- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 2- رمضان 1424 - ومضات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما الدليل على أن الإنسان مخير؟ :
أيها الأخوة الكرام, مما يؤكد: أن الإنسان مخير، وحينما تلغي اختيار الإنسان, تتفجر آلاف الأسئلة التي لا إجابة لها، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة:
إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
مما يؤكد أن الإنسان مخيراً:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾
العاجلة: الأولى، محظوراً: ممنوعاً عن أحد، أنت مخير، اختر ما شئت، اختر الدنيا أو اختر الآخرة، اختر أن تستقيم أو أن لا تستقيم، أن تصدق أو أن تكذب، أن تحسن أو أن تسيء، أن تخلص أو أن تخون، أنت مخير، لذلك: الاختيار يثمن عملك، وحينما تلغي الاختيار, تقع في عقيدة زائغة مفسدة ضارة، تسهم في شلل العالم الإسلامي، ما الذي يشل قدرات المسلمين؟ اعتقادهم أن الله أجبرهم على أعمالهم.
ما ينبغي أن تعتقده :
أيها الأخوة, أهم شيء بالقضية:
﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾
لو أن الله أراد إجبار عباده على شيء ما, لما أجبرهم إلا على الهدى، لو أن من خصائص الإنسان أنه مسير شأنه كشأن بقية المخلوقات، لو أن الله أراد إجباره على شيء ما, لما أجبره إلا على الهدى، والدليل:
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾
أي لو شئنا أن نلغي اختياركم، لو شئنا أن نبدل هويتكم، لو شئنا أن نلغي التكليف، لو شئنا أن نلغي حمل الأمانة، لو شئنا أن تكونوا كبقية المخلوقات مسيرين, لما أجبرناكم إلا على الهدى.
في اللحظة التي تتوهم أنك مسير في كل شيء, تكون عقيدتك قد زاغت، لأنك عندئذ تتهم الله في عدله، يقول الله عز وجل:
﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾
يجب أن تعتقد أنك مخير فيما كلفت.
لم أقام عمر على شارب الخمر الحد مرتين ؟
لما جيء بشارب خمر إلى سيدنا عمر قال: أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين, إن الله قدر علي ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين؛ مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله.
لذلك: أكبر معصية فوق الإثم والعدوان، وفوق الفحشاء والمنكر، وفوق الشرك، وفوق الكفر, أن تقول على الله ما لا تعلم.
العوام -سبحان الله- يقولون: كله ترتيب سيدك، يكون الواحد شارب خمر، مرتكب جريمة، غارقًا في المعاصي، يقول: لا تعترض، هذه مشيئة الله، كل شيء مكتوب علينا سلفاً، لماذا الأنبياء؟ لماذا الرسل؟ لماذا التربية الإلهية؟ لماذا المصائب؟ لو أن كل شيء مكتوب مسبقاً, لما كان ثمة داعٍ إلى الأنبياء، ولا للمصائب، ولا إلى أي شيء، إنك عندما تعتقد أن الله خلق الإنسان في الأصل كافراً، وقدر عليه الكفر، وسوف يضعه في جهنم إلى أبد الآبدين، هذه عقيدة زائغة، فيها اتهام لله عز وجل:
﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾
ماذا يعني هذا التفضيل؟:
الآن مع التفاصيل:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
هل أعلى طبيب جراح كممرض؟ لا، أعلى منصب في الجامعة، أستاذ ذو كرسي كمعلم في قرية؟ لا، رئيس غرفة التجارة مثل بائع متجول؟ جندي خدمة إلزامية في الجبهة كرئيس الأركان؟ لو شئت أن تمضي في التفرقة بين المراتب لوجدت العجب العجاب، إنسان يكاد يموت من الجوع، وإنسان يكاد يموت من التخمة:
﴿انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض﴾
هذه مراتب الدنيا لا تعني شيئاً، وقد تعني العكس، لأن المترفين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في ثماني آيات، وفي كل هذه الآيات المترفون فساق:
﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾
هذه المستويات الراقية جداً، هذا المجتمع المخملي، قد يكون عند الله بعكس الطائعين المريدين، قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
لكن هذه مراتب الدنيا, أولاً: هذا التفضيل لا يعني الأفضلية.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ, لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ))
التفضيل في الدنيا لا يعني الأفضلية.
ما فحوى هذه الآيات؟ :
ودليل آخر:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
ماذا تعني مرتبة الآخرة؟ :
-لكن قال تعالى-:
﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
مراتب الآخرة لا تعني كما تعني مراتب الدنيا، مراتب الآخرة متعلقة بمكانة الإنسان، عند الله مراتب الآخرة تعني كل شيء، ومراتب الآخرة أبدية إلى أبد الآبدين، فبطولتك أن تبحث عن مكانة في الدنيا أم في الآخرة؟ في الدنيا مكانة زائلة، ولا تعني شيئاً، لكن مرتبة الآخرة مرتبة أبدية، وتعني رضوان الله عز وجل:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
لا تجعل مع الله إلهاً آخر ......:
أخواننا الكرام:
﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً﴾
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾
قد تتكئ على صديق قوي، أو على قريب غني، أو على ولد ذكي، أو على زوجة تبدو لك صالحة، وتنسى الله عز وجل، الجهة التي تعتمد عليها، وتضع كل ثقلك عليها، وتعلق الآمال عليها، وتعقد الطموحات عليها، هذه الجهة ربما خيبت ظنك، وفي الأعم الأغلب يلهمها الله أن تخيب ظنك، لأنك أشركت حينما اعتمدت عليها:
﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً﴾
لا تعتمد على مالك فقد يذهب المال في ساعة، ولا تعتمد على قوتك، ولا على ذكائك ، ولا على خبرتك.
أربع كلمات مهلكات هم :
أربع كلمات مهلكات: أنا، ونحن، ولي، وعندي، قال إبليس:
﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾
فأهلكه الله، وقال قوم بلقيس:
﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾
فأهلكهم الله عز وجل، وقال قارون:
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾
فأهلكه الله عز وجل، وقال فرعون:
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾
فأنا، ونحن، ولي، وعندي كلمات مهلكات، والصحابة الكرام وهم صفوة الخلق، ومعهم سيد الخلق، وحبيب الحق يوم قالوا: لن نغلب من قلة هزموا في حنين:
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
متى يتولى الله العبد ومتى يتخلى عنه؟ :
الملخص: أنت كل يوم معرض لامتحان صعب، فإما أن تقول: الله، وإما أن تقول: أنا، إذا قلت: الله؛ تولاك الله بعنايته، وإن قلت: أنا؛ تخلى عنك، فأنت بين التولي والتخلي، إن عزوت نجاحك في الحياة؛ إلى ذكائك، أو إلى علمك، أو إلى خبرتك، أو إلى مالك، أو إلى أعوانك وقعت في الشرك، فسوف ترى منهم العجب العجاب، ولو عزوت تفوقك إلى فضل الله عز وجل؛ فسوف تزداد قوة ومنعة وفضلاً، قال تعالى:
﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً﴾
قف هنا :
ويا أيها الأخوة, ليس هناك من عصر مر به المسلمون وهم يجعلون مع الله إله آخر كهذا العصر، يخافون من زيد، ومن عبيد، وكلما توعدهم قوي صدقوا وعيده، وخافوا، وخنعوا له، وانبطحوا أمامه، وهذا من ضعف إيمانهم, وإن كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً, قال تعالى:
﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً﴾
هل قضاء الله وقدره على العبد يعفيه من المسؤولية ؟:
أيها الأخوة, أنت مخير، وعملك محاسب عليه، ولا شأن له بالقضاء والقدر، القضاء والقدر لا يعفيك من المسؤولية، وأكبر دليل على ذلك قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ جَاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾
حديث الإفك خير، فقد كشف الأطراف كلها، وكشف صدق السيدة عائشة، وكشف انحراف بعض المرضى، وكشف صدر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكشف حلم النبي، وكشف الصحابة واحداً وَاحداً، منهم من أحسن الظن، ومنهم أساء الظن، كشف الأطراف والأوراق كلها، بعد قليل يقول الله عز وجل:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
يا رب أما قلت: هو خير؟ الإيمان بالقضاء والقدر لا علاقة له بالمسؤولية، أوضح مثل:
طبيب إسعاف يهمل بمعالجة مريض، جاء الإسعاف، وهو جالس مع ممرضة يسمر معها، ومعه صحيفة، ويشرب فنجان شاي، أتى مريض بعد دقيقتين توفي، أجله انتهى، تحاسب عن تقصيرك.
كل إنسان يعزو تقصيره إلى القضاء والقدر يكون إنسانا دجالا، لا يعرف الحقيقة، القضاء والقدر لا يعفيك من المسؤولية، تحاسب، ولو قمت وأسعفت هذا المريض ربما عاش، لأنه انتهى أجله فهذا ليس عندك علم به، هذا من علم الله عز وجل، فلذلك:
﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً﴾
أيها الأخوة الكرام, هذه الآيات في سورة الإسراء لها دلالة كبرى على حقائق في العقيدة.