- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 2- رمضان 1424 - ومضات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
منهج الأنبياء :
أيها الأخوة، في قوله تعالى:
﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾
نقطة دقيقة: كلما قرأت عن نبي لا يعنيك أمره، ولا قصته، وكأنك تتوهم أنك مؤمن صغير، وهو نبي عظيم، لكن غاب عن ذهنك أن هذا النبي قدوة لك، وينبغي أن تتبعه، وتنتفع منه، ومن أحداث حياته، لا لأنك نبي، أنت لست نبياً، ولكن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، ففرق كبير بين أن تقرأ قصص الأنبياء، وأنت تشعر أو تتوهم أنها لا تعنيك، أولاً: عاشوا في أزمنة سحيقة، وثانياً: هم أنبياء، يضع الله لك تجاربهم في الدعوة وكمالاتهم وعبوديتهم بين يديك، فينبغي أن تقتدي بهم.
﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾
فلا بد من أن تقفو أثر الأنبياء، مع أنك مؤمن بسيط جداً، هذا لا يمنع أن نقول للممرض: يجب أن تعقم هذه الأداة، يقول لك: أنا طبيب حتى أعقمها!؟ أنت لست طبيبًا حتى أعقمها، لكن لا بد من تعقيمها، لا يتوهم الممرض أن تعقيم الأدوات قبل العمل الجراحي هذا يفعله الأطباء فقط، يجب أن يفعله أقل إنسان يعمل في مستشفى، هذه قواسم مشتركة بين الأطباء الكبار والممرضين الصغار، كذلك منهج الأنبياء ليس لهم، هو لنا، ينبغي أن نقتفي أثرهم.
نية الكافر شر من عمله :
في قوله تعالى:
﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً﴾
لو أن الآية: يا نار كوني برداً, لمات سيدنا إبراهيم من شدة برد النار، ولو قال الله عز وجل: يا نار كوني بردًا وسلاماً, لن ننتفع بالنار إلى يوم القيامة، عندئذ النار لا تحرق، لكن الله قال:
﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً﴾
أي على إبراهيم فقط! أرأيتم إلى دقة القرآن الكريم؟:
﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾
لا تقلق لما يريد الطرف الآخر، يريدون كل شر، ونية الكافر شر من عمله، ولكن إذا كنت مع الله كان الله معك، إنني معكما أسمع وأرى:
﴿مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
ومن قوله تعالى:
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾
معنى ذلك: أن طاقات الإنسان ليست مفتوحة، فقد يبدأ الإنسان الإيمان بطاقات محدودة، لكنه إذا كان مخلصاً, فهذه الطاقات المحدودة تفتح، ويغدو متفوقاً ومتألقاً لا بحسب إمكاناته، ولكن بحسب توفيق الله له:
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾
لك أن تناجي ربك تشكو له ما ألم بك :
بربك ألا يقشعر جلدك إذا قرأت هذه الآية:
﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
ما هذه المناجاة؟ هذا نبي كريم يناجي ربه، ألك مع الله مناجاة؟ تشكو لله عز وجل بعض همومك ومتاعبك؟:
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾
لن يضيعك الله ما دامت تثق به وتتوكل عليه :
آخر نقطة أيها الأخوة: لا أشبع من ترداد هذه الآية، الحياة فيها متاعب وهموم وعقبات وصوارف، لكل مؤمن كافر يقاتله، ومنافق يبغضه، ومؤمن يغار منه، وشيطان يغريه، ونفس تغويه، يوجد نفس أمارة بالسوء، عدو رقم واحد، وشيطان يغوي، عدو ثان، وأحياناً مؤمن يحسدك، ومنافق يبغضك، وكافر يقاتلك، أنت بين خمسة أعداء، لكن مهما تكن المصيبة كبيرة جداً, فلن ترى نفسك فجأة في ظلمة البحر والليل وبطن الحوت، هذه مصيبة، لقمته أربعة طن، وأنت كلك وزنك مئة كيلو! لقمة صغيرة، وجبته أربعة أطنان، يفتح فمه ويمشي، يجمع أربعة أطنان، سمك وجبة عصرونية، أكل إنسانًا من ثمانين كيلو لقمة واحدة، وجد سيدنا يونس نفسه في بطن الحوت فجأة، لم يكن وقتها خلوي، فنادى في الظلمات؛ -ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت- أن لا إله إلا أنت سبحانك، لا يوجد غيرك يا الله، الأمر كله بيدك:
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾
هذه القصة، القانون:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
في كل عصر، وزمان، ومكان، ومصر، ونظام دولة متخلفة، أو دولة قمعية، أو ديمقراطية، بزمن الرخاء أو الشدة، أو بالحرب، أو بالسلم:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
قانون! أيها الأخوة: لو لم يوجد في الكتاب إلا هذه الآية لكفت، هذا قانون، ليس الأمر متعلق بيونس عليه السلام، لأن الله عز وجل أنهى القصة، وأعقبها بقانون، يجب أن تملأ نفوس المؤمنين بالأمل والتفاؤل، ولو رأينا الخطر محدق بنا، والعالم كله يحاربنا، ولو كان الفرق بيننا وبين الطرف الآخر فرقًا حضاريًا كبيرًا جداً, ومع ذلك:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
أن تثق بالله، وتعتمد، وتتوكل عليه، هذا هو الإيمان، وترى أن الله لن يضيعك، لأن الله شكور، شكر الله لك أنك إذا خطبت وده خطب ودك، وإذا خدمت عباده سخر من يخدمك، وإذا أحسنت إلى خلقه أحسن إليك، وإذا خطوت نحوه خطوة أتى نحوك خطوات، وإذا أتيته تمشي فهو يهرول.
اعقد الصلح مع الله ترى ما يسرك :
أخواننا الكرام, استجابة الله للمؤمن عجيبة، لمجرد أن تعقد معه الصلح، وتقول: يا رب تبت إليك, يقول: يا عبدي وأنا قد قبلت، في أية لحظة تقبل على الله:
((إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري ِإلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي، وهم أفقر شيء إلي، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد، ومن أعر عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي))
إذا قال العبد: يا رب وهو راكع, قال الله له: لبيك يا عبدي، فإذا قال العبد: يا رب وهو ساجد, قال الله له : لبيك يا عبدي، وإذا قال العبد: يا رب وهو عاص, قال الله له: لبيك ثم لبيك ثم لبيك.
ورد في بعض الآثار القدسية:
((أن يا داوود, لو يعلم المعرضون انتظاري لهم وشوقي لترك معاصيهم, لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بي بالمقبلين؟))
﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾
فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، وما علمت لكم من إله غيري، والذي قتل أبناء بني إسرائيل، واستحيا نسائهم، فرعون الجبار:
﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾
﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
-ليناً مع فرعون الجبار الطاغية-:
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾
رجل كان يناجي ربه قال: يا رب إذا كانت رحمتك بمن قال: أنا ربكم الأعلى, فكيف رحمتك بمن قال: سبحان ربي الأعلى؟ وإن كانت رحمتك بمن قال: ما علمت لكم من إله غيري, فكيف رحمتك بمن قال: لا إله إلا الله؟.
((إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها، والسيئة بمثلها، وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها))