- ندوات تلفزيونية / ٠03برنامج دٌرر - قناة مكة
- /
- ٠2درر 2 - الحقوق
مقدمة :
الأستاذ بلال :
السلام عليكم ؛ قال تعالى :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
وقال الشاعر :
والنفسُ كالطفلِ إِن تهمله شبَّ على حُبِّ الرضاعِ وإِن تفطمْهُ ينفطم
وخالفِ النفسَ والشيطانَ واعْصِهما وإِن هما مَحَضاكَ النصحَ فاتِهَّمِ
* * *
كيف يتعامل الإنسان مع نفسه التي بين جنبيه ؟ كيف يزكيها ويحملها على طاعة الله ؟ ما معنى قوله تعالى : "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " ما هي النفس الأمارة بالسوء ؟ وما هي النفس اللوامة ؟ وما هي النفس المطمئنة ؟ وكيف يجاهد الإنسان نفسه ؟ هذه الأسئلة وغيرها تجدون الإجابة عليها في هذا اللقاء الذي يحمل عنوان : قيم الإسلام في التعامل مع النفس ، تابعونا .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين .
أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في مستهل حلقة جديدة من برنامجكم درر ، يسرني أن أرحب باسمكم بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم وصلنا إلى نهاية المطاف وأهم ما في المطاف وأجلناه لأهميته ، وهو علاقة الإنسان مع نفسه التي بين جنبيه ، لنحرر المصطلح أولاً سيدي ، النفس الجسد الروح ، ما النفس ؟
تعريف النّفس :
الدكتور راتب :
الإنسان نفس وجسد وروح ، النفس ذاته ، هي المكلفة ، هي المعاتبة ، هي المؤمنة، هي غير المؤمنة أحياناً ، هي المعتدية ، هي المحسنة ، ذاتك أي أنت التي تذوق الموت ولا تموت ، ذوق الموت شيء والموت شيء آخر ، قال تعالى :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
والموت في حقيقته انفصال النفس التي هي ذات الإنسان عن الجسد الذي هو قالب لها عن الروح الذي هو قوة محركة ، الكبد له خمسة آلاف وظيفة ، ما دام الإنسان حياً فيه روح، فإذا مات الإنسان انتهت الوظائف كلها ، فالإنسان نفس هي ذاته ، هي المكلفة ، هي المعاتبة ، هي المؤمنة ، هي الكافرة ، هي المحسنة ، هي المسيئة ، ذاتك أنت ، الآن قد أفلح من زكاها ، النجاح كل النجاح ، التفوق كل التفوق ، العلو كل العلو في تزكية هذه النفس ، آية قاطعة جامعة مانعة ، الفلاح في تزكية هذه النفس ، كيف نزكي أنفسنا ؟ أولاً : لا بد من أن نعرف الله، أصل الدين معرفة الله ، إننا إن عرفنا الله نعتقد يقيناً أن كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، شركة عملاقة الشراء يتم بأمر شراء ، بتحويل مبلغ ، بتوقيع على مواصفات ، عملية معقدة ، فكمال الخلق يدل على كمال التصرف ، أنا حينما آمنت بالله خالقاً ، وآمنت به مربياً ، وآمنت به مسيراً ، يجب أن أتجه إليه في كل ما أملك ، لذلك الآية تقول تعني معاني كثيرة جداً :
﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾
أي الجماد للنبات ، والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، والإنسان لمن ؟ لله ، قال تعالى :
﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾
(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء))
يوم القيامة ، قال تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
ما القلب السليم ؟ القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، و لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يعبد إلا الله .
فالأصل النفس هي المؤمنة ، هي غير المؤمنة ، هي المستقيمة ، هي المنحرفة ، هي المحسنة ، هي المسيئة ، هي المعاتبة ، هي المعاقبة ، هي إما إلى جنة يدوم نعيمها أو إلى نار لا ينفذ عذابها ، فالأصل :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
النجاح المطلق ، النجاح المستمر ، النجاح الأبدي ، النجاح الذي لا يوصف أن تعرف الله ، وأن تزكي نفسك ، قال تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم أنتم دخلتم إلى الآيات التي كان في بالي أن نجعلها عنوان حلقتنا قوله تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
قبلها يقسم الله عز وجل بالنفس فيقول تعالى :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
كيف نفهم هذه الآية ؟
تزكية النفس وحملها على طاعة الله عز وجل :
الدكتور راتب :
المثل يوضح الفكرة ، أنا أريد أن أبني بناء لسيارتي إلى جانب البناء الأصلي ، هذا البناء يجب أن يسوى مع السيارة ، ينبغي أن يكون طوله أطول من طول السيارة ، وينبغي أن يكون عرضه يتسع لفتح أبوابها ، وينبغي أن يكون علوه لرفع غطاء الصندوق مثلاً ، هذه التسوية ، أي تصميم الشيء وفق حاجاته ، وفق استهلاكه ، الله عز وجل سوى هذه النفس بمعنى هي جسم ، النفس هي ذات الإنسان ، ترى من خلال نافذتين هما العينان ، هي نفس تنقل لها الأصوات عن طريق الأذنين ، أعطاها جهازاً للتفكير ، كومبيوتر أعقد آلة في الكون ، وهذه الآلة بالغة التعقيد الدماغ عاجزة عن فهم ذاتها ، مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد ، وعلى القشرة أربعة عشر مليار خلية قشرية ، فيها المحاكمة ، وفيها الاستنباط ، فيها الذاكرة ، شيء لا يصدق ، الدماغ حتى الآن عاجز عن فهم ذاته ، قال تعالى:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾
الدماغ ضمن حجرة من العظم ، وهناك فواصل تمدد ، خطوط منكسرة ، تمتص الصدمة ، والقلب ضمن القفص الصدري ، ومعمل كريات الدم الحمراء ضمن العظام ، والرحم ضمن الحوض ، شيء لا يصدق ، لو أمضينا حياتنا كلها في التعرف إلى عظمة خلق الله في الإنسان لا ننتهي ، وهناك غدد صماء وغدد غير صماء ، وجهاز هضم ، وجهاز تنفس إلى آخره ، قال تعالى :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾
سواها نفساً أعطاها خصائص ، قال تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
تزكى النفس ، النفس أحياناً تنتعش بمعرفة الله ، تسعد بقربه ، خصائص النفس قال تعالى :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
هنا النقطة الدقيقة جداً أتمنى أن يدقق المستمع لهذه الندوة أن إلهام الفجور لا يعني أنه ألهمها أن تكون فاجرة ، هذا مستحيل لكن أعطاها فطرة تكتشف هي بذاتها من دون توجيه آخر أنها إذا فجرت تعلم أنها فجرت ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
وقد تستطيع أن تخدع الناس جميعاً لبعض الوقت ، أو تستطيع أن تخدع بعض الناس لكل الوقت ، أما التعليق فأن تخدع إلهك العظيم أو نفسك ولا لثانية ، مستحيل .
الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم ، وأحسن إليكم ، أخوتي الكرام نتابع بعد الفاصل ..
السلام عليكم ورحمة الله عدنا إليكم من جديد لنتابع الحديث بصحبتكم عن قيم الإسلام في التعامل مع النفس .
أستاذنا الكريم تحدثتم عن تزكية النفس وعن حملها على طاعة الله عز وجل ، الآن لو تتبعنا كلمة النفس في القرآن الكريم نجدها بكثرة ، لكن أحب أن أقف ثلاث وقفات سريعة بما يسمح الوقت ، النفس الأولى يذكرها القرآن الكريم النفس الأمارة بالسوء ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾
هذه النفس التي تأمر صاحبها بالسوء ما علاجها ؟ ولم تأمر أصحابها بالسوء ؟
الشّر هو انعدام الرؤية الصحيحة و انعدام الإيمان :
الدكتور راتب :
والله أولاً هناك نقطة دقيقة جداً ، هذه السيارة إذا تدهورت وأصبحت بوضع لا يصدق ، هل بالإمكان أن نقول : أي معمل صنعها بهذه الطريقة ؟ ليس هناك معمل صنعها هكذا ، أي الخطأ سلبي وليس إيجابياً ، لا يحتاج لخالق ، أما هذه السيارة فأصابها ما أصابها من غفلة السائق ، فالخير هو المطلق ، هو الأصل في الكون ، أما الشر فانعدام الخير ، الشر انعدام الرؤية الصحيحة ، الشر انعدام الإيمان ، فكل مخاطر الإنسان سلبية ، لا تحتاج إلى خالق ، كهذه السيارة التي تدهورت ، تدهورها لا يحتاج إلى مصنع ، انعدام الرؤية هناك عمى ، انعدام الحكمة هناك حمق ، انعدام الاتصال بالله هناك خطأ ، فكل الشرور التي يعاني منها الإنسان هي شرور سلبية وليست إيجابية .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم هذا معنى كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ..
الفرق بين الفطرة و الصبغة :
الدكتور راتب :
الآن الشيء الذي لا يصدق أنه ما من أمر أمرك الله به إلا حببه في أصل خلقك إليك ، قال تعالى :
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
الإنسان إذا عدل يرتاح ، هذه فطرته ، والحقيقة لا تعني الفطرة أنك كامل لا سمح الله تعني الفطرة أنك تحب الكمال ، الفطرة أن تحب الكمال ، أما الصبغة فأن تكون كاملاً ، هناك فرق كبير بين الصبغة وبين الفطرة ، قال تعالى :
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
هذه واحدة ، فأنت أن تحب العدل فطرة ، أن تحب الإنصاف فطرة ، أن تحب الجمال فطرة ، أن تحب الكمال فطرة ، أن تحب النوال فطرة ، هذه كلها فطر ، قال تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
أنت مبرمج ، مفطور ، معد وفق منهج الله عز وجل ، لذلك السعادة التي لا توصف التي تنتاب الإنسان حينما يصطلح مع الله سببها أنه اصطلح مع فطرته ، وحينما تصيبه الكآبة لأنه عاند فطرته ، وأكاد أقول لك ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
فالمعيشة الضنك هي البعد عن الفطرة ، والعالم الآخر يعاني ما يعاني من بعده عن فطرة الإنسان ، ويأتي مؤمن بسيط ، دخله محدود ، لكنه اصطلح مع الله ، تراه أسعد الناس ، أي في قلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ﴾
حرص الإنسان على سلامته و سعادته و استمرار وجوده :
الإنسان حينما يبحث عن ربه ، وعن منهج ربه ، يبحث عن سلامته وسعادته ، أي سبعة مليارات ومئتا مليون إنسان ما منهم واحد إلا حريص على سلامة وجوده ، وعلى كمال وجوده ، وعلى استمرار وجوده ، الآن حرصه على سلامة وجوده يقتضي أن يطبق تعليمات الصانع ، وحرصه على كمال وجوده ينبغي أن يتصل به ، لأن الله عز وجل هو
الكمال والنوال والجمال ، وحرصه على استمرار وجوده عن طريق تربية أولاده
فأي إنسان حصّل أعلى منصب في الأرض ، وجمع أكبر ثروة ، ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس ، الابن امتداد للأب ، فلذلك البطولة أن نحرص على سلامتنا بالاستقامة ، الاستقامة سلبية أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، الاستقامة سلبية ، العمل الصالح إيجابي ، أعطيت من وقتي ، من مالي ، من علمي ، من خبرتي ، والاستمرار - نحن سلامة استقامة ، سعادة عمل صالح- تربية الأولاد . وكل إنسان حقق أكبر نجاح في الدنيا ؛ نجاح إداري ، نجاح مالي ، نجاح علمي ، ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس .
أنا أقول لأخوتي المشاهدين : اعتنوا بأولادكم لأنكم إذا اعتنيتم بهم تعتنوا بأنفسكم ، قال تعالى :
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾
ولم يقل فتشقيا ، مع أن الصياغة اللغوية تقتضي أن تكون فتشقيا ، لكن العلماء قالوا : شقاء الأزواج شقاء حكمي لزوجاتهم ، ويقاس على ذلك أن شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم وأمهاتهم . فالذي يريد أن يسعد في بيته وعمله ينبغي أن يعتني بأولاده .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم الذي نفسه تكثر من أمره بالسوء ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾
تأمره دائماً بالسوء ماذا يفعل ؟
حاجة الإنسان إلى حاضنة إيمانية :
الدكتور راتب :
لأنه خالف القرآن الكريم ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، أنت بحاجة إلى رفيق مؤمن ، بحاجة إلى سهرة فيها خير ، في دعوة إلى الله ، فأنت إذا ابتعدت عن حاضنة إيمانية طبعاً كل من حولك يتمنى السوء والمعصية .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم النفس الثانية المذكورة في القرآن الكريم وأثنى الله عز وجل عليها قال تعالى :
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
ما هي النفس اللوامة ؟
النفس اللوامة :
الدكتور راتب :
الحقيقة الإنسان عندما يرتكب خطأ ، أنا أقول : المؤمن قد لا ينام الليل ، لأن نفسه لوامة ، وهذه حالة طيبة جداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ))
لو لم تحسوا بذنوبكم ، فإذا الإنسان اغتاب بكلمة واحدة ، أو نظر نظرة ليست كما ينبغي وقع في حجاب مع الله عز وجل ، السيدة عائشة لم تقل بلسانها وصفت أختها بأنها قصيرة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :
(( يا عائشة ، لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))
كأنها قالت كلمة ، فالإنسان عندما يستقيم يكون أسعد الناس ، يكون متوازناً ، أنت إذا كانت علاقتك مع الله طيبة ، لا يوجد أقوى من الله عز وجل ، أنت مع القوي ، مستحيل أن تطيعه وتخسر ، أو أن تعصيه وتربح ، الخير والعطاء والسعادة النفسية والحكمة في التصرفات، والرؤية الثاقبة ، والتطامن الداخلي ، والسكينة كلها بطاعة الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
عفواً إذا طفل بعد أيام العيد قال لعمه : أنا معي مبلغ عظيم ، كم تقدر هذا المبلغ ؟ أنا أقول : مئة دينار فرضاً ، إذا قال مسؤول كبير بالبنتاغون : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، نقدره بخمسمئة مليار ، نفس الكلمة قالها طفل فقدرناها بمئة دينار ، وقالها مسؤول كبير بالبنتاغون فقدرناها بخمسمئة مليار ، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك :
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
كلمة عظيم من الله كم تكون ؟
الأستاذ بلال :
ما لا عين رأت .
أحمق إنسان من لا يدخل الله في حساباته :
الدكتور راتب :
أنا أقول أغبى إنسان على الإطلاق الذي لا يدخل الله في حساباته ، أغبى إنسان على الإطلاق هو الذي توهم أنه يعتدي على من حوله وينجو ، قال تعالى :
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ﴾
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم ضاق الوقت كثيراً لكن أريد بجملة واحدة النفس الأخيرة هي النفس المطمئنة ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ ﴾
تعريف النفس المطمئنة :
الدكتور راتب :
هي النفس التي عرفت ربها ، واستقامت على أمره ، ألهمها رشدها ، ودافع عنها وأكرمها ، وأنزل عليها السكينة ، و بالسكينة تسعد ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
خاتمة و توديع :
الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم على ما تفضلتم به في هذه الحلقة وما سبق من الحلقات التي استمتعنا بها ، وأظن أن الأخوة المشاهدين يشاركوننا الرأي في استمتاعهم ، وإفادتهم فجزاك الله خيراً .
وأنتم أخوتي الأكارم لم يبق لي في نهاية هذه الحلقات التي استمتعنا بوجودكم معنا بها إلا أن أسأل الله عز وجل لنا ولكم القبول ، وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .