المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أهلاً ومرحباً بكل المتابعين والمشاهدين بهذا البث المباشر عبر صفحات ومنصات مجموعة هذه حياتي التطوعية .
نرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، ويسعدنا ويشرفنا وجودكم بيننا اليوم سيدي ، شرف عظيم لنا ولمجموعة هذه حياتي التطوعية تكرمكم ووجودكم معنا لهذا اليوم فأهلاً ومرحباً بكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ لكم إيمانكم .
المذيع :
اللهم آمين ؛ تشرفنا بك سابقاً برعاية كريمة من حضرتك في المملكة الأردنية الهاشمية ، رعيت عدة أنشطة خاصة بطلاب العلم ، من هذه الأنشطة تكريم الطلاب المتفوقين من السوريين في المملكة الأردنية ، وكنت دائماً تحفزنا ، ودائماً ترشدنا لموضوع دعم الطلاب ، ومساعدة الطلاب في استكمال دراستهم خلال المسيرة التعليمية ، ودائماً أنا أذكر كلمتك لي من عشر سنوات كنت أشرح لكم سيدي عن مجموعة هذه حياتي ، والأنشطة التي نقوم بها ، قلت لي في ذلك الوقت : يا محمد اهتموا بالتعليم ، واهتموا بالطلاب ، فهذا الشيء دفعنا أن يكون من أهم برامجنا التطوعية والإنسانية التي نقوم بها موضوع دعم الطلاب المنقطعين عن الدراسة ، أو الطلاب الذين لا يوجد عندهم إمكانية ليكملوا دراستهم ، والحمد لله سيدنا خلال السنوات الماضية تمّ كفالة أكثر من خمسمئة طالب جامعي ، تخرج أكثر من عشرات الطلاب الحمد لله ، واليوم نريد أن نسمع منكم ونتبارك بكم سيدي عن موضوع أهمية وفضل طلب العلم.
الإنسان هو المخلوق الأول رتبةً والمفضل والمكرم والمكلف عند الله :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
العنوان الذي قدم لي طلاب الجامعات في أعزاز وإدلب ، والجامعة بالتعريف الدقيق مؤنث لفظي ، والجامع مذكر لفظي ، وفي القرآن الكريم :
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34) ﴾
أي ينبغي أن تستقي الجامعات مناهجها من وحي السماء لا من وحل الأرض ، في الأرض فكرياً مصالح ، سلوكياً شهوات ، مصالح وشهوات ، في السماء فكرياً مبادئ ، وسلوكياً قيم ، فلابد من أن تستقي الجامعات ، وأنا أمام طلاب جامعيين ، نظرية دارون الآن ألغيت في أمريكا ، بقيت تاريخياً ، أما أنا مرة فاجأت طلابي في جامعة دمشق أنني آمنت بهذه النظرية نظرية داورن ، لكنها معكوسة كان إنساناً فأصبح قرداً ، همه بطنه ، وحينما ورد أنهم مسخوا قردة وخنازير ، القردة همهم بطنهم ، والخنازير همهم فرجهم ، فالمسخ ليس مسخاً ظاهرياً ، إذا الإنسان همه الأول الطعام والشراب والجنس هذا مسخ ، نسي سرّ وجوده ، نسي غاية وجوده ، نسي أنه المخلوق الأول ، والمكرم ، والمكلف ، والمحاسب ، والمعاقب ، الإنسان إن لم يعرف ربه فهو بعيد عن أن يكون بالمعنى الذي أراده الله له .
لذلك الله عز وجل كرم الإنسان ، المخلوق الأول ، لأنه :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) ﴾
لما قبل الإنسان حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبةً ، والمفضل ، والمكرم ، والمكلف ، والمحاسب ، والمسؤول ، والمعاقب ، فهو المخلوق الأول أما " ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان" .
لذلك الإنسان يجب أن يعلم سرّ وجوده ، مثلاً إنسان ميسور جداً أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون مثلاً ، هذا الشاب في هذه المدينة العملاقة الكبيرة ، أكبر مدينة في أوروبا ، باريس ، علة وجوده في هذه المدينة الدراسة ، بإمكانه أن يتناول الطعام في مطعم ، أو أن يشتري مجلة متعلقة باختصاصه ، أو أن يجلس في حديقة ليتنزه ، أما علة وجوده الأساسية فهي الدراسة ، الآن لو أخذنا هذا المثل على حقيقة الإنسان ما علة وجود الإنسان ؟
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾
العبادة ؛ الإنسان كائن حادث ، خائف ، شهواني ، سُمح له أن يتصل بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، فالإنسان هو المخلوق الأول ، والمكرم ، والمفضل ، والمحاسب ، والمسؤول ، والمعاقب ، أما الملك فقد " ركب الملك من عقل بلا شهوة ، والحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة " .
الآيات هي القنوات الوحيدة والفريدة السالكة لمعرفة الله :
الآن :
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾
معنى ذلك أن الآيات بالإطلاق هي القنوات الوحيدة والفريدة السالكة لمعرفة الله ، الآيات أنواع ثلاث : آيات كونية خلقه ، آيات تكوينية أفعاله ، آيات قرآنية كلامه ، فاللكونية خلقه ، الخلق :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
التفكر أسرع طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله .
ومضة واحدة أو ومضتان فقط : الأرض تدور حول الشمس في العام مرة ، والمسار بيضوي ، إهليلجي ، له قطران قطر أطول ، وقطر أصغر ، الأرض هنا في القطر الأطول ، لما اتجهت نحو القطر الأصغر المسافة بينهما وبين الشمس قلّت ، هذا الكون ، نحن عندنا الآيات الكونية تفكر ، والتكوينية نظر ، والقرآنية تدبر ، والآيات مطلقاً هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله ، الآن الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي ، بيضوي ، انتقلت من القطر الأطول إلى الأصغر ، المسافة قلت ، الجاذبية ازدادت ، لا بد من أن تنجذب إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في وقت قصير ، وتنتهي الحياة ، ما الذي يحصل ؟ دقق ؛ ترفع الأرض سرعتها ، لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَ ا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) ﴾
تابعت الأرض إلى القطر الأطول ، المسافة زادت ، الجاذبية ضعفت ، لابد من أن تتفلت الأرض من جاذبية الشمس ، وإذا تفلتت ، الحرارة 260 تحت الصفر ، تنتهي الحياة في الأرض إذا انجذبت ، وتنتهي إذا تفلتت ، ما الذي يحصل ؟ تخفض الأرض سرعتها لينشأ من خفض السرعة قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل فتبقى على مسارها ، يد من ؟ قدرة من ؟ علم من ؟ حكمة من ؟ إنه الله ، الله عز وجل قال :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( 1 ) ﴾
والأبراج جمع برج ، والبرج مجموعة كبيرة جداً من النجوم ، نحن في برج معين ، وهناك برج آخر ، يوجد بالسماء برج العقرب ، أنا كنت مرة في أمريكا ، ورأيت في متحف فلكي هذا البرج ، وقد وضعت خطوط بين نجومه ، كالعقرب تماماً ، في هذا البرج نجم أحمر صغير متألق اسمه : قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .
بالمناسبة الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، وبينهما 156 مليون كيلو متر ، وهذا النجم الصغير في برج العقرب اسمه : قلب العقرب ، نجم صغير أحمر متألق ، هذا النجم يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا تخشى ناره ؟ ألا ترجى جنته ؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لــــو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
إذاً هذه الآيات الكونية ، الموقف الكامل فيها التفكر ، والدليل : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) هي الكونية .
أما الكونية فهي أفعاله ، زلزال ، موجة سحاب ، تسونامي ، أفعاله ، التكوينية أفعاله ، الله قال :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ( 69 ) ﴾
الفاء للترتيب على التعقيب ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) والآية الثانية :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) ﴾
الأولى ( فَانْظُرُوا ) للترتيب على التعقيب ، والثانية للترتيب على التراخي ، أفعاله ننظر إلى المآل ، فقه المآل ، خلقه تفكر ، أفعاله نظر ، قرآنه تدبر .
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) ﴾
أي يا عبادي بيني وبينكم كلمتان ، منكم الصدق - أي تتفاوتون عندي بصدقكم -ومني العدل ، أو هذا القرآن الكريم بين دفتيه إما خبر أو إنشاء - عندنا خبر وإنشاء ، الخبر يصلح أن يقال : صاحبه صادق أو كاذب ، والإنشاء هو الأمر ، والنهي ، والتمني ، والترجي معروف - فهذا القرآن الكريم كل ما في القرآن بين دفتيه خبر وإنشاء ، الخبر صادق ، والإنشاء عادل ، هذه الآيات القرآنية تدبر ، والتكوينية نظر ، والكونية تفكر ، حجمك عند الله بحجم معرفتك بالله .
" ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحبّ إليك من كل شيء " .
النتاج العقلي والشعوري للبشرية جمعاء علم وفلسفة وفن :
الآن النتاج العقلي والشعوري للبشرية جمعاء علم وفلسفة وفن ، العلم ما هو كائن ، يوجد ظاهرة فيزيائية ، كيميائية ، فلكية ، بيولوجية ، العلم ما هو كائن ، الفلسفة ما يجب أن يكون ، فلسفة الوجود ، فلسفة المبادئ والجمال ، الفلسفة ما يجب أن يكون ، العلم ما هو كائن ، الفلسفة ما يجب أن يكون ، الفن ما هو ممتع ، مسرحية ، فيلم ، قصة ، أما الفن إذا قرأت قصة ، أو قصيدة ، أو عملاً فنياً ، أو شاهدت فيلماً وشعرت أن هذا العمل الفني حرك فيك المبادئ والقيم تسمو به ، أما إذا لم يحرك إلا المبتذل من مشاعرك ، والتافه من تفكيرك فأنت أمام فن رخيص ، والفن الرخيص يمكن أن تهدم به حضارة ، هذا ما فعله الطرف الآخر حينما لم ينجح في إلغاء هذا الدين عمد إلى تفجيره من الداخل ، عن طريق الفن ، فلذلك لا بد من مراقبة حتى أفلام الأطفال الصغيرة ، يوجد دراسة أكاديمية جادة تعلم الإباحية ، والانحراف الأخلاقي ، فنحن معرفتنا مع الآخر معرفة خطيرة جداً ، معركة نكون أو لا نكون .
المذيع :
معركة أخلاقية .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم أخلاقية .
الفرق بين اللذة والسعادة :
الله عز وجل أعطى النبي مئات الصفات التي انفرد بها ، أما حينما مدحه فقد قال له:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 4 ) ﴾
لذلك ابن القيم يقول : الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالإيمان ، لذلك الآن فلسفة الوجود بالفلسفة والمبادئ والقيم ، الآن اللذة والسعادة ، اللذة حسية ، تحتاج إلى صحة ، ومال ، ووقت ، لحكمة بالغةٍ في البدايات يوجد وقت وصحة ولا يوجد مال ، بالوسط يوجد مال وصحة ولا يوجد وقت ، بالنهايات يوجد وقت ومال ولا يوجد صحة ، ما سمح الله للدنيا أن تمدنا بسعادة متنامية ، مستحيل ، ومستمرة مستحيل ، متناقصة ، كل شيء في الدنيا ، أي ما سمح الله للدنيا أن تمدك بسعادة مستمرة بل متناقصة ، ولذلك الإنسان بأدق تعريفاته : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، لأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن ، فقال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
جواب القسم : ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) لِمَ يا رب هو خاسر ؟ قال : لأن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان .
صفات من شردوا عن معرفة الله :
أنا أمامي طاولة ، لها طول ، عرض ، ارتفاع ، وزن ، حجم ، هذا الجماد ، النبات ؛ بماذا يزيد عليه ؟ بالنمو ، والحيوان بماذا يزيد عليهما ؟ بالحركة ، والإنسان له من الجماد وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، وله من النبات النمو ، وله من بقية المخلوقات الحركة ، لكن الله ميزه بقوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية إن لم تلبَّ بطلب العلم ، الآن لنستمع إلى صفات هذا الإنسان الذي شرد عن معرفة الله ، أول صفة :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
ميت ، نبضه 80 ممتاز ، ضغطه 8 ـ 12 ، ممتاز ، عند الله ميت ، ما دام ما عرف سرّ وجوده ، ولا غاية وجوده ، ولا آمن باليوم الآخر ميت .
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) ﴾
قطعة خشب .
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44 ﴾ ﴾
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾
هذه أوصاف القرآن لمن شرد عن الواحد الديان .
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :
يمكن أن أقول إن فحوى دعوة الأنبياء ، أحياناً أدخل لصفي المكون من خمسين طالباً أقول : لكل واحد منكم هدية غداً ، لكن يوجد طالبان غائبان لم يأخذوا الهدية ، لو قلت : ما من طالب في هذا الصف ، هذه من لاستغراق أفراد النوع إعرابها ، ما من طالب في هذا الصف أي حتى الغائبين ، اسمع القرآن :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾
حتى الذين لم نقصصهم على رسول الله ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ ) الآن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من الذين ذكرهم الله ، أو من الذين لم يذكرهم الله ، فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) العلماء قالوا : نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل العبادة ، والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
العبادة الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية :
إلا أن العبادة الشعائرية أذكر أشياء دقيقة جداً :
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا . ))
[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]
الصلاة عليها حديث ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، والشهادة ، فلابد من العبادة التعاملية ، كسب المال ، إنفاق المال ، اختيار الحرفة ، اختيار الزوجة ، تربية الأولاد ، خروج بناتك ، علاقتك مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، المنهج التفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من العلاقات الأسرية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، دخلنا في كسب المال ، إنفاق المال ، ممكن أن نضع بصناعة غذائية بنزوات الصوديوم ثلاثة بالمئة فتسبب السرطانات ، مسموح ثلاثة بالألف ، عندنا أشياء لا تنتهي ، ممكن إنسان يعمل بالفرن ويكون معه مرض معين ، ينقل العدوى لثلاثمئة إنسان يأكلون هذا الطعام ، فالدين الحقيقي العبادات الشعائرية تكلمت عنها ، التعاملية هي التي تؤكد هذه العبادات الشعائرية ، أي لا ننتفع من هذا الدين إلا بالصدق والأمانة ، إن حدثك فهو صادق ، إن عاملته فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف .
العبادة التعاملية لا بد من أن نعتني بها حتى تقبل منا العبادة الشعائرية ، كالصلاة والصوم والحج والزكاة .
لذلك ؛ ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام .
المذيع :
سيدي اسمح لي بسؤال بموضوعنا عن الأخلاقيات ، والتعامل ، أحد الأسئلة ، أو السؤال الذي يخطر على بالي : ما هي المواصفات التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم وخاصة طالب العلم الشرعي ؟ أحياناً يوجد طلاب إن كان في مجال الشريعة ، أو بأي المجالات ، هو بالجامعة ، ولكن ربما يفتقد لبعض الأخلاقيات ، أو بعض السلوكيات التي علمنا إياها الإسلام ، وسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لطالب العلم بشكل عام .
مشكلتنا لا في الكبائر بل في الصغائر :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عندنا مستودع للوقود السائل ، ألف لتر ، وله غطاء محكم ، هذا المستودع له صفة أنه محكم ، أي تملؤه وتغيب خمس سنوات لا ينقص ولا ميلي لتر .
الاستقامة حدية ، لا يوجد نصف استقامة ، الاستقامة حدية لا تجزأ ، أنت عندك جميع الثريات الكهربائية الغالية جداً ، والثلاجات ، والمكيفات ، وكل شيء ، جميع الأجهزة موجودة لكن لا يوجد كهرباء بالبيت ، لا قيمة لهذه الأجهزة ، الآن قطع التيار ميلي مثل المتر انقطع التيار ، الثلاجة توقفت ، المكيف توقف ، كل شيء توقف .
فنحن مشكلتنا لا في الكبائر بل في الصغائر ، الصغير انظر : راكب سيارتي الطريق أوتوستراد دولي ، عرضه حوالي ستين متراً ، الصغيرة حرفت المقود سنتمتراً واحداً بعد أربع دقائق صرت بالوادي ، لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ، خذ أي حي بعمان ، باسطنبول ، بالقاهرة ، أينما كان ، كخمر- كمسلمين - وقتل ، وزنا لا يوجد ، لكن يوجد شاشة غير مضبوطة ، كسب فيه إشكال ، سهرة لا ترضي الله ، نحن مشكلتنا : لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ، نحن حتى التيار يمشي ، والثريات تتألق ، والثلاجة تعمل ، والغسالة تعمل ، لابد من تيار موصول ، ولا يتصل إلا بالاستقامة ، هذه الاستقامة ، الاستقامة لا أقول المطلقة التامة ، الاستقامة التامة تجعل كل أركان الدين معقولة ومقبولة ، ورائعة ، ومسعدة ، هذه نقطة مهمة جداً ، أما الكبائر مثل الزنا مثلاً ، القتل ، الخمر إلى آخره ، فهذه قليلة جداً في بلاد المسلمين ، لكن لماذا وعود الله غير محققة ؟
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾
بربك أيها الأخ الكريم الغالي هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا والله ، تعقد مؤتمرات لبحث قضية هذا البلد ، ولا يدعم هذا البلد أحد ، نحن ليس لنا علاقة ، هم يأتمرون لحل مشاكلنا وهم صنعوها أصلاً ، القضية كبيرة جداً .
لذلك لا بد من أن نفهم الدين فهماً عميقاً ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) هذا الدين يجب أن يُفهم جيداً ، وله كليات ، أحد الكليات العقيدة ، إن صحت صح العمل ، ثاني الكليات الحركة ، الحركة نوعان سلبية ؛ استقامة ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما غششت ، ما كذبت ، الإيجابية ؛ العمل الصالح ، علة وجودنا الأولى .
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
الآن ؛ الثمرة :
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾
الصلاة .
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾
أنا صليت ذكرت الله ، إذا ذكرني الله منحني السكينة أسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وأشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، منحني التوفيق .
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾
منحني الحفظ ، إن لم يقل المؤمن المستقيم : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة كبيرة في إيمانه .
أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وبلادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار البلاد التي أنتم فيها .
المذيع :
الله آمين .
سيدي بما أننا الآن برمضان المبارك ، كثير من الأخوة ومن الأصدقاء بعثوا لي رسائل اسأل حضرتك ، بالنسبة لكفالة طالب العلم ، هل يجوز دفع زكاة المال لطالب العلم أم للتعليم وللدعوة لله ؟
العناية بطلاب العلم لأن العلم أصل الدين :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله يجوز ونصف ، هذا طبعاً طالب علم ، عفواً ، أنت حينما تطعم جائعاً بعد حين يجوع ، وحينما تلبس عارياً بعد حين يعرى ، أما إذا بنيت طالب العلم هذا طالب العلم أثمن عمل ، إنتاجه دائم إلى ما شاء الله .
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
أنا بإيماني طالب العلم ، نحن بنينا دعاة إلى الله .
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
والله أعرف شخصاً أرسل شخصاً ذكياً جداً لبريطانيا ، رجع بشهادة نادرة ، هذا الشخص من أخواننا ، وأنا ساهمت معه ، رجع وبعث طالبين مقابل ذلك ، لا بد من العلم ، هو أصل هذا الدين .
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) ﴾
المذيع :
لا إله إلا الله .
أذكر تماماً أنا تقريباً من ثماني سنوات كنا زرناكم في المكتب ، وكنا نتكلم عن الأعمال التطوعية ، وعن المساعدات ، فأنت قلت لنا : أنا لا أساعد إلا طلاب العلم ، لطلاب العلم الأولوية ، نعم سيدي ، نريد كلمة منكم للأخوة المتبرعين ، وأهل الخير الذين يهتمون دائماً بالطرود الغذائية والطعام .
الإنفاق على طلاب العلم من أجلّ الأعمال الصالحة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله لا أتردد ثانية في أن أقول : إن أفضل إنفاق على طلبة العلم ، دقق : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا ) ليس على وجه الأرض إنسان أفضل ممن دعا إلى الله ، إن كان هذا بحاجة إلى إنفاق فهذا أعظم إنفاق ، الإنفاق على طلاب العلم ، هذا يعد من أجلّ الأعمال الصالحة ، هذا إيماني والله .
المذيع :
جزاكم الله كل خير ، وخاصة سيدنا الشيخ نحن الآن بأيام وبسنوات مرت علينا إن كان في سوريا ، في الشمال السوري ، وإن كان اللاجئون في كل بلاد العالم تأذوا بكل معنى الكلمة ، تأذوا معنوياً ، واجتماعياً ، واقتصادياً ، ومالياً ، فانقطعوا عن الدراسة ، وانقطعوا عن التعلم ، نريد كلمة نحفزهم ليرجعوا لهذا الموضوع ، ويحاولوا بكل الطرق أن يستكملوا دراستهم ، لا يستهينوا ، أو يصيبهم شيء من اليأس بسبب هذا الشيء .
العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
علة وجود الإنسان في الدنيا العمل الصالح ، أي سبب وجوده ، والدليل : ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) العمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة، فالعمل الصالح علة وجودنا ، وأعظم عمل أن تعطي طلاب العلم ، لأنهم سيكونون دعاة المستقبل ، نجوم المستقبل .
المذيع :
هل نقصد بطلاب العلم سيدي طلاب العلم الشرعي فقط أم بشكل عام العلم الكامل ، الطب ، والهندسة ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله المطلق على إطلاقه ، وأنا لا أستطيع أن أقيد ما أطلقه الله .
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) ﴾
لا يوجد تفصيل ، المطلق على إطلاقه ، نحن بحاجة لفيزيائي مخلص ، بحاجة لجيولوجي مخلص ، نحتاج إلى الفروع كلها ، ومنها الشريعة .
المذيع :
اسمحوا لنا سيدي أن نعرض فقط مقطع فيديو صغير لمركز التعليم في الأردن ، وفي سوريا ، يرونه الأخوة المشاهدون ، وحضرتك تراه معنا .
لمحة عن مركز التعليم في الأردن وسوريا :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أتمنى أنا أنتظركم .
المذيع :
طبعاً مركز التعليم سيدي الشيخ تمّ تأسيسه تقريباً قبل سنة في الشمال السوري ونحن في عام 2015 أطلقنا شيئاً اسمه : صندوق علمني ، لدعم الطلاب المنقطعين عن الدراسة ، والحمد لله ما زلنا مستمرين بموضوع دعم الطلاب في المراحل الابتدائية ، والإعدادية ، والثانوية ، والجامعة ، لدينا مئات الطلاب الآن في مركز التعليم ضمن صندوق علمني في مركز إدلب ، أيضاً بالأردن لدينا مئات الطلاب المكفولين من المرحلة الإعدادية ، والابتدائية ، والثانوية ، وهناك عشرات الطلاب الحمد لله تخرجوا خلال السنوات الماضية ، والآن يوجد أكثر من أربعمئة طالب تمّ كفالته خلال الفترة الماضية في جامعة أعزاز وإدلب والحمد لله ، ضمن صندوق علمني وضمن المنصة السورية للتعليم ، أطلقوا مبادرة شبابية ، أو مبادرة شعبية لدعم الطلاب ، فهذا الشيء نحن كمجموعة هذه حياتي ، وبدعم دائم من فضيلة دكتورنا الشيخ راتب دائماً كان يحفزنا على موضوع دعم التعليم ، بارك لنا دائماً برعايته الكريمة ، وتكريم الطلاب المتفوقين في المملكة الأردنية الهاشمية سابقاً ، فجزاكم الله كل خير سيدنا الشيخ .
العلم أساس كل نجاح في الحياة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخي الكريم ؛ سؤال الدولتان الوحيدتان المنهزمتان في الحرب العالمية الثانية هما الآن أقوى دولتين ، اليابان وألمانيا ، ربّ ضارة نافعة .
المذيع :
ولكن كان الأساس بنجاحهم وعظمتهم الآن هو التعليم ، تعليم الأجيال ، وبناء الأجيال .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي ؛ أي دولة ، الآن بألمانيا أجمل بيت بالقرية للمعلم يؤخذ ، والله معي تفاصيل عن ألمانيا واليابان عن احترام المعلم وتكريمه ، يكفي أن النبي الكريم يقول :
(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، وقوم يذكرون الله تبارك وتعالى ، وقوم يتذاكرون الفقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : كلا المجلسين على خير ، أما الذين يذكرون الله تعالى ويسألون ربهم فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم ، وهؤلاء يعلمون الناس ويتعلمون ، وإنما بعثت معلماً . ))
[ أخرجه الحارث ، وأبو داود الطيالسي ]
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لأتمم مكارم الأخلاق . ))
[ أخرجه البزار ، والإمام أحمد ]
الخياط مع القماش ، والحداد مع الحديد ، والمهندس مع الحجر والإسمنت ، والمعلم مع أطهر فئة بالمجتمع : (( وإنما بعثت معلماً ، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) .
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
المذيع :
سيدي ، عن موضوع المعلمين للأسف من فترة ليست بالبعيدة سمعنا أن كثيراً بالشمال السوري أوقفوا الدعم عن المعلمين ، وأوقفوا الدعم عن المدارس ، فصار عندنا مشكلة كبيرة فعلياً بآلة التعليم الموجودة الآن في الشمال السوري وضمن المخيمات ، أو مدارس النزوح واللجوء ، نريد دعوة منك سيدي لكل المعنيين بهذا الموضوع كي يدعموا المعلمين وطلاب العلم والمدارس ؟
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله الذي لا إله إلا هو لا أجد في العمل الصالح عملاً يفوق التعليم ، ولا تربية الأولاد ، أعرف شخصاً بأحد ضواحي دمشق عمر أربعة أبنية ، البناء عبارة عن عشرة طوابق ، والطابق ست شقق ، والشقة عبارة عن ستين متراً ، أي طالب علم يأتي بشهادة حسن سلوك من عالم جليل يمنحه بيتاً بأجر رمزي ، كم بنت تزوجت ؟! وكم طالب علم نما ؟! الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، وعلة وجودنا العمل الصالح ، أعظم عمل صالح : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) بأي وسيلة ، بخطابه ، بسيرته ، بحرفته ، بلقاءاته ، بسهراته ، بسفرياته (دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ) حركته في الحياة وفق منهج الله ، من كسب ماله ، إلى إنفاق ماله ، إلى اختيار أصدقائه ، باختيار زوجته ، بتربية أولاده ، بخروج بناته ، بعلاقته بالأقوياء ، بالضعفاء ، منهج تفصيلي .
المذيع :
جزاكم الله خيراً سيدي لا نريد أن نطيل عليكم ، نحن جداً سعداء ، وبلغوني الرسائل التي تأتيني كلهم يبلغونك السلام ، ويبلغونك المحبة ، وتحية من كل المتطوعين الموجودين معنا إن كانوا في الأردن ، وفي لبنان ، وتركيا ، وسوريا يبلغوك تحياتهم وسلامهم ومحبتهم لك .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وأنا أبلغهم تحياتي وأشواقي ، ومودتي لهم ، الله قال :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96) ﴾
الود غير الحب ، الحب ؛ ميل ، الود ؛ حركة ، الود اتصال هاتفي ، الود لقاء .
﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ﴾
الله عز وجل ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) فيما بينهم ، وفيما بينهم وبين الله ، والمعنيان معاً ، أي فيما بينهم ، وفيما بينهم وبين الله .
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
اللهم آمين ، جزاكم الله خيراً ، نحن سعداء جداً سيدي بهذا اللقاء ، ونتمنى أن تكرمونا بلقاءات أخرى .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله إن دُعيت مرة ثانية لا أقصر إن شاء الله .
المذيع :
طبعاً سيدي نحن تعودنا على كرمك ، وتعودنا على هذا العطاء .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أتمثل قوله تعالى :
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) ﴾
المذيع :
ما شاء الله عليك سيدي ! أطال الله بعمركم ، شكراً لكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أهلاً ، وسهلاً ، ومرحباً .
المذيع :
وإن شاء الله نراكم على خير ، ونحن نريد أن نستمر معك ، لا نريد أن نطيل عليكم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا بخدمتكم .
المذيع :
أطال الله بعمركم ، شكراً ، نريد كلمة سيدي بالختام نشجع فيها - أنا آسف لو أطلت عليك - المتطوعين على العمل ، أهل الخير على العطاء في هذا الشهر المبارك ، ونختم بها .
رمضان فرصة سنوية للصلح مع الله والإقبال عليه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله سيدي ؛ هذا الشهر شهر رمضان فرصة سنوية للصلح مع الله ، للإقبال على الله ، لأداء صلوات التراويح .
(( " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح " . ))
رمضان فتح صفحة مع الله جديدة ، شخص عليه ملايين مملينة ، ديون مستحقة ، والحجز على كل أملاكه ، جاء من يقول له : افعل هذا العمل ثلاثين يوماً وأنت معفى من كل شيء .
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ الله له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ، ومن قام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ الله له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ . ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ]
لذلك رمضان فرصة سنوية للصلح مع الله ، للعمل الصالح ، لأداء الزكاة والصدقات ، لصلة الأرحام ، والله يوجد عشرات بل مئات الطاعات لله ، نقلة نوعية ، فأنا أتمنى أن يكون هذا الشهر فتح صفحة جديدة مع الله ، صلح مع الله ، أما مع الأسف الشديد - وهذا مضطر أن أقوله - عند بعض الأسر أصبح رمضان شهر مسلسلات ، وسهر ، وولائم فقط ، هذا العمل فُرغ من مضمونه .
قالها شوقي ، لكنه أقسم ما فعلها ، أما إذا عدنا بعد رمضان إلى ما كنا عليه قبل رمضان والله كأننا ما صمنا رمضان ، في رمضان تركنا الغيبة والنميمة ، تركنا شاشة مفتوحة ، تركنا سهرة مختلطة مثلاً ، إذا عدنا بعد رمضان إلى ما كنا قبل رمضان كأننا والله لا أبالغ ما صمنا رمضان ، أما كل الانجازات في رمضان فتستمر مدى العام ، أما الإفطار فيفطر الفم فقط ، والعلاقة التي سمح الله بها ، والباقي أبداً .
المذيع :
جزاكم الله خيراً ، وبارك فيكم ، وأكرمكم ، لأنكم أكرمتمونا سيدنا ، أطال الله بعمركم ، وإن شاء الله نراكم بلقاءات أخرى .
كل الشكر لكم فضيلة الدكتور على هذا اللقاء الرائع الذي تشرفنا به عن فضل التعليم وفضل طالب العلم ، وكلمات محفزة لطلاب العلم ، جزاكم الله خيراً وبارك فيكم ، وشكراً على اللقاء .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أقل واجب .
المذيع :
بأمان الله سيدي ، الله معكم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
شاكر جداً يا سيدي .
المذيع :
تشرفنا يا سيدي .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وعليكم ورحمة الله وبركاته
