وضع داكن
29-03-2024
Logo
درر 3 - الحلقة : 16 - محبة الله ١- بمعرفته وتعظيمه.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :
  السلام عليكم؛

من فاته منك وصل حظه الندم  ومن تكن همه تسمو به الهمـــــم
وناظر في سوى معناك حق لك  يقتص من جفنه بالدمع وهو دم
***

 موضوع لقائنا اليوم حول محبة الله تعالى، تابعوا هذا اللقاء الماتع بحب الله تعالى..
 الحمد لله مقلب القلوب والأبصار، والصلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله وصحبه الأبرار الأطهار.
 أخوتي أخواتي أينما كنتم بتحية الإسلام أحييكم، وتحية الإسلام هي السلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اسمحوا لي في بدايتها أن أرحب باسمكم جميعاً بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل كما تعلمون في درر في موسمه الثالث نتحدث عن أعمال القلوب، وحديثنا كله عن القلب، لكن اليوم ألصق عمل بالقلب وأهم عمل في القلب بل هو قوت القلوب كما يقال وهو الحب، وسنخصص عدة حلقات للحديث عن الحب، حب الله، حب رسوله، وحب المؤمنين، نبدأ اليوم بمحبة الله تعالى، قبل أن نبدأ بمحبة الله، ما الحب وكيف نعبر عن حبنا؟

تعريف الحبّ :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 يبدو لي أن الإنسان في أدق تعريفاته عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، فالإنسان إذا غذى عقله بالعلم اليقيني من خلال الوحيين، ومن خلال الخبرات في خلق الله عز وجل، إذا غذى عقله بالعلم، وغذى قلبه بالحب الذي يسمو به، وقبل أن أتابع هناك حب في الله، وحب مع الله، قيل: الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، الحب في الله عين التوحيد، يقتضي أن تحب الله ورسوله والأنبياء جميعاً وأصحاب النبي جميعاً، أن تحب العمل الصالح، بيوت العبادة، أن تحب أهلك وأولادك ومن حولك، الحب واسع جداً يتفرع عن محبة الله مئات أنواع الحب، لأن الحب في الله عين اليقين، أن تحب عالماً مخلصاً ربانياً، أن تحب أخاً في الله، أن تحب صديقاً مستقيماً، أن تحب اهلك، هذا الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، أن تحب جهةً تبعدك عن الله، أن تحب حرفة لا ترضي الله، أن تحب لقاءً يغضب الله، فالحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك.
الأستاذ بلال :
 جزاكم الله خيراً، سيدي بعد أن بينتم هذا المفهوم للحب نتحدث في موضوع حلقتنا وهو موضوع محبة الله، سيدي الإنسان يحب الله عز وجل وكل إنسان قد يقول لك: أحب الله، كيف يعبر الإنسان عن حبه لله؟

القنوات الثلاث السالكة لمعرفة الله :

الدكتور راتب :
 والله لابن القيم كلمة رائعة: من أعجب العجب أن تعرفه ولا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، كلام جامع مانع قاطع، محبة الله أصلها أن تعرفه، هو لا تدركه الأبصار، ماذا قال تعالى؟

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة الجاثية :6]

 كأن الله جعل قنوات ثلاث لمعرفته، قناة الخلق، والموقف هو التفكر، وقناة العمل أفعال الله، والموقف النظر، وقناة الكلام والموقف التدبر، أنا بين التفكر والنظر والتدبر، هذه القنوات الثلاث السالكة لمعرفة الله، وأصل الدين معرفة الله، هذا الأصل الذي جاء به الوحي لسنوات عشر في مكة، تسمى المرحلة المكية في القرآن الكريم، أنا أقول: إذا أغفلت هذه المرحلة وقعنا في مشكلة كبيرة، لأنك إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصية الآمر، وكأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين، المسلمون يزيدون عن مليار وثمانمئة مليون، المسلمون يملكون نصف ثروات الأرض، ما من أمة على وجه الأرض بينها عوامل وحدة كالأمة الإسلامية، اللغة والدين والآلام والآمال إلى آخره، ومع ذلك بأسهم بينهم، لأنها ما طبقت منهج الله كما ينبغي، الموضوع خطير جداً، فلذلك الإنسان حينما يعرف الله يحبه، وإذا أحبه أطاعه، أما إذا اكتفى بمعرفة عامة تلقاها من مجتمعه من دون ضوابط، ومن دون نصوص، ومن دون دلالات، فهذا إيمان العوام، هذا إنسان تنهار مقاومته أمام شهوة معينة.
 المظلي الذي ينزل بالمظلة يمكن أن يجهل شكل المظلة، يا ترى دائري؟ بيضوي؟ مربع؟ قد يجهل نوع القماش، خيوط صناعية؟ عدد الحبال، لون الحبال، قد يجهل خمسين معلومة، إلا شيئاً واحداً إذا جهله ينزل ميتاً، طريقة فتحها، عبر عنه العلماء ما ينبغي أن يُعلم بالضرورة. أنا لا أطالب عامة الناس بتفاصيل الدين، بالتعمق بالدين، أما أنا فأطالب عامة الناس بتطبيق الشريعة، فأنت حينما تطبق الشريعة لو طبقتها عن غير علم قطفت ثمارها، أنت غضضت بصرك، هذه فضيلة، صدقت في كلامك، كنت أميناً أتقنت عملك، نحن إذا طالبنا الخواص بأصول الدين والعوام بأحكام الدين نجونا.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل الحب أصله معرفة، ثمرته طاعة.
الدكتور راتب :
 مستحيل من أعجب العجب أن تعرفه ولا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه.
الأستاذ بلال :
 فإذا أحبه ولم يطعه.
الدكتور راتب :
 هذا صار ادعاء.

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعتـــه  إن المحب لـمن يحب يطيع
***

الأستاذ بلال :
 جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم، سنعود لمتابعة الحديث الماتع حقيقة لأنه يتحدث عن محبة الله عز وجل...
 عدنا إليكم من جديد لنتابع الحديث من جديد حول موضوع يتعلق بالحب، وبحب الله تعالى تحديداً، شيخنا الفاضل عرفناه فأحببناه فأطعناه، كما بينتم قبل الفاصل، الآن كيف نرى محبة الله في حياتنا؟

 

محبة الله في حياتنا :

الدكتور راتب :
 ورد في الأثر القدسي: " أحبّ عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحدٍ بسوء- الشاهد- أحبني وأحبّ من أحبني، وحببني إلى خلقه- من متابعة هذا الحوار- قال: يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحبّ من يحبك فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي"
 يوجد بالأثر القدسي ملمح دقيق جداً أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني.
 حينما ورد قال تعالى:

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾

[ سورة المدثر:18-19 ]

﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾

[سورة الحاقة: 33]

 ما عظمه، فلا بد من أن نؤمن بالله العظيم، أحبني وأحبّ من أحبني وحببني إلى خلقه، قال: يا رب كيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران : 190-191 ]

 مثلاً الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي مليون وثلاثمئة ألف أرض تدخل في جوف الشمس، وبينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر، وحينما قال الله عز وجل:

﴿ وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ* وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ﴾

[سورة البروج: ١-2]

 الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، منها برج العقرب، كنت في أمريكا ودخلنا إلى قبة سماوية، نجوم العقرب شاهدناها عقرباً فعلاً، هذا برج العقرب فيه نجم صغير اسمه قلب العقرب، الشاهد، قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يطلب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟ فلا بد من أن تؤمن بالله من خلال آياته الكونية، ومن آياته التكوينية أفعاله، وآياته القرآنية، أحبني وأحبّ من أحبني وحببني إلى خلقه، قال: يا رب كيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، نعمة الصحة، نعمة الأجهزة التي يملكها الإنسان، ليس في الشعر أعصاب حس، ولو كان في الشعر أعصاب حس لاضطررت كل أسبوع أن تجري عملية في المستشفى اسمها عملية الحلاقة، تحتاج إلى تخدير كامل، خلق الإنسان وحده آيات لا تنتهي من عظمة الله عز وجل، فلا بد من معرفة الله.
 ذكرهم بآلائي، ونعمائي، بآلائه تعظمه، وبنعمائه تحبه، وببلائه تخافه، معنى ذلك أنه لا بد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله من خلال آياته الكونية، ومحبة له من خلال نعمائه، وخوف منه من خلال بلائه.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل في القرآن الكريم يتحدث الله عن محبته لنا نقول على سبيل المثال: الله يحب المتقين، يحب المحسنين، يحب التوابين، يحب المتطهرين، يحب الصابرين، هذه آيات كلها كيف نتلمس محبة الله عز وجل من خلال كلامه؟

 

تلمس محبة الله عز وجل من خلال كلامه :

الدكتور راتب :
 والله هذه الآيات لو أن إنساناً جمعها بمعجم أو بجهاز كومبيوتر أو بسيدي إذا جمعها بآيات أعتقد خمس عشرة آية تقريباً، نبدأ بيحب، يحب الصابرين، يحب المتقين، يحب المحسنين، أنت دلك الله على أبواب محبته، شيء لطيف جداً أن تبحث في الآيات التي تقول: إن الله يحب، لو كتب في الكومبيوتر إن الله يحب تأتي الآيات كلها، أنت بين يديك أن تكون محسناً لوالديك، لأولادك، لمن حولك، لزبائنك، لجيرانك، الله عز وجل أعطاك منهجاً لمحبته، الله يحب هؤلاء، اتصف بهذه الصفات يحبك الله، أحياناً هناك علاقة علمية وعلاقة مزاجية، العلاقة المزاجية بعض مدراء المعامل، أصحاب المناصب لا تعرف متى يغضب، علاقته معك علاقة مزاجية، يغضب بلا سبب، أو يرضى بلا سبب، ويحب بلا سبب، أما الله عز وجل فبرمجك أنا أحبّ الصالح، أحبّ المحسن، الصادق، الأمين، أنا أتمنى على الأخوة المشاهدين أن يبحثوا في الكومبيوتر عن كلمة إن الله يحب، أخذنا اثنتي عشرة كلمة، حاول تطبيق هذه الأشياء التي يحبها الله من باب أولى، ولأن العلاقة مع الله علاقة علمية، يحبنا الله عز وجل، يقابل ذلك إن الله لا يحب الفاسقين، الكافرين إلى آخره، أنا ممكن بربع ساعة أن أجمع الآيات في القرآن يحب من، ولا يحب من، فإذا ابتعدت عن شيء لا يحبه وفعلت شيئاً يحبه توثقت من محبة الله عز وجل لي.

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
 جزاكم الله خيراً سيدي، نحن مضطرون لحلقة أخرى نتحدث فيها عن محبة الله، نتابع الحديث معكم فالموضوع شيق وماتع.
 أخوتي الأكارم؛ ختاماً مرّ حكيم على رجل قد جلس أمام قبر وهو يبكي قال له: ما بك يا رجل؟ قال: مات حبيبي، نظر إليه الحكيم بتعجب، وقال له: لو أحببت حبيباً لا يموت لما تعذبت لفراقه.
 إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور