- محاضرات خارجية / ٠26ندوات مختلفة - تركيا
- /
- ٠3ندوات مختلفة - تركيا
أهلاً بكم أيها الأخوة أهلاً بالضيف الكريم، أهلاً بجميع الأخوة الضيوف الكرام أهلاً لمن حضر في هذه الأمسية المميزة من الأمسيات وقف دار السلام، أهلاً بكم أيها الأخوة جميعاً، في هذه الأمسية الطيبة المباركة المميزة يتشرف ويشرفنا الدكتور محمد راتب النابلسي جزاءه الله خيراً حيث قطع الأميال حتى يصل إلينا ليقدم ما عنده من علم وحكمة ونور إن شاء الله تعالى، الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي هو أستاذ ومحاضر في جامعة دمشق كلية التربية، وخطيب ومدرس في مساجد دمشق، وأيضاً هو مدير لمعهد النابلسي وينسب إلى الشيخ عبد الغني النابلسي رحمة الله عليه، وهو مشرف على مجلة نهج الإسلام التي تصدرها وزارة الأوقاف، وله أيضاً دروس وندوات تبثها الفضائيات وأيضاً المحطات التلفزيونية المحلية، وبدأ بمألفات طيبة هي بدأ بأسماء الله الحسنة، ثم نظر فقال فألف نظرات في الإسلام، ثم تأمل وبدأ بتأليف تأملات في الإسلام، وأيضاً له ومضات في الإسلام وأخيراً فسر سورة النور التي هي نور لأهل الحق والمعرفة، وأيضاً له موقع على الإنترنيت فيه ستون ألف صفحة ويزيد عن تقريباً عشرة آلاف زائر كل أسبوع.
والحمد لله رب العالمين الذي هيأ لنا هذا اللقاء الطيب، مع الدكتور محمد راتب النابلسي، نحن في محاضرة عنوانها إضاءة قرآنية على الأحداث الأخيرة فليتفضل مشكورا.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد.
فبادئة ذي بدء أشكر للأخوة القائمين على وقف دار السلام دعوتهم الكريمة وأسأل الله جل جلاله أن يوفقني لنقل ما في نفسي إليكم وأن يوفقني لأن أكون عند حسن ظنكم إنه على ما يشاء قدير.
أيها الأخوة الكرام:
أول حقيقة ينبغي أن تكون بين أيديكم هي قوله تعالى:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً(12)﴾
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾
هذا الذي أصاب المسلمين قبل شهر أو أكثر على شكل أو بآخر أصاب أصحاب رسول الله، وكأن هذا الحدث كان فرزاً لهم، وقد تأتي بعض المصائب لتفرز المسلمين إلى مؤمن مصدق، وإلى مرتاب، لكن أيها الأخوة الله عز وجل يقول:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾
فالقول الثابت هو القرآن الكريم، فحينما نقرأه، وحينما نتدبره يثبت الله به قلوبنا القرآن الكريم يعطينا تفسير ما حدث.
أيها الأخوة:
الذي حدث لا أعتقد أنه في الأرض كلها واحداً لم يعلم به أو لم يشاهد تفاصيله على الشاشة، لكن البطولة لا أن تعلم ماذا حدث ولكن البطولة أن تحلل ماذا حدث، وهناك عدد لا يستهان به من التحليلات، والأكثر بطولة أن تعتمد التحليل القرآني، هناك من يعلم الحدث وهناك من يحلل الحدث، وهناك من يعتمد التحليل القرآني، لأنه من عند الله عز وجل، من عند الفعال، من عند من بيده الأمر كله، والقرآن الكريم لا يأتيه الباطل لا من بين يده ولا من خلفه.
أول حقيقة أيها الأخوة:
أنه لا يقبل، ولا يعقل، ولا يليق بألوهية الإله أنه يقع في ملكه ما لا يريد، أو مسلمة من مسلمات العقيدة أنه الذي وقع أراده الله خيراً كان أو شراً، سواء أكان الموقع مجرماً أم صالحاً، ما دام الشيء قد وقع فقد سمح الله به، معنى أراده دققوا ؛ سمح الله به إن كان الذي وقع شراً سمح به ولم يأمر به ولم يرضاه، وإن كان الذي وقع خيراً سمح به وأمر به وأراده، أول حقيقة معنى أن الله أراد الذي حدث يعني سمح به فقط، فإن كان الذي حدث شراً سمح به ولم يأمر به ولم يرضه، وعلماء العقيدة يفرقون بين القضاء والمقضي المقضي ؛ موضوع القضاء، فإذا كان المقضي شراً ينبغي أن نقاومه، ينبغي أن نرفضه مع أن الله سمح به لعلة بالغة ولحكمة بالغة.
يعني حينما جاء رجل إلى سيدنا عمر شارب خمر، قال أقيموا عليه الحد، قال يا أمير المؤمنين إن الله قدر علي ذلك، قال أقيموا عليه الحد مرتين، مرةً لأنه شرب الخمر ومرةً لأنه افترى على الله، قال ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار، في سورة النور حينما تحدث ربنا جل جلاله عن حديث الإفك قال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
أي شر أكبر من أن تتهم السيدة الأولى بالزنا، مثل العفاف والطهر والإخلاص والإيمان السيدة عائشة اتهمت بالزنا، ويقول الله عز وجل:
﴿ إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
ما دام هذا الشيء قد وقع وسمح الله به هو خير ولكن التوحيد لا يلغي المسؤولية.
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
اجمع الآيتين:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾
أدق فكرة أن الذي وقع سواء أكان الموقع مصلحاً أم مجرماً الذي وقع سمح الله به، ولأن الله سمح به إذاً هو خير، لا بالمدى المنظور ولكن بالمدى غير المنظور.
أيها الأخوة:
سمح الله به لأن الإنسان مخير، هويتك أنك مخير، فإن منعك الله من تحقيق اختيار ألغى هويتك، وألغى التكليف والمسؤولية والأمانة، إذاً لا بد من أن يمدك بما تختار ولكن ليس على حساب أحد، الظالم صوت الله ينتقم به ثم ينتقم منه، إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني.
بشكل أوضح إنسان مخير أراد أن يسرق، هو اختار أن يسرق لكن لا يستطيع أن يسرق ممن يشاء، لا يسرق إلا من شاء الله له أن يُسرق، إذاً الله عز وجل ينسق بين اختيار العبد وبين من يقع عليه اختيار العبد، يعني والآية الواضحة:
﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)﴾
فالذي وقع أراده الله، والذي أراده الله وقع، كلاهما صحيح، إذا أراد الله شيئاً وقع كن فيكون.
﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَه﴾
والذي وقع حكماً أراده الله، الآن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة.
أخوانا الكرام:
الإنسان متى لا يكون حكيماً ؟ إذا وقع تحت ضغط لا يحتمله، يقول كلاماً ليس قانعاً به، أو يفعل شيئاً ليس قانعاً به، أو يكون غير حكيم حينما يتعرض لإغراء، هل يليق برئاسة الجمهورية في أمريكا كلينتون أن يقع مع مونيكا، وقع تحت إغراء، فلم يكن حكيماً وكل إنسان إذا تعرض لإغراء أو تعرض لضغط يفقد حكمته، أو إذا كان جاهلاً يفقد حكمته ثلاث حالات ـ الضغط ـ والإغراء ـ والجهل ـ يسببان عدم الحكمة هذه الأشياء الثلاثة هل يليق بالله أن يتصف بها ، مستحيل، إذاً حكمته مطلقة، ومعنى حكمته مطلقة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، أو أن الذي وقع لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، أريد أن أوضح ذلك بمثل بسيط ذكرته من قبل:
لو أن ابناً في مقتبل حياته الدراسية سأل أباه أن يعفيه من الدراسة، والمثل تركيبي لتوضح فكرة، فهذا الأب قال له كما شئت يا بني، ترك المدرسة ونام إلى الظهر، وأمضى الوقت في دور السينما، ولعب مع رفاق السوء إلى أن شب فصار بلا عمل، وبلا شهادة وبلا مكانة اجتماعية، عندئذٍ حقد على أبيه، فقال له يا أبتِ حينما طلبت منك أن تعفيني من الدراسة لمَ لم تضربنِ ضرباً مبرحاً، لمَ لم تركلنِ بقدمك، أنا لا أعلم، الآن دققوا في قوله تعالى:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾
لقالوا يوم القيامة:
﴿لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)﴾
لأننا نرى الدنيا فقط نتألم من بعض الأحداث، أما هذه الأحداث إذا انتهت إلى توبتنا وصلحنا مع الله تكون هذه الأحداث سبب الجنة التي وعدنا بها، ولأن الله عز وجل يقول وهذه الآية أيها الأخوة تملأ القلب طمأنينة:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4)﴾
الآن دققوا:
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) ﴾
عند الله أناس خارج المعالجة:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
هؤلاء خارج المعالجة:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
هؤلاء خارج المعالجة:
﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾
هؤلاء خارج المعالجة:
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾
إذاً الشيء الذي وقع أراده الله، والشيء الذي أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
أيها الأخوة:
الشر المطلق لا وجود له في الكون، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، في شر نسبي، كيف أن التهاب الزائدة يقتضي إجراء عملية، وأن يخدر المريض، وأن يفتح بطنه وأن يسيل الدم، ثم بعد انتهاء المخدر تبدأ الآلام، هذا شر نسبي، لكن كي نزيل هذا الالتهاب المدمر، إذاً الشر المطلق لا وجود له في الكون، الله عز وجل في سورة القلم يقول يحدثنا عن أصحاب الجنة:
﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)﴾
﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)﴾
قصة معروفة مألوفة قرأتموها في سورة القلم، ولكن أناس عندهم مزارع ولها محاصيل وفيرة جاءها صقيع في الليل فأصبحت كالصريم هذا شر، الآن ربنا عز وجل يعقب بكلمتين يمكن أن تفهم من خلالهما كل المصائب على وجه الأرض، فقدوا ثروتهم، فقدوا محاصيلهم، ندموا على ما فعلوا، قال:
﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾
يعني أي عذاب يا عبادي أسوقه لكم في الدنيا ؟ من هذا النوع، عذاب تربية عذاب إيقاظ، عذاب صحوة، عذاب من أجل التوبة، من أجل الصلح مع الله، ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، الذي أراده الله وقع والذي وقع أراده الله وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
لم يقل والشر، إتاء الملك خير ونزعه خير، الإعزاز خير والإذلال خير.
﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
مرة ثانية أيها الأخوة الشر المطلق لا وجود له في الكون، هناك في علم المنطق شيئان متناقضان وشيئان متعاكسان، قد يجتمع اللون الأبيض مع الأسود، فاللونان متعاكسان ولكن لا يجتمع نور وظلام، فهما متناقضان، أي أن وجود الأول ينقض وجود الثاني وجود الضوء ينقض الظلام، وجود الظلام ينقض وجود الضوء، الشر المطلق لا وجود له في الكون، لكن هناك شر نسبي، موظف للخير المطلق، إذاً وحكمته المطلقة مرتبطة بالخير المطلق، هذا من مسلمات العقيدة، لأن الله عز وجل:
﴿فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه.
﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾
﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾
والقنبلة أشد، إذا كانت الورقة إذا سقطت يعلمها الله.
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾
ينبغي أن نفهم الأحداث فهماً توحيدياً، الفهم التوحيدي شفاء، والفهم الشركي مرض.
أخوانا الكرام:
فرق كبير بين القهر وبين التسليط، القهر في معه يأس، القهر في معه ضعف في معه يأس، في معه ذل، بينما التسليط الكرة في ملعبنا، عندنا خلل أصابنا ما أصابنا، لو صححنا الخلل لزال عنا ما أصابنا، الكرة عندنا، لذلك الله عز وجل يقول:
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ﴾
معنى هذا تسليط، نحن كمؤمنين نرى هذا تسليطاً من الله عز وجل، الفرق كبير بين القهر الذي يودي إلى اليأس وإلى الخنوع وإلى الضعف، وبين التسليط.
بالمناسبة: المسلمون في عهد النبي هم نخبة الخلق وفيهم سيد الخلق، لمَ لم ينتصروا في أحد ؟ حللوا، الله موجود، والأمر بيد الله، لأنهم عصوا رسول الله، لو أن الله نصرهم مع المعصية لسقطت طاعة رسول الله ما لها قيمة صارت، أما في حنين لم ينتصروا لأنهم بقعوا في شرك خفي، قال لن نغلب من قلة، لو انتصروا مع شركهم الخفي لسقط التوحيد، فكيف بالمسلمين وفيهم ألف شركٍ وشرك، وألف مخالفةٍ ومخالفة، لشرك واحد لم ينتصروا وفيهم سيد الخلق وحبيب الحق.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾
في أحد:
﴿وَعَصَيْتُمْ﴾
النبي أمرهم أن يقفوا على تلة، أمروا الرماة أن يقفوا على تلة عصوه ونزلوا، إذاً إذا كانت نخبة البشر وفيهم سيد البشر لمعصية واحدة لم ينتصروا لأنهم ولو انتصروا لسقطت طاعة رسول الله، ولأن نخبة البشر وفيهم سيد البشر في حنين لم ينتصروا لأنهم اعتقدوا أنهم لم يغلبوا من قلة، فلذلك طريق النصر أن يكون إيمكانك كافياً لحملك على طاعة الله، وأن يكون إعدادك كافياً لأمر الله، الله عز وجل قال:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾
أخوانا الكرام:
هذا الدين ؛ للتقريب فقط قد يحتوي على مئة ألف أمر، مسخه المسلمون إلى خمسة أوامر، صوم وصلاة وحج وزكاة وإعلان شهادة، مسخوه إلى عبادات شعائرية الإسلام عظمته أنه عبادات تعاملية.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾
هذا أمر ما طبقه المسلمون.
﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
ما طبق هذا الأمر.
﴿لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾
ما طبق هذا النهي، لو قرأت القرآن وحاولت أن تفهم كل أمر وكل نهي لوجدت آلاف الأوامر والنواهي، هذا هو المنهج، منهج تفصيلي، كل هذا وضع خارج اهتمام المسلم وبقي على صلاته وصيامه وحجه وزكاته، واكتفى بهذه العبادات، مع أن هذه العبادات الشعائرية تشبه ساعات الامتحان الثلاثة، والعبادات التعاملية تشبه العام الدراسي بأكمله.
لأنه لما جاء النبي عليه الصلاة والسلام وسأل النجاشي سيدنا جعفر عن بعثة النبي قال له أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونؤذي الجوار، ونقطع الرحم، هذه الجاهلية، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آباءنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، تعريف سيدنا جعفر للإسلام تعريف قيمي أخلاقي.
هذا هو الإسلام، الإسلام أمانة الإسلام صدق، الإسلام عفة، الإسلام عدل، الإسلام محبة، الإسلام رحمة، الإسلام حكمة فحينما ضرب المسلمين بهذه القيم عرض الطريق، وحافظوا على العبادات الشعائرية مسخوا الدين إلى عبادات هي مناسبات لقبض ثمن الطاعات التعاملية فلما ألغيت الطاعات التعاملية لا معنى لهذه العبادات.
بربكم لو طالب ما قرأ ولا كلمة، ولا داوم، وجاء على الامتحان، ماذا يفعل بالامتحان ؟ ثلاث ساعات ما لها معنى إطلاقاً، لم يقرأ ولا كلمة، ولا داوم، في عنده أسئلة ما معه جوابها، فإذا الإنسان صلى وزكى وحج وصام ولم يكن في علاقاته اليومية متمسكاً بمنهج الله عز وجل لا يستطيع أن يقطف ثمارها، والدليل: النبي عليه الصلاة والسلام سأل:
(( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
(( لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا، أما ! إنهم إخوانكم من أهل جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
فحينما لا يطبق الإسلام ككل، بتفصيلاته التعاملية لا نستطيع أن نقطف ثمار عباداته الشعائرية، هذه حقيقة مهمة جداً.
أيها الأخوة:
هذا الذي حدث مؤلم جداً، يكاد القلب يدمع، ولكن كما قلت قبل قليل " بيده الخير " في له سلبيات رأيتموها كلكم، لكن أين إيجابياته ؟ البطولة في كشف الإيجابيات، السلبيات واضحة، يراها كل إنسان تابع الأخبار، ولكن الإيجابيات يحتاج من يفهمها إلى بصيرة.
أخوانا الكرام:
قبل سنوات عشر انهارت الكتلة الشرقية التي ترفع شعار لا إله، وانهارت على أتفه الأسباب، وانهيار داخلي، أما التي تقول ثقتنا بالله هي قوة استقطبت أنظار العالم قبل 11 من أيلول استقطبته، أبصار أهل الأرض تطلعوا إلى هذه البلاد لأنها طرحت قيماً رائعة طرحت مبدأ الحرية، مبدأ العدل، مبدأ المساواة، طرحت الديمقراطية، طرحت حقوق الإنسان، طرحت حق المقاضاة، هذه قيم رائعة، بلاد غنية كل من دخل إليها له ما لهم وعليه ما عليهم، كرامة الإنسان موفورة، حريته موفورة، استطاعت هذه الكتلة أن تستقطب أبصار أهل الأرض، وهي ليست على حق، وكأنها نافست الدين، وكأنها عقبة كأداء أمام الطريق إلى الله، والله عز وجل يقول:
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾
لمَ لم يقل الله عز وجل فمن يؤمن بالله فقد استمسك لأنه لن تؤمن بالله قبل أن تكفر بالطاغوت، الذي وقع في أحداث العراق وما قبل أحداث العراق، وفي أفغانستان، الحقيقة كشف زيف هذه القيم، فكل شيء طرح فعل عكسه، لا حقوق إنسان، ولا كرامة إنسانية ولا حرية، ولا رحمة، ولا عدل، أناس أبرياء يقصفون ويموت الميئات، بلا سبب وبلا ذنب وهم يرفعون لواء الحرية.
إذاً ما هو الإيجابي الأول في أحداث العراق ؟ أول إيجابية، والله أيها الأخوة ما كان في المجتمع إلا القلة القليلة جداً تعرف حقيقة الغرب، أما أكثر أهل الأرض مجدوهون إلى هذه البلد، تواقون إلى الذهاب إليه، طامعون أن يكون لهم فرصة أن يقيموا فيه الإيجابي الأول أن الغرب بقيمه كلها بحريته، بحقوق الإنسان، بالديمقراطية أصبح في الوحل، وكان عقبة كئود في الطريق إلى الله، والآن أطفال المسلمين يكرهون هذا البلاد عجائزهم، الذين لم يتعلموا يرون هذا البلد بلد شرير، بلد القهر، بلد الإرهاب، بلد القتل بلد التخريب، قتل الأبرياء، قتل الأطفال، أكبر عقبة أمام المسلمين قد انتهت، بقيت قوة غاشمة، كانت قوة حضارية، كانت دولة حضارية، تطرح القيم الإنسانية، الآن بقيت قوة غاشمة، الذي حدث بالعراق أيها الأخوة تدمير شامل، خمسة عشر بليون كتاب أحرقت عن أخرها، أحرق 250 ألف مخطوط، أعظم متحف في الشرق الأوسط نهب عن أخره الوزارات أحرقت جميعاً، لا قيود نفوس، ولا سجلات شهادات، ولا وثائق، ولا ملكيات تدمير كامل، هذه التي تدعي الإنسانية، وتدعي الحرية، الحقيقية سقط قيم الغرب في الوحل وهذا أكبر شيء إيجابي، يعني الآن لم يبقَ إلا الله، لم يبقَ أمام المسلمين إلا الله.
عالم أمريكي زار بريطانيا والتقى بجالية إسلامية، قال في المدى المنظور أنا أستبعد أن يستطيع الشرق المسلم أن يلحق الغرب، وهذا شيء ثابت، ولكن هؤلاء المسلمين حينما يعرفون حقيقة دينهم، وحينما يطبقونه تطبيقاً سليماً، وحينما يحسنون عرضه للعالم سيركع أهل الأرض أمام أقدامهم، لأن العالم كله بحاجة إلى هذا الدين العظيم.
نحن الآن الكتلة الشرقية انتهت والغرب سقط كقيمة بقي كقوة، صار الطريق سالك إلى الله، الطريق سالك إلى التوبة النصوح، الطريق سالك للصلح مع الله، الطريق سالك لمراجعة الحسابات لمحاسبة كل منا نفسه محاسبة دقيقة.
فيا أيها الأخوة:
أول إيجابية من إيجابيات أحداث العراق أن قيم الغرب أصبحت بالوحل، والله أيها الأخوة، صار الواحد يشتهي خيمة لكن فيها رحمة، فيها صدق، فيها حفاظ على حياة الإنسان، يشتهي بيت من اللبن متواضع، كوخ لكن ما في إرهاب، لأنك ربط هذه الحضارة بهذا القتل، بهذا السحق، بهذا التدمير، الحمد لله أن القوي يفقد الحكمة، وأن الضعيف يتحلى بالحكمة، أنت قوي إذاً أنت ضعيف، وأنت ضعيف إذاً أنت قوي، وهذه من حكمة الله الكبرى أن الأقوياء لا يرون بأعينهم، لو أنفقت هذه البلاد واحد من مئة ما أنفقته على الحرب لإصلاح مجتمعات الأرض لكان البشر في حال غير هذا الحال، فقدوا الحكمة، وأنفقوا كل ما يملكون لنهب ثروات الأرض، ولقهر الشعوب، أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وقف وبكى، قيل لمَ تبكي ؟ قال ولمَ لا أبكي وقد أصبحت دولتي في الوحل، لقد فقدنا مصداقيتنا، وأصبح العالم كله عدو لنا، وخالفنا كل مبادئنا فلما لا أبكي، هذه الحالة الكبيرة جداً هالة أمريكة وقيم أمريكة أصبحت في الوحل، ولم يبقَ في الميدان إلا الإسلام، هذه أول إيجابية.
الإيجابية الثانية أيها الأخوة:
يعني أنا أتمنى أن الإنسان الموفق يكتشف الإيجابيات في السلبيات، الإيجابية الثانية: أننا تقاربنا، راهنوا على فتن طائفية في العراق فلم يفلحوا، راهنوا على خصومات فلم يفلحوا، هذه الأحداث كادت تجمعنا وأرجو أن تجمعنا.
لمت الآلام منا شمـــلنا ونمت ما بيننا من نسـب
فإذا نصف أغاني خــلق وإذا بغداد نجوى يثــرب
بورك الخطب فكم لف على سهمه أشتات شعب مغضب
***
يعني حكمة الأحداث أنها تجمعنا، والله أنا لمست هذا لمس اليد، يعني في أي مجلس في الشام تتكلم بالدين الكل موافقون هذا لم يكن قبل سنوات، الأكثر يعترضون، لا يقبلون الدين كمنهج للحياة، يرفضونه كطرح عقائدي، الآن الجميع بلا استثناء معك بأفكارهم هذا التقارب الذي نشهده الآن ما كنا نحلم به قبل هذه الأحداث.
فأول بند سقوط قيم الغرب ـ ثاني بند هذا التقارب بين المسلمين.
وإن شاء الله سوف ترون تقارب أكثر وأكثر لأن سلامتنا في وحدتنا، لذلك في بعض الصحف بدمشق كتبت شكراً لبوش وشارون لقد وحدنا، يعني دون أن يشعر، هذا الخطر الجاسم قرب وجهات النظر، قرب القلوب، قرب الطوائف، قرب الملل والمحل هذا من إيجابيات الأحداث.
الشيء الثالث:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
بعد هذه الأحداث كشفت كل الهويات، سقطت ورقت التوت الأخيرة، لم يبقَ على الإنسان شيء، تعرى كما خلقه الله، العميل عميل، والخائن خائن، والخائف خائف والمنتفع منتفع وكشفت الأوراق جميعاً، وهذا أيضاً ضروري لمرحلة قادمة.
فإيجابيات هذه الأحداث سقوط قيم الغرب أولاً ـ وتوحدنا ثانياً ـ وكشف الهويات ثالثاً ـ.
رابعاً: الفريضة المعطلة من ألف عام والتي يعد تعطيلها سبب تخلفنا وذلنا وانهيارنا وفقرنا وقهرنا هذه الفريضة أمنا بها كطريق وحيد للانتصار، فريضة الجهاد فريضة من مئتي عام تقريباً، وتعطيلها سبب كل ما نعانيه، الآن ليس من طريق إلا هذا الطريق، حتى أن معظم البلاد العربية استنجدت بهذه الفريضة، لأنه الطريق الوحيد، الفرق بالقوى العسكرية غير معقول إطلاقاً، يعني في تقدم بغفلة من الزمان وصلته أمريكة إلى درجة لا يستطيع أحد أن يقف في وجهها، ولا العالم الغربي، هذه الفائدة الرابعة، لأن الفريضة المعطلة التي هي سبب ذلنا وتشتتنا وفقرنا وقهرنا الآن أمنا بها كطريق وحيد لا سبيل إلا هو.
خامساً: أن أحداث العراق في حقيقتها إهانة لكل دول الأرض، لذلك بدأت الدول منذ الآن بأن تستعيد مكانتها عن طريق تطوير أسلحتها، ومن أداركم بعد حين يعود التوازن الدولي إلى ما كان عليه، ويحيى الضعفاء في بحبوحة، يعني لا تعلم، الآن بدأت، أنا بيوم واحد قرأت خبرين عقد مؤتمر بروسيا اسمه مؤتمر الأمن الجماعي ليقف أمام أمريكة، عقد مؤتمر بأوربا بنفس اليوم، مؤتمرين منفصلين عن الأحلاف الأطلسي، لأنه عملية قهر للعالم كله، قهر للدول العظمة، أمريكة فقدت الحكمة، يقول أحد مقولات الفلاسفة أنه كل شيء في بذور نقيضه، الإنسان إذا قوي كثيراً يفقد الحكمة يتوهم أنه:
﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)﴾
قالوا في أمريكا نحن نهاية التاريخ، يعني تسلمنا حكم الأرض وليس بعد هذا تاريخ نحن نهاية التاريخ، والحقيقة هم بداية التاريخ وليسوا نهاية التاريخ، لأن القوي يفقد الحكمة فيرتكب حماقات تكون سبب تدميره، والفقير الضعيف يبحث عن الحكمة فتكون سبب قوته فلعل هذه الأحداث وما فيها حماقة ما بعدها من حماقة تسبب إستعادة التوازن الاستراتجي في العالم، ولعل خلاص أهل الأرض عن طريق هذه الأحداث، ربا ضارة نافعة، والآية الدقيقة:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
مرة قال لي واحد والله أحرجني أمام عدد كبير، قال لي يعني بكل هالمسلمين بالمليار وثلاثمئة مليون مسلم ما في واحد نفسه طاهر إذا كان دعا الله يستجب له، والحقيقة في أثناء الأحداث يمكن ما في مسجد في العالم الإسلامي إلا في كل صلاة في دعاء القنوت والله ما استجاب، بماذا أجيبه ؟ قلت له إذا واحد طبيب جراح متفوق، وفاتح بطن مريض والعملية بأولها، والعملية ناجحة جداً، وسوف ينعم هذا المريض بصحة طيبة، وجاءه ابنه مستغيثاً أن ينهي العملية، وأن لا يبقي أباه على طاولة العملية، الطبيب لا يرد عليه، راسم خطة لصالح المريض، فإذا كان الله عز وجل راسم خطة لصالح المسلمين، وفيها دواء مر قليلاً، فيها شيء متعب، والله عز وجل لو دعوناه هو يقدر دعائنا، لأن الله عز وجل يقول:
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾
هو يعبأ بنا إذا دعونا، نحن دعوناه، لكن تبدو الحكمة لكل شيء أجل، لكن أخشى ما يخشاه، يعني كان الإسلام بتعبير قاسي قليلاً كان ظاهرة صوتية فقط، يعني بفلاة شريط تسجيل ملء القاعة صياحاً، اسحب الكهرباء ما في شيء، كان الإسلام ظاهرة صوتية والله أيها الأخوة، طبيب جراح قلب عندي في الشام صديق وطالب علم استمع بأذنه إلى مقابلة بين مفتي البوسنة وبين مذيع، قال له أخوانا في المشرق لا يعتبوا على الله من أجلنا نحن لسنا مسلمين، بعد هذه الأحداث الأليمة أصبحنا مسلمين، وأنا والله أيها الأخوة عندي يقين أن هناك نقلة نوعية في الشعب العراقي إلى الله لم تكن من قبل عقب هذه الأحداث.
﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾
ونقلة نوعية عند من حول العراق، شيء مخيف لأنه، يعني قال هذا وزير الدفاع قال هذا الذي جرى في العراق سينزل بكل فئة تفكر أن تناوئ أمريكة أعطوك نموذج، تدمير شامل، قتل، دمار، إلغاء هوية، إلغاء ثقافة، إلغاء حضارة، هذا نموذج، فلذلك لعلنا نتعظ أيضاً ونخشى الله عز وجل.
أخوانا الكرام:
نحن في عنا نصر استحقاقي، كما انتصر المسلمون في بدر.
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
وفي عنا نصر تفضلي، كما انتصر الروم على الفرس.
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)﴾
هذا نصر تفضلي، وفي عنا نصر كوني، إذا الفريقان غير ملتزمين بمنهج الله عز وجل، يلي عنده طائرة مداها المجدي أكبر، يلي عنده صاروخ ينطلق من البحر المتوسط من اليونان يصيب قصر في بغداد وخطأه متر واحد، يلي عنده الليزر، يلي عنده الشبح يلي عنده الأباتشي، إذا كان الفريقين بمستوى إيماني واحد ساعتها في نصر كوني اسمه، في نصر استحقاقي ـ ونصر تفضلي ـ ونصر كوني ـ الكوني قضية حرب بين عقلين، أنا شاهدت مرة خبر واحد بغداد بكاملها من طائرة، حدد هدف، صار في تقريب، إلى أن ظهر بيت وإلى جانبه مسبح، الإشارة وضعت على هذا البيت ضغط على الزر، فتهدم البناء تقنية عالية جداً، نحن في غفلة من الزمان هكذا فعلوا، الطائرة البـ 52 صنعت عام 1960 وصالحة لـ 20040، ولا يستطيع مطار أن يتحملها، تنطلق من أمريكة إلى أفغانستان وتطير 35 ساعة بلا توقف وتعود، أعددنا لهم أم أعدوا لنا ؟! في تقصير بالآية:
﴿ أَعِدُّوا لَهُمْ ﴾
أعدوا لنا ولم نعد لهم، هذا أحد أسباب ما جرى.
أيها الأخوة:
في نصر، أنا أعني ما أقول، الحقيقة هو غير مفرح كثيراً لكن هذا حقيقي، في نصر مبدأي، وفي نصر تقليدي، النصر التقليدي أن أكتسح البلاد، وأرفع العلم، وأن أقهر عدوي، النصر المبدئي كأصحاب الأخدود قتلوا، لكنهم ماتوا مؤمنين، وماتوا أبطالاً وموحدين، فأنا حينما لا أتمكن من النصر التقليدي، أنا متاح لي النصر المبدئي أن تكون عقيدتي سليمة، وعملي وفق الشرع، وأن أقدم ما أستطيع في سبيل هذا الدين، فلو أن المنية جاءتني هذا نصر، الله أثني على أصحاب الأخدود وذم الذي أحرقهم، إذاً في عنا آخرة وفي عنا دنيا، النصر التقليدي ربحت الدنيا، وخسرت الآخرة، النصر المبدئي ربحت الآخرة وخسرت الدنيا، والدنيا للآخرة واحد أمامه أصفار حتى الشمس، وكل مم صفر، ما هذا الرقم ؟! ثلاث أصفار ألف، ثلاثة أخر مليون، ثلاثة ثالثة ألف مليون، من الأرض للشمس كل مم صفر، هذا الرقم اجعله صورة والمخرج لا نهاية قيمته صفر، فالدنيا صفر عند الله عز وجل لأنها محدودة، الآخرة أبدية، الآخرة لا نهائية، فإذا الإنسان ربح الآخرة ربح كل شيء، وأما إذا ربح الدنيا والآخرة يكون بطل، فنحن إذا تمسكنا بهذا الدين العظيم واصطلحنا مع الله نربح الدنيا والآخرة.
﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾
أما إذا دعونا إلى الله فلم يستجب أحد لنا نكتفي بأنفسنا، في أخ بجدة بدوي ساكن بشمال جدة، لما جدة توسعت اقتربت من أرضه، نزل وباعها عند مكتب عقاري سيء جداً اشتروها بربع قيمتها، وعمروا بناية 12 طابق، والقصة واقعية، ثلاث شركاء، أول شريك وقع من فوق نزل ميت، والثاني دهسته سيارة، انتبه الثالث ركض بحث عن البدوي ستة أشهر حتى عثر عليه وأعطاه ثلاث أمثال حصته، قال له ترى أنت لحقت حالك، فنحن الآن نلحق حالنا يا أخوان، يعني إذا ما تمكنا من النصر التقليدي نلحق حالنا بنصر مبدئي بأن نكون مستقيمين، نراجع حساباتنا، نعقد توبة نصوح، نصلح بيوتنا، نقيم الإسلام في بيتنا وفي أعمالنا.
آخر شيء أيها الأخوة:
هل تصدقون أن في القرآن كلمتان حل لكل مشكلاتنا، وهذا كلام خالق الأكوان وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، دقق الآيات قال تعالى:
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ﴾
الغربيون الكفار، يعني يعلموهم.
﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾
إله، بالمناسبة، لو طفل قال لك معي مبلغ عظيم، كم تقدر، يأخذ من أبوه باليوم مثلاً لا أعرف بالتركي كم، يعني عشر أضعاف، يعني مليون، قال لك معي مبلغ عظيم يعني عشر ملايين، إذا قال مسئول كبير بالبنتاكون رصدنا لحرب العراق مبلغ عظيم، ماذا تقدر، 200 مليار دولار، انظر إلى كلمة عظيم قالها طفل فهمتها بعشر ملايين ليرة تركي يقولها مسئول كبير بالبنتاكون تفهم منها 200 مليار دولار، فالكلمة واحدة، الله عز وجل قال:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
والله قال:
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
بلكيت معه 90 مليار دولار، تبع ميكرو سوفت.
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
وقال:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
هذا تمهيد.
الآن:
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
يا ترى قوى الأرض مجتمعة هل تستطيع أن تنقل جبل قاسيون في الشام إلى درعا أي جبل عندكم في تركيا، هل بإمكان أكبر قوة في الأرض، أو أهل الأرض مجتمعين نقل جبل بكامله ؟ الله قال:
﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
إله، طيب بآية ثانية، الآن تحملوا الصدمة:
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾
والله زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق هذه الآية:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾
يلغى كيدهم، يلغى مكرهم، يلغى تفوقهم العسكري، يلغى إعلامهم يلغى اقتصادهم، تلغى مأمراتهم.
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾
هذا أول حل.
ثاني حل:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾
الآن ما في استخلاف:
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
مال في تمكين، الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح:
﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
ما في تطمين، جاءت كلمة واحد:
﴿يَعْبُدُونَنِي﴾
إذا عبدنا نستحق أن نستخلف، وأن نمكن، وأن نطمأن، نحن أخللنا بما علينا فالله في حل من وعوده الثلاث، إذاً لا بد من عبادة الله عز وجل العبادة الشمولية، أن تعبد الله بمعنى، أن تطيعه طاعة طوعية مع محبة قلبية، على أساس معرفة يقينية لتفضي إلى سعادة أبدية، هذه العبادة.
﴿يَعْبُدُونَنِي﴾
هذا الحل الثاني.
الحل الثالث:
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
اسمع الاستنباط المنطقي، فإن لم يمكنوا في الأرض، ما معنى ذلك ؟ أن دينهم الذي هم عليه لن يرتضيه الله لهم.
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
فإن لم يمكنوا معنى ذلك أن دينهم الذي هم عليه، أي أن فهمهم للدين وتطبيقهم له لم يرتضيه الله إذاً لم يمكنهم، هذا الحل الثالث، في عنا الحل الرابع وهذا حل دقيق جداً:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
يا أخوان إذا ما فكرنا أن نغير والله ما في أمل، ما في.
﴿لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
كم مشروع للتغير بالعالم الإسلامي ؟ مئات المشروعات، مشروعات للتغير لها مرجعيات إسلامية، ومشروعات للتغيير بلا مرجعية إسلامية وكلها لم تنجح السبب: لأنهم غفلوا عن كلمة واحدة غفي القرآن الكريم.
﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
التغيير من الخارج لا يكفي، من الداخل إنابة إلى الله، إخلاص لله، طاعة لله، محبة لله، توكل على الله.
﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا﴾
لا بأنظمتهم، لا، ما بوحدتهم.
﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
هذه آية دقيقة جداً:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
الشيء الدقيق أننا إذا اصطلحنا مع الله، وآمنا بالآخرة لا بد من أن تنعكس موازيننا 180 درجة، إذا اصطلحنا مع الله، يعني الإنس