- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (045)سورة الجاثية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإله الذي ينبغي أن يُعبد هو الله لأن الأمر كله بيده:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس من سورة الجاثية، ومع الآية الثالثة والعشرين، وهي قوله تعالى:
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)﴾
الإله الذي يُعْبَد، الإله الذي يُطاع، الإله الذي يُحَب، الإله هو الذي بيده مصيرك، بيده رزقك، بيده حياتك، بيده موتك، بيده سعادتك، بيده شقاؤك، بيده إعزازك، بيده إذلالُك، بيده أن يطمئنك، بيده أن يخيفك، هذا الإله، لذلك لا معبود بحقّ إلا الله، فالإله الذي ينبغي أن يُعبد هو الله، لأن الأمر كله بيده، لأن مقاليد السماوات والأرض كلها بيده.
إذا عبد الإنسان إنساناً، أي أطاعه، وأحبه، وتوهم أن هذا الإنسان بيده مصيره، يرفعه أو يخفضه، يقربه أو يبعده، يعزه أو يذله، هذا الإنسان ليس إلهاً، إنسان ضعيف يموت، لكن المُشْرِك عامَله كما يعامَل الإله هنا، لا يعقل إنسان ضعيف يأكل ويشرب وينام ويتألَّم ويمرض ويبكي أحياناً ويخاف، لا يعقل أن يكون هذا الإنسان إلهاً، لكن حينما يقول فلان ألَّهَهُ جماعةٌ من الناس، هو ليس إلهاً، ولكنهم عاملوه كما يعامل الإله، أحبوه، وأطاعوه، أطاعوه، وعصوا ربَّهم، خافوه، رجوه، عقدوا آمالهم عليه، إذاً حينما يرد أن الإنسان اتخذ جهة ما إلهاً من دون الله ليس معنى ذلك أن هذه الجهة هي إله لكنها عوملت كما يعامل الإله.
التعجب في اتخاذ الناس آلهة غير الله:
قال:
حبه للمال، لك أن تكسبه من طريقٍ مشروع، أما حينما لا يعنيك إلا أن تأخذ المال من أي سبيل اتخذت المال إلهاً من دون الله، أي هو الذي يحرِّك سلوكك؛ يحلف يميناً كاذباً، يبيع دينه، يبيع أهله، يبيع ذمته وأمانته، الهدف أن يقبض المال فقط، إذاً حينما يُتَّخَذ الهوى إلهاً ليس معنى ذلك أن الهوى إله، لكنه عومل معاملة الإله.
الله تعالى هو الإله المستحق للعبادة والتعظيم:
من الإله؟ الذي بيده حياتك، وموتك، ورزقك، وعزتك، وصحتك، وسعادتك، ورفعتك، هو الذي يعطي، والذي يمنع، الذي يرفع، والذي يخفض، الذي يعز، والذي يذل، الذي يجمع، والذي يفرِّق، الذي يمنح الحياة، ويأخذ الحياة، يقدِّر الموت، هو الإله، هذا الذي ينبغي أن تعبده، هناك تناسب بين صفاته وأسمائه وبين العبادة له، فأنت لا يليق بك أن تعبد إنساناً من دون الله، إنه ندّ لك، إنه عبدٌ فقير، قد لا يعلم ما أنت عليه، وإذا علم قد لا يستطيع أن ينقذك مما أنت فيه، إذاً ليس إلهاً، ولا يليق بك أن تعبده من دون الله، فالعبادة شيء خطير جداً.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
العبادة علة وجودك على وجه الأرض، لكن ينبغي أن تتوجه العبادة إلى الله عزَّ وجل الذي منحك الوجود:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾
الذي خلق الهواء كي تتنفسه، ولأن الهواء ضروري جداً لا يستطيع أحدٌ أن يتمَلَّكَهُ، أبداً، لو تملّك الناس الهواء عندك فاتورة هواء آخر الشهر، تستنشق الهواء في أي مكان، الماء، الطعام، الشراب، خلق لك من نفسك زوجةً تسكن إليها، جعل منك ومنها طفلاً صغيراً يؤنس وحدتك، هذا الذي تعبده، الذي منحك السمع والبصر، الذي منحك العقل، الذي أعطاك القلب والشرايين، والرئة والتنفُّس، الأجهزة المتعددة، وأنت لا تدري.
نقطة ماءٍ أصبحت كائناً سوياً، في الدماغ مئة وأربعون مليار خلية، وفي شبكية العين مئة وثلاثون مليارًا، في الشعر ثلاثمئة ألف شعرة، العضلات، العظام، الكليتان، لو تعطلت الكلية تصبح الحياة جحيماً، لو استؤصل المستقيم لمرضٍ خبيث، وأصبحت الفتحة خارجية، وأكياس ومتاعب، لا أحد يعرف قيمة المستقيم، المثانة، التوازن تمشي على قدمين.
الذي منحك نعمة الوجود، أمدك بالهواء والماء، أمدك بالطعام والشراب، خلق لك من نفسك زوجةً، منحك أولاداً يملؤون بيتك سروراً، هذا الذي تعبده، هذا الذي تحبه، هذا الذي تطيعه، هذا الذي تخشاه، هذا الذي تعلِّق عليه الآمال، هذا الذي ترجو رضاه، هذا الذي تخشى غضبه، إنسان ولو كان قويًا جداً، إذا أحببته، وعصيت الله من أجله، وظننت أنه يقربك، ويرفعك، ويغنيك، ويقوّي مركزك، هو ليس إلهاً، هو بشر من جنسك، ولكنك عاملته كما يعامل الإله.
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد:
إذا قلنا: اتخذته إلهاً، هو ليس إلهاً، لكنك عاملته كما يعامل الإله، أي أطعته على حساب طاعة الله.
مرة ذكرت لكم أن الحسن البصري، وهو من كبار التابعين، كان مرة مع والي البصرة للخليفة يزيد، وقد أرسل يزيد توجيهًا لهذا الوالي بالذَّات، توجيه يتنافى مع الحكم الشرعي، وهذا الوالي وقع في صراع، ماذا يفعل؟ أينفذ أمر الخليفة فيُغضب الله عزَّ وجل أم لا ينفِّذَهُ فيغضب الخليفة وقد يعزل من منصبه؟ فكان عنده وقتها التابعي الجليل الحسن البصري، قال له الوالي:
أنت حينما تتخذ زيداً إلهاً، وتطيعه من دون الله، فإذا أراد الله بك سوءًا لا يستطيع زيد أن يمنع عنك هذا السوء، أما إذا أراد زيدٌ سوءًا فإن الله يستطيع أن يمنعه عنك، هذا التوحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، لذلك الدرس اليوم حول الهوى لا حول الأشخاص،
معاني اتخاذ الهوى إلهاً:
الحقيقة هناك مجموعة من الأحاديث الشريفة يجب أن ندرسها جميعاً.
أولاً: ماذا قال الصحابة والتابعون بهذه الآية؟ قال ابن عباس والحسن وقتادة:
قال سعيد بن الجبير:
وقال بعض التابعين: المعنى:
وقال:
هناك تناسب بين الهوى وبين الهَوِي، سمّي الهوى هوىً لأنه يهوي بصاحبه، يوجد مظالم، يوجد ظلمات بعضها فوق بعض، يوجد متاهات، يقول لك: فلان سقط، انتهى، لأنه تبع هواه فسقط، وكل إنسان إما أن يتبع الهوى بقبض المال، بكسب المال، بالملذة المحرمة.
بالمناسبة إخواننا الكرام؛ هناك حقيقة أقولها دائماً آلاف المرات: ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان وإلا وجعل لها قناةً نظيفةً يمكن أن تروى بها، أبداً، ليس في الإسلام حرمان، في الإسلام تنظيم، وكل إنسان يروي شهوته المشروعة وفق المنهج الإلهي لا شيء عليه، ليس في الدين رهبانية، قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:
هذا هو الهوى.
ورود الهوى في القرآن في سياق الذم:
الآن أيها الإخوة؛ ما وردت كلمة الهوى في القرآن الكريم إلا وذَمَّها الله عزَّ وجل:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ
وقال تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
ذمٌّ آخر، قال تعالى:
﴿
وقال تعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ
وقال تعالى:
﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ
أمام الإنسان طريقان لا ثالث لهما؛ طريق الحق وطريق الهوى:
الملخص أمامك أيها الإنسان طريقان لا ثالث لهما: طريق الحق وطريق الهوى، طريق الرحمن وطريق الشيطان، طريق إرضاء الله عزَّ وجل وطريق دغدغة نوازع الإنسان، طريق السمو وطريق اللذات، طريق اللذة العابرة وطريق السعادة الأبدية، طريق الشهوة وطريق العقل، طريق السماء وطريق الأرض، طريق الملائكة وطريق الشياطين، هذه الاثنينية في الحياة، طريقان لا ثالث لهما: العقل، والخلق، والقِيَم، والمبادئ، والأهداف النبيلة، والسعادة الأخروية، والاستقرار، ورضاء الله عزَّ وجل في طريق الإيمان؛ الشهوة العابرة مع الشقاء، والاكتئاب، والضياع، والتشعُّب، والتشرذم، والخوف، والقلق، والخنوع، والقهر والنفاق، كله في طريق الشهوة.
حينما يروي الإنسان شهوته بمعصية الله يضعف، لذلك أعداء المسلمين همّهم الأول إفساد أخلاق المسلمين، أي حينما يتبرَّعون بمحطات فضائية لإفساد أخلاق الشباب ما هدفهم؟ حينما تفسد أخلاقُ الإنسان ينتهي كإنسان، بقي حيواناً، هذا الحيوان يخاف، شديد الخوف، شديد القلق، شديد الخنوع، لأنه اتبع شهوته، لأنه أخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، اسمعوا أيها الإخوة ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، قال النبي عليه الصلاة والسلام: عن عبد الله بن عمرو:
(( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به. ))
من حقِّ الإنسان أن يتزوج، لكن ليس من حقه أن ينظر إلى زوجات الآخرين، هن أجنبيات، لذلك:
﴿
يوجد خمسون طريقاً لإرواء الشهوات، يوجد طريق مشروع نظيف يرضي الله، ويسعد هذه الإنسان، طريق الزواج، فأنت بقي لك من علاقتك بالنساء الزواج، هذا هو الخير.
ألف طريق لكسب المال، بقي لك من كسب المال البيع والشراء، العمل المشروع، أما الهبة، أو الإرث، أو العمل، أو الكسب، إلخ.. هذا مشروع لك أن تأخذه، إذاً:
وقال أبو أمامة: قيل:
من يُعطّل عقله يعيش لحظته وواقعه:
أحياناً تبالغ في توضيح قضية، وأنت في الأصل لست مؤمناً بها، ولكن إرضاءً لزيد أو عبيد، تسخّر ذكاءك، تسخّر عبقريتك من أجل مدح شيء أو ذم شيء، مدح هذا الشيء يُرضي زيدًا، ذم هذا الشيء يرضي عبيدًا، تمدح وتذم لا عن قناعة، ولا عن رفض، ولكن اتباعاً للهوى، تبالغ في مودة إنسان ليس حباً له، اتباعاً للهوى، تعادي إنسانًا وهو من أكمل الناس اتباعاً للهوى، فعندما تكون علاقة الإنسان، صلته، قطيعته، رضاؤه، غضبه، عطاؤه، منعه، زيارته، مجافاته بدافع الهوى فهو أشقى الناس، أي إن اتباع الهوى هوان، أي عدوك الأول هو الهوى، وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بك، والحديث المعروف: عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ. ))
عندما يعطل الإنسان عقله يعيش لحظته، الإنسان حينما يعطل عقله يعيش واقعه، يقول لك: هكذا الناس، هكذا يريدون، هكذا تريد الخانم، بناتي لا أريد أن أزعجهن، بناته يطلِق لهن العنان، يفسدن الشباب، وهو يدري أو لا يدري، يُطْلِق لزوجته العنان، يقبض الأموال من دون حساب، حلال، حرام، شبهة ربا، غش، فساد، عليه أن يأخذ المال الوفير حتى ينفق هذا المال على شهواته المنحرفة، إنسان هوائي أو شهواني أو والحمد لله رحماني.
الرحماني يمشي على المنهج، الرحماني لا يتحرك قبل أن يعرف حكم الله في هذا الشيء، يفعله ولو دفع الثمن باهظاً، ويمتنع عن فعله ولو فوَّت عليه أرباحاً طائلة، الله أغلى عليه من المال كله.
قيل:
المهلكات والمنجيات:
قال صلى الله عليه وسلم:
(( عن أنس بن مالك
ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، المهلكات شحّ مطاع، بخل، ينفق الألوف، مئات الألوف، بضع الملايين على احتفالات، على مظاهر، على ثياب، يؤتى بها من باريس، يقول لك: الزهور بمليونين، فإذا دُعي لمساعدة أسرة مقطوعة يتيمة، أو أرملة، أو مشروع خيري يبخل، لذلك:
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ؟
* * *
شيء جميل، من أنت؟ هناك إله شَرَّع، كتاب من الله أنزل، نبي فَسَّر، يقول لك: أنا لست مقتنعاً بهذا الشيء؟ من حضرتك؟ ما صفتك؟ أنت مشرع؟ من أعطاك الصلاحية لتقيّم الشرع أساساً؟ فلذلك: إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، عندئذٍ:
(( عن عبد الله بن عمرو : إذا رأيتَ النَّاسَ مرَجتْ عهودُهم وخفَّت أماناتُهم وكانوا هكذا وشبَّك بين أصابعِه , قلتُ هكذا فما تأمرُني؟ فقال:
أولادك، أولاد أخيك، بناتك، بنات أخيك، أصدقاؤك الخُلَّص، جيرانك، من تمون عليه، ومن تلي عليه، هذه خاصَّة نفسك،
﴿
العبرة بالأقلية مع الحق لا بالأكثرية:
هناك أشخاص من ضعف تفكيرهم يؤخذون بالكثرة، أخي الناس كلهم على غلط؟! قال تعالى:
﴿
قال سبحانه:
﴿
قال:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾
فأنت كن مع الأقلية المؤمنة، مع الأقلية الواعية، مع الأقلية المتبصِّرة، مع الأقلية المستقيمة، مع الأقلية التي عرفت ربها، لا تؤخذ بالأكثرية.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه:
هناك زواج شرعي، وهناك زواج غير شرعي، نساء كاسيات عاريات، عرس مختلط ومكتوب على البطاقة:
قال سهل بن عبد الله التستري وهو أحد العارفين بالله:
الداء هو الهوى، مخالفته هو الدواء، دواء الهوى مخالفته.
قال أحد العلماء:
دائماً الأشياء الحق النفس تقاومها، الإنسان يحب الاختلاط، يحب إرواء شهواته، يحب المجتمع المتفلت، لكن أنت المجتمع الذي فيه جلوس على الركب، وفيه سماع للحق، الزم هذا المجتمع، أين يوجد أهواء ابتعد، أين يوجد حقّ اقترب، هذا الموضوع كله قوله تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)﴾
ثمن الجنة مخالفة الهوى:
الحقيقة أعمق من ذلك، لماذا المؤمن يدخل الجنة؟ لأنه دفع الثمن، ما الثمن؟ ثمن الجنة مخالفة الهوى، فأنت لا ترقى إلا بمخالفة الهوى، لذلك ينبغي أن يكون التكليف الذي هو ثمن الجنة مخالفاً لطبع الإنسان، طبع الإنسان النوم، التكليف أن تصلي الفجر في وقتها، طبع الإنسان أخذ المال، التكليف إنفاق المال، طبع الإنسان إطلاق البصر، التكليف غض البصر، طبع الإنسان النهْشُ في أعراض الآخرين، التكليف ضبط اللسان، هذا هو الدين، الدين كله ضبط، أساساً الإسلام كله سيطرة على الذَّات، والكفر كله إطلاق الأهواء إلى أبعد ما يمكن.
معنى الإضلال ومفهومه:
أما قول الله عزَّ وجل:
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
لهذه الآية معان كثيرة،
هناك قصة تؤكِّد هذا: ذات مرة أبو جهل طاف بالبيت ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، اسمعوا ماذا قال أبو جهل أكفر الكفار، قال:
أحياناً يرتكب الإنسان المعصية، ويعلم أنها معصية، ويعلم أنها تنتهي به إلى النار، ويعلم أن المال سوف يدمَّر.
﴿
يفعل المعصية على علم، هذه مصيبة كبيرة، قال:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
* * *
أعظم بكثير، هذا المعنى الثاني.
الأذن طريق الهدى:
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ
سمع خطبة جمعة، سمع محاضرة، سمع درس دين، درس تفسير، درس حديث، درس سيرة، سمع موعظة، فالهدى يصل إلى القلب عن طريق الأذن، أحياناً يرى آيةً دالةً على عظمة الله عزَّ وجل.
اليوم زارني أخ كريم بعد الصلاة قال لي عن حادثة وقعت في بلد مسلم لا يصدقها العقل: امرأة من باكستان معها طفلان صغيران في طائرة، لسبب أو لآخر تحطم زجاج النافذة الذي إلى جنبها، والضغط كما تعلمون ثمانية أمثال في الطائرة، فهذه النافذة سحبت الطفلين وألقت بهما في البحر على ارتفاع أربعين ألف قدم، طبعاً الموت محقق، بعد أسبوع تأتي هذه المرأة برقية من السفارة أن تعالي إلى قطر فالولدان صحيحان، قصَّة ضَجَّت منها البلاد، نزلا إلى جانب قارب صيد، فالصيَّاد رأى شيئا نزل من السماء طبعاً غاص، وأنقذهما، وأوصلهما إلى مستشفى، هذه آية من آيات الله..
وإذا العناية لاحظتك جفونها نَــمْ فالمخاوف كُلُّهُنَّ أمانُ
* * *
أنا ذكرت لأحد الإخوة راكب من ركاب طائرة كانت تحلِّق فوق جبال الألب احترقت وتصدَّعت، وقع هذا الراكب مكان التصدع فوق غابةٍ في جبال الألب، مغطاة بخمسة أمتار من الثلوج، خمسة أمتار من الثلج مع مرونة الأغصان نزل هذا الراكب واقفاً على قدميه، هذه آيات، فربنا عزَّ وجل يُري آياته،وهذه الباخرة التي غرقت في بحر البلطيق، في أقل من خمس دقائق كان تسعمئة راكب في قعر البحر، والعمق ثمانون مترًا فقط، في أقل من خمس دقائق، تسعمئة راكب أصبحوا في قاع البحر، أنقذوا مئة وأربعين، والباقي ثمانمئة راكب ماتوا، هذه كلها آيات دالة على عظمة الله عزَّ وجل، الله عز وجل ينقذ طفلين من ارتفاع أربعين ألف قدم نزلا في البحر في عرض المحيط، ويتلف ثمانمئة راكب لسبب تافه وبأقل من خمس دقائق، فالله عز وجل
منفذا القلب السمع والبصر:
إذاً:
﴿
لماذا؟ ﴿وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ منفذا القلب السمع والبصر، الهوى غشاءٌ أمام البصر، ووقرٌ في الأذن، القلب إذاً تحصيل حاصل، حكماً القلب في عَمَى، لأن الهوى كان هو الحجاب، والإنسان حينما يهوى يعمى، حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِم، صاحب الحاجة أعمى، وصاحب الحاجة أرعن.
لك أن تقول: صاحب الشهوة أعمى، صاحب الشهوة أرعن، فالهوى حينما يستحكم بالإنسان يجعله أعمى أصم، قال تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ لماذا لا يعقل؟ لأن منفذ العقل هو السمع والبصر، الهوى حجابٌ كثيفٌ أمام البصر، ووقرٌ ثخينٌ في الأذن.
الآية اليوم:
﴿
أمر بالنظر.
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)﴾
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)﴾
أمرك بالنظر،
التوبة دليل الإصغاء الحقيقي:
﴿
دليل الإصغاء الحقيقي التوبة، فالله أمرك أن تنظر، وأن تصغي، أن تنظر إلى الآيات لتعرف الله، وأن تصغي إلى الحق، إما أن تصل إلى الحق بذاتك باحثاً، منقباً، متأملاً، محللاً، وإما أن يأتيك جاهزاً عن طريق الدرس، هناك طريق جاهز، أنت ممكن تطبخ بيدك، وممكن أن تأكل طعاماً جاهزاً، فإذا جئت المسجد تأخذ الطعام جاهزاً، ماذا تحتاج؟ تحتاج إلى إصغاء، علامة الإصغاء التوبة، إذا غيَّرت في البيت بعد الدرس، هذا حرام، هذا لا يجوز، هذا العمل فيه شبهة، عندما تتحرك حركة وفق الشرع فقد صحّ إصغاؤك بالدرس.
أنا والله لا يوجد شيء يدعوني إلى العجب كأن أرى إنسانًا يلزم مجلس علم عشر سنوات، وفي بيته معصية، عجيب، ماذا يسمع هذا؟! هذا حينما كان يصغي ماذا يفعل؟ ليس له محاكمة داخلية، هذه معصية، هذا مال حرام، هذا سلوك شائن، الشيء الذي يدعو للعجب أن يلزم إنسان مجلس علم، وأن يصغي، ثم لا يتوب،
الله هو الخلاَّق وهو المحيي والمميت:
إذاً:
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)﴾
لذلك الإنسان يقول لك: هذه الحياة هكذا، يفسِّر المصائب، يفسر خرق العادات، يفسر توفيق الله، يفسر عقاب الله، على أن هكذا الدنيا مدّ وجزر، يومٌ لك ويومٌ عليك، والذي يميتنا يقول لك: موضوع الهرم، الدهر هو الذي يميتنا، دائماً الكافر يميل إلى تفسير لا يوضح أن الله هو الخلاَّق، هو المحيي، هو المميت، هو الرزَّاق، هو المعز، هو المذل.
(( ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. ))
إخواننا الكرام؛ تقول لي: حظ! فلان محظوظ، هذه البنت حظها قليل، هذا الكلام ليس له معنى، هل الحظ إله ثانٍ؟ الحظ هو الله عزَّ وجل:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾
هذه آية الحظ، الدهر، القدر، كلام ليس له معنى، لا يوجد إلا الله عزَّ وجل، فوحِّدوا، لا تَعْزُ الأشياء إلى شيء غير معقول، غير منطقي، ليس له اسم.
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)﴾
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)﴾
أحضِرْ أبانا لنرى، هذا كلام ليس له معنى، الله عزَّ وجل قال:
﴿ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ
والحمد لله رب العالمين