وضع داكن
23-04-2024
Logo
ومضات في آيات الله - الدرس : 16 - وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ما مركز الثقل في هذه الآية؟ :

 أيها الأخوة الكرام, حينما قال الله عز وجل:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾

[سورة النور الآية: 31]

 مركز الثقل في الآية كلمة جميعاً، لن تُقطف ثمار الإيمان، ولا ثمار الإسلام، ولا ثمار الاستقامة, إلا إذا كانت التوبة من قبل مجموع المؤمنين.

هل هناك مثلاً كهذا المثل يوضح هذه الآية؟:

 أوْضح مثل: لو أن عندك هاتفاً وحدك، وحولك مئة صديق ليس عندهم هاتف، هل له قيمة؟ إطلاقاً، قيمة هذا الهاتف إذا كان عند أصدقائك هواتف، أي شيء ظاهر أن الإنسان إذا كان مع جماعة مرتاح، حوله أخوان لا أقول: معصومون، لكن محفوظون، لا يوجد غدر، ولا خيانة، ولا طعن، ولا كذب، ولا احتيال، يوجد تقصير، فأنت مطمئن، حالة الأمن واضحة جداً في علاقتك مع أخوانك، حالة الثقة واضحة، حالة المحبة واضحة، قلما يشكو إنسان مع مؤمني الدنيا، حوله أناس محبون صادقون أعفة أوفياء، معه دائماً، لذلك الآية الكريمة:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾

[سورة النور الآية: 31]

 لكن المشكلة: أنك حينما تستقيم وحدك، وأنت في مجتمع لئام، مجتمع الغدر، ومجتمع الانحلال، ومجتمع الكذب، ومجتمع النفاق، تعاني ما تعاني، لأنك كالغريب، لكن تصور في مجتمع: جميع النساء محجبات, تشعر براحة، بتوازن، بينك وبين الزواج عشرون عاماً تقريباً، ليس هناك إثارة مستمرة، هذا موضوع الحجاب.

 

متى يقطف المؤمنون ثمار هذا الدين؟ :

 لو كان الذين حولك صادقين، أيّ تعامل مع أيّ إنسان عملية معركة، وكل أناس لغم، متى يطعن بك؟ متى يغدر بك؟ متى يكذب عليك؟ متى يحتال عليك؟ اشتر حاجة مكتوب عليها: صنع في اليابان، تأتي العكس؛ دائماً في قلق، دائماً في شك، في احتيال، في كذب، في تدليس ، في غدر، في غش، أحياناً في غبن، قال تعالى:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً ﴾

 -إذا تبتم جميعاً, قطفتم ثمار هذا الدين.

 

تطبيق عملي لهذه الآية :

 لذلك: كتطبيق عملي لهذه الآية: أنت حينما تعيش وحدك على أنك مؤمن، وإنسان مستقيم، وتخاف من الله، لكن حولك أناس لا تثق بهم، ولا ترتاح إليهم، ولست ذا قيمة عندهم، وليسوا صادقين معك، فحياتك في توتر مستمر، في تشنج، في قلق، في خوف، في حرص، أما إذا كنت مع المؤمنين, فأنت في بحر الأمان-:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾

[سورة النور الآية: 31]

إذا تفلت الناس من منهج الله فكن مع المؤمنين:

 فإذا تفلت الناس من منهج الله فكن مع المؤمنين، الدليل:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية: 28]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية: 119]

 أمر إلهي، وكل أمر يقتضي الوجوب، أنا لا أقول: إن المؤمنين معصومون، لا، لكن ليس هناك غدر، ولا خيانة، ولا قنص، ولا طعن، ولا في تدليس، ولا احتيال، هذه الأمراض الوبيلة في الناس إذا كنت مع المؤمنين أنت معافى منها، أخوك يربح عليك، لكن لا يغشك، لا يحتال عليك، لا يطعنك في الظهر، إذاً: أنت حينما تكون مع المؤمنين فالجماعة رحمة، كما قال عليه الصلاة والسلام.

ألا فاسمع أيها الإنسان :

 مرةً سمعت شعاراً وطنياً: أننا لسنا وحدنا في المعركة، أنا هذا الشعار عدلته بين المؤمنين ، أيها المؤمن, لست وحدك في الحياة، أحياناً: بنك أو مصرف من أجل أن يقرض المواطن ثمن الدواء، مصرف التسليف الشعبي، لكن أنت بين المؤمنين يقدمون لك روحهم، أرواح تقدم، وأموال تقدم، والجهد تقدم، والوقت يقدم، والخبرة تقدم، ففرق كبير جداً بين أن تكون مع مجتمع الذئاب ومجتمع الغدر والخيانة والقنص والطعن، وبين أن تكون مع المؤمنين، هؤلاء المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم.

الأحاديث التي تحض على ملازمة الجماعة :

 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ, وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ))

 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:

((لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا, وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ))

[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]

 الجماعة رحمة والفرقة عذاب .
 عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:

((خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ, وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ, فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ, مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ, مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ, قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ, وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ, وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

نعمة قد لا تلفت نظرك :

 فإذا قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية: 119]

 هذه نعمة كبيرة، أحياناً تأتي على مجلس علم، قد تأتي في آخر الوقت، وهذا شيء منهي عنه، لكن ولو جئت في آخر الوقت تأخذ شحنة، تلتقي بأخوانك، ترتاح أحياناً، هذه الراحة النفسية التي يجدها المؤمن، وهو في بيت من بيوت الله أساسها, فيها شحنة روحية، وشحنة علمية، هذا معنى قول الله عز وجل في الحديث القدسي:

((إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر))

العبرة من الجماعة :

 مرة كنت في بلد في أمريكا، زرنا بلدًا إسلاميًا فأخبرونا أن أحد المسلمين توفي، وبقي في البيت أياماً عديدة إلى أن فاحت رائحة تفسخه، ولم يعرفوا من هو؟ وُضع في مقبرة جماعية، لا نعرف مقبرة من؟ فالأخ الذي تكلم كلمة في هذا المركز قال: لو كان هذا يرتاد المسجد، وهو جار المسجد؛ لوجد من يتفقده، لوجد من يأخذه، ويغسله، ويدفنه في مقابر المسلمين.
 فرق كبير جداً، أنت في الجماعة لك مكانة، هناك من يتفقدك.
 لنا أخ توفي -رحمه الله-, هو شاب صغير جداً، ومعه عاهة، فلما توفي, ذكرت أنا ذلك في الدرس، أهله صعقوا، جاء ستمئة من أصحاب هذا الأخ، هو ليس له قيمة عند أهله، هذا المؤمن، مجتمع المؤمن مجتمع مثالي، أنت غال علينا، كائنا من تكون.

هذا مجتمع المؤمنين :

 أيها الأخوة, هذا مجتمع المؤمنين، صعب أن تصدقوا: أنّ أيَّ مؤمن بأيّ مرتبة اجتماعية هو له مكانة مع أعلى مؤمن، هكذا الإسلام.
 سيدنا الصديق قرشي ذو حسب ونسب، يشتري بلالاً من سيده الظالم، قال: والله لو دفعت به درهماً لبعت، هو قال: والله لو طلبت به مئة ألف لدفعتها لك، هذا أخي، لما أخذه وضع يده تحت إبط بلال، وقال: هذا أخي حقاً.
 ما هذا المجتمع؟ عبد أسود بالمقياس الجاهلي لا قيمة له إطلاقاً، لما أتى النبي -عليه الصلاة والسلام- سيدنا عمر خرج لاستقباله، هذا الإسلام، كان الصحابة إذا ذكروا سيدنا الصديق يقولون: هو سيدنا، وأعتق سيدنا، يعني بلالاً.
صحابي بساعة غفلة أو بساعة غضب خاطب رجلا أمُّه سوداء، قال له: يا بن السوداء، فقال عليه الصلاة والسلام: يا فلان، إنك امرؤ فيك جاهلية، فأصر هذا الصحابي على أن يضع خده على الأرض، ليطأه هذا العبد.
هذا الإسلام، بالمسجد كلنا سواء.

قف عند هذه الكلمة :

 أنا لي كلمة: أيّ كلمة تضاف إلى مؤمن يكون اتجاهًا جاهليًّا عنصريًا، المؤمن تحبه غنيًا متواضعًا سخيًا، تحبه فقيرًا متعففًا متجملا، تحبه مثقفًا ثقافة عالية، علمه في خدمة الحق، تحبه غير متعلم، عنده طيب نفس عجيب، سريع القبول، وما يحدث مشكلة في أثناء الحوار، تحبه موظفًا يخدم بلا مقابل، تحبه تاجراً، إذا قلت: مؤمن, أي إضافة على هذه الكلمة فهي اتجاه عنصري وجاهلي، يقول: مؤمن شامي، كل واحد من الشام ينجس بحرًا، وكل واحد من الريف قلامة ظفره تساوي مليون شخص، هذا الدين، الدين ليس فيه تفرقة، وأي إنسان يشيع التفرقة فهو جاهلي:
 إنك امرؤ فيك جاهلية.
 فإذا دخلت إلى مجتمع المؤمنين, فأنت محترم, معزز, مكرم، فقيرًا كنت أو غنيًا، تحمل شهادة عليا.
 أنا أصف دائماً مجتمع المؤمنين بأنه أسرة، الأب في العمل، والأم تطبخ، والبنت تنظف البيت، والابن يأتي بالأغراض، أما إذا جلسوا إلى المائدة ظهراً, فجميعهم لهم مكانة عالية جداً، أنت كأب، عندك طفل عمره سنتان، وابن طالب جامعي، الطفل أقل مكانة من أخيه، الطفل الصغير له مكانة كالكبير، البنت كالشاب تماماً.

خاتمة القول :

 أنا كنت اليوم في مكان ذكرت فيه عن قيمة المرأة في الإسلام.
 معقول النبي -عليه الصلاة والسلام- يفتح مكة ويُدعى إلى بيوت مكة ليبيت عندهم، فيقول: انصبوا لي بيتاً عند قبر خديجة؟
 من هذه المرأة؟ ركز لواء النصر أمام قبرها, ليعلم العالم أجمع: أن هذه المرأة شريكته في النصر، هل من دين يحترم المرأة إلى هذه الدرجة؟
 فأنت إذا كنت مع المؤمنين, فأنت معزز, مكرم, محترم، فأنا أتمنى أن يكون للإنسان جماعة مؤمنة، وأن ينضم إليها، ويكون وجوده قويًا فيها، هناك شخص مع الأسف الشديد يغيب فلا تعرف أنه غاب، ليس له وجود، وهناك شخص يغيب وما من واحد إلا ويعلم أنه غاب، فإذا كنت في جماعة, فليكن وجودك فيها قويًا، قدم شيئًا، قد ترى شخصاً عشرين سنة، ولا تعرف اسمه، وما خطر في باله أن يقدم شيئًا، فالواحد يقدم خبرته، يأتي أخ ويقول: أنا أعمل في الكهرباء، ممكن أن أقدم خدمات، هذا أدى الذي عليه، يقدم شيئاً لطلاب العلم، يقدم شيئاً للدعاة إلى الله، يقدم شيئاً في مستوى الدعوة, لذلك:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية: 119]

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية: 28]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور