَّ جلاله له أسماء حُسْنى.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ.  ))

[ متفق عليه ]

معنى الإحصاء ليس العدّ:

﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)﴾

[ سورة مريم ]

الإحصاء أرقى من العد، إذا قال الإنسان: الله هو الخالق، البارئ، المصوِّر، هذا عدٌّ، وليس إحصاءً، أما النبي الكريم فقد قال: ((مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) .

 

كل إنسان يفهم الكلام الذي يُلقى عليه بحسب خبرته:


كلمة (الله) هي العَلَم على الذَّات لصاحب الأسماء الحُسْنى والصفات الفُضلى، كلمة الله لا تعرف ما معنى هذه الكلمة إلا إذا تفكَّرت في خلق السماوات والأرض، كلمة واحدة نلقيها على ألف إنسان كل إنسان يفهم منها شيئاً بحسب خبرته.

بعض الأمثلة تُروى أن إنسانًا يمشي في الطريق سمع كلمة كُرسي، هو أستاذ في الجامعة، ويحمل أعلى شهادة، لكن لم يُتَح له أن يكون أستاذًا ذا كرسي، وهو يتوقَّع أن هذا الذي يحلُّ محلَّه ليس في مستواه، فهو متألِّم دائماً، فإذا سمع كلمة (كرسي) هذه الكلمة تثير في نفس هذا الأستاذ شجونًا، وآلامًا، وتمنيَّات، وطموحات، وقد يبقى يمشي في الطريق ساعةً وساعتين، وكل خواطره أثارتها كلمة (كرسي)، إذاً الكلمة أثارت خبرات، أثارت تصوُّرات، أثارت طموحات.

يسمع هذه الكلمة (كرسي) إنسان آخر يعمل في حلاقة الشَعر، يوجد عنده كرسيان، ويتمنَّى أن يكون هناك كرسي ثالث، لكن يخشى أن ترتفع الضريبة، يخشى ألا يجد إنساناً يعمل على هذا الكرسي، أيضاً ساعة، وساعتين، وثلاثًا يمشي في خواطر أخرى، ما الذي أثار كل خواطره؟ كلمة (كرسي).

يسمع كلمة (كرسي) إنسان يحتاج في بيته إلى كَراسٍ، ولكن لا يملكها، لا يملك ثمنها، غرفة فارغة، ويأتيه ضيوف، لا يوجد عنده ثمن كراسٍ؟ يا ترى أشتريها رخيصة؟ غالية الثمن؟ أيضاً ساعة أو ساعتين، ويسمع كلمة (كرسي) إنسان متعب، يتمنَّى أن يرى كرسيَّاً يجلس عليه، كلمةٌ واحدةٌ أثارت تصوُّراتٍ شتَّى، ومعانيَ شتَّى.

ضربت هذا المثل الصارخ لأصل به إلى أنك لو قلت: الله، هذه الكلمة ماذا تثير في نفسك؟ تثير في نفسك كل خبراتك مع الله، فبحجم خبراتك، بحجم تصوُّراتك لله، بحجم تفكُّراتك في خلق السماوات والأرض، بحجم عطائك، بحجم إقبالك على الله، بحجم تمنيَّاتك أن يرضى الله عنك، فكلمة واحدة تثير عندك كل الخبرات، إذاً هذه الكلمات لها مضامين، وحينما تفقد الكلمة مضمونها تصبح لا قيمة لها، لذلك (الله) يقولها آلاف الناس، هناك من يُشْهِدُ الله، وهو يكذب، يقول له: الله وكيلك، والله يراه، ليس لها مضمون عنده أبداً، هناك من يعتدي على الناس، ويقول: الحمد لله، الله وفَّقنا، إلى ماذا وفَّقك؟ إلى إيذاء الناس؟! فهناك كلمات يقولها الناس ليس لها مضمون أبداً، لكن المؤمن كلَّما فكَّر في خلق السماوات والأرض يزداد مضمون هذه الكلمة عنده.

أحياناً أنت لو فرضنا أن لك قريبًا يعمل في حقل التعليم الجامعي، تعرفه أنه أستاذ جامعة، لكن لم تلتق معه ولا مرَّة، ولا ناقشته ولا مرَّة، فكلمة أستاذ جامعة لها عندك حجم، أما لو جلست معه مرَّةً، وسمعت من علمه الغزير، يظهر حجم هذه الكلمة بشكل أوسع، لو كنت طالباً عنده، واستمعت إلى محاضراتٍ لسنواتٍ عدَّة، وكل محاضرة رأيتها أجمل من أختها، وأعمق من أختها فحجم تقديرك لهذا الأستاذ يساوي حجم خبرتك معه.

 

التفكير في خلق السماوات والأرض يزيد حجم المعرفة بالله والخشية منه:


نحن نريد أن الإنسان إذا قال: الله، يقشعرّ جلده، إذا قال: الله، يَجِلُ قلبك، إذا قال: الله، يضطرب اضطراب الخشوع، ما بال أناسٍ يسبُّون الدين أحياناً؟ يتهجَّمون على الذَّات الكاملة، يقول كلاماً تقول أنت: لا يفقه شيئاً في الدين، فالإنسان كلَّما فكَّر في خلق السماوات والأرض ازداد حجم معرفته، وكلَّما ازداد حجم معرفته ازداد حجم خشيته، لهذا يقول لنا ربنا عزَّ وجل: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ .

أحياناً يقول لك أحدهم: يا أخي نفِّذ هذا الأمر، تقول: ممّنْ؟ اهتمامك بالأمر، ومبادرتك إلى تنفيذه، وتعظيمك له حسب التوقيع، إذا كنت في ثكنة والأمر من عَرِّيف قد لا تعبأ به، كلما ارتفعت الرتبة الموقعة على هذا الأمر يزداد تعظيم هذا الأمر، أما إذا رأيت أن قائد الجيش وقَّع على هذا الأمر فتبادر إلى تنفيذه فوراً.

 

مدلولات النطق بكلمة (الله):


كل هذه الأمثلة ما أردت منها إلا شيئاً واحداً، كل واحد إذا ذكر كلمة (الله) بحسب تفكُّره في خلق السماوات والأرض، بحسب تأمُّله في آيات الله الدَّالة على عظمته، بحسب خبراته في الاتصال به، بحسب أذواقه في الإقبال عليه، بحسب طموحه إلى مرضاته، كل هذه الخبرات، وتلك المعاني، والتصورات، والتأمُّلات، والأذواق إنما تثيرها كلمة (الله) ، فـ (الله) تثير في الإنسان كل خبراته مع الله، كل أشواقه، كل ذكرياته الطيّبة.

المؤمن عندما يُحْكِمُ الصلة مع الله، لو أن هذه الصلة ضعُفَت أو انقطعت فلا شيء في الدنيا يرضيه، لأنه ذاق طعم القُرب، ما سوى هذا القُرب لا شيء يملأُ عينه أبداً، مهما اغتنى، قد يغتني، وقد يأكل أطيب الطعام، وقد يجلس في أجمل الأماكن، وقد يسكن في أجمل البيوت، يقول لك: لا أنسى تلك الأيَّام الخوالي التي كانت صلتي بالله فيها مُحكمة، إذاً اجهد في معرفة الله، وفي التفكُّر في خلقه، وفي الإقبال عليه، وفي الاتصال به، وفي مناجاته، وفي خدمة خلقه، وفي الالتزام بأمره ونهيه، إلى درجة أنه إذا ذُكِرَ الله وَجِلَ قلبك، واقشعرَّ جلدك، وانهمرت دموعك، هذا معنى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾

[ سورة الأنفال ]

لو قلت لك: حدِّثني عن ربِّك، فماذا تقول؟ الله خلق السماوات والأرض، أكمل! ماذا يوجد غير ذلك؟ الله هو الخالق،  أما مؤمن سالك طريق الإيمان، له مجلس علم، له اتصاله بالله، له إقباله عليه، له حبُّه له، له شوقه إليه، يحدِّثك عشر ساعات، والوقت لا يشعر به لا المتكلِّم ولا السامع، هذه خبرات، لذلك هل في الكون كله جهة أثمن في معرفتها من الله؟! الإنسان المؤمن الصادق شغله الشاغل الله عزَّ وجل، لذلك قال:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)﴾

[ سورة المؤمنون ]

قال علماء التفسير: "اللغو ما سوى الله" .

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ حدَّثني أخ عن صديق له، له التفات إلى الله شديد، وأناب إنابةً رائعة، قال لي: إن جلس معنا أي حديثٍ دنيويٍّ تافه لا يلتفت إليه، ولا يُصغي إليه، ولا يدلي برأيه فيه أبداً، أما إذا كان الحديث عن الله عزَّ وجل تألَّق وتكلَّم، فالمؤمن هذه الحقيقة العُظمى تملأ نفسه، وتحتلُّ أكبر مكانةٍ في قلبه بل تحتلُّ كل قلبه، لذلك ورد في الأثر:  أن يا عبدي طهَّرت منظر الخلق سنين أفلا طهَّرت منظري ساعة؟! منظر الله عزَّ وجل هو القلب، القلب منظر الرب.  

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ - هذا طويل وهذا قصير، هذا أبيض وهذا أسمر، هذا وسيم الطلعة وهذا دميم- وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. ))

[ صحيح مسلم  ]

الله جلَّ جلاله يحبُّ في العبد أن يكون قلبه ذاكراً، ولسانه شاكراً، وبدنه على البلاء صابراً، يحبُّ في العبد أنه إذا صمت فكَّر في آيات الله. 

أُمِرْتُ أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً. 

يحبُّ في العبد أن يُشْغَلَ بمعرفة الله، أن يملأ الكون كل اهتمامه، لأن الكون بابه إلى الله، وأقول لكم دائماً، وأعيد هذا الكلام كثيراً: إذا أردت أن تدخل من أوسع بابٍ إلى الله فدونك الكون، وإن أردت أن تقطع أقصر طريقٍ إلى الله فدونك الكون، لأنك لا تعرف الله لا بعينك ولا بسمعك، الله لا يُرى، ولا يُسمع، لكن لا تعرفه إلا بعقلك، فكأنَّ الكون طريقٌ وحيدٌ لمعرفة الله عزَّ وجل، وهذا المعنى ورد في هذه الآية: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ .

 

الله تعالى عزيز يحتاجه كلّ شيءٍ في كلِ شيء وهو لا يحتاج شيئًا:


﴿الْعَزِيز﴾ العوام يستخدمون هذه الكلمة، يقولون لك: شيء عزيز عليّ، بعضهم يقول: عزيز عليّ أي غالٍ عليّ، بعضهم يقول: عزيز أي نادر، هذه المادة عزيزة أي نادرة، لكن علماء التوحيد قالوا: "العزيز هو الذي يحتاجه كلُ شيءٍ في كلِ شيء، ويستحيل الإحاطة به والوصول إليه" ، ممكن أن تصل إلى الله، لكن مستحيل أن تحيط به، باستقامتك وأعمالك الصالحة تصل إليه، أما أن تحيط به علماً:

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾

[  سورة الإسراء ]

إذاً يحتاجه كلّ شيءٍ في كلِ شيء، وهو لا يحتاج شيئًا، هو صمد، كل شيء بحاجته بينما وجود الله عزَّ وجل ذاتي.

 

الله تعالى حكمته مطلقة:


﴿الْحَكِيمِ﴾ هو كل شيء تراه عينك، لو لم يكن على ما هو عليه لكان هذا نقصاً في حكمة الله، هذا الحكيم، حكمته مطلقة، لهذا القاعدة الدقيقة تقول: "كل شيءٍ وقع أراده الله، وكل شيءٍ أراده الله وقع، والذي أراده الله متعلِّقٌ بحكمته المطلقة، وحكمته المطلقة متعلِّقةٌ بالخير المطلق" ، "ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن" ، "وإرادته متعلقةٌ بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق" .

أما الإنسان فقد لا يكون حكيماً، لماذا؟ لنقصٍ في علمه، يرتكب حماقة لأنه جاهل، وقد يرتكب حماقة دون حكمة لأن عليه ضغطاً، أو أن هناك شيئاً أغراه، الإنسان ضعيف تحت قوة الضغط وقوة الإغراء، أو بسبب نقص العلم، إذاً يرتكب الإنسان أعمالاً ليست حكيمة لنقص في علمه أو لضغط عليه أو لوقوعه تحت تأثير إغراء شديد، كل هذا الله جلَّ جلاله منزَّهٌ عنه، لذلك حكمته مطلقة، هذا الذي دفع بعض العارفين بالله على أن يقول: "ليس في الإمكان أبدع مما كان" .

هذا الشعور وتلك العقيدة، أو هذا التصور، هذا سبب طمأنينة المؤمن، لا يندم على شيء، ولا يتمنَّى أن يكون بغير الذي أقامه الله فيه، لأن حكمة الله مطلقة، كل شيء كونه مولوداً في المكان الفلاني، من الأب الفلاني، من الأم الفلانيَّة، بهذه الإمكانات، بهذه القدرات، بهذا المستوى الاقتصادي، المعاشي، الله يسَّر له هذا العمل، عمل وظيفي ، أو عمل دعوي، أو عمل تجاري، أو عمل ثقافي، يرى أن هذا كلُّه بحكمة الله عزَّ وجل، من هنا قال عليه الصلاة والسلام: عن صهيب:

(( عَجِبْتُ لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَهُ مَا يُحِبُّ حَمِدَ اللَّهَ وَكَانَ لَهُ خَيْرٌ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَا يَكْرَهُ فَصَبَرَ كَانَ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ أَمْرُهُ كُلُّهُ لَهُ خَيْرٌ إِلا الْمُؤْمِنُ. ))

[  أحمد: صحيح ]

أي حالة المؤمن حالة راقية جداً، سبب رقيه أنه يرى حكمة الله، لا يوجد شيء يزعج المؤمن، ما الذي يزعج الإنسان؟ الشرك، الشرك أن تتعامل مع الأشياء وكأنَّها قِوى مستقلَّة عن الله عزَّ وجل، شيء مخيف، هناك إنسان أقوى منك، هناك إنسان لا يحبُّك، يتمنَّى دمارك، فإذا تعاملت مع الأشياء بهذه الطريقة- بطريقة المشركين- أنَّ هذه الأشياء المخيفة هي قِوى مستقلَّة عن الله عزَّ وجل يجب أن تخاف، يجب أن ينخلع قلبك، الحياة كلها مخاوف، أقربها إلينا مخاوف الأمراض الوبيلة، هناك أمراض عُضالة، هناك أشخاص أقوياء، هناك مطبات كبيرة، هناك ألغام، هناك حقول فيها ورطات، لكن المؤمن إذا استقام على أمر الله، وأقبل عليه، ووحَّده، انتهى، علاقته مع جهة واحدة، هذه الجهة هي الله عزَّ وجل، لهذا ورد: "اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها، مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللَّهُ الهموم كلها" .

اجعل لربِّك كل عزك يستقرُّ ويثبت        فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزَّك ميّتُ

[ الشافعي ]

* * *

 

التوحيد فحوى دعوة الأنبياء كلِّهم:


إخواننا الكرام؛ لا يوجد شيء يسعدنا كالتوحيد، والتوحيد هو الدين، لا تعجبوا عندما ربنا يقول:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

الآن ربنا عزَّ وجل يبيّن لك أن فحوى دعوة الأنبياء كلِّهم التوحيد، التوحيد نهاية العلم، طاعتك لله عزَّ وجل نهاية العمل، فإذا وحدَّته وعبدَّته فقد جمعت المجد من طرفيه، الله عزَّ وجل ما خلقك إلا من أجل أن توحدّه، وأن تعبده، أبداً، هذا هو ملخَّص الدين كلِّه، أما التوحيد فكلمة نقولها جميعاً، ولكن البطولة لا في لفظها، أنت تقول: ألف مليون دولار، هذه كلمة، وقد لا تملك منها واحداً، فالكلام شيء، أن تلفظ هذا الرقم شيء، وأن تملكه شيءٌ آخر، أن تقول: لا إله إلا الله بلسانك شيء، وأن تكون موحِّداً شيٌ آخر، الله جلَّ جلاله يقول:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾

[ سورة محمد ]

فَاعْلَمْ، أمرك أن تعلم، لأنك إذا علمت لم تبق هناك مشكلة.

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

إخواننا الكرام؛ التوحيد يحتاج إلى جهد كبير، لكن والله الذي لا إله إلا هو لو وصلتم إلى معشاره لكنتم أسعد الناس، التوحيد هو ألا ترى مع الله أحداً، لا يوجد حقد، لا يوجد بغضاء، ترى اليوم أكثر الأمراض أسبابها شدَّة نفسيَّة، والشدَّة النفسيَّة شعور بالقهر أحياناً، يقول بعض الشعراء: 

يا أعدل الناس إلا في معاملتي                   فيك الخصام وأنت الخَصْمُ والحكمُ

[ المتنبي ]

* * *

أحياناً يكون الشخص قويًّا، وهو لا يحبُّك، وبحسب الظاهر مصيرك بيده، هذا الشعور وحده يدمِّر الصحَّة النفسية، أما بالتوحيد فلا، لأنه: 

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

فهذا الكلام كلام الله، ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ .

 

الله تعالى عزيز حكيم:


العزيز هو القوي، هو الغني، هو المُعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، أنا أحياناً إن وجدت إنسانًا يضحك ببراءة أقول: هذه نعمة الله عليه، الله قادر أن يُبكِّي الإنسان، يُبكِّي الرجال، يُبكِّي الأبطال.

﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)﴾

[ سورة النجم ]

إذا استيقظ الإنسان معافى في جسمه، عنده قوت يومه، أولاده في أَسِرَّتهم، زوجته في صحَّة جيّدة، لا توجد عنده مشكلة، لا يوجد عليه فضيحة، ليس مطالباً، ليس مطلوباً، لا يوجد عنده محكمة، لا يوجد عنده مشكلة، يضحك أحياناً، تجده مرحًا، لطيفًا، وجوده مؤنس، أما لو ساق الله عزَّ وجل له مشكلة تراه لا يضحك أبداً، إذا تعطلت بعض أعضائه، أو تعطَّلت بعض الأجهزة، أين الضحك؟ تختفي البسمة من على وجهه نهائيَّاً، ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ إذاً: (عزيزٌ) لا يوجد غيره، و(حكيم) كل شيءٍ ساقه لعباده محض رحمةٍ وفضلٍ وعلمٍ وعدالةٍ، عزيزٌ حكيم.

 

الآيات الكونية آيات تدل على عظمة الله:


﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)﴾

[ سورة الجاثية ]

الآن بدأ درسنا، ذاك مقدمة، أي السماوات، هذه المجرَّات، يقول لك: قريب من مليون مَليون مجرَّة، يقول لك: في كل مجرَّة قريب من مَليون مليون نجم، أحياناً الإنسان في أيَّام الشتاء إذا كان في غرفة فيها أشعَّة الشمس، وكنس الأرض يرى ذرَّات عالقة في الهواء، هباب، أي الذرة ليس لها حجم إطلاقاً، وليس لها وزن، صدقوني الأرض لو قيست بما في الكون من مجرَّات وكواكب فهي كهذه الذرَّة.

المجموعة الشمسيَّة بأكملها يرمزون لها بمنظر درب التبَّان، درب التبان مجرتنا، مجرة متوسطة، المجموعة الشمسيَّة بأكملها نقطة على درب التبان، نقطة فقط، نقطة بالقلم الرصاص،  إذا رسمنا درب التبابنة بشكل مغزلي هكذا نقطة على طرف هذا الدرب هي المجموعة الشمسيَّة بأكملها.

قبل عشر سنوات فيما أذكر أرسلوا مركبة فضائيَّة إلى المُشْتَري، هذه المركبة كانت أسرع مركبة صنعها الإنسان، تسير بسرعة أربعين ألف كيلو متر في الساعة، الآن الطائرات أسرع طائرة سرعتها أعلى من سرعة الصوت، ثلاثمئة وثلاثون متراً في الثانية، أما الطيران التجاري العادي فسرعته تسعمئة أو ثمانمئة وخمسون كيلو متراً في الساعة، فهذه المركبة سرعتها أربعون ألف كيلو متر في الساعة، بقيت هذه المركبة في طريقها إلى المشتري ست سنوات، المركبة وصلت، وأرسلت صورًا من هناك، ست سنوات بسرعة أربعين ألف كيلو متر في الساعة حتى وصلت هذه المركبة إلى نجم ليس بعيداً جداً في المجموعة الشمسيَّة، المجموعة الشمسيَّة بأكملها نقطة في طرف التبان.

كم مجرة يوجد؟ أحدث رقم سمعت عنه في بعض المقالات؛ أربعة وعشرون ألف مليون سنة ضوئيَّة، ما معنى ذلك؟ أن هذه المجرَّة الآن صوَّرناها بطريق معقَّد جداً علمي عن طريق الأمواج، هذه المجرَّة كانت في هذا المكان قبل أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئيَّة، الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، الدقيقة ضرب ستين، الساعة ضرب ستين، اليوم ضرب أربع وعشرين، السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، اجمعهم، اكتب ثلاثمئة ألف ضرب ستين على الآلة الحاسبة.. ضرب ستين، ضرب أربع وعشرين، ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، هذا ما يقطعه الضوء في السنة، ضرب أربعة وعشرين ألف مليون، هذه مجرَّة من المجرَّات كانت هنا قبل أربعة وعشرين ألف مليون سنة، أين هي الآن؟ والله لا ندري، هذا هو الكون، قريب من مليون مليون مجرة، في كل مجرة قريب من مليون مليون نجم وكوكب، والمجموعة الشمسية كلها نقطة.  

هناك نجوم حجمها يزيد عن حجم الشمس بملايين المرَّات، شمسنا نجم متواضع جداً، لأنه يوجد في برج العقرب نجم اسمه: قلب العقرب، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، بين الشمس والأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، والشمس تكبُر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرَّة، جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، ونجم قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، ألسنة اللهب التي صُوِّرت أثناء الكسوف طولها مليون كيلو متر تخرج من قرص الشمس، وبعض الألسنة نصف مليون، مليون كيلو متر لسان اللهب الذي يخرج من أشعة الشمس، من قرص الشمس، ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

يقول لك: المذنَّب هالي كل اثنين وسبعين سنة يدور دورة، عام ألف وتسعمئة واثني عشر مرّ بالقرب من الأرض، وقبل سنوات وصل للدورة نفسها، هذه ساعة (بيج بن) هي الساعة الأولى في العالم بدقَّتها، ربما فقدت دقتها بمقدار ثانية أو ثانيتين في السنة كلها، ويصححِونها بمرور نجم، النجم أدق من ساعة (بيج بن)، حركة الأنجم شيء لا يُصدَّق، طبعاً هذا الموضوع لا يكفيه ساعة وساعتان وثلاث، علم اختصاصي الفلك، لكن بشكل مبسَّط الأرض تدور، لو توقفت عن دورتها صار الوجه المُقابل للشمس حرارته ثلاثمئة وخمسون درجة، انتهى كل شيء، قبل فترة جاءت موجة حر، درجة الحرارة خمس وأربعون، خرج الناس من جلدهم، لو توقفت عن دورتها صار الوجه المُقابل للشمس حرارته ثلاثمئة وخمسون درجة، الطرف الثاني صفر مطلق، مئتان وسبعون تحت الصفر، تدور، لو دارت هكذا نفس الشيء صار نهار أبدي وليل أبدي، الله علَّمنا.

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)﴾

[ سورة القصص ]

الله علَّمك كيف تفكِّر، تصوَّر الشيء وخلاف ما هو عليه، تصوَّر ليلاً أبديًا، أو نهاراً أبديًا، تصوَّر الليل ساعة فقط، والنهار ساعة، تصوَّر الليل ست ساعات، تصور دورة الأرض حول الشمس مئة سنة، معنى هذا أن الربيع يدوم ربع قرن، وربع قرن آخر للصيف، هذا غير معقول، تصوَّر الأرض صغيرة جداً، يصير وزن الإنسان فيها كيلو، في القمر روَّاد الفضاء هم على سطح القمر الذي وزنه كان ستين كيلو يصبح في القمر وزنه عشرة كيلو، وزنك يتناسب مع حجم الكوكب، فإذا حرَّك رائد الفضاء قدمه حركة بسيطة ارتفع عالياً في الهواء، لأنه لا يوجد لديه وزن، طبعاً توجد أماكن بين الأرض والشمس لا يوجد فيها وزن إطلاقاً، انعدام الوزن، تجد رواد الفضاء في المركبة حركة صار في سقف المركبة، ليس له وزن إطلاقاً، انعدام الوزن، هذه آيات: ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ .

إخواننا الكرام؛ إذا صلَّى أحدنا الصبح، وأراد أن يفكِّر قليلاً فليفكِّر في الليل والنهار.

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

[ سورة فصلت ]

كيف صار هذا النهار؟ الأرض تدور هكذا، لو دارت هكذا أصبح الليل سرمديًا والنهار سرمديًا، لو توقفت ومحورها هكذا طبعاً الليل سرمدي والنهار سرمدي، طبعاً دارت، لكن لو دارت ومحورها عمودي على مستوى دورانها لا يوجد فصول أبداً، ألغيت الفصول، مكان في الأرض صيف إلى أبد الآبدين، مكان ربيع، مكان شتاء، مكان خريف، إلى الأبد، أما تبدُّل الفصول فمن ميل محورها، محورها مال، الشمس هنا، هنا أشعَّة عموديَّة، هنا مائلة، إذاً هنا صيف وهنا شتاء، دارت الأرض صار هنا محورها عموديًّا، وهنا مائلاً، تبدَّلت، إذا ركب إنسان طائرة من أمريكا الشماليَّة إلى البرازيل يجد العجب العُجاب، في الشمال خمسة أمتار ثلج، وفي البرازيل الناس يسبحون على شاطئ البحر، في الشمال شتاء، وفي الجنوب صيف، هذا شيء معروف، جنوب الكرة عكس شمالها، أستراليا الآن عندهم شتاء نحن في الصيف وهكذا، طبعاً  الطرف الآخر في الأرض ليل عندنا نهار، إذا ركب الإنسان طائرة في الساعة السابعة، ومشى باتجاه الغرب بسرعة الشمس يصل في السابعة هناك دون أي وقت زائد، فهذه الآيات الكونيَّة دالَّة على عظمة الله، ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ .

 

آيات الله عز وجل طريقنا إليه:


طبعاً هذه أمثلة، أما أنت فيجب أن تفكِّر، ألم تلاحظ ذات مرة أن الشمس تُشرِق من مكان وفي الفصل الثاني من مكان آخر؟! الله قال:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)﴾

[ سورة المعارج ]

وقال:

﴿ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)﴾

[ سورة الشعراء ]

 وقال:

﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)﴾

[ سورة الرحمن ]

ورد المشرق جمعًا ومثنَّى ومفردًا، إذا قال: شرق أي جهة الشرق، أما إذا قال: مشرقين أي المشرق الأدنى والأعلى، الذي له بيت مطل على الشرق أو على الغرب يلاحظ أن الشمس تغيب في الشتاء في مكان، وفي الصيف في مكان، المسافة كبيرة جداً، يلاحظ الإنسان في الشتاء أن الشمس تدخل إلى أعماق الغرفة، أما في الصيف فتكون عموديَّة، تجد أنه قلَّما تدخل الشمس إلى الغرف في الصيف، تدخل مترًا فقط، معنى هذا أن أشعة الشتاء مائلة، أما في الصيف فهي عموديَّة، هذه أشياء تلفت النظر.

فهل يا ترى فكَّرنا في الشمس؟ هذه الشمس قال: من خمسة آلاف مليون سنة متقدة، وطمئنونا قال: لن تنطفئ قبل خمسة آلاف مليون سنة قادمة، فليس لدينا الآن مشكلة، لكن هذا الاتقاد من أين جاء؟ هل عندك شيء يشتعل من غير وقود؟ عندك مدفأة من دون مستودع وقود؟ عندك مركبة تمشي من غير بنزين؟ هذه طاقة، من أين هذه الطاقة؟ هذه الشمس، وبعد مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر الشمس بعدسةٍ تُحرِق الورق، يقول لك: أشعَّة محرقة، يحترق جلد أحدنا إذا سبح في الصيف، لأن هذه الأشعَّة محرقة، بعد أين؟ بعد مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، يقول لك: كل ظهره صار أحمر، جلده يقشر، من أشعة الشمس، ما هذه الشمس؟ الله قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ القمر موضوع، الشمس موضوع، الليل موضوع، النهار موضوع، الفصول موضوع، أبراج السماء:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)﴾

[ سورة البروج ]

المذنَّبات موضوع، الكازارات موضوع، الآن توجد الثقوب السوداء مقبرة النجوم، الثقوب السوداء لو أن الأرض دخلت إلى ثقبٍ أسود في الفضاء الكوني –يجوز ألا تصدقوا- أصبح حجمها كحجم البيضة، ولها الوزن نفسه، كم وزن الأرض؟ وزنوها بحسابات، الأرض إذا دخلت إلى ثقب أبيض يصبح حجمها كحجم البيضة من الضغط، ووزنها هو هو، فهذه الآيات يجب أن نتأمَّل فيها، يجب أن نفكِّر فيها، يجب أن تكون طريقنا إلى الله عزَّ وجل، هذا الموضوع الأول: 

﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)﴾

[ سورة الجاثية ]

 

آيات الله في بديع مخلوقاته:


﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)﴾

[ سورة الجاثية ]

خَلق الإنسان، إذاً أكبر موضوع في التفكُّر هو خلق السماوات والأرض. 

الآن مرحلة ثانية، قال: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ﴾ إنسان وزنه خمسة وثمانون كيلوًا، لكن ما أصله؟ في الفقرة  الأولى من الدرس الله علمنا التفكر؛ الشيء وخلاف ما هو عليه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ الآن أصل الشيء، معقول إن سنتيمترًا مكعَّبًا أو سنتيمترًا ونصف من الحوينات فيه خمسمئة مليون حُوين والإنسان من حوين واحد؟ والحوين عبارة عن جسم له عنق، وله ذيل، وله رأس مدبَّب، فيه غشاء تحته مادَّة نبيلة، وأقوى حوين يصل إلى البويضة، إذا لامس البويضة تمزَّق الغشاء، والمادَّة النبيلة أذابت جدار البويضة ودخل الحوين، وصار داخل البويضة لقاح، وفي طريق البويضة الملقَّحة من المبيض إلى الرحم تنقسم عشرة آلاف قسم، وفي الرحم تُغْرَس فيتشكَّل الجنين، تصير الجمجمة، الدماغ، العمود الفقري، العظام، العضلات:

﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾

[ سورة المؤمنون ]

تجد طفلاً له عيون، يبكي، له صوت، يتنفَّس، فيه أنف، فيه قصبة، فيه رئتان، فيه قلب، يوجد أذينان، بطينان، أوردة، شرايين، عضلات، كليتان، معدة، أمعاء، بنكرياس، كبد، غدَّة درقيَّة، غدَّة نخاميَّة، غدد الكظرين، الكليتان، الحوض، العضلات، الجلد، اقرأ عن الإنسان تجد أنه حوين لا يُرى بالعين، بسنتمتر ونصف خمسمئة مليون، حوين واحد لقَّح بويضة لا تُرى بالعين، غُرِس بجدار الرحم، تشكَّل عمود فقري، من أين جاء العظم؟ العظم مادَّة قاسية، من أين جاءت؟ ترسَّبت المواد الكلسيَّة، وشكَّلت جهازًا عظميًا، قِوام الإنسان، هيكل، قفص صدري، عمود فقري، العين فيها مئة وثلاثون مليون عُصيَّة، العصب البصري فيه تسعمئة ألف عصب، لكل عصب ثلاثة أغمدة، ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة شريان ووريد، وغدَّة دهنيَّة وغدَّة صبغيَّة، وعضلة وعصب لكل شَعرة.

كم في اللسان من خليَّة ذوقيَّة؟ الأذن لا يزال عملها عجيبًا، السمع، البصر، الحركة، كيف يتحرَّك الإنسان؟ ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ﴾ :

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾

[ سورة الذاريات ]

لو فكَّر الإنسان في خلقة لا ينتهي في مئة سنة، كلَّما فكَّر يزداد تعظيمًا لله عزَّ وجل.

﴿وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ﴾ البعوضة الصغيرة لها جهاز رادار، وجهاز تحليل دم، وجهاز تمييع دم، وجهاز تخدير، وجناحاها يرفَّان أربعة آلاف رفَّة في الثانية، ولها ثلاثة قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، ولها محاجم، ولها مخالب.

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)﴾

[ سورة البقرة ]

الذبابة؛ أعظم طائرة عسكريَّة صنعها الإنسان لا ترقى إلى واحد بالمئة من مناورة الذبابة، هل توجد طائرة تطير بأقصى سرعة خلال ثانية تأخذ زاوية قائمة؟ غير ممكن، هل توجد طائرة تحط على مطار في السقف؟ الذبابة تقف على السقف، لا يوجد، حركة الذبابة يعجز عن تقليدها أكبر طائرة عسكريَّة.

النمل، اقرؤوا عن النحل يا إخوان شيءٌ لا يُصدَّق، كيلو العسل محصلة طيران أربعمئة ألف كيلو متر، لو كلفنا نحلة واحدة أن تجني كيلو عسل  يجب أن تطير أربعمئة ألف كيلو متر.

 اقرؤوا عن خليَّة النحل، عن عادات النحل الاجتماعيَّة، النظام الاجتماعي، فيه ملكة، فيه ذكور، فيه إناث، وفيه عاملات، وفيه حُرَّاس، وفيه كلمة سر، هل يستطيع عاملان يعملان لبلاط غرفة، أحدهما يبدأ من الجدار الأيمن، والثاني من الأيسر أن يلتقيا على بلاطة نظاميَّة أم يلتقيان على غلاقة؟! النحل يبدأ من كل الجهات فيشكِّل شكلاً مسدساً نظاميًا، ألم يأخذوا حسابات؟! شمع النحل أيضاً شيء مذهل.

اقرؤوا عن النمل، اقرؤوا عن النحل، اقرؤوا عن الحشرات، اقرؤوا عن بعض الحيوانات، قال الله تعالى:

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)﴾

[ سورة يس ]

هذه البقرة إذا توحِّشت تقتل الإنسان، مرض يصيب البقر اسمه التوحُّش، أخ قال لي: أمام سكني يوجد أخ عنده بقرة توحَّشت قتلت أول شخص، والثاني الله، وعطبت الثالث، سحب المسدس وقتلها، قال الله سبحانه: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ لو أن الله لم يذللها، لو ركَّب الله أخلاق الضبع في الخروف فكيف يمكن أن تذبحه على  العيد؟ يخيف البلد كله، يقول لك: فلان مثل الغنمة، من ذلّله لنا؟ الله عزَّ وجل، اقرأ الآيات، هذا الحليب الذي تشربه أنت، ضع لنا كيلو حليب، كيلو الحليب محصلة جَولان أربعمئة لتر دم في ثدي البقرة، ثدي البقرة غدَّة كالقبَّة، هنا توجد شبكة أوعية دقيقة جداً، وهذه الخلية الثديية حتى الآن لا أحد يعرف كيف تعمل، تختار من الدم ما يعجبها، ترشح نقطة حليب منها، هذا ثدي البقرة ألا يتمزَّق وهي تحمل أربعين كيلوًا؟ لأن البقرة تحلب أربعين كيلوًا، لكن في وسط الثدي جدر عرضيَّة وطوليَّة لكي تمسك الوزن، هذا تصميم من؟ البقرة معمل، تصميم من؟ الغنمة معمل، الدجاجة معمل، البيضة فيها كل شيء، والدليل تصير صوصاً، لماذا البيض مغذ؟ فيه كالسيوم، فيه بروتينات، فيه فيتامينات، فيه دهون، كل شيء فيه، الله قال: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ﴾ الدجاجة موضوع، البقرة موضوع، الغنمة موضوع، الحشرات موضوع، الحوت، الحوت وزنه مئة وخمسون طنًّا، رضعته الواحدة إذا أراد أن يُرضِع وليده ثلاثمئة كيلو، ثلاث رضعات طن في اليوم يريد حليباً، وجبته المعتدلة أربعة أطنان، فكيف لو كان جائعاً؟!! جرّ ذات مرَّة سفينة لمدة ثمانٍ وأربعين ساعة في عكس اتجاهها والمحركات تعمل بأقصى طاقاتها، حوت، خلق الحوت، وخلق الفيروسات، الفيروسات لا تُرى بالمجهر، فيروس الإيدز حيَّر العالَم كلَّه، أهلك البشريَّة، ما هو قوي أبداً، لا يُرى بالعين ولا بالمجهر، من فيروس الإيدز إلى الحوت.

 

الكون أقصر طريقٍ إلى الله وأوسع بابٍ ندخل منه على الله:


﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)﴾

[ سورة الجاثية ]

إخواننا الكرام؛ أمامكم فُرَص، هذا الكون بين أيديكم، سخَّره الله لكم بنص القرآن الكريم:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾

[ سورة الجاثية ]

كل شيء مسخَّر لك، النبات موضوع للتفكُّر، الحيوان موضوع للتفكُّر، خلْقك موضوع للتفكُّر، شعرك موضوع، عينك موضوع، أنفك موضوع، يدك موضوع، المفاصل موضوع، القلب والشرايين والأوردة موضوع، المعدة والأمعاء والهضم موضوع، الرئتان والتنفس موضوع، الكليتان موضوع، الغدد الصماء موضوع، الأعصاب موضوع، خلق الحيوانات التي حولك موضوع، ممكن للإنسان أن يتعرَّف إلى الله بشكل واسع جداً من خلال الكون.

مرَّة أخيرة: الكون أقصر طريقٍ إلى الله، وأوسع بابٍ تدخل منه على الله، وربنا عزَّ وجل يقول: 

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ(6)﴾

[ سورة الجاثية ]

 لا يوجد طريق ثان، الطريق الوحيد إلى الله هو الكون، فكِّر، كلَّما فكَّرت ترى الله عظيماً، وكلَّما استعظمت الله عزَّ وجل تستقيم على أمره، وإذا استقمت سلِمْت، وإن عملت الصالحات سعدت بالله عزَّ وجل، الاستقامة سلامة، والعمل الصالح سعادة أساسها معرفة الله، فهذا الدرس القصد منه فقط طرح موضوعات نموذجية، طرح موضوعات للبحث، أنا ما ذكرت شيئاً، والله لا يكفي معالجة الآيات الكونية ولا مليون سنة، لأن:  

وفي كل شيءٍ له آيةٌ                       تدلُّ على أنه واحد

[ لبيد بن ربيعة ]

* * *

كل ما في الكون ينطق بوجود الله، ينطق بعلم الله، ينطق بحكمة الله، ينطق برحمة الله، ينطق بعدالة الله، ما عليك إلا أن تفكِّر، هذا الفكر حرام أن تُعْمِله فيما لم يُخْلَق له، مهمَّته الأولى أن يعمل في خلق السماوات والأرض، النبي الكريم استيقظ في الليل، وتوضَّأ، وقرأ قوله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)﴾

[ سورة آل عمران ]

(( ثم قال: عن عائشة أم المؤمنين :لقد نزلَت عليَّ الليلةَ آياتٌ ويلٌ لمن قرأها و لم يتفكَّرْ فيها، "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ " الآية. ))

[ السلسلة الصحيحة: حكم المحدث :إسناده جيد ]

الويل أي الهلاك.

 

آيات الله في خلق الإنسان لا تعد ولا تحصى:


إذا فكَّر الإنسان في طعامه الله عزَّ وجل قال:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)﴾

[ سورة الطارق ]

هذا الذي يقف أمامك ووزنه مئة كيلو أساسه حوين من خمسمئة مليون حوين، صار عظماً، عنق الفخذ يتحمل مئتين وخمسين كيلو من الضغط، ميناء الأسنان أقسى مادَّة في الأرض بعد الألماس، هذه من أين أصلها؟ من حوين منوي، من أين جاءت هذه القساوة وهذه المتانة في العِظام؟

الإنسان يفكر، هذه الجمجمة قليلة؟ الدماغ يوجد فيه مئة وأربعون مليار خليَّة لم تُعْرَف وظيفتها بعد في الدماغ، والله شيء مذهل.

والله أيها الإخوة؛ الأطبَّاء أمامهم فرصة، عندهم معلومات أوليَّة حول خلق الإنسان شيء لا يُقدَّر بثمن، فالإنسان يفكِّر، يفكِّر في طعامه، في شرابه، في خلقه، في سمعه، في بصره..

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)﴾

[ سورة البلد  ]

النجدان هما الثديان كما قال ابن عبَّاس، هذا الحليب معقَّم، فيه مناعة، دافئ في الشتاء، بارد في الصيف، متدرِّج في تعييره، شيء يعجز عن صنعه الإنسان، والآن شركات الحليب الصناعي، أو حليب القوارير مكلَّفة أن تكتب على علبها: "لا شيء يعادل حليب الأم" .

نحن أمام آيات كثيرة جداً، والله أنا  في حيرة، أنا ذكرت عناوين فقط، أما لو أخذت آيَة آية درستها بهدوء يقشعر جلدك، هذا الطريق إلى الله، أنت استقامتك بقدر خشيتك، وخشيتك بقدر معرفتك بالله، ومعرفتك بالله بقدر تفكُّرك في آياته.

مرَّة ثانية الآيات:

﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)﴾

[ سورة الجاثية ]

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور