- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 2- رمضان 1424 - ومضات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ماذا تعني كلمة أرض الله واسعة؟
أيها الأخوة الكرام:
﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
ماذا تعني كلمة أرض الله واسعة؟ ما من شيء ينشد إليه الإنسان كوطنه أو كمسقط رأسه، ومع ذلك: المكان الذي أنت فيه إذا حال بينك وبين عبادة الله, ينبغي أن تغيره، لأنك مخلوق لعبادة الله، هذا المعنى دقيق جداً.
إليكم هذا المثال الذي يؤكد معنى هذه الآية :
تصور طالبًا أرسل بعثة لينال دكتوراه، وليعود في أعلى منصب في بلده، نفترض أعلى منصب له دخل كبير جداً، وهذا الدخل يتيح له أن يسكن في أجمل بيت، وأن يقترن بأجمل امرأة، ويعيش في بحبوحة كبيرة، هذا الإنسان حينما ذهب إلى هذا البلد هدفه واضح: أن ينال الدكتوراه، لو أنه عمل في غسيل السيارات، أعجبه الدخل السريع، أليس أحمق؟ هناك أعمال كثيرة في هذه البلاد تعطيك دخلا سريعًا، فهذا الإنسان حينما يغيب عنه هدفه الكبير، ويهتم بأعمال لا تمت لهدفه بصلة فهو شقي حقاً، الآية التي تؤكد هذا المعنى، وهي دقيقة جداً، هي قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾
-ما الذي أشغلكم عن عبادة ربكم، وصرفكم عنها؟ ما الشيء الذي تهتمون به-؟.
في هذه الآية وعيد ما هو؟ :
﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾
-أجبر على شيء لا يرضي الله، لأنه مستضعف، أو حيل بينه وبين عبادة الله، أو منع من أن يعمل عملاً صالحاً-:
﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾
-المستضعف مقهور، ومجبور، ومسير، الجواب الإلهي-:
﴿قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً﴾
-الأرض التي تحول بينك وبين عبادة الله, ينبغي أن تتركها كي تتحقق مهمتك في الحياة-:
﴿قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا﴾
-ما الوعيد؟ هنا المشكلة-:
﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
أي شيء في حياتك يحول بينك وبين طاعة ربك، وبينك وبين عبادة ربك:
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾
دقق في قوله تعالى:
﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾
إذا حيل بينك وبين أن تعمل صالحاً، أجبرت أن تعمل سوءاً، أو أجبرت ألاّ تطيع الله عز وجل, فهدف العبادة مقدم على هدف الالتصاق بالأرض، والبقاء في مسقط الرأس، كم هي العبادة مهمة جداً؟ حتى إن الإنسان مكلف أن يغادر بلده إذا حال بينه وبين طاعة الله عز وجل.
ما خير بلاد المسلمين للمسلمين في آخر الزمان؟ :
أيها الأخوة، ينبغي أن تشكروا الله عز وجل، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصف هذه بأنها خير بلاد المسلمين للمسلمين يومئذٍ، في آخر الزمان.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ:
((سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي, أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ, فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي, فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ, أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ))
نحن في نعمة كبيرة، نحن بإمكاننا أن نأتي إلى المسجد، وأن نصلي التراويح، وأن نستمع إلى درس العلم، وأن نستمع إلى الأذان، وأن نحجِّب زوجاتنا، ولا أحد يعترض علينا، بإمكاننا في هذا البلد الطيب أن نطيع الله عز وجل.
هجرة المسلم من بلد لا يعرف الله إلى بلد يعرفه :
لذلك: قضية خطيرة، البيئة التي تحول بينك وبين عبادة الله ينبغي أن تبتعد عنها، لأنك أتيت إلى الدنيا من أجل عبادة الله، ولا هدف يعلو على هذا الهدف، ولا شيء يقدم على هذا الشيء، الوعيد مخيف أيها الأخوة:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾
-لم يكونوا أقوياء، وعصوا، قال تعالى-:
﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾
-أي أجبرنا على المعصية، أجبرنا على نزع الحجاب، أجبرنا على الاختلاط، أجبرنا على أن نفعل السوء، أجبرنا على أن نستثمر أموالنا بالربا، قال تعالى-:
﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
لذلك: الهجرة من بلد يحول بينك وبين عبادة الله إلى بلد تستطيع فيه أن تعبد الله، هي هجرة تهدم ما كان قبلها، والذي يهاجر في سبيل الله له عند الله مقام كبير، وباب الهجرة من مكة إلى المدينة قد أغلق بعد الفتح.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِي اللَّهم عَنْهمَا- قَالَ:
((قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ, وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ, وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا))
ولكن أبواب الهجرة مفتَّحة بين كل بلدين يشبهان مكة والمدينة، إلى آخر الزمان، إذا بيئتك بينك وبين أن تعبد الله ينبغي أن تغادرها، لأنه لا يعلو على هدف العبادة هدف آخر، فهذا الذي يقول: ماذا نفعل؟ لكن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى يقول:
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾
-وعد إلهي، معنى مراغماً: يجد حياتاً يرغم فيها أنف أعدائه، لا يهبط، بل يرتفع، يفتح الله عليه رزقاً وافراً، يفتح الله عليه توفيقاً، في المكان الذي هاجر إليه ابتغاء وجه الله، قال تعالى-:
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
أيها الأخوة، معنى ذلك: أننا يجب أن نشكر الله عز وجل، وفي الوقت نفسه يجب ألاّ ندعي أن الاستقامة صعبة في هذا الزمان، فالاستقامة ضمن وسع الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
ما ينبغي أن نفهمه من هذه الكلمة :
أي يجب أن نفهم من هذه الكلمة:
﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾
إذاً: تعريف المكان الذي ينبغي أن تقيم فيه: هو المكان الذي تستطيع أن تعبد الله فيه، لذلك في الحرب العالمية الثانية: خرج أناس كثيرون، من بلاد اضطهد فيها المسلمون، وحيل بينهم وبين أن يعبدوا الله عز وجل، والذين جاؤوا إلى بلاد آمنة وفقهم الله عز وجل توفيقاً كبيراً، الآن يمكن أن تكون الهجرة التي ترضي الله: أن تغادر بلداً مصالحك محققة فيها مائة بالمائة، ولك حريتك وكرامتك ومكانتك، لكن البيئة الفاسدة تحول بينك وبين أن تنشئ أولادك في طاعة الله.
ما محور هذا المؤتمر؟ :
لذلك: حضرت مؤتمراً قبل عدة سنوات، وقام أحد الخطباء وقال: إن لم تضمن أن يكون ابن ابنِ ابنك مسلماً, فلا يجوز أن تبقى في هذه البلاد.
وفي الصيف الماضي عقد مؤتمر للأطباء الذين قدموا من ديترويت في الشام، أحد الأطباء زوج ابنته، وأقام حفل عقد قران، ودعيت لإلقاء كلمة، ولأن المؤتمر عقد وقت هذا الحفل, فدعا هذا الطبيب عدد كبير يقترب من سبعين طبيب من أمريكا، وألقيت كلمة، وذكرت هذه الكلمة التي قالها هذا العالم في ذلك المؤتمر, أنه: إن لم تضمن أن يكون ابن ابنِ ابنك مسلماً, فلا يجوز أن تبقى في هذه البلاد.
أيها الأخوة، بعد انتهاء الكلمة، وبعد انتهاء العقد: جاءني طبيب من أمريكا، ورأيت دمعة على خده، قال لي: ابن ابنِ ابني مسلم؟! أنا ابني ليس مسلماً!! ابنه الذي من صلبه ليس مسلماً.
ما هي الهجرة؟ :
الآن: ما هي الهجرة؟ إذا كنت في بلد في بحبوحة, المواد متوافرة، حاجاتك كلها متوافرة، الأسعار رخيصة جداً، جميلة جداً، الدخل عالٍ جداً، يتمتع المواطنون هناك بحريات واسعة جداً، لكنك سوف تجد بعد حين أن أولادك ليسوا مسلمين.
امرأة أخت أحد أخواني الكرام, في مؤتمر في لوس أنجلوس وقفت أمام المصعد، وقالت لي: أنا أخت فلان وبكت!! فسألتها عن سبب بكائها، قالت لي: ابني ملحد، وابنتي تحب الرقص والتمثيل، هذا مصيري, فلــذلك: إن لــم تــضمن أن يكون ابن ابنِ ابنك مسلماً, فلا يجوز أن تبقى في هذه البلاد.
لا توازن بين أمريكا والشام، بل وازن بين الدنيا والآخرة، نحن في نعمة كبيرة، نحن في أوطاننا في بلد أثنى عليه النبي، وقال:
((بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي, أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ, فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي, فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ, أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ))
من مزايا الشام:
أنا لم يسبق أن غادرت الشام في رمضان إلا في هذا العام، أربعة أيام، والفرق -أيها الأخوة- بين هذه البلاد التي كنت فيها, وبين هذه البلدة الطيبة من الأرض إلى السماء في رمضان هنا عرس، هذا الجمع الغفير لا تجده في مسجد، عدد قليل بعيدون عن الدين، هذه البلدة مباركة، اشكروا الله على أنكم مقيمون فيها.
ماذا تفيد (بل) في هذه الآية وعلام تحضنا الآية؟ :
أيها الأخوة, في قوله تعالى:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
بل: حرف إضراب، تنفي ما قبلها، وتثبت ما بعدها، في زمن الفتن، في زمن ضعف المسلمين، في زمن استكبار الكفار، وغطرستهم، والكيد للمسلمين، والمسلم ضعيف، وأمره ليس بيده، ماذا يفعل؟ هذه الآية هي العلاج، عليك أن تعبد الله وكفى، هذا الذي عليك، أدِّ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك، أنت لست مكلفاً أن تمنع قوة طاغية أن تبطش بالشعوب, هذا فوق طاقتك، هناك من يحمل نفسه ما لا يطيق, فيصاب بالكآبة, ويصاب بالإحباط، وقد تنشأ أمراض نفسية كثيرة بسبب الإحساس بالضعف.
ماالدليل على أن العبد إذا عبد الله فقد أنشأ الله له حق؟ :
الله عز وجل يخاطب نبيه الكريم, يخاطب سيدنا موسى, قال له:
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
أنت تنتهي مهمتك حينما تعبد الله، ويجب أن توقن أنك إذا عبدته, فقد أنشأ الله لك حقاً عليه، بدليل حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِي اللَّه عَنْه- قَالَ:
((بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ, فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ))
ما كلفت به :
هذا الذي أنت مكلف به، هذا الذي بإمكانك أن تفعله، هذا الذي تستطيعه، قال تعالى:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
من أجل ألا تصاب بالإحباط، من أجل ألا تصاب باليأس، من أجل ألا تخنع، من أجل ألا تدخل في صراع مستمر ينتهي باللا مبالاة، قال تعالى:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ﴾
-أنا أتألم لما يصيب المسلمين، أتألم أشد الألم، وأبذل ما أستطيع للتخفيف عنهم، ليس معنى أن تكتفي بالعبادة ألا تقدم خدمة للمسلمين، لا ليس هذا المعنى، لكن من أجل ألا تصاب باليأس ، والإحباط، والشعور بالضعف، قال تعالى-:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
ولما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- سيدنا معاذ بن جبل:
((يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ))
خالق الكون أنشأ لك حقاً عليه، وألزم نفسه بهذا الحق، الذي لك عليه، قَالَ:
((حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ))
اجعل شعارك هذه الآية :
اجعل شعارك:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
أنا أطيع الله وكفى، وأبذل ما في وسعي للتخفيف عن المسلمين.
فعن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ -رَضِي اللَّه عَنْه-, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا, وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا))
إذاً: أنا أسعى قدر وسعي، ولكن ينبغي أن لا أصاب بالإحباط ولا باليأس، ولا بالشعور بالدون, ولا بالعتب على الله ما لم ينصر المسلمين.
اعلم أن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :
فيا أيها الأخوة:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
والوضع كما ترون, وبإمكانك أن تفعل كل شيء، لأن طريق الجنة لها أبواب لا تعد ولا تحصى:
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
في بيتك، في عملك، حينما تقيم الإسلام في بيتك فأنت في الطريق إلى الله، وحينما تقيم الإسلام في عملك فأنت في الطريق إلى الله، وحينما تقيم الإسلام في أهلك فأنت في الطريق إلى الله، ف:
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
علة وجود الإنسان فوق هذه الأرض :
أيها الأخوة, هاتان آيتان في القرآن الكريم؛ هذه الأولى:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
والثانية:
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
إذاً: أنت علة وجودك أن تعبد الله، لا علاقة بين وبين:
﴿ فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
المعنى المستنبط من العلاقة بين العبادة والشكر :
يوجد معنى ضمني واضح جداً: أنك إذا عبدت الله, ستأتيك الخيرات من كل جانب، عليك أن تشك، فالمعنى المستنبط من العلاقة بين العبادة والشكر: أنه لمجرد أن تعبد الله, فالله عز وجل يغدق عليك من النعم التي لا تعد ولا تحصى، إذاً: مهمتك بعد ذلك أن تشكر:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
استيقظ من حلمك أيها المسلم الغافل :
دائماً وأبداً: يقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
التغيير لن يكون إلا إذا غيرنا.
الملاحظ: أن المسلمين يريدون أن يحدث تغيير من دون أن يغيروا، يتوقعون معجزة تأتي فتفني أعداءهم، وتصلح أحوالهم، وتمدهم بكل شيء، هذه أحلام الغافلين، أحلام السذج، واقعنا من صنع أيدينا، فما لم نصطلح مع الله، وما لم نقم الإسلام في نفوسنا، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا، وعندئذٍ تنتهي مهمتنا، قال تعالى:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
قف هنا :
أحياناً كلمة قصيرة في القرآن: تفتح معاني واسعة جداً، كلمتين:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
هاتان الكلمتان ينبغي أن تكونا شعار كل مسلم الآن، أنا علي أن أطيع الله، وأن ألقى الله وهو راضٍ عني، هذا الذي بإمكاني أن أفعله، قال تعالى:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
وبعدئذٍ الله حين يرانا, نعطيه أسباب النصر ينصرنا.
من تلبيس إبليس على الإنسان :
أقول مراراً: من تلبيس إبليس علينا: أن الشيء الذي بإمكاننا أن نفعله لا نفعله، بإمكانك أن تكون أميناً ومنصفاً وعفيفاً، بإمكانك أن تربي أولادك، بإمكانك أن تؤدي الصلوات، بإمكانك أن تغض البصر، هذا كله بإمكانك، لا نفعله، والذي ليس بإمكاننا طبعاً لا نفعله أيضاً، إذاً: ما فعلنا شيئاً، بقي الإسلام ظاهرة صوتية، وهذا حال المسلمين.
نسأل الله سبحانه وتعالى لهم أن يصحوا من غفلتهم، وأن يصطلحوا مع ربهم، وأن يكونوا من عتقاء رمضان.