وضع داكن
27-04-2024
Logo
درر 3 - الحلقة : 05 - التوكل.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :
 السلام عليكم؛ قال لقمان لابنه: يا بني الدنيا بحر عميق غرق فيه أناس كثير، فإن استطعت أن تكون سفينتك فيها الإيمان بالله، وحشوها العمل بطاعة الله، وشراعها التوكل على الله فلعلك تنجو، موضوعنا اليوم حول التوكل، ومن توكل على الله كفاه..
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله مقلب القلوب والأبصار، والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله وأصحابه الأبرار الأطهار.
 أخوتي أخواتي؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير في مستهل برنامجنا:" درر"، لنلتقط في هذه الحلقة درة جديدة من درر أعمال القلوب، نرحب بداية كالمعتاد بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل نتحدث اليوم عن أعمال القلوب في برنامجنا، وننتقل اليوم إلى عمل قلبي مهم جداً وحدي له إشكال في حال لم ينفذ بالطريقة الصحيحة ألا وهو التوكل، سيدي الفاضل بداية من خصائص المؤمن أنه يتوكل على الله من أين ينبع توكل المؤمن على الله عز وجل؟

التوكل على الله :

الدكتور راتب :
 أولاً: التوكل له تعريف دقيق إن لم يطبق كانت النتيجة عكس المطلوب، التوكل يقتضي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
 لو أردت أن آتي بتطبيق من حياتنا اليومية عندك سفر طويل بمركبتك، تراجع كل شيء، المحرك، العجلات، الزيت، الأجهزة، المكابح، وبعد أن تراجع كل شيء أصبحت المركبة جاهزة للسفر، بحالة قد لا تكون دقيقة تتبرأ من كل ما أخذت به من أسباب وتقول: يا رب أنت المسلم والحافظ، لكن الذي يقع أنّ المبالغة بالأخذ بالأسباب يضعف التوكل، التوكل الساذج، التواكل يلغي الأخذ بالأسباب، الغرب أخذوا بالأسباب وألهوها واعتمدوا عليها ونسوا ربهم وقعوا في الشرك، والمسلمون لم يأخذوا بها أصلاً وقعوا في المعصية، البطولة هنا متوازنة، تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، وهناك إنسان أحياناً يعتد بعلمه يقع في خطأ لا يغتفر، أذكر طبيباً في بلد إسلامي وصف كل زملائه بأوصاف لا تليق بهم، واعتبر نفسه هو الأول، ارتكب خطأ في عمل جراحي الشهادة سحبت منه لأول مرة بتاريخ البلد بعد الاستقلال، فأن تعتد بنفسك يوجد كبر، و شرك خفي، ونسيان للخالق.
 حدثني أخ ألقى خطبة في جامع مشهور، وكانت ناجحة نجاحاً كبيراً، نزل ليصلي بالناس صلاة الجمعة نسي الفاتحة، فلا بد من أن تتوكل على الله، وكأن التوكل كل شيء، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
 لذلك النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء قبل معركة بدر حتى سقط رداؤه عن كتفه، كان يخشى أن يكون أخذه بالأسباب أقل مما ينبغي، عفواً الأسباب المتاحة أنت لست مكلفاً أن تأخذ بالأسباب الكافية للنتيجة، هذه فوق طاقة البشر، قال تعالى:

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

[سورة التغابن: 16]

 أن تأخذ بالأسباب المتاحة.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل أحياناً هناك معجزة، لا توجد الأسباب ثم توجد النتائج، هناك حالات هكذا لماذا؟

 

ضرورة الأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله :

الدكتور راتب :
 الإسراء معجزة طبعاً لم يأخذ بالأسباب، بالبراق من مكة إلى بيت المقدس، أما بالهجرة النبي صلى الله عليه وسلم ما طبق في الهجرة ما رآه في بيت المقدس، أولاً: اختار الرواحل، اختار الرفيق، اختار الدليل، اختار الحيلة، ذهب بعكس اتجاه المدينة، ومكث في الغار ثلاثة أيام، أخذ بالأسباب أخذاً مذهلاً، وهذا هو الدرس الأكبر لرسول الله أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، وكأني أقول: العالم الغربي أخذ بها وألهها واعتمد عليها ونسي الله، هذا شرك، وأما الشرق فلم يأخذ بها أصلاً، فكل ثمن تقصيره في الحياة لعدم أخذه بالأسباب.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل ذكرتم موضوع الهجرة كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ كامل الأسباب في هجرته لكن أين ظهر توكله؟ عندما وصل إلى الغار.

 

الأدب مع الله و التوكل عليه التوكل المطلق :

الدكتور راتب :
 طبعاً قال له الصديق: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا، هناك رواية صحيحة قال له: لقد رأونا، قال: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:

﴿ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 198]

 كان التوكل مطلقاً، لكن التوكل المطلق لا يلغي الأخذ بالأسباب، هذا هو الأدب مع الله، إذا عندك امتحان، أخي أنا مؤمن، وإذا أنت مؤمن؟ هناك مقاييس دقيقة وموضوعية في الحياة، ممكن أن يساعد الله شاباً - كما تكلمت في اللقاء السابق - والده مرض مرضاً شديداً فألغى امتحانه كلياً، شفاه الله قبل الامتحان بأسبوعين، درس فوفقه الله ونجح، هذه حالات استثنائية، لكن الأصل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، أنت تاجر تقبل صفقة من دون دراسة السعر و النوعية، تحضرها وتقول: الله جبار، لكن ما بيعت معك إطلاقاً، هذا ليس أدباً مع الله، ادرس السوق، الأسعار، تحتاج إلى نوعية وسعر، يوجد دراسة معمقة للنوعية والسعر الآن توكل على الله، الذي عليّ فعلته.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل ذكرتم الهجرة لكن عمر رضي الله عنه حينما خرج مهاجراً وقف في بطن مكة وقال: من أراد أن تثكله أمه فليتبعني.

 

مخالفة عمر بن الخطاب الأسباب لأنه ليس مشرعاً :

الدكتور راتب :
 ليس كل إنسان تحدث معه هذه الحالة، هو في الحقيقة خالف الأسباب، ولكن رحمة الله به أن الله أنجاه.
الأستاذ بلال :
 ليس موقفه تشريعاً؟
الدكتور راتب :
 هو ليس مشرعاً، نحن دائماً النبي صلى الله عليه وسلم مشرع، أنت ممكن أن تفعل شيئاً بدافع من إيمانك الشديد، بدافع من محبتك لله، لم تكلف بها وهي لك ومحسوبة، لكن أنت لست مشرعاً، أنا أريد الشيء الذي بقدرة كل إنسان، النبي مشرع وهناك أشياء كثيرة لأنه مشرع فعلها كان ممكن ألا يفعلها.
الأستاذ بلال :
 في هجرته سنّ لنا هذه الأشياء الذي ذكرتموها.
الدكتور راتب :
 أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء..
الأستاذ بلال :
 فلما وصلوا إليه كان متوكلاً بأعلى درجات التوكل.

 

وعود الله كلها محققة بشرط أن يأخذ الإنسان بالأسباب :

الدكتور راتب :
 والله شيء لا يصدق، تبعه سراقة، إنسان مهدور دمه، ووضع مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة ليقتله أو ليأسره من أجل مئة ناقة، قال له: يا سراقة ما قولك إذا لبست سواري كسرى؟ أي أنا سأصل إلى المدينة، وسأنشئ دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولتين في العالم، وسأنتصر عليهما، وسوف تأتي إلى المدينة غنائم كسرى، و لك يا سراقة سوار كسرى، فلما وصلت الغنائم سيدنا عمر استدعى سراقة وألبسه سواري كسرى، وقال: بخ بخ أُعيرابي من بني تميم يلبس سواري كسرى؟! أنا أقول لذلك زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، والإله إله، الآن وعود الله كلها محققة، فالبطولة أن نأخذ بالأسباب.
الأستاذ بلال :
 جزاكم الله خيراً، سنعود إلى هذا الحديث الماتع إن شاء الله بعد فاصل قصير...
 عدنا إليكم من جديد لنتابع الحديث حول عمل قلبي جديد ألا وهو التوكل، أستاذنا الفاضل قبل الفاصل حررنا مصطلح التوكل وبينتم ما يتعلق بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله..

 

عدم الأخذ بالأسباب قد يكون اضطراراً أو تقصيراً :

الدكتور راتب :
 لكن إن كان عدم الأخذ بالأسباب اضطراراً يتولى الله الترميم أما إذا كان تقصيراً فيعاقب .
الأستاذ بلال :
 هذا معنى إذا حزبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل، عندما تكون هناك شدة تمنع الإنسان من الأخذ بالأسباب...أستاذنا الفاضل ننتقل الآن إلى موضوع مهم وهو الثمرة والنتيجة، ما ثمار التوكل على الله عز وجل؟

 

ثمار التوكل على الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن المؤمن عنده مسلمات، هو توكل على الله، فإن جاء التوكل كما ينبغي فهو كما ينبغي، لكن الله ما حقق له هدفه، يعتقد يقيناً مع أنه توكل على الله ولم يحقق لحكمة بالغة بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، المؤمن يتوكل على أمل أن ينال نتيجة معينة، لو لم ينلها أخذ أجر التوكل، فالتوكل مع تحقيق الهدف كبير، التوكل من دون هدف عبادة وطاعة وله أجر.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل أحياناً يتكل الإنسان على غير الله عز وجل ويعلق عليه الآمال.

الشرك الخفي :

الدكتور راتب :
 هذا اسمه الشرك الخفي أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، طبعاً الجلي واضح، إنسان قال: بوذا إله، الشرك الخفي منتشر، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية، وأعمالاً لغير الله، عمل قدمته ترجو أن يرضى عليك زيد أو عبيد، ونسيت الله، هذا شرك خفي، أو شهوة استجبت لها وهي تعارض منهج الله عز وجل، فالشهوة صارت شركاً، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً هذا انتهى، ولكن شهوة خفية، وأعمالاً لغير الله.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل إذا اتكل الإنسان على غير الله عز وجل كيف يعالجه الله؟ كيف يؤدبه؟

 

معالجة الله من يعتمد على غيره بتخييب ظنه :

الدكتور راتب :
 والله هذا الذي عقد عليه الآمال يخيب ظنه، أنا أعدّ هذا تأديباً، وقد لا يخيب ظنه بالأحوال العادية، لكن الله أودع في كيانه هذا فخيب ظنه، كأنه تأديب للمؤمن لأنه اعتمد على غير الله.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل التوكل على الله كما تفضلتم له ثمار عظيمة، وآثار طيبة في حياة الإنسان، وفي حياة المجتمع بشكل عام، الآن سيدي تحدثنا عن الثمار أعود إلى قبل التوكل، هل التوكل علامة معرفة بالله؟ أي من المتوكلون على الله؟

 

معرفة الله من لوازم التوكل الحقيقي الشرعي :

الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 الأمر معرف (بأل)، و (أل) للجنس، أي أمر في الأرض من آدم إلى يوم القيامة، وبالخمس قارات يرجع إلى الله، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 الملمح الرائع بالآية متى أمرك أن تتوكل عليه؟ بعد أن طمأنك، الذي تخافه بيد الله، والذي ترجوه بيد الله، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 لذلك من لوازم التوكل الحقيقي الشرعي أن تعرف الله، قال تعالى:

﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 وأنا أقول: لا يخيب ظن المتوكل على الله إلا بحالة واحدة، إذا كان هذا الذي أراده لا يصلح إيمانه له، فهو لا يجيبه رحمة به، والمؤمن يفهم على الله، إذا توكلت توكلاً صحيحاً من دون شرك، ما اعتمدت على مخلوق وأردت إنجاز عمل، والله ما سمح لك به، معنى ذلك أن هناك حكمة بالغة بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها.
الأستاذ بلال :
 وهذا هو التوكل مادام متكلاً على الله عز وجل مهما جاءت النتائج ومهما كانت فهي خير من الله.
الدكتور راتب :

(( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا ))

[الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي : حسن صحيح ]

 تغدو أصل السعي، حديث صحيح من أروع الأحاديث، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا.
الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل نعود إلى الفكرة الأساسية في التوكل، كثير من الناس طالب عنده امتحان كيف يميز هذه الحالة أنه يعتمد على دراسته أو يعتمد على الله، ما الضابط في هذا؟

 

الضابط في الاعتماد على الله :

الدكتور راتب :
 الحقيقة القضية صعبة، أحياناً الإنسان يتواكل على الله دون أخذ بالأسباب، ويتوهم أنه متوكل، أحياناً الإنسان لا يتوكل لأن اعتماده على أشخاص، فالبطولة أنا أتوكل كما أراد الله، أما النتيجة فأنا أتمنى أن تكون كما أريد، فإن لم تكن كما أريد هناك حكمة بالغة بالغة بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها.

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
 أستاذنا الفاضل جزاكم الله خيراً.
 ختاماً أخوتي الكرام؛ لقي عمر بن الخطاب أناساً من اليمن يتكاسلون قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله، قال: كذبتم أنتم المتواكلون، المتوكل من ألقى بذرة في الأرض ثم توكل على الله.
 إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور