وضع داكن
05-06-2025
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - تركيا - لقاء مع ‏معاهد النور لتحفيظ القرآن الكريم - غازي عينتاب - المحاضرة : 16 - رمضان شهر القرآن
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي جعل العلم ضياءً ، والقرآن نوراً ، ورفع الذين أوتوا العلم درجات علية ، كان ذلك في الكتاب والسورة ، وجعل العلماء ورثة الأنبياء .

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31)  ﴾

[   سورة الفرقان ]

نحمده تعالى حمداً كثيراً ، ونشكره عز وجل ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، المرشد الحكيم ، والمعلم العظيم .
أما بعد ؛ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، طبتم وطاب لقاؤنا هذا إن شاء الله .
أيها السادة والسادات ، أهالينا الأكارم ، طلابنا وطالباتنا ، ضيوفنا الأعزاء ؛ أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك مع عالم من أفاضل العلماء ، الذي علا نجمه ، وذاع سيطه ، وأضاء مشكاته علماً نافعاً بإذن الله ، إنه الشيخ الكبير الجليل الدكتور محمد راتب النابلسي ، المعروف الذي لا يعرّف كما علمنا مشايخنا الأفاضل ، فهو من علمائنا الكبار ، الذي أمضى حياته متعلماً ، ومعلماً ، فنحسبه إن شاء الله تعالى ممن بسطت له الملائكة أجنحتها في غدوهم ورواحهم ، فأنعم به من محال ومآل .
 وصراحة لن أطيل أكثر في هذه المقدمة ، لأن الناس جميعها متشوقة لسماع فضيلته ، وأنا احترت كثيراً ، ووقفت كلمات شكري وتقديري عاجزة أمامكم سيدي الشيخ ، لكي تشكركم وتقدركم على قبولكم هذه الدعوة المباركة إن شاء الله ، فنحن نتشرف ، ونتبارك ، ونتعلم ، ونستفيد منكم .
باسمي ، وباسم معاهدنا معاهد تحفيظ القرآن الكريم في مدينة غازي عنتاب في تركيا ، وباسم كوادرنا نرحب بكم ، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم ، ونبدأ معكم بإذن الله سيدي جزاكم الله تعالى كل خيرٍ ، ونفعنا بكم .
 

العبادة علة وسبب وجودنا :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أريد أن أبدأ بمقدمة ، أن علة وجودنا ، أو غاية وجودنا ، أو سبب وجودنا ، هذا مصطلح حديث ، أي إنسان أرسل ابنه إلى بلد أجنبي لينال الدكتوراه من إحدى جامعاتها ، هذا الشاب في هذا البلد علة وجوده الوحيدة ، سبب وجوده الوحيد الدراسة ، هذا لا يمنع أن يدخل إلى مطعم فيأكل ، أن يقتني مجلة متعلقة باختصاصه ويشتريها ، إلى آخره ، أما علة وجودنا فالله عز وجل يقول :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )  ﴾

[  سورة الذاريات ]

العبادة علة وجودنا ، سبب وجودنا ، هدف وجودنا ، الإنسان مخلوق طارئ ، لم يكن.

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) ﴾

[ سورة الإنسان  ]

الآن :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)  ﴾

[ سورة الأحزاب ]

السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله ( فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ) حينما قبِل الإنسان حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبةً ، والمفضل تكريماً ، والمحاسب مسؤولية ، هذا الإنسان حتى يتضح الأمر : " ركّب الملك من عقل بلا شهوة ، وركّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ".
 

طلب العلم فريضة على كل إنسان :


لكن لا بد من مقدمة : أنا أمامي طاولة ، هذه جماد ، لها طول ، وعرض ، وارتفاع ، ووزن ، وحجم ، واضحة ؟ الجماد بماذا يزيد عليه النبات ؟ طبعاً له طول ، وعرض ، وارتفاع ، أبعاد ثلاث ، إلا أنه يزيد عليه بالنمو ، الجماد وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، النبات يضاف على صفات الجماد النمو ، الحيوان ؟ يضاف عليهما بالحركة ، الهرة تمشي ، أما الإنسان له من الجماد وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، له من النبات النمو ، وله من بقية المخلوقات الحركة ، بماذا كرمه الله ؟ بماذا خصه الله ؟ بماذا أعطاه الله ؟ أعطاه قوة إدراكية الفهم ، هذه القوة الإدراكية لا تلبى إلا بطلب العلم .
" فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم  " .
 

صفات من عزف عن طلب العلم :


ولكن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هذا الذي عزف عن طلب العلم بماذا وصف بالقرآن الكريم ؟ كتاب خالق السماوات والأرض ، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، هذا الذي عزف عن طلب العلم ، واكتفى ليعيش لطعامه وشرابه وملذاته ومكانته الاجتماعية سمي في القرآن :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)  ﴾

[  سورة النحل ]

في القرآن ، أي نبضه 80 ، وضغطه 8 ـ 12 ، مثالي ، هو عند الله ميت ، ما دام هذا الإنسان لم يبحث عن سر وجوده ، وعن غاية وجوده ، وعن حكمة وجوده ، ما آمن إلا بالدنيا ، وعزف عن الإيمان بالآخرة ، هذا الإنسان إذا أعرض عن طلب العلم ، ولم يعتقد أن العلم شيء أساسي جداً جداً في حياته ، شيء متعلق بوجوده لا بتحسيناته ، هذا الإنسان الذي عزف عن طلب العلم وصف بالقرآن بأنه : ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ) .

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)  ﴾

[  سورة المنافقون ]

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)  ﴾

[  سورة الفرقان ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾  

[ سورة الجمعة ]

هذه صفات كتاب خالق السماوات والأرض لمن عزف عن طلب العلم ، أو لمن غفل عن علة وجوده ، وهي العبادة ، أو لمن غفل عن قيمته .
 

العلاقة بالله يجب أن تكون علاقة حبّ لا علاقة إكراه :


الإنسان هو المخلوق الأول في الحياة ،  الأول لأنه في عالم الأزل قبِل حمل الأمانة ، لأنه غفل عن أنه مكلف بعبادة الله ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) والعبادة في أدق تعاريفها طاعة هي ليست قسرية ، ولكنها طوعية، الله خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، قوتنا بيده ، ضعفنا بيده ، كل شيء بيده ، السعادة بيده ،  الشقاء بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً فقال تعالى :

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة  ]

بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب ، قال :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) ﴾

[ سورة المائدة  ]

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)  ﴾

[ سورة البقرة  ]

 

العقيدة أحد أكبر كليات هذا الدين :


لذلك أحد أكبر كليات هذا الدين العقيدة ، الأيديولوجيا ، الفهم ، التصور ، كلها كلمات لمسمى واحد ، الجانب العقدي في الإنسان ، إن صح هذا الجانب صح العمل ، وإن فسد هذا الجانب فسد العمل ، وهذا الجانب لابد من أن تطلبه بالعلم .
" فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم " .
الجانب الحركي : الإنسان بحاجة إلى أن يأكل ويشرب ، أودعت هذه الحاجة في كيانه ، لذلك الأنبياء كانوا يأكلون الطعام ، أي هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام ، قال: ويمشون في الأسواق ، ومفتقرون إلى ثمن الطعام ، فالإنسان المخلوق الأول في عالم الأزل قبل عالم الصور حينما عرض الله الأمانة أن تتولى أنت إدارة نفسك ، تتولى تزكيتها حينما عرض الله :

﴿ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)﴾

[ سورة الأحزاب ]

الآن : ( كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) هذه الآية تقرأ قراءتين ، تقرأ قراءة استفهامية ، وتقرأ قراءة تقريرية .
الأب عندما يكون عنده عشرة أولاد ، وهو غني كبير ، أعطى كل ولد بيتاً وسيارة  وراتباً كبيراً بالشهر ، لكنه قال : من يأتي بالدكتوراه من بلد بعيد أعطيه نصف أملاكي ، وإن ذهب إلى هناك وانغمس في الملاهي والشهوات أجعله يتسول في الطريق .
" ركّب الملك من عقل بلا شهوة ، وركّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركّب الإنسان من كليهما ، فإذا سما عقله على شهوته أصبح أعلى من الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان " .
إذاً الإنسان عقيدة ، تصور ، منطلق نظري ، فكر ، أيديولوجيا ، كلها كلمات لمسمى واحد ، هذه تحتاج إلى طلب علم ، مرة ثانية :
" إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً " .
هذا الجانب العقدي ، الحاجة للطعام والشراب ، والحاجة إلى الزواج ، والحاجة إلى التفوق ، الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد حياً ، والحاجة إلى الزواج حفاظاً على بقاء هذا النوع مستمراً ، النوع البشري ، والحاجة إلى التفوق هو الحاجة إلى بقاء الذكر ، فالإنسان بحاجة إلى الطعام والشراب ليستمر وجوده الجسدي ، وبحاجة إلى الزواج ليستمر النوع البشري ، وبحاجة إلى التفوق ليضاف بصمة جديدة في عالم العلم ، فلذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .
صار عندنا حاجة إيديولوجية ، نظرية ، تصورية ، وعندنا حركة ، البحث عن الطعام والشراب ، البحث عن اللباس ، عن الحاجات الأساسية ثم الحاجة إلى التفوق ، الإنسان بأعماق أعماقه يحب أن يكون المعلم الأول ، المدرس الأول ، الأستاذ الأول ، الداعية الأول ، المحامي الأول ، المهندس الأول ، في حاجة إلى بقاء الفرد كفرد ، وإلى بقاء النوع كنوع ، وإلى بقاء الذكر ، فالله عز وجل يرفع مقام الإنسان .

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ﴾

[ سورة الشرح ]

أكبر إشارة إلى إكرام الله لنبيه ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) أوطأنا لك عقبك ، إذاً لا بد من طلب العلم ، ولا بد من الحركة وفق منهج الله ، ثم لابد من التفوق ، هذا الجانب الأول جانب عقدي .
 

الإنسان كائن متحرك :


الجانب الثاني جانب حركي ، يوجد حركة سلبية ، يقول لك : أنا ما أكلت مالاً حراماً ، ما ، أنا ما غششت ، أنا ما زورت ماركة ، أنا ما فعلت كذا وكذا ، هذه ما تعني الاستقامة ، والاستقامة حدية ، لا يوجد نصف استقامة .
أنت ملأت مستودعاً بالوقود السائل ، إذا قلت : هو محكم ، أي محكم ، لو تركته عشر سنوات لا ينقص ولا ميليمتر ، هذا المحكم ، أما العطاء فنسبي ، إنسان يتصدق بألف ، بألفين ، بعشرة آلاف ، ببيت يتصدق ، فالاستقامة حدية ، والعطاء نسبي ، الآن علة وجودنا في الدنيا طبعاً بالقرآن الكريم :

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

أعمل صالحاً ، كأنه بعد الإيمان بالله واليوم الآخر ، والكتاب ، والنبيين ، علة وجود الإنسان العمل الصالح ، وسمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
 

الدعوة إلى الله من أعظم الأعمال التي يُبتغى بها وجهه سبحانه :


يوجد ملمح دقيق في آية دقيقة جداً :

﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)  ﴾

[ سورة الرحمن ]

أي القارات الخمس ، المعامل كلها ، البيوت كلها ، الأسواق كلها ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) لكن بعضهم قال : أما معنى :

﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) ﴾

[ سورة الرحمن  ]

قد يتوهم ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) أي ذاته الإلهية ، لا ، معنى آخر ، ويبقى عمل أبتغي به وجه الله ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) يبقى العمل الذي أبتغي به وجه الله ، من أعظم الأعمال التي يبتغى بها وجه الله الدعوة إلى الله ، والدليل :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)  ﴾

[  سورة فصلت ]

دعا إلى الله بلسانه ، بكتابته ، بمحاضرته ، بنشاطه ، بندوة ، بسهرة ، بأمسية   دعا إلى الله ، والدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق ، ليس على وجه الأرض إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله .
 

العمل الصالح أفضل عمل بعد معرفة الله :


ولكن ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) جاءت حركته في الحياة ، أي كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، تربية أولاده ، خروج بناته ، اختيار حرفته ، التعامل مع من حوله في حرفته  أي علاقته بالأقوياء ، والضعفاء ، علاقته بالقريب ، بالبعيد ، بوالديه ، هذا تفاصيل تصل إلى الآلاف ، العبادة الشعائرية ؛ الصوم ، والصلاة ، والحج ، والزكاة ، والشهادة ، وهناك حقيقة مرة أتمنى أن أقولها رفعاً للعتب : 

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة ، يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل : يا رسول الله جلهم لنا ؟ قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها . ))

[ ابن ماجه عن ثوبان ]

انتهت الصلاة ، فقدت قيمتها ، فقدت وظيفتها ، فقدت نتائجها .

الصيام :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ  ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ]

هذا الصيام.

الزكاة :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53) ﴾

[ سورة التوبة ]

الحج :

(( " من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك الله لبيك ، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك " . ))

ماذا بقي ؟ بقي النقطة الدقيقة جداً أن تعرف الله .
" ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
أن تعرف الله ، وأن تعرف منهجه ، افعل ولا تفعل ، وأن تعرف ثمار هذا العمل .
 

من ذكره الله منحه الحكمة والتوفيق :


﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)  ﴾

[ سورة البقرة ]

إنك إن صليت ذكرت الله ، لكن إذا ذكرت الله ماذا يعني يذكرك الله ؟ إذا ذكرك الله منحك نعماً عديدة من أبرزها نعمة التوفيق :

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)  ﴾

[  سورة هود ]

توفق في دراستك ، توفق في زواجك ، توفق في اختيار زوجتك ، توفق في تربية أولادك ، توفق في علاقتك بأمك وأبيك ، توفق في علاقتك بمن تعمل معهم ، في حرفتك ، هذا التوفيق أكبر عطاء إلهي ، ورد مرة واحدة في كتاب الله ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ) .
منحك الحكمة ، الإنسان إذا أوتي الحكمة يجعل العدو صديقاً ، من دون حكمة يجعل الصديق عدواً ، إذا أوتي الحكمة يسعد بأية زوجة ، أما إذا لم يكن حكيماً يشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، بالحكمة يعيش بمال محدود ، ويسعد بهذا المال المحدود ، ومن دون حكمة يتلف المال الكثير ، إذاً أكبر عطاء إلهي الحكمة .
صار عندنا كليات هذا الدين العقيدة والحركة ، الحركة ، الاستقامة جانبها السلبي ، والعمل الصالح جانبها الإيجابي ، كأن علة وجودنا العمل الصالح لقوله تعالى : ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) النتيجة :

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

[ سورة طه  ]

هذا الذكر ، إذا صليت ذكرت الله ، أما إذا ذكرك الله فقد منحك الحكمة ، منحك الحفظ ، منحك السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :


لذلك هناك من يقول : على رأس الهرم البشري بالقارات الخمس يوجد زمرتان ؛ الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ، الأنبياء والأقوياء زمرتان كبيرتان ، والإنسان لابد من أن يكون أحد أتباع الأقوياء ، ولو شرطي ، أو وزير ، أو أحد أتباع الأنبياء ؛ مؤمن ، عابد ، متفتح ، متق ، متقدم في الإيمان ، فالبطولة أن تسعى لعمل عظيم .
عفواً ؛ الإنسان معه أكثر من مليون خيار رفض ، مليون ، لا أبالغ ، هذا البيت لم يعجبه ، مساحته قليلة ، ثمنه باهظ ، هذه الفتاة لم يخطبها ، فيها عدة عيوب لا يقبلها ، هذه الحرفة دخلها قليل ودوامها قليل ، فأنت معك خيار رفض بمليون موضوع ، إلا مع الإيمان معك خيار وقت .

﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) ﴾  

[ سورة الأنعام ]

إما أن تؤمن في الوقت المناسب وأنت حي ترزق ، أما بعد فوات الأوان ، فرعون آمن ، قال :

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)  ﴾

[  سورة يونس ]

متى آمن ؟ بعد فوات الأوان ، فمن لم يكن له حظ من الإيمان ، قبل فوات الأوان نجح إيمانه ، أما الإيمان بعد فوات الأوان : ( لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ) .
 

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :


أُعيد وأُكرر بعد الحديث عن الإيمان بالله ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، والآخرة ، إلى آخره ، أكثر شيء يتكرر كل يوم ، أكثر شيء نحتاجه كل يوم ، أكثر شيء يبنى عليه مقامنا عند الله ؛ العمل الصالح .
مرة ثانية ؛ سمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، حجمك عند الله بحجمك عملك الصالح ، بل إن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ، والدليل : ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) والعمل الصالح متوافر ، في البيت أن تكون زوجاً مؤمناً ، رحيماً ، حكيماً ، إن كنت امرأة أن تكوني زوجة مؤمنة ، ترعى أولادها وزوجها ، إن كنت ابناً تتلمس إرضاء والديك ، إن كنت أباً تعتني بدراسة ، وعلم ، وأخلاق أولادك ، أي الحياة حياة ، جئنا إلى الدنيا كي ندفع ثمن مفتاح الآخرة ، مفتاح الجنة .

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾

[ سورة هود ]

 

من خسر الأبد خسر كل شيء :


الأبد ؛ ما الأبد ؟ كلمة دقيقة جداً ، واحد بالأرض ، وأصفار للشمس ، بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية صار صفراً ، فأنت خلقت للأبد ، لللانهاية ، فإذا قنعت بستين أو سبعين عاماً ، كل الأعوام متاعب وقلق وخوف وظلام مسيطرون ، وقتل ، وما إلى ذلك ، يكون خسارة كبيرة .

﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) ﴾

[ سورة الزمر  ]

 

ضرورة العودة إلى الله والصلح معه :


لابد من عودة إلى الله ، لابد من صلح مع الله ، لابد من تسليم لأمر الله ، لابد من إقبال على الله ، لابد من طاعة الله ، لابد من الصيام الذي أراده الله ، صيام العوام عن الطعام والشراب ، وصيام الخواص عن المعاصي والآثام ، وصيام خواص الخواص صيام عما سوى الله ، رمضان نقلة نوعية تنقلك إلى الله ، إلى معرفته ، إلى طاعته ، إلى التقرب إليه ، إلى أن تذوب محبة له ، تنقلك إلى الاستقامة في بيتك ، في كسب مالك ، في إنفاق مالك ، في علاقتك بزوجتك ، بأولادك ، بأمك وأبيك ، بمن حولك ، حتى بزبائنك ، هؤلاء نصحتهم ما غششتهم ، طبعاً الحركة واسعة جداً ، ثم علاقتك بالله عز وجل ، باتصالك بالله ، هل الصلاة صلاة كما أرادها الله ؟ إقبال على الله ؟ إنابة إلى الله ؟ تلمس ما يرضي الله ؟ هل تخشع في صلاتك ؟ هل تقرأ القرآن كل يوم ؟ فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، هذه ملامح ، ومضات ، نقاط عديدة كي نغريك بها ، أي تفتح مع الله في رمضان صفحة جديدة   كي تتوب توبة نصوحة ، كي تتطلب العلم .
" إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، مرة ثانية : ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يطلب العلم لله ، يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً " .
 

التوحيد نهاية العلم :


آخر كلمة : الله عز وجل بآية كريمة واحدة لخص فحوى دعوة الأنبياء جميعاً والرسل ، ممن ذكرهم الله ، وممن لم يذكروا :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[  سورة الأنبياء ]

هذا نهاية العلم التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، ونهاية الحركة العمل ، العبادة ، والعبادة مرة ثانية : طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية  ، تفضي إلى سعادة أبدية .

 

الفرق بين اللذة والسعادة :


اللذة غير السعادة ، اللذة حسية ، تحتاج إلى مال ، ووقت ، وصحة ، في البداية يوجد صحة ووقت ولكن لا يوجد مال ، بالوسط يوجد مال وصحة ولكن لا يوجد وقت ، بالنهاية يوجد مال ووقت ولكن لا يوجد صحة .
أما السعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة فأنت أسعد الناس قاطبة .
أرجو الله أن يحفظ إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، وبلادكم .
المذيع :
جزاكم الله تعالى خيراً شيخنا الفاضل ، وبارك بكم ، إن تكرمتم علينا بنصيحة ، الآن أغلب المتابعين معنا هم من أهالي الطلاب أو الطالبات ، أو الأساتذة والآنسات ، في هذا الشهر الكريم شهر القرآن الكريم لو تكرمتم علينا بنصيحة جزاكم الله خيراً ، لأهل القرآن   وأهاليهم .
 

نصيحة لأهل القرآن :


الدكتور محمد راتب النابلسي 
 فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، واحد ، قال تعالى :

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) ﴾

[ سورة البقرة  ]

ما حق تلاوته ؟ أن تقرأه قراءة صحيحة وفق قواعد اللغة العربية ، مثلاً لو قرأت في الصلاة إنما يخشىَ اللهُ من عبادهِ العلماءَ ، الصلاة باطلة ، من حركة واحدة ، فلابد من أن تقرأه قراءة صحيحة بحسب قواعد اللغة العربية .
سيدنا عمر يتمنى علينا ، قال : تعلموا العربية فإنها من الدين ، أي تعلم مبادئ العربية ، هذه النقطة الثانية ، لذلك لابد من طلب العلم ، هذا أولاً .
ثانياً : لابد من طلب العلم من علماء ربانيين لا علماء من نوع آخر ، أي من علماء محترفين ، أو علماء متكسبين بعلمهم ، من علماء ربانيين ، هذه نقطة مهمة جداً ، ولابد من أن تحاسب عن دوائر ثلاثة ، أنت دائرة لك أن تصلي ، أو ألا تصلي ، لك أن تغض بصرك ، أو أن تطلق بصرك ، لك أن تكسب مالاً حلالاً أو حراماً ، أنت دائرة ، وبيتك دائرة ، فيه انضباط ؟ فيه اختلاط ؟ فيه حجاب ؟ فيه شاشة مضبوطة ؟ فيه هاتف مضبوط ؟ فيه آيباد مضبوط ؟ فيه كسب حلال ؟ فيه إنفاق وفق منهج الله ؟ فأنت دائرة ، نفسك دائرة ، بيتك دائرة  ،عملك دائرة ، يوجد حرف لا ترضي الله ، حرفة مشروعة ، والتعامل بها مشروعة ، أنت مسؤول عن ثلاث دوائر ، هذه الدوائر لك فيها القرار ، لك فيها الأمر والنهي ، نفسك دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، أما ما سوى ذلك تدعو إلى الله ، لكن لا تحاسب عن سلبيات الحياة ، أدعو إلى الله في لساني ، في قولي ، في كتابي ، في موقعي الإسلامي .
 

خصائص وميزات موقع النابلسي :


من فضل الله موقعي الإسلامي الذي أكرمني الله به هو أول موقع في العالم تقريباً  ، أول موقع في العالم ، هذا الموقع الإسلامي له خصائص ، هذا هو الموقع يوجد جانب فيه موسوعة صوتية ، أي شيء تكلمت به من خمسين عاماً ، تركب مركبتك ، أو تركب سيارة عامة ، أو تجلس لوحدك ، تستمع إلى شيء تريده صوتاً ، هذا أول موقع ، الموسوعة الصوتية ،  والنصية إذا كنت تحضر درساً معيناً تأخذ جميع ما ألفته من حياتي ، وما ألقيت من دروس  نصاً ، النص Word ، أو pdf ، الــ Word تستطيع أن تعدله ، يوجد موضوع لا يناسب بلداً معيناً تستطيع أن تحذفه وتضيف موضوعاً ثانياً ، و pdf هو الأصل . 
الشيء الثالث : الموسوعة المرئية ، نحن في سهرة ، عندنا موضوع عن الدخان ، تفتح عن الدخان يرى كل من حضر بالسهرة على الشاشة مضار الدخان .
بعد ذلك يوجد موسوعة الفتاوى ، هذا الموقع يتبدل كل يوم ، عرض يومي ، وهذا الموقع فيه سبع لغات تقريباً ، هو أول موقع بالعالم الإسلامي ، بين أيديكم ، على أي هاتف ، على أي آيباد ، على أي شاشة ، وهذا مجاني ، لا يوجد فيه دفع مال ، كله مجاني ، وهذا يجدد يومياً ، طبعاً يشرف عليه عدد كبير من الموظفين ، هذا بين أيديكم .
أرجو الله أن ينفعكم به ، وهذا صدقة جارية إن شاء الله .
المذيع :
جزاكم الله تعالى شيخنا الفاضل ، وبارك بكم ، ونفعنا بعلومكم إن شاء الله تعالى  ولو أثقلنا عليكم ، إن أكرمتمونا بدعاء ، والآن إن شاء الله اقترب وقت الإفطار ، فتكرمونا بدعائكم جزاكم الله خيراً .
 

الدعاء :


الدكتور محمد راتب النابلسي 
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ،  وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ،  وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا  ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، واحفظنا كما تحفظ به عبادك الصالحين ، وأرجو الله أن يكتب التوفيق والنجاح للطلاب ولآبائهم الذين يفرحون بنجاحهم ولمن حولهم .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
آمين ، آمين ، جزاكم الله تعالى شيخنا الكبير والفاضل ، وبارك بكم ، وحفظكم  ،  نشكركم صراحة من أعماق قلوبنا على تلبيتكم لهذه الدعوة ، فقد أجدتم ، وأفدتم ، بارك الله بكم  وجزاكم الله عنا كل خير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور