- محاضرات خارجية / ٠26ندوات مختلفة - تركيا
- /
- ٠3ندوات مختلفة - تركيا
مقدمة :
يقول من يقول بعد يأس: لم يبق فينا كرجال أمس، انظر يميناً أو يساراً ليس في ساحاتنا إلا صغير نفس، قلت: ألم تسمع بمن يسقنا رحيق إيمان بخير كأس؟ مزاجها القرآن والحديث الذي ورثنا عن خير غرس، فقال: من؟ فقلت مزهواً به: محمد راتب النابلسي.
يحدثنا في أول محاضرات المؤتمر سماحة العالم الجليل الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، ومحاضرة بعنوان: اقرأ باسم ربك.
إيجابيات الشرق كثيرة لا يعلمها إلا الله :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أخوتنا الكرام؛ في علم القصة والرواية هناك رواية طويلة جداً، وهناك قصة، وهناك أقصوصة، وهناك حكاية، الحكاية تشبه رسماً كاريكاتيرياً يمكن أن تفهم منها مئتي كلمة في ثانية واحدة، حكاية وقعت في الشام، والثانية في بريطانيا، والثالثة في أمريكا.
حكاية الشام عن إنسان فقير جداً لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، يسكن في غرفة واحدة، وله أولاد كثر، ودخله أقل من حاجاته، فجأة ورث أرضاً قيمتها بالملايين، وهي أرض مناسبة جداً لبناء مسجد، وهناك محسن كبير في الشام أراد بناء مسجد في جنوب دمشق، والأرض مناسبة جداً، فجاؤوا لصاحب الأرض - هذا المستخدم الذي عنده ثمانية أولاد ودخله لا يكفيه نصف شهر - يساومونه على ثمن هذه الأرض، طلب خمسة ملايين، قبل بأربعة ملايين، فتح المهندس دفتر الشيكات، وكتب له: مليونان، قال له: والبقية متى؟ قال له: عند التنازل، قال: ما التنازل؟ قال: هذه الأرض سوف تصبح مسجداً، تأتي معنا إلى وزارة الأوقاف وتكتب تنازلاً عن ملكية هذه الأرض أعطيك بقية المبلغ، قال: لله مسجد، قال: نعم، قال: والله أنا أستحي من الله أن أبيع أرضاً تصبح مسجداً أنا أولى أن أقدمها لله منك، وإذا دخلتم إلى الشام جنوباً أطول مئذنة على اليسار هذا المسجد، الذي تبرع بهذه الأرض لا يملك من حطام الأرض شيئاً، يقول هذا الغني الكبير الذي أراد بناء المسجد: ما صغرت في حياتي كما صغرت أمام هذا الفقير الذي لا يملك من الدنيا شروى نقير، وتبرع بهذه الأرض لكي تكون مسجداً.
الحكاية الثانية وقعت في لندن، إمام مسجد مقيم في مانشستر، وعمله في لندن، يركب مركبة عامة كل يوم، مرة صعد إلى مركبة أعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، ردّ له السائق التتمة، عدها فإذا هي تزيد عشرين بنساً عما يستحق، دخل مع نفسه في صراع أيرد الزيادة أم يصمت عليها؟ إنها شركة عملاقة معها مئات الملايين وأنا أولى الناس بهذا المبلغ، ثم غلبه إيمانه وتقدم إلى السائق وقدم له: العشرين بنساً الزيادة، فإذا بالسائق يبتسم، لم تبتسم؟ قال: والله قبل يومين حدثت نفسي أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، وقع هذا الإمام مغشياً عليه فلما صحا، قال: يا رب كنت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً، هذه الحالة الثانية.
شاب في أمريكا أعجبته فتاة من بنات الحي أراد أن يتزوجها فاستأذن والده ليتزوجها، أبوه متشدد جداً من الشرق الأوسط، قال: لو تزوجتها لست ابني ولن تنل مني شيئاً عند الوفاة، فاعتذر من هذه الفتاة فلما ألحت عليه، قال لها: إن أسلمت أتزوجك، اشترى لها عدة كتب إسلامية، قالت له: أعطني مهلة أربعة أشهر حتى أفهم الإسلام، فإن اقتنعت به أسلمت، مضت عليه هذه الأشهر أربع سنوات وانتهت الأربعة أشهر فاتصل بها، قالت له: أسلمت، اختل توازنه من الفرح ولكنها قالت له: لكنني لن أتزوجك لأنني بحسب ما قرأت لست مسلماً.
شاب آخر بأمريكا أحبّ فتاة استأذن أباه المقيم هناك قال له: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، فلما أحب الثانية، الثانية أخته أيضاً، والثالثة أخته، فاشتكى إلى أمه قالت له: افعل ما شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري.
يوجد إيجابيات في بلادنا لا يعلمها إلا الله، لكن ألفنا جلد الذات، ألفنا أن نجلد ذواتنا.
فلذلك أذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الهجرة، ومهدور دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة، مئة ناقة، الناقة تساوي مركبة فاخرة جداً الآن، غالية جداً، فقال له النبي الكريم: كيف بك يا سراقة إذا لبست سوار كسرى؟
دققوا، أي النبي الكريم موقن أنه سيصل إلى المدينة، وسيؤسس دولة، وسينشئ جيشاً، وسيحارب أكبر دولة في العالم، وسينتصر عليها، وسوف تأتي الغنائم ولك يا سراقة سوار كسرى، هذه ثقة المؤمن بربه، فمهما بدا أن الأمر أصبح صعباً حينما تشتد الآلام يقول ضعاف الإيمان: أين الله؟ فإذا جاء نصر الله يقول الكافر: لا إله إلا الله.
المسلمون ليسوا مستخلفين و ممكنين الآن :
نحن في محنة، قال الله تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ ﴾
نحن في الحقيقة المرة الآن نحن لسنا مستخلفين:
﴿ كَمَا استَخلَفَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم ﴾
وديننا الإسلامي غير ممكن، بل يواجه حرباً عالمية ثالثة، كان تحت الطاولة واليوم فوق الطاولة، قال تعالى:
﴿ هُنالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنونَ وَزُلزِلوا زِلزالًا شَديدًا ﴾
فلذلك:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ ﴾
وأقول لكم هذه الكلمة: زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
ذهب النبي إلى الطائف مشياً على أقدامه، مشى ثمانين كيلو متراً، أهل الطائف كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم أن يضربوه، وضربوه وسال الدم من قدمه الشريف، جاء ملك الجبال قال: يا محمد أمرني الله أن أكون طوع إرادتك لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، قال:
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
هذه النبوة، النبي الكريم كان في سفر مع أصحابه، ووزع بحسب توجيهاته كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، سّوى نفسه مع أقل جندي، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، فركب نوبته فلما انتهت نوبته توسل صاحباه أن يبقى راكباً قال:
((ما أنتما أقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر))
أرادوا أن يعالجوا شاة قال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: وعليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، قال عليه الصلاة والسلام: عليّ جمع الحطب، فقالوا: يا رسول الله نكفيك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، والله الذي لا إله إلا هو لو فهم الصحابة الكرام الإسلام – واعذروني- كما نفهمه نحن والله ما خرج من مكة، أما أن يصل إلى مشارف باريس، وإلى مشارف الصين، بفضل أناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه، والباب مفتوح، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
((أمتي كالمطر لا يُدرى أوله خير أم آخره))
طلب العلم فريضة على كل مسلم :
أخواننا الكرام؛ هناك نقطة دقيقة: درسنا جميعاً في المدارس الرسمية أن الكون جماد نبات إنسان وحيوان، الجماد شيء مادي يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، وله وزن، وله حجم، النبات يزيد عليه بالنمو، والحيوان يزيد عليهما بالحركة، والإنسان يزيد عليهم بقوة إدراكية أودعها الله فيه، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم، والذي لا يطلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به.
استمعوا وصف الله جل جلاله إلى هؤلاء الذين عزفوا عن طلب العلم، دققوا قال تعالى:
﴿ أَمواتٌ غَيرُ أَحياءٍ ﴾
وقال:
﴿ إِن هُم إِلّا كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبيلًا ﴾
وقال:
﴿ كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
وقال:
﴿ كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارًا ﴾
نعوذ بالله؛ أربعة أوصاف تصف هؤلاء الذين عزفوا عن طلب العلم. لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئا، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
أيها الأخوة الكرام، الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم، وطلب العلم فريضة على كل مسلم، فلا بد من طلب العلم بشكل أو بآخر، هذا الجهاز الخلوي لا أعتقد أن أحداً منكم لا يملك جهازاً خلوياً، هذا الجهاز الخلوي إن لم تشحنه تحول إلى قطعة بلاستيكية لا قيمة لها إطلاقاً، كما أن هذا الجهاز الذي تحمله يحتاج إلى شحن وأنت الإنسان الأول تحتاج إلى شحن علمي، وشحن روحي.
حرص الإنسان على سلامته و سعادته و استمراره :
لذلك الأرض فيها الآن سبعة مليارات ومئتا مليون، ما منهم واحد إلا وهو حريص على سلامته، لا شك في ذلك، من يحب السرطان؟ من يحب القهر؟ من يحب السجن؟ من يحب الفقر؟ حريص على سلامته، وحريص على سعادته، وحريص على استمراره، سلامته بالاستقامة، أنت أعقد آلة في الكون، وهذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فأنت حينما تخضع لمنهج الله أنت ضمنت السلامة.
أنت بشكل أو بآخر تمشي في طريق وجدت لوحة كتب عليها: ممنوع التجاوز حقل ألغام، بربك هل تعد هذه اللوحة قيداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟ في اللحظة التي توقن بها أن هذا الشرع ضمان لسلامتنا وليس حداً لحريتنا فأنت مؤمن.
لكن بالمناسبة وأنا أخاطب الشباب: ما من شهوة أودعها الله فينا إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالإسلام لا يوجد حرمان، لكن يوجد تحديد، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أي هذا البنزين سائل متفجر، إذا وضع في المستودع المحكم في السيارة، وسال في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب، والمكان المناسب، ولّد حركة نافعة قد تقلك إلى مكان جميل في العيد، صفيحة البنزين نفسها إن صبت على المركبة، وأصابتها الشرارة، أحرقت المركبة ومن فيها، هذه الشهوات كالسائل المتفجر إما أن الشهوات قوة دافعة أو قوة مدمرة. فالبطولة أن نطلب العلم، وأنا أقول لكم الآية دقيقة جداً:
﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
عند علماء الأصول أخواننا الكرام المعنى المخالف: الذي يتبع شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه، المعنى المخالف لهذه الآية
﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه.
أصل الدين معرفة الله :
أخواننا الكرام، كتلخيص: مرة كنت في أمريكا، أحد أخوتي الكرام زرت معه أحد المصانع الضخمة للسيارات، قال لي: هذه فيها ثلاثمئة ألف قطعة بالضبط، أنا كراكب سيارة أعرف أن لها غلافاً معدنياً واحداً، ويوجد عجلات، ومحرك، ومقاعد، و مقود، فهذا الدين العظيم يوجد فيه مليون مؤلَّف، هل من الممكن أن ينضغط إلى أجزاء معدودة أنا أسميها: كليات؟ نعم، ممكن، العقيدة، إن صحت عقيدتك صح عملك، وإن فسدت العقيدة فسد العمل، ولابد من أن تقتطع وقتاً ثميناً من وقتك لمعرفة الله، لأن أصل الدين معرفة الله.
بالمناسبة إذا عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصيته، فإذا أردتني أن أضع يدي على مشكلة المسلمين الأولى، الأمر معروف درسوه طلابنا في الابتدائي والإعدادي والثانوي، الحلال والحرام والسرقة والأمانة.......إلخ، أما متى تنصاع لمنهج الله؟ إذا عرفت الآمر، أحياناً الإنسان تأتيه رسالة من دائرة البريد: تعال غداً الساعة الثالثة أو الساعة العاشرة صباحاً وتسلم رسالة مسجلة، لا تتحرك فيه شعرة وقد لا يذهب، قد تأتيه رسالة من جهة مخيفة إن دخل قد لا يخرج لا ينام الليل، ما الفرق بين الرسالتين؟ الآمر، يستنتج أنك إذا عرفت الآمر تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصيته، فكأنني أضع يدي على مشكلة المسلمين الأولى وهي أن أزمة معرفة الآمر، والآمر له آيات، قال تعالى:
﴿ فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤمِنونَ ﴾
وقال:
﴿ سَنُريهِم آياتِنا فِي الآفاقِ ﴾
آيات الله في الآفاق :
أخواننا الكرام، بين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، ابنك الصغير بآلة حاسبة وبدقيقتين يحسب لك المسافة، يقطع الضوء في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع و عشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة و خمسة و ستين، بأربع سنوات ضوئية ضرب أربع، هذا الرقم لو كان معك مركبة كي تقطع هذه المسافة كم تحتاج؟ تحتاج إلى خمسين مليون عام من أجل أن تصل بمركبة أرضية إلى أقرب نجم ملتهب، هذا النجم الملتهب أربع سنوات، القطب أربعة آلاف سنة ضوئية، المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية، أحدث مجرة اكتشفت ثلاثة عشر ألف مليون سنة، اقرأ القرآن:
﴿ فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعلَمونَ عَظيمٌ ﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت لآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتها معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
أخواننا الكرام؛ الشمس تكبر الأرض بمليون و ثلاثمئة ألف مرة، أي مليون وثلاثمئة ألف أرض تدخل في جوف الشمس، وبينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر، افتح القرآن الله عز وجل قال عن الأبراج أبراج السماء- الأرض في دروتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً بالضبط أحد هذه الأبراج برج العقرب- قال تعالى:
﴿ وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ ﴾
أحد هذه الأبراج البرج الثاني عشر اسمه برج العقرب، أنا سافرت إلى أمريكا، هناك قبة سماوية، هذه الأبراج موصول بينها بخطوط فعلاً كالعقرب، برج العقرب فيه نجم صغير متألق، أحمر اللون، اسمه قلب العقرب، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يطلب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟،
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــا فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــــــــرنــــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظــــــــــــر مـا به جـــــــــــاء وعدنــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا
***
آيات الله في النفس :
أخواننا الكرام؛
﴿ سَنُريهِم آياتِنا فِي الآفاقِ ﴾
هذان نموذجان، قال:
﴿ وَفي أَنفُسِهِم ﴾
غدة لا تزيد عن سلامية هذا الأصبع اسمها التيموس، في الأعوام العشرين السابقة لو فتحت كتب الطب لوجدت أن هذه الغدة لا وظيفة لها، لماذا؟ لأنها تضمر بعد عامين، وتنتهي، ما دامت تضمر، الحياة مستمرة بأعلى درجة من النشاط، معنى هذا أنه ليس لها وظيفة، ثم اكتشف أن هذه الغدة أخطر غدة في الإنسان، إنها مدرسة حربية، الكريات البيضاء تدخلها وتبقى بها سنتين، تتعلم من هو العدو، ومن هو الصديق، وهذه الكريات البيضاء لا تتخرج إلا بامتحان، الكرية تعطى عنصراً صديقاً فإن قتلته خطأ ترسب وتقتل، وتعطى عنصراً عدواً إن لم تقتله ترسب وتقتل، الخريجون أو الخريجات من هذه الكلية الحربية يتولون تعليم الأجيال الصاعدة حتى الموت، لذلك في سنة السبعين أو الخامسة و السبعين تضعف المناعة، وتنشأ حالة اسمها: الخرف المناعي، هذه الحالة من أعراضها التهاب المفاصل، أنت لديك جهاز مناعة، جيش بكل معاني الكلمة، فيه قيادة، فيه معامل تصنيع سلاح، فيه خطة، فيه فرق خدمات، فيه فرق مقاتلة.
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***
أخواننا الكرام؛ هذه العين الطبقة الأولى طبقة شفافة، ما معنى طبقة شفافة؟ كل الجسم يتغذى بالشعريات إلا الطبقة الأولى بالعين تتغذى بالحلول، الخلية الأولى تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، وينتقل الغذاء بالحلول، لو انتقل بالشعريات لرأيت ضمن شبكة، لو ذهب شخص إلى موسكو أو إلى شمال الأرض الحرارة هناك تقدر بستين تحت الصفر، أنا كنت بالسويد، كانت الحرارة عشرين تحت الصفر، والعين فيها ماء، يجب أن يتجمد هذا الماء، وإذا تجمد فقد الإنسان البصر، من أودع في سائل العين مادة مضادة للتجمد؟ إنه الله.
والله أيها الأخوة لو أمضيتم حياتكم كلها في التفكر بأجسامكم، هذا الشعر لكل شعرة شريان و وريد و عصب و عضلة و غدة دهنية وغدة صبغية، في الدماغ مئة و أربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، الآن يوجد على القشرة أماكن للذاكرة بحجم حبة العدس، يتسع لسبعين مليار صورة، والله أيها الأخوة لو قرأتم كتب الطب أو التشريح الوصفي قراءة إيمان؛ يوجد عندنا قراءة امتحان، إذا قرأتم هذه الموضوعات قراءة إيمانية لا تملك إلا أن تخر لله ساجداً.
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***
أخواننا الكرام، هذه آيات كونية:
﴿ سَنُريهِم آياتِنا فِي الآفاقِ ﴾
التفكر في آيات الله الكونية و التكوينية و القرآنية طريق لمعرفته سبحانه :
الآن يوجد عندنا آيات تكوينية؛ أفعاله، الله عز وجل بأفعاله ينصر، لا ينصر، يحيي، يميت، هذه أفعاله التكوينية، الآيات الكونية أنت مكلف أن تتفكر بها والدليل:
﴿ إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الأَلبابِ * الَّذينَ يَذكُرونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِهِم وَيَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ ﴾
والآيات التكوينية أفعاله أنت مكلف أن تنظر، الآية الكريمة:
﴿ قُل سيروا فِي الأَرضِ ثُمَّ انظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ ﴾
مرة قال لي أخ كريم: شهدت إعدام شخص في دمشق، بعد أن وضع حبل المشنقة في رقبته قال: والله هذا الذي سأشنق من أجله ما قتلته لكنني قتلت شخصاً قبل ثلاثين عاماً، ولم أحاسب عليه، هذه آية من آيات الله التكوينية.
قصة أخرى، في بيت من أرقى أحياء دمشق بعد أن توفى صاحبه جاء شخص أبرز عقد شراء من عشر سنوات، والعقد مدروس بدقة بالغة، دعي لحلف اليمين، يقول لي القاضي: - أمامي حدثت هذه القصة- وضع يده على المصحف وحلف يميناً أن العقد صحيح، ورفع يده ولم ينزلها، وهو ماسك الطاولة بيده الأخرى، قال له القاضي: أنزل يدك، لم يعد يتكلم مات فجأة بعد أن حلف يميناً كاذباً، مات فجأة، الآية الكريمة:
﴿ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ ﴾
الفاء تفيد الترتيب على التعقيب، الآية الثانية:
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
آيات كونية وآيات قرآنية، من أدق الآيات القرآنية:
﴿ وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا ﴾
أي يا عبادي كلمتان تحكم العلاقة بيني وبينكم، أنتم تتفاوتون عندي بالصدق وأنا أعدل بينكم، هذا المعنى الأول، هذا الكتاب الذي بين أيديكم لا يزيد عن شيئين عن أمر وخبر، الأمر عادل والخبر صادق.
أيها الأخوة الكرام، طريق معرفة الله طريق ممتع جداً، وطويل، فالإنسان حينما يوطن نفسه أن يصطلح مع الله، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، صدقوا ولا أبالغ أجمل ما في هذا الدين هو معاملة الله لك بعد أن تصطلح معه.
أرجو الله أن يحفظ لكم جميعاً إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته