وضع داكن
27-04-2024
Logo
ومضات في آيات الله - الدرس : 13 - وتلك القرى أهلكناهم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

المصائب :

 أيها الأخوة الكرام, لا شك أنكم تطلعون على ما يجري في العالم, فتارة تجدون زلزالاً أصاب قرية، وتارة فيضانًا أهلك قرية، وتارة بركاناً نزل على قرية فأحرقها، وتارة حرباً داخلية، وتارة حرباً خارجية, الكلمة التي تجمع كل هذه الصور الهلاك، خالق الكون، إله الكون، رب العالمين، الأمر بيده، ماذا قال عن هذه الظواهر؟ قال تعالى:

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف الآية: 59]

 هل هناك آية أوضح من هذه الآية؟.

 

إليكم الدليل من الكتاب :

 قد يهلك قوم ببركان, أو بفيضان, أو بزلزال, أو بصقيع, أو بجفاف, أو باجتياح, أو بحرب أهلية، الدليل:

﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾

 -هذه الصواعق، ومعها الصواريخ-:

﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾

 -هذه الزلازل والألغام-:

﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾

 -الطائفية والحرب الأهلية-:

 

﴿ً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾

[سورة الأنعام الآية: 65]

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف الآية: 59]

متى لا يذوق المسلمون من طعم النصر؟ :

 أخواننا الكرام, الطبقة التحتية, القاعدة بالمعنى الرياضي لا الإرهابي، هذه ظلمات فيما بيننا؛ المسلم يظلم المسلم، القوي يظلم الضعيف، والغني يظلم الفقير، والمتعالم يظلم السائل:

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف الآية: 59]

 أيها الأخوة, ما لم نبتعد عن الظلم فيما بيننا, فلن نذوق طعم النصر.

 

أرأيت إلى قول اليهود لابن رواحة؟ :

 لما جاء عبد الله بن رواحة ليقيم تمر خيبر، وعرض اليهود عليه بعض حلي نسائهم ليخفض التقييم، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ:

((أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ, أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَا فَاخْرُجُوا عَنَّا))

 ألا نحتاج -أيها الأخوة- إلى سبب وجيه لِما يحل بالمسلمين؟ دعك من الذين فوقنا, خذ الطبقة الأولى التحتية, خذ عامة المسلمين، يظلمون بعضهم ظلماً, يهتز له عرش الرحمن؛ القوي يأكل الضعيف، والغني يأكل الفقير، وذو الشأن يسيطر على الضعيف.

 

ما سبب حدوث هذه الظواهر على الأرض؟ :

 أيها الأخوة:

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف الآية: 59]

 هذا هو التفسير الإلهي؛ يفسر الزلزال, والبركان, والفيضان, والجفاف, والصقيع, والاجتياح, والحرب الخارجية, والحرب الداخلية, والحاكم الظالم، كل هذه الظواهر لعلة واحدة:

﴿لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف الآية: 59]

ما مناسبة ذكر هذه الآية في هذا الموضع؟ :

 مرة استدعيت من قبل قاض لشهادة بين أخوين كنت وسيطاً بينهما، الأخوان في المحاكم عشر سنوات، فقلت للقاضي: يقول الله عز وجل:

﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

 

 

-الخلطاء الشركاء، والخلطاء الأقارب, والزوجات, والأولاد فيما بينهم-:

﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾

[سورة ص الآية: 23]

 استنبط الإمام الشافعي: أن الذي يبغي على أخيه ليس مؤمناً.
 قلت له: مشكلتنا مع بعضنا بعضاً ليست مع الأقوياء في الغرب، ولا مع الأقوياء في الشرق، ولا مع حكامنا، مشكلتنا مع أنفسنا، مع الطبقة الأولى من المجتمع، نحن نظلم بعضنا بعضاً، ولن نشم رائحة النصر ما لم ندع الظلم، كم من أب يظلم أولاده, يعطي واحداً منهم ويحرم الباقي؟

 

من أسباب هلاك الأمم :

1-الظلم :

 جاءتني قضية لأكون حكماً فيها: إنسان توفي، وترك ألف مليون، أحد أولاده يعمل على سيارة هوندا لشدة فقره، والثاني معه ثمانمئة مليون، أليس هذا ظلماً؟ قال تعالى:

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف الآية: 59]

 أولاً: الظلم ظلمات يوم القيامة، إياك والظلم.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً, ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ, فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ, فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ, ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ ...... إِلَى قَوْلِهِ: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾))

[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]

 كم من إنسان يظلم زوجته، وكم من إنسان يظلم أباه وأمه؟ هؤلاء بين أيديكم:

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف الآية: 59]

 هذا أحد أكبر أسباب الهلاك.

 

2-الفسق : عندنا سبب آخر:

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾

[سورة الإسراء الآية: 16]

 ليس الفسق والظلم متوافرين في مجتمعات المسلمين؟ على مستوى أعمق علاقة الفسق بالظلم، لن تستطيع أن تفسق إلا إذا كنت فاسقاً، من أجل أن تستمتع بالحياة إلى أقصى درجة, يجب أن تأخذ ما لك وما ليس لك، فيظلم من أجل أن يستمتع ويفسق، فكأن بينهما علاقة، ولعل الظلم والفسق سببان كبيران من أسباب هلاك الأمم.

الدليل من السنة :

 عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ, فَقَالُوا:

((وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ, ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ, وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ, وَايْمُ اللَّهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))

 سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر, جمع أهله وخاصته, وقال: إني أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير, إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله! لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه, إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني.
 فصارت القرابة من عمر مصيبة.

الدليل من الكتاب أيضاً :

 أيها الأخوة, إن لم نستوعب كلام الله ونصدقه نخسر، يقول لك الله عز وجل: هذا الهلاك بسبب الظلم، فقد تشاهد زلزالاً, أو فيضاناً, أو قحطاً وبركاناًَ, أو صاعقة, أو وباء, أو مرضاً, أو ظلماً, أو قمعاً, أو حرباً, أو اجتياحاً, أو حرباً أهلية، كلها هلاك:

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف الآية: 59]

 آية ثالثة تؤكد ذلك:

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾

[سورة هود الآية: 117]

 الصالحون يهلكون، أما المصلحون فلا يهلكون، الصالح لا يتمعر وجهه إذا رأى منكراً، أما المصلح فيندفع لإصلاح الناس إذا فسد الناس.

ماذا نستنتج من هذه الأمثلة في سورة الكهف؟:

 النقطة الثانية في هذا اليوم المبارك إن شاء الله: أن الله عز وجل له أمر وله فعل، الأمر نسميه أمرًا تكليفيًا، افعل لا تفعل، الفعل يعطي أو يمنع، يرفع أو يخفض، يعز أو يذل، يقبض أو يبسط، له أمر تكليفي، وله أمر تكويني، سيدنا موسى اختصاصه الأمر التكليفي، سيدنا الخضر اختصاصه الأمر التكويني، الله عز وجل آتاه حكمة الأمر التكويني, وآتى سيدنا موسى دقائق الأمر التكليفي، التقيا حينما خرقت السفينة, هذا يتناقض مع الأمر التكليفي، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ركبا في السفينة فخرقها الخضر، اعترض موسى، -ومن حقه أن يعترض، الغلام حينما قُتل ليس بالأمر التكليفي، اعترض موسى، كما أنه ليس في الأمر التكليفي أن تقوم بعمل بلا ثمن، الغلام حينما قتل ليس بالأمر التكليفي، اعترض، كما أنه ليس في الأمر التكليفي أن تقوم بعمل بلا ثمن، وأنت تموت من الجوع-، فلما بيّن له سيدنا الخضر أن هذه السفينة كانت في الأصل مصادرة، فلما خرقت لم تصادر, انقلب الخرق إلى نعمة، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين، وفي علم الله أنه سيكون فاسقاً، فلئلا يشقى الأب والأم بشقائه, قُتل وهو صغير, وأما الجدار فكان ليتيمين في المدينة، قال تعالى:

﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾

[سورة الكهف الآية: 82]

 هذه الأمثلة الثلاثة ينبغي أن تكون نبراسًا لنا في كل أفعال الله عز وجل، الفعل ظاهره مؤلم، هو سينتج من خيرات للمسلمين عقب الحادي عشر من أيلول ما لا يعلمه إلا الله، أما على هذه العين: فنرى ضغطًا ما بعده ضغط، وحربًا عالمية ثالثة معلنة على الإسلام، ومع ذلك يوجد إنجازات تلمس باليد من خلال هذا الذي حدث، فيجب أن تعلم علم اليقين أن هذا الذي وقع أراده الله، وأن كل شيء أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، وأن الله عز وجل لا يقدّر إلا الخير لعباده، علمه من علمه، وجهله من جهله.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور