- محاضرات خارجية / ٠26ندوات مختلفة - تركيا
- /
- ٠3ندوات مختلفة - تركيا
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف وتكريم :
أيها الأخوة الكرام ؛ بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وحفظ لكم إيمانكم وأهلكم ، ومن يلوذ بكم وصحكتم ، وأرجو الله أن ترتقوا إلى أعلى درجات العطاء في الدنيا وفي الآخرة .
بادئ ذي بدء ؛ قيل : من عرف نفسه عرف ربه ، فمن أنت أيها الإنسان ؟ يجب أن تعلم علم اليقين أنك المخلوق الأول عند الله ، الأول رتبة لقوله تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
لأنك في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة ، كنت عند الله المخلوق الأول ، ولأنك المخلوق الأول سخر الله عز وجل له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، تسخير تعريف وتسخير تكريم ، هذا الكون بسمواته وأرضه بمجراته بمذنباته بأرضه بما في الأرض من جبال ، من وهاد ، من سهول ، من بحار ، من أنهار ، من نباتات ، من حيوانات ، هذا الكون وتلك الأرض مسخران لك أيها الإنسان بنص القرآن الكريم ، قال تعالى :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾
تسخير تعريف وتكريم .
بالمناسبة السموات والأرض مصطلح قرآني ، وهذا المصطلح يعني الكون ، والكون ما سوى الله ، هذا كلام خالق الأكوان ، الكون كله مسخر لك أيها الإنسان تسخير تعريف من أجل أن تعرفه ، هذا الكون بسمواته وأرضه يشف عن وجود الله ، وعن كماله ، وعن وحدانيته ، وهذه الكتل الكبرى في الإيمان ؛ وجوده ، كماله ، وحدانيته ، هذا الكون هو الثابت الأول ، يشف عن أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، والإنسان هو المخلوق الأول لأنه قبِل حمل الأمانة ، فلما قبِل حمل الأمانة سخر الله له هذه الأكوان والسموات والأراضين تسخير تعريف وتكريم .
العبادة علة وجود الإنسان في الأرض :
الآن عندنا شيء اسمه علة الوجود ، لو أن طالباً أرسله أبوه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون ، مدينة باريس عملاقة كبيرة مترامية الأطراف ، فيها جامعات ، فيها مدارس ، فيها ملاه ، فيها دور سينما ، فيها حدائق ، فيها مؤسسات ، فيها بيوت للسكن ، فيها دوائر حكومية ، هذه المدينة العملاقة وأنت أيها الطالب نقول لك : إن علة وجودك في هذه المدينة شيء واحد أن تنال الدكتوراه ، لو أردت أن أقيس هذا المثل على وجود الإنسان في الدنيا، علة وجودك في الدنيا ما هي ؟ القرآن الكريم يقول لك :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
لكن قد نفهم العبادة فهماً ضيقاً محدوداً ما أراده الله ، العبادة أنت المخلوق الأول ، ولك صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، لأنك المخلوق الأول ، وهذه التعليمات في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنت آلة معقدة جداً غالية جداً ، عظيمة النفع ، معقدة في التركيب تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولك صانع ، والصانع هو الجهة الوحيدة التي تنبئك بما يسعدك وما يسلمك في الدنيا والآخرة ، أي انطلاقاً من حبك لذاتك ، انطلاقاً من حرصك على سلامتك ، انطلاقاً من حرصك على سعادتك يجب أن تتبع تعليمات الصانع ، وأنت دون أن تشعر ، آلة غالية جداً أول شيء تترجم تعليمات المصنع ، فإذا كنت غالياً على نفسك وتعلم علم اليقين أن هذه الدنيا فرصة لا تتكرر أنت مخلوق للجنة ، قال تعالى :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
حركة الإنسان ناتجة عن حاجته إلى الطعام و الشراب و التفوق و الاستمرار :
دقق الآن في الأرض سبعة مليارت ومئتا مليون ما منهم واحد إلا ويتحرك ، ما الذي يحركه ؟ هذه الطاولة ثابتة دعها مئة عام تبقى ثابتة ، أما أنت فمتحرك ، تحركك الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد ، أيضاً تحركك الحاجة إلى الشريك حفاظاً على بقاء النوع دون أن تشعر أودع الله فيك شهوة المرأة ، أودع فيها شهوة الرجل ، فعندما يتزوج الإنسان حقق بقاء النوع دون أن يشعر ، فأنت بالطعام والشراب تحافظ على بقاء الفرد ، وبالزواج تحافظ على بقاء النوع ، وبالتفوق تحافظ على بقاء الذكر ، في الحياة أشخاص يشار إليهم بالبنان ، سيدنا صلاح الدين الأيوبي ذكره مستمر ، سيدنا خالد ، الأنبياء ، الصحابة الكرام ، العلماء ، القادة ، إلى آخره ، فأنت حينما تتفوق تحافظ على بقاء الذكر ، لذلك يأتي إلى الدنيا مليارات ممليرة يأتون ويكبرون ويتزوجون وينجبون ويموتون ولا يدري بهم أحد ، حينما تتفوق ، حينما تتعرف إلى الله ، حينما تفعل شيئاً فوق الحاجة إلى الطعام والشراب والنساء تفوقت ، فالمتفوق يعيش في الناس ، ما معنى قوله تعالى ؟
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾
في قلوب أمة ، فأنت إذا عملت عملاً صالحاً لم تعد فرداً أصبحت جماعة ، أي يوجد أخوة لك دللتهم على الله ، لك أصدقاء أحسنت إليهم ، تعلقوا بك ، لك جيران ، لك زملاء ، ما دام هناك حركة فهناك عطاء .
بالمناسبة أنا ما قرأت تقديماً لرسول الله أثّر في نفسي كهذا التقديم ، مؤلف ألّف كتاباً عن رسول الله فقدمه إهداءً فقال له : " يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ ".
الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، وهناك أشخاص يأخذون ويعطون ، نحن : " يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك ".
اتباع الإنسان منهج الله انطلاقاً من حرصه على وجوده و استمراره :
هذا المنهج وحي يوحى ، وحي بنصه في القرآن ووحي بمعناه في السنة ، قال تعالى:
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
أنت معك الكتاب والسنة ما إن تمسكت بهما فلن تضل أبداً ، كتاب الله وسنة رسوله، الآن ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنة رسوله .
بالمناسبة هذه الطاولة جماد ، ما هو الجماد ؟ الجماد شيء يشغل حيزاً ، وله ثلاثة أبعاد ، وله وزن ، وله حجم ، النبات شيء مادي يشغل حيزاً ، وله ثلاثة أبعاد ، وله وزن لكنه ينمو ، يختلف النبات عن الجماد بالنمو ، الحيوان شيء مادي ، يشغل حيزاً ، وله ثلاثة أبعاد ، وله وزن وينمو كالنبات لكنه يتحرك ، القطة تمشي لكن النبات لا يمشي ، أضفنا له الحركة ، الآن أخونا الكريم الإنسان ، شيء يشغل حيزاً ، وله ثلاثة أبعاد ، وله وزن وينمو كالنبات، ويتحرك كبقية المخلوقات ما قلت حيواناً بدلتها ، إلا أنه يفكر ، تميز الإنسان بقوة إدراكية أنت مخلوق تدرك ، تفهم ، تستوعب ، تؤمن ، لا تؤمن ، تشك ، توقن ، عندك قوة إدراكية ، الله أعطاك عقلاً بالمصطلح الشائع أو فكراً أنت أدق من ذلك ، فهذه القوة الإدراكية كيف تلبى ؟ تلبى بالبحث عن الحقيقة وما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة ، عن سرّ وجوده ، وعن غاية وجوده ، وعن حكمة وجوده ، وعن مؤدى وجوده ، وما هو الموت ، وماذا بعد الموت ، وما حقيقة الموت، وما حقيقة البرزخ ، وما حقيقة الدار الآخرة ، دقق هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، بماذا وصف هذا الإنسان ؟ قال تعالى :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
لمجرد أن تعزف عن طلب العلم ، وعن معرفة الحقيقة ، وعن معرفة الله ، وعن معرفة منهجه ، وعن معرفة كليات الحياة ، هبطت عن مستوى إنسانيتك إلى مستوى لا يليق بك، هذا المنهج من عند الله ، وحي من السماء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، هذا المنهج في الكتاب ، النبي صلى الله عليه وسلم شرح الكتاب فكانت السنة ، والعلماء شرحوا السنة فكان الفقه وما إلى ذلك ، فأنت أمام تعليمات الصانع ، أمام التعليمات التي لا بد منها ، معرفة الله عز وجل ليست شيئاً تأخذه أو لا تأخذه ، شيء لا بد من أن تأخذه وإلا هبط عن مستوى إنسانيتك ، وأنت بفرصة لا تتكرر ، وأنت ممكن بحياة محدودة تسعد بالأبد ، ما هو الأبد؟ من هنا إلى الحائط ، الألف ثلاثة أصفار ، ثلاثة أخر مليون ، ثلاثة ثالثة ألف مليون، ثلاثة رابعة مليون مليون ، ثلاثة خامسة ألف مليون مليون ، من هنا إلى الحائط ما هو هذا الرقم؟ من هنا إلى الشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ما هذا الرقم؟ صفر ، كما تعلمون جميعاً أي رقم مهما كان كبيراً إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر ، في الدنيا تعيش مئة وثلاثين ، تعيش ثمانية وعشرين ، تعيش خمسين ، تكون غنياً كبيراً ، فقيراً ، موظفاً ، تاجراً ، حاكماً ، هذه الدنيا تنتهي عند الموت ، كل شيء حصّلته بالدنيا ينتهي بثانية واحدة ، كل إنجازك متعلق بنبض قلبك ، توقف القلب كل شيء يملكه ذهب إلى غيره هكذا الدنيا، فهذا الذي ينسى الآخرة يتعلق بالدنيا كل إنجازاته ، وكل مكانته ، وكل شهاداته ، وكل هيمنته متعلق بنبض قلبه ، أما إذا عرفت الله دخلت في الاستمرار .
طلب العلم متعلق بوجود الإنسان :
بالمناسبة في الأرض كما قلت قبل قليل : سبعة مليارات ومئتا مليون إنسان ، هؤلاء جميعاً حريصون على وجودهم ، وعلى استمرار وجودهم ، وعلى كمال وجودهم ، هؤلاء لهم أعمار لكن حينما يعرف أحدهم ربه ما عاد بزمن محدود دخل بالاستمرار ، فأنت مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض ، قال تعالى :
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
لا يوجد فناء ، أنت تذوق الموت ولا تموت ، قال تعالى :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
فذكاؤك وعقلك وفهمك وتوفيقك مرتبط بمعرفة هويتك ، وعلة وجودك في الدنيا ، طلب العلم ليس كالوردة تضعها على صدرك أو لا تضعها ، طلب العلم متعلق بوجودك ، العلم هواء تستنشقه وإلا فأنت ميت ، قال تعالى :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
أنا أحاول أن أضع يدي على أحقية التدين ؛ ليس قضية أفعلها أو لا أفعلها ، ليس فلان ديناً وفلان معه دكتوراه بالرياضيات ، لا ، أعلى الشهادات عبارة عن حرفة راقية ، أما الهدى فشيء آخر ، فأنت لا بد لك من تغذية دورية ، هذا الهاتف الخلوي كأنه يشبه المؤمن إذا ما شحنته تنطفئ الشاشة ويسكت ، تحتاج إلى شحن يومي الصلاة ، وأسبوعي خطبة الجمعة ، وشهري دورات تثقيفية ، دورات قرآنية وهكذا ، إلى أن تصل إلى الحد الأدنى ، ما الحد الأدنى؟ العلماء قالوا : يا ترى كل واحد من الحاضرين يجب أن يفهم الفقه كله على أربعة مذاهب ؟ قال العلماء : ما ينبغي أن يعلم بالضرورة . أنا سوف أعطي مثلاً توضيحياً ، إنسان نزل بمظلة يا ترى شكلها دائري ، بيضوي ، مربع أم مستطيل ؟ لا يعرف ، يا ترى كم حبل ؟ ألوان الحبال ؟ من أي خيط صنعت الحبال ؟ لا يعرف ، يجهل شكل المظلة ، يجهل عدد الحبال ، نوع خيوط حبالها ، يجهل يجهل يجهل إلا معلومة واحدة إذا جهلها نزل ميتاً ، طريقة فتح المظلة ، فطريقة فتح المظلة هذا يشبه ما ينبغي أن يعلم بالدين بالضرورة .
فأنت بحاجة إلى أركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، والأحكام الفقهية المتعلقة باختصاصك أو حرفتك ، الباقي للدعوة ، الباقي أفضل لكن هذا الحد الأدنى الذي ممكن من دونه أن تزل القدم بمعصية ، أو بكسب مال حرام ، فموضوع طلب العلم ليس شيئاً تفعله أو لا تفعله ، لا بد من فعله لأنك متحرك ولست ثابتاً ، هناك حركة هذه الحركة إما أنك تتحرك وفق منهج الله ، هذه الشهوة مئة وثمانون درجة مسموح لك بهذه الشهوة بمئة درجة ، من النساء امرأة زوجتك ، وعندك الوالدة والعمة والخالة ، والبنت وابنة البنت وبنت الأخ وبنت الأخت ، والمحارم وما سوى ذلك نساء أجنبيات عنك ، ليس لك حق أن تنظر من دون سبب ، ليس لك حق أن تقيم علاقة ود معهم ، هذا الشيء محرم ، أنت عندك محارم عندما أنت تكون حريصاً على الاتصال بالله عز وجل ، تطبق منهجه ، وفي لحظة تطبق بها منهجه تشعر أنه يحبك ، فإذا أحببته أقبلت عليه ، وإذا أقبلت عليه سعدت في الدنيا والآخرة .
(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
فـلـــــــــو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عـنا لغيرنــــــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنــــــا خلعت عنك ثياب العجـب وجئتنــــــا
ولو ذقت من طعم المحبـــــــــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبـنــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــــــة لــمت غريباً واشتياقـــــــاً لقربنـــــــــــــا
ولو لاح مـن أنوارنـــــــــــا لك لائح تــركت جميـــــــع الكائنات لأجلنــــــــا
فما حبنا سهل و كل من ادعـى سهولته قلنا له : قــــد جهلتنـــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
***
ارتباط عطاء الجنة بانضباط الإنسان بفترة محدودة :
أنت عندك حواس ، أكلت أكلة لذيذة ، فاكهة راقية جداً ، منظر جميل ، منظر جميل، بحر أزرق ، جبل أخضر ، حدائق غناء ، الله عز وجل جعل في الأرض جمالاً لأنه جميل ، إذا ما خلق أماكن جميلة كيف تفهم عنه آيات الجنة ؟ قال تعالى :
﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾
كلمات الجمال في القرآن الكريم لولا أنها موجودة لما فهمت معنى الجنة ، فأنت مخلوق للجنة ، ومخلوق للأبد ، كل هذه الجنة العطاء الذي لا ينتهي سببه انضباط بفترة محدودة ، قال تعالى :
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾
بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل :
أخواننا الكرام ؛ كل بطولتنا لا أن نعيش الماضي ، وأن نعيش الحاضر ، لو سألت أي إنسان : أين درست ؟ يقول لك : بالشام ، أو في بريطانيا ، اختصاصك طبيب ، تتكلم عن واقعك وعن ماضيك لكن لا يوجد إنسان بالألف يتكلم عن مستقبله ، لأن في المستقبل حدثاً خطيراً جداً حدث مغادرة الدنيا ، من بيت ، زوجة ، أولاد ، شابات في البيت ، شباب ، مكانة اجتماعية ، وظيفة راقية ، سيارتين ، القبر أمامنا كل يوم ، قريبة بعمان توفيت رحمها الله كانت صالحة فيما أعلم لكن شيعتها في القبر ، قبر عميق جداً يختلف عن الشام عندنا ، عميق جداً وضعوها في أرض القبر ، وهناك حائط من البلوك ارتفاعه بقدر بثلاثين سنتمتراً ، وخمس بلاطات وضعوا فوق الحائطين ، بقي متر ونصف أهالوا التراب ، نظرت ، بيت ، سيارتين ، دخل فلكي ، ولائم ، سهرات ، بيت جميل جداً ، هذه النهاية ، هل يستطيع واحد من الحاضرين يقول : أنا لا أموت ، ذكاؤك ، بطولتك ، عقلك ، حكمتك ، محبتك لذاتك منوطة بمعرفة هذه النهاية الحتمية ، تقول : مازلت صغيراً ، لحكمة بالغة الله جعل الموت قد يكون في الشباب ، جعله من دون سبب ، فجأة سكتة دماغية ، وجعله ثلاثين سنة طريح الفراش ، فلا أحد يعرف ماذا أمامه ، لكن في الأعم الأغلب من تعلم القرآن في شبابه متعه الله بعقله حتى يموت ، لأن هناك سبباً علمياً العضو الذي لا يعمل يضمر ، أنت تصلي أول ركعة فيها فاتحة وآية وركوع وسجود وقعود بين السجدتين ثم وقوف ثم الفاتحة وسورة ، ثم قعود أول ، ثم وقوف ، فاتحة فقط، مادمت تصلي هناك نشاط فكري مستمر ، والعضو الذي يعمل لا يضمر ، قلّما تجد إنساناً يخرف وهو يصلي .
والله أعرف قصة عالم في الشام لا أعرفه شخصياً الشيخ عيد السفرجلاني ، كان عمره سبعاً وتسعين سنة ، كان منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، حينما يُسأل : يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ يقول : يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
لي صديق أحببت أن أزوره في العيد ، بيته في المزة ، طرقت الباب فتح رجل كبير في السن قال : والله يا بني إن محمداً ليس هنا ، أنا والده هل تستطيع أن تدخل خمس دقائق ؟ قلت له : نعم ، دخلت ، قال لي : أنا عمري ست وتسعون سنة ، عملنا البارحة تحليلات كاملة كله طبيعي ، قال لي : والله الحرام لا أعرفه ، لا حرام المال ولا حرام النساء ، ربط لي الصحة بهذا الوضع .
الإسلام تنظيم لا حرمان :
أنت شاب في أول حياتك ، و الله في الإسلام لا يوجد حرمان ، لكن كل شيء له وقته ، لا تتعجل ، تتزوج إن شاء الله زوجة صالحة ، تسرك إن نظرت إليها ، مرة كنت قادماً من اسطنبول إلى المطار ، أخ كريم صديقه عنده سيارة ركبت معه ، قلت له : اسأل صديقك هل هو متزوج ؟ سأله ، قال له : لست متزوجاً ، قلت له : قل له : الشيخ يدعو لك بزوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها ، فبلغه بالتركي ، قال له : أتمنى أن أوصله إلى الشام وليس إلى المطار .
الدنيا خير ما فيها زوجة صالحة ، فأنا أقول للشباب : عندما تغض بصرك الآن عن امرأة لا تحل لك هذه يقابلها زواج ناجح ، زواج مسعد ، كل شيء بحسابه :
(( إن اللّه لا يحب الذواقين ولا الذواقات ))
قبل الزواج يقول لك : عندي خبرة ، خير إن شاء الله ، عنده معصية ، لا ، يجب بهذا الموضع ألا يكون عندك خبرة إطلاقاً ، أول خبرتك زوجتك ، أنت عندما تغض بصرك ، تضبط لسانك ، تضبط عينك ، طبعاً يوجد فضائيات و أفلام إباحية ، وأنت في البيت لوحدك ولا يشاهدك أحد إطلاقاً ، أنا أقول كلمة : الله عز وجل قال :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
أي إذا طبيب مسموح له شرعاً أن ينظر إلى موضع في المرأة تشكو منه ، هل هذا الكلام صحيح ؟ نعم ، لكن لو أن الشكوى في موضع ، ونظر إلى موضع آخر لا تشكو منه، من يكشف هذا في الأرض كلها ؟ الله فقط ، قال تعالى :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
تجلس في البيت لوحدك ، يوجد نافذة خرجت امرأة بالبناء المقابل ترتدي ثياباً خفيفة جداً تبرز كل مفاتنها على الشرفة ، فأنت ممكن أن تغلق النافذة وتغض بصرك ، من يدري بك في الأرض لو ملأت عينك من محاسنها ؟ فقط الله عز وجل ، إذا كنت تخاف الله في خلوتك فإيمانك قوي جداً ، اشكر الله إذ أعانك على طاعته ، شاب في أول حياته أمامك عمر مديد إن شاء الله يكون زواجك سعيد جداً ، عندك أولاد نجباء ، لك مكانة اجتماعية كبيرة ، حصّلت شهادات عليا ، لك شأن خاص ، استخدمك الله واستعملك للخير ، ممكن أن تكون شخصاً كبيراً جداً عند الله ، ممكن أن تكون إنساناً تافهاً لا وزن له عند الله ، قال تعالى :
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
﴿ صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ ﴾
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ أنا أمام شباب ، وأنا والله أحبّ تعليم الشباب ، أنا طوال عمري أعطي بالجامعة كل طلابي شباب ، أرى الشاب طاقة كبيرة جداً ، لكن هو أمام تطرفين، تطرف تفلتي وتطرف تشددي ، التفلتي إباحية ، التشددي التكفير و التفجير ، الشاب المؤمن لا يوجد عنده تطرف ، عنده منهج يمشي عليه ، هذا المنهج يرقى به عند الله .
قضية العقيدة أخطر شيء في الإسلام :
أخواننا الكرام ؛ أول شيء في هذا الدين العظيم قضية العقيدة ، الإيديولوجيا ، التصور ، المنطلقات النظرية ، هذا أخطر شيء في الإسلام ، إن صحت العقيدة صح العمل، و إن فسدت العقيدة فسد العمل ، هذا المنطلق النظري ، التصور ، إذا إنسان سمع الدرس خطأ لا تدقق ، الله غفور رحيم ، قال تعالى :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
لا تنسى من بعدها ، فهناك كلام ليس له معنى إطلاقاً يقوله العوام ، فأنت لا بد من طلب العلم ، أنا لا أقول لك ما هي الطريقة ، ممكن أن تطلبه بأي طريقة ، بكتاب تقرؤه ، بدرس تحضره ، بندوة تتابعها مثلاً ، بفتوى تدقق فيها ممكن أن تطلب العلم ، لكن طلب العلم فريضة على كل مسلم ، ما معنى فريضة ؟ أقول لكم : شرب الماء فريضة ، من دون ماء يموت الإنسان ، تنفس الهواء فريضة ، أكل الطعام أي طعام فريضة من دون طعام يموت ، لكن إذا وجد الأفوكادو ولم تأكله لا شيء عليك ، هناك فواكه كثيرة إذا لم تأكلها لا شيء عليك، العلم لك فريضة ، من أنت ؟ أنت المخلوق الأول ، لأن الإنسان عندما يكتشف الحقيقة بعد فوات الأوان هذا الذي يقول :
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
بطولة الإنسان أن يصل إلى الحقيقة قبل فوات الأوان :
ما هو العقل ؟ قال : أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، أنا أضرب مثلاً بسيطاً ، من الشام دمشق حمص ، تاجر كبير له مبلغ ضخم بحمص يقدر بمليوني ليرة ، والمدين وعده يوم السبت الساعة الثانية عشرة ليعطيه المبلغ ، ركب سيارته المرسيدس التي وزنها ثلاثة أطنان وذهب إلى حمص ليأخذ المليونين ، هذا ماله وهو موعود ، وجد لوحة مكتوب عليها : الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في النبك ، ماذا يفعل ؟ يرجع بسيارته ، خمس كلمات فقط ولكنهم يكفوه ، ما الذي أرجعه ؟ نص ، الدين نص ، ما هو الدين ؟ قرآن وسنة ، نص ، أنا أعطي مثلاً صارخاً رجعت بعد دوما إلى الشام ولك مليونا ليرة ومعك سيارة ثلاثة طن مرسيدس لأن الطريق مغلق ، فأنت عندما يهزك النص ، يؤثر بك النص ، أنت مؤمن .
مثل أوضح من ذلك ؛ إنسان يدخن - وأنا أعرف أشخاصاً كثيرين والله - أصيب بالسرطان ، قال لي أحدهم : والله سوف أعاقب الدخان عقاباً لم يعاقبه أحد إياه ، لكن انتهى الأمر جاء السرطان ، جاء وانتهى ، فالبطولة أن تعرف الحقيقة قبل فوات الأوان ، فرعون ألم يؤمن بعد فوات الأوان ؟ فرعون أكفر كفار الأرض ، أما حينما أدركه الغرق :
﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
متى عرف الحقيقة ؟ بعد فوات الأوان ، لذلك قال تعالى :
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾
بطولتك وتوفيقك أن تعرف الحقيقة في الوقت المناسب لا بعد فوات الأوان ، إذا طالب دخل إلى الامتحان والسؤال ما قرأه قدم الورقة بيضاء ، رجع إلى البيت فتح الكتاب فهم الموضوع تماماً ، فرجع قال : ممكن أن أكتب ؟ تكتب ماذا ؟ يجب أن تعرف الحقيقة بأوانها لا بعد فوات الآوان .
سعادة الإنسان لا تكون إلا بمعرفة الله عز وجل :
كلمة دقيقة ؛ أهل الأرض قاطبة السبعة مليارات والمئتا مليون جميعاً ، واحداً واحداً، سوف يؤمنون بالحقائق التي جاء بها الأنبياء ولكن بعد فوات الأوان ، فبطولتك أن تعرفها قبل فوات الأوان ، كلما الإنسان عرف الله مبكراً سيشكل بيته تشكيلاً إسلامياً ، سيختار زوجة صالحة ، تسره إن نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها ، وتطيعه إن أمرها ، سيختار حرفة راقية ليس حرفة يانصيب مثلاً ، ليس عنده ملهى ، ستختار زوجتك وحرفتك هما ألصق شيء بك ، إذا إنسان عرف الله بوقت متأخر قد يختار حرفة لا ترضي الله عز وجل ، قد يوافق على زوجة لا ترضي الله ، فأنت كلما عرفت الله بوقت مبكر سوف تكون موفقاً في اختيار حرفتك وزوجتك، وأنت أول حياتك الدنيا كلها بين يديك ، واعلم علم اليقين أنه مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر ، و مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ، هذه حقيقة في الدين ، فأنت حينما تعرف هذه الكليات و الحقائق الثابتة تحسن الاختيار ، لك أصدقاء دينهم معدوم ، يسهرون سهرة مختلطة مع عدد من البنات مثلاً ، يجوز أن يكون هناك ضحك ، وفرفشة و غير ذلك ، فأنت انحجبت عن الله عز وجل ، الذي ذاق طعم الصلة بالله لا يضيعها بسهولة ، لا ممكن أن يضيعها ، أنت حينما تمشي بشكل صحيح تشعر أنك على صلة مع الله مستمرة ، ممكن ألا تبكي ، كيف المحرك في السيارة يدور على الخفيف والسيارة متوقفة لكن المحرك يدور ، وكل مؤمن له صلة بالله مستمرة قد لا يشعر بها ما دام لم يرتكب معصية ، لم يرتكب مخالفة ، لم يخرق الحدود ، لم يأكل المال الحرام ، لم يمارس الشهوة بالحرام ، الخط إلى الله ساخن ، ومفتوح ، ولا يوجد شيء أغلى من أن يكون الخط مع الله ساخناً ، بأي لحظة تدعوه تبكي في دعائك ، تستجيب لأمره ، تطبق عبادته ، تصلي صلاة مقبولة ، أنت كل سعادتك بالله، بصراحة ما أسباب المعاصي ؟ الجمال ، أحبّ فتاة ، شاهد فيلا فخمة لكن بالتقسيط الربوي ، والله أريد أن آخذها ، فأكثر المعاصي سببها الجمال ، الله عز وجل أشار في القرآن الكريم أن أصل الجمال عند الله عز وجل ، إذا منح الخلائق مسحة من الجمال فأنت فتنت بهذا الوجه ، منح الغابات الخضراء ، منح البحار ، منح السماء الزرقاء ، منح الجمال بمسحة من جماله فكيف إذا اتصلت به ؟ كيف لو أقبلت عليه ؟
أقول لكم كلمة دقيقة : والله الذي لا إله إلا هو إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ما وصلت إلى الله ، إله مصدر الجمال ، مصدر الكمال ، مصدر النوال ، أنت ماذا تريد ؟ ثلاثة أشياء ؛ الجمال والكمال والنوال ، الكمال موقف أخلاقي ، والنوال عطاء ، عندك دخل جيد ، صحتك جيدة ، زوجة صالحة ، أولاد أبرار ، أنت تريد جمالاً وكمالاً ونوالاً ، هذه كلها عند الله عز وجل ، وهو ينتظرك ، ينتظر أن يعطيك ، أن يغفر لك ، أن يقربك ، أن يتوب عليك ، قال تعالى :
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
ضرورة فهم الدين والاستقامة على أمر الله :
موضوع الدين يا أخوان موضوع خطير ، مرة كنت بمعمل سيارات بأمريكا قلت لأحدهم : أنا أعرف أشياء خمسة بالسيارة أساسيات ، كان نوع السيارة في ذلك الوقت كاديلك ، قال لي : هي ثلاثمئة ألف قطعة ، جلست في المعمل سبع ساعات ، منذ أن كانت أرضية وجانبين وسقفاً ، حتى شغلت آخر سيارة بيدي ، لكن ليس نفس السيارة لأن الطريق طويل يقدر بثلاثين ميلاً .
أنا اعتقدت أنها غلاف ، مقاعد ، محرك ، عجلات ، أنا أخذت كليات السيارة ، هناك غلاف معدني ، و مقاعد مريحة ، و محرك ، و عجلات ، و سائق ، و وقود ، أنا إذا أردت الدين والله يوجد مليون كتاب مؤلف في الدين ، أو مليونان ، أو ثلاثة ملايين ، أنا أريد كليات الدين احفظوهم ، أول شيء : العقيدة إن صحت عقيدتك صح عملك ، إذا فهمت الشفاعة فهماً سيئاً أن افعل المعاصي والنبي صلى الله عليه وسلم يسجد يقول الله له : ارفع ، يقول : لا حتى أشفع ، يقول له : اشفع تشفع ، خذهم وادخلوا الجنة ، هذا الحديث يصيبك بالشلل ما من داع لتستقيم ، أحياناً هناك فهم خاطئ للحديث ، يلغي استقامتك كلها ، لذلك إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، دينك ، دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا .
فنحن نريد أن نفهم الدين فهماً عميقاً ، وفهماً دقيقاً ، وفهماً موضوعياً ، إذاً تحتاج إلى مصدر صحيح ، مرجع صحيح للدين ، هذا الدين أنت ، هذا الدين استقامتك ، الدين سعادتك ، الدين توفيقك في الدنيا ، الدين شيخوختك ، والله أعرف علماء بالسابعة والتسعين ؛ حاد البصر ، سمعه مرهف ، حياته رائعة ، يقول : يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر .
طبعاً الشباب كله مثل بعضه ، يصعد الدرج درجتين درجتين ، وينزل بشكل سريع ، تعال شاهده بالخامسة والتسعين درجة درجة ، وكلنا سوف نكبر في السن ، أين بطولتك ؟ أن تتقي الله في الشباب حتى يحفظك الله بالشيخوخة من مرض عضال ، أحياناً يخرف ، يعيد القصة مئة مرة ، يحجزونه عن الضيوف لأنه يقول لهم : لا يطعمونني ، لكن من تعلم القرآن متعة الله بعقله حتى يموت ، لا تخرف ، تبقى لك شخصية قوية لآخر حياتك .
تعيش المستقبل أذكى بكثير من أن تعيش الماضي ، الآن أنت شاب لكن هناك وقتاً بالأربعين يختلف الوضع ، قال لي أحدهم : سبحان الله ! قلت : خير إن شاء الله ، قال لي : أنا منذ خمسين سنة أنشط من الآن ، طبعاً أنشط ، هذا النشاط والحيوية لا يستمران ، كل سنة تجده أقل نشاطاً من التي قبلها .
بطولة الإنسان أن يستعد للموت قبل فوات الأوان :
سأروي لكم قصة رمزية وليست واقعية ، إنسان من شدة فقره أراد أن ينتحر ، جاءه ملك الموت قال له : لا تنتحر ، أنا أعلمك حرفة تربح ملايين ، قال : ما هي ؟ قال : اعمل طبيباً ، تذهب إلى المريض إن شاهدتني عند رأسه إياك أن تعالجه هذا سوف يموت ، انسحب بانتظام ، وإن شاهدتني عند قدمه لا تخف عالجه و سوف يشفى ، تقول له : خذ حبتين قبل الطعام بساعة على الريق ، ماذا تريد قل له ، سوف يشفى ، هذا عمل طبيباً ، يدخل على المريض يجد ملك الموت عند قدميه يصف له أدوية يشفى ، عند رأسه ليس اختصاصي ينسحب ، عند رأسه سيموت لا يعالجه ، و إذ ابنة الملك تمرض ، يبدو أنها مصابة بمرض عضال ، قال الملك : من يشفي ابنتي سأزوجه إياها ، صار ملكاً ، كان مواطناً عادياً ، صار ملكاً ذهب ليعالجها وجد ملك الموت عند قدميها ، معنى هذا أن الشفاء حقيقي ، وصف لها أدوية وشفيت ، يوم تتويجه كولي للعهد جاء ملك الموت قال له : تفضل معي ، قال له : الآن؟ قال له : الآن ، قال له : من الأول كان أسهل .
الناس كلها هكذا ، تكبر تجارته ، يغير بيته ، يوسع بيته ، يشتري طابقاً له إطلالة جميلة ، يعمل تدفئة مركزية ، تدفئة تحت الأرض هذه أرقى بكثير ، يغير أثاث البيت ، بعد أن اكتمل البيت كله ، يأتي ملك الموت يقول له : تفضل ، البطولة أن تستعد لهذا الملك ، عندما تغفل وجوده و مجيئه تكون أحمق ، أريد أن أمشي ، كلما فكرت بالموت قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أكثروا من ذكر هادم اللذات - مفرق الأحباب - مشتت الجماعات ))
(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
إذاً العقيدة كلية ، والاستقامة كلية ، والعمل الصالح كلية ، والصلاة كلية ، هذه كليات الدين ، العمل الصالح ، الاستقامة ، والصلاة ، والعقيدة ، إن صحت صح هذا الدين .