- ندوات تلفزيونية / ٠03برنامج دٌرر - قناة مكة
- /
- ٠2درر 2 - الحقوق
مقدمة :
الأستاذ بلال :
السلام عليكم ، من حقوق الزوج على زوجته أن تطيعه إذا أمرها ، كيف تكون طاعة الزوجة لزوجها ؟ ما هي حدود هذه الطاعة ؟ وكيف يعين الزوج زوجته على طاعته ؟ وما المؤهلات التي ينبغي توافرها عند الرجل ليأمر فيطاع ؟ تابعوا هذا اللقاء لنجيبكم على هذه الأسئلة ، وترقبوا في نهاية الحلقة قصة زواج ناجح تضيء لنا طريق الزواج .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بسم الله ، الرحمن علم القرآن ، خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على نبينا العدنان ، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان .
أخوتي الأكارم ؛ نحن معكم في حلقة جديدة من برنامجكم درر ، وما زلنا في القيم في تعامل الزوجة مع زوجها ، نتناول حقوق الزوج على زوجته ، وقد أسلفنا في الحديث عن حقين ؛ وهما حق القوامة ، ثم نتحدث اليوم إن شاء الله عن حق ثان وهو حق الطاعة ، اسمحوا لي أن أرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم نحن اليوم مع الحق الثاني وهو مرتبط تماماً بالحق الأول ، ولكن لا بأس أن نعرج عليه قليلاً وهو حق الطاعة ، أن تطيع الزوجة زوجها ففي الترمذي حديث شريف:
((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ))
ما حدود طاعة الزوجة لزوجها ؟ وكيف تكون الطاعة ؟
حدود الطاعة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
هناك قصة قصيرة يمكن أن تضيء لنا هذا الموضوع ، أنصاري أمّر على سرية بعد أن جاوز المدينة ، قال : أضرموا ناراً عظيمة فأضرموها ، قال : اقتحموها، قالوا : كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها ؟ قال : ألست أميركم ؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله ؟ حصل جدال بينهم ، عرضوا هذه القضية على النبي الكريم فقال : والله لو أطعتموه لازلتم فيها إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف . والآية تقول :
﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾
ما المعروف ؟ الشيء الذي تعرفه بفطرتك من دون تعليم ، من دون توجيه ، هذا معنى كلمة المعروف والمنكر ، المعروف نعرفه ابتداء بفطرتنا ، والمنكر ننكره ابتداء بفطرتنا ، حينما نقول :
﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾
الزوج يخرج من البيت يبذل جهداً كبيراً في كسب المال ، يعود لا بد من أن يكون البيت نظيفاً من زوجة أنيقة ، أولاد يأخذون حظهم من أمهم الكامل ، هذا المعروف ، هذا المطبق ، هذا يفهمه أهل الأرض ، أنا أريد أن يكون الدين بسيطاً ، ينبغي ألا نعقده ، قال تعالى:
﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾
أي يجب أن تطيعه ، هذا البيت قيادة ، هذا البيت مؤسسة له قائد واحد ، هو يستشيرها وتستشيره ، بل يأمرها وتأمره :
﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ﴾
والفعل مشاركة ، لكن في الأزمات في الموضوعات الكبرى القرار للزوج ، هذه هي القيادة ، وهذه القوامة ، وهي عليها أن تطيع زوجها لأن الله أمرها بذلك .
الأستاذ بلال :
الطاعة في معروف هذه هي حدود الطاعة .
الدكتور راتب :
والمعروف يعرف ابتداء .
الأستاذ بلال :
أي لو أمرها ، زوجة تتصل بنا أو تبعث شكوى تقول : والله زوجي أمرني بترك الحجاب .
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :
الدكتور راتب :
هنا موضوع آخر ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، هنا القرآن أورد قصتين، امرأة عمران ، وقصة آسيا امرأة فرعون ، امرأة فرعون زوجها أكفر كفار الأرض ادعى الألوهية :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
وحينما سمح الله لامرأته أن تكون مؤمنة كبيرة ، أراد الله أن نعتقد أن المرأة مستقلة في دينها عن زوجها ، تحاسب وحدها ، فلذلك :
﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾
المرأة حينما تطيع زوجها تطيع ربها لأن ربها أمرها بذلك ، أما الطاعة ففي معروف، فيما هو مألوف ، معروف بالفطر السليمة .
الأستاذ بلال :
ننتقل سيدي للحق الثالث مباشرة بعد حق القوامة والطاعة في معروف يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
((اِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ))
لماذا هذا الوعيد الشديد على المرأة التي تمتنع عن زوجها ؟
الوعيد الشديد للمرأة التي تمتنع عن زوجها :
الدكتور راتب :
لأن الله عز وجل أودع في الإنسان هذه الطاقة ، هذا الميل إلى الجنس حله الوحيد الزواج ، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، أي بتعبير آخر بالإسلام لا يوجد حرمان إطلاقاً
ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة ، والإنسان يتزوج لوجود دافع جنسي عنده ، ولولا هذا الدافع لانقرضت البشرية والحكمة البالغة البالغة أن هذا الدافع هو الذي يجعل البشرية تستمر ، لو ألغي هذا الدافع لانقرضت البشرية ، والإنسان تلبية لحاجته ، لغريزته ، لشهوته التي أودعها الله فيه يتزوج دون أن يشعر ، يحقق هدفاً كبيراً هو استمرار الجنس البشري .
الأستاذ بلال :
فإذا أبت وامتنعت لها هذا الوعيد .
الدكتور راتب :
عفواً كمؤمن ليس عنده إلا قناة واحدة لإرواء هذا ، إنها زوجته ، ما عنده قنوات أخرى ، في المجتمعات المتفلتة هناك قنوات كثيرة جداً ، أما في المجتمع المؤمن فهناك شيء دقيق جداً ، يوجد قيم و مبادئ ، فهذه الشهوة التي أودعها الله فيه لها قناة نظيفة واحدة هي الزوجة ، إذاً هي حينما تمتنع عن أن تنام معه ، أو عن أن تلبي رغبته ، هي وقعت في خطر كبير ، كأنها ألغت حقيقة الزواج ، الإنسان يحضر خادمة أحياناً ، أخته تخدمه أحياناً ، أما الزواج فله معنى آخر ، فلذلك لا نقول : أن تستجيب له ، بل و أن تتزين له ، أن تتجمل له ، أن تعتني بصحتها من أجله ، أن تعتني بقوامها من أجله ، هذا نوع من العبادة والله ، هذا نوع من العبادة وتعفه عن الحرام ، لذلك المشكلة أن هناك نساء كثيرات تتزين أبهى زينة في حفلاتها مع بقية النساء أما ثيابها العادية والأقل من عادية لزوجها وهذا خطأ كبير ، حتى مرّ معي في بعض أحكام الفقه لا يجوز للمرأة إذا اشترت ثوباً جديداً أن تلبسه لغير زوجها أول مرة ، أول مرة لزوجها ، هو الذي ينبغي أن تحصنه بأناقتها ، وثيابها ، وعنايتها بجمالها .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل بعض الحقوق البسيطة التي نعرج عليها قليلاً مثل ألا تأذن لأحد أن يدخل بيته إلا بإذنه .
ضرورة توفر منظومة مبادئ وقيم يقدمها الزوج إلى زوجته عند زواجهما :
الدكتور راتب :
هذا البيت له قيادة سيدي ، مثلاً هو لا يرضى أن يأتي رجل أجنبي ، معنى الأجنبي بالفقه ليس من محارمها ، وأن
تسمح له بدخول البيت ، هذه ليست واردة
أنا أعيد مرة ثانية : الزوج إذا تزوج يجب أن يبين لزوجته كل ما يريده منها ، هذه لا تجوز ، هذه تجوز ، هذا مسموح ، هذه مسموح حضورها بغيابي ، فلا بد من منظومة مبادئ وقيم يقدمها الزوج إلى زوجته ، دخول رجل أجنبي إلى البيت غير مسموح به .
الأستاذ بلال :
حتى لو خشي من بعض النساء ، قال : هذه المرأة أو هذه الجارة ليس في تدينها شيء جيد فلا أريد أن تدخل البيت .
الدكتور راتب :
هناك امرأة تورث العداوة والبغضاء بين الزوجين ، وحينما تأتمر الزوجة بأمر زوجها تطيع ربها ، لأن الله أمرها أن تفعل ذلك .
الأستاذ بلال :
أخوتي الكرام ما زال للكلام بقية وبقية ممتعة إن شاء الله ، ولكن نعود إليكم بعد فاصل...
نتابع معكم حقوق الزوج على زوجته ، أستاذنا الفاضل بقي حق وهو في كتب الفقه معروف وهو أنه لا يجوز للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه كما صح في الحديث ، ما هو هذا الصوم الممنوع وما سبب ذلك ؟
الصوم الممنوع :
الدكتور راتب :
هو معها في البيت إن صامت اختل نظامه الغذائي ، و قد يكون بحاجة إليها أيضاً فلا يستطيع
ممكن أن تصوم في غيابه ، أما في حضوره فينبغي أن تستأذنه ، وأنا فيما أرى معظم الأزواج لا يمانعون ، لكن أن تصوم تحدياً له أنا صائمة ، هذا الصيام لا يرضي الله عز وجل .
الأستاذ بلال :
على صوم النفل ؟
الدكتور راتب :
طبعاً شيء بديهي ، ولعلي أضيف إلى الفرض أداء الفرض المكسور ، حينما تفطر في رمضان لسبب أو لآخر ، يمكن أن تعوض هذه الأيام بعد رمضان ، ينبغي أن يسمح لها بذلك .
الأستاذ بلال :
جميل جداً ، أستاذنا الفاضل لعلنا انتهينا من هذه الحقوق ، وإن كنا أجملنا بعضها بما يسمح به الوقت ، أريد الآن أن أختم بقصة عن زواج ناجح تعطي للأخوة الكرام ومضة جميلة جداً عن الزواج الناجح الإسلامي .
ومضة جميلة عن الزواج الإسلامي الناجح :
الدكتور راتب :
روت كتب الأدب والسيرة أن القاضي شريح لقيه صديقة الفضيل فقال له : يا شريح كيف حالك في بيتك ؟ قال : منذ عشرين عاماً لم أجد من يعكر صفائي ، قال : وكيف ذلك يا شريح ؟ قال : خطبت امرأة من أسرة صالحة ، فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً - يقصد صلاحاً في دينها وكمالاً في خَلقها - فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي ، وتسلم بسلامي ، وتشكر شكري ، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب يوم عرسه ، دنوت منها ، فقالت لي : على رسلك يا أبا أمية - أي انتظر- ثم قامت فخطبت ، قالت : أما بعد ، يا أبا أمية إني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ، ولا ما تكره ، فقل ما تحب حتى آتيه ، وما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية قد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فاتقِ الله فيّ وامتثل قوله تعالى :
﴿ فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
قال : فألجأتني إلى أن أخطب ، وقفت وقلت : أما بعد ، فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً ، وإن تدعيه يكن حجة عليك ، أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا - الآن الشاهد - و ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها . قالت : فمن من الجيران تحبَّ أن أسمح لهنَّ بدخولِ بيتك ومن تكره ؟ قال : بنو فلان قومٌ صالحون ، وبنو فلان قومٌ غير ذلك ، قال : ومضى عليَّ عامٌ جئت إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا فلمَّا دخلت رحَّبتُ بها أجمل ترحيب ، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال ، قالت لي أمها: يا أبا أمية كيف وجدت زوجتك ؟ قلت : والله هي خير زوجة ، قالت : يا أبا أميَّة ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدلَّلة فوق الحدود ، فأدِّب ما شئت أن تؤدِّب ، وهذِّب ما شئت أن تهذِّب، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة ، ومضى عليّ عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم .
أنا أريد من هذه القصة المؤثرة أن أقول : إذا بني الزواج على طاعة الله يتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، أما إذا بني على معصية الله فيتولى الشيطان التفريق بينهما ، لذلك هذه قاعدة :
(( والذي نفس محمد بيده ما تواد اثنان ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ))
هذا الزواج حياة والحياة لها قواعد وسنن ، فأنا حينما أتقي الله في زواجي أسعد بزوجتي ، وتسعد بي .
الأستاذ بلال :
جميل ، لفت نظري في القصة أريد أن تعقبوا عليه لو تفضلتم وهو الفتاة الصالحة ، تزوجت من أسرة صالحة ثم جاءت أم زوجتي والتفتت إلى ابنتها تأمرها بحس السمع والطاعة ، ما دور أهل الزوجة في إسعاد الزوج وفي جعل هذا البيت ناجحاً ؟
دور أهل الزوجة في إسعاد الزوج :
الدكتور راتب :
والله أهل الزوجة لهم دور كبير في إسعاد ابنتهم ، حينما تشكو الفتاة المتزوجة حديثاً زوجها الأم العاقلة : لا يا بنيتي زوجك جيد جداً ، زوجك مؤمن ، صالح ، هذا شيء بسيط عرضي ، فهناك أم تخفف عن ابنتها أخطأ زوجها ، وهناك أم تكبر هذا الخطأ ، وتسهم هذه الأم أحياناً بالطلاق دون أن تشعر ، فلذلك أم الزوجة مظنة صلاح وتجربة وخبرة وكمال ، وأحياناً نجد أمهات للزوجات يسهمن بشكل أو بآخر في تطليق بناتهم .
الأستاذ بلال :
وكيف ينبغي أن يعامل أم زوجته والعكس ؟
كيفية معاملة الزوج أم زوجته :
الدكتور راتب :
والله أنا أقول كلاماً أرجو أن يكون واضحاً لدى الأخوة المشاهدين : لك آباء ثلاثة؛ لك أب أنجبك ، ولك أب زوجك ، ولك أب دلك على الله ، فالأب الثاني زوجك هذه ابنته ، جهد في تربيتها ، جهد في إعدادها ، جهد في تعليمها ، وقدمها لك هدية ، هذا أب لك ، ونحن في التقاليد الإسلامية القديمة العم والد ، أبو الزوجة والد ، وأنا أؤكد ذلك ؛ لك أب أنجبك ، ولك أب زوجك ، ولك أب دلك على الله ، فإكراماً لهذا الأب الذي اعتنى بابنته عشرين عاماً ثم قدمها لك بصحة جيدة ، ومتعلمة ، وتربيتها عالية ، هذه هدية من الأب ينبغي أن تقبل هذه الهدية مع التكريم ، تكريماً لها ولأبيها ، أنا أرى أن الأحمق هو الذي يسيء علاقته مع أهل زوجته ، هؤلاء أقرباء جدد ، أما إذا انتقد أمها باستمرار وهي دافعت عن أمها نشب الخلاف ، كما أنك تحترم أمك جداً هي أمها أيضاً .
خاتمة و توديع :
الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم ، وأحسن إليكم ، وأنتم أخوتي الكرام لم يبق لي في نهاية هذا اللقاء الطيب الذي سعدنا فيه بصحبتكم ، نشكر لكم طيب متابعتكم ، سائلاً المولى جلّ جلاله أن ألتقيكم في أحسن حال ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .