- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠7حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
فرق كبير بين أن تعيش حلاوة الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس التاسع والعشرين من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي، والدرس اليوم حول شرح بعض الأحاديث الشريفة المتعلقة بحقائق الإيمان:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ))
فالإيمان له حقائق وله حلاوة:
(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
معنى ذلك أنك حينما تصل إلى حلاوة الإيمان تعيش حياة أخرى، تكون شخصية أخرى، تتمتع بقرب من الله، ومع القرب سعادة، تتمتع بتوازن نفسي، تتمتع بقوة، تتمتع بشجاعة، تتمتع بعزة، تتمتع بنظرة مبدئية، لا تحابي، ولا تماري، ولا تجاري، من ذاق حلاوة الإيمان عرف لماذا الصحابة الكرام بذلوا النفس والنفيس والغالي والرخيص، حينما تذوق حلاوة الإيمان تعرف كيف وصلت رايات المسلمين إلى مشارق الأرض ومغاربها، حينما تذوق حلاوة الإيمان تعلم علم اليقين أنه من سابع المستحيلات أن تفرط بهذه الحلاوة من أجل شهوة طارئة، فلذلك الإنسان يتألق بحلاوة الإيمان، يتألق بحلاوة الإيمان التي تملأ قلبه سعادة، أما حقائق الإيمان معلومات دقيقة، مؤيدة بآيات وأحاديث متسلسلة، لكن لا تعيشها، فرق كبير بين أن تعيش حلاوة الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان، بين أن تدرك معنى الإيمان فقط، وبين أن تذوق حلاوة الإيمان.
حلاوة الإيمان أعظم ما في الدين:
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يبين أن هذه الحلاوة لها ثمن وثمنها باهظ.
(( ألا أن سلعة الله غالية ألا أن سلعة الله غالية ))
هذه السلعة ثمنها:
(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا))
بمعنى أن يكون الله في قرآنه، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، أي الأمر القرآني والنهي القرآني، والأمر النبوي والنهي النبوي، إذا تضاربت هذه الأوامر والنواهي مع مصالحك فآثرت طاعة الله عز وجل ورضوانه على مصلحتك تكون قد دفعت جزءاً من حلاوة الإيمان، عندئذ يسمح الله لك أن تذوق حلاوة الإيمان، الثمن باهظ لكن النتائج ممتعة ومسعدة ورائعة، والحياة هكذا كل شيء له ثمن، مثلاً حتى يقال لك: دكتور، وتأخذ عدة ساعات في الجامعة جهد قليل وأجر كبير ومكانة كبيرة، درست ثلاث وثلاثين سنة، قدمت فحوصاً بثلاثة وثلاثين سنة، تعبت كثيراً حتى وصلت إلى هذه المكانة، كل شيء له ثمن في هذه الحياة، فحلاوة الإيمان أعظم ما في الدين، أجمل ما في الدين، إنسان سعيد متوازن، واثق من نفسه، راض لربه، إنسان جريء، شجاع، يتألق سعادة.
من علامات الوصول إلى الله:
1 ـ أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا))
حين التعارض، حينما تتعارض مصالحك المادية المتوهمة القريبة مع النص الشرعي، مع الأمر الإلهي، مع النهي الإلهي، عندئذ تذوق حلاوة الإيمان، هذا ثمن أول لحلاوة الإيمان، ومن ذاق عرف، أنا لا أقول جرب لكن أقول لك ابدأ، ابدأ بعقد صلح مع الله، وابدأ بضبط جوارحك، ضبط عينك، وأذنك، ولسانك، ودخلك، وعلاقاتك، اجعلها وفق منهج الله، وعندئذ قل لي بماذا شعرت ؟ الإيمان في أساسه حال عالٍِ، حال القرب من الله.
2 ـ الولاء و البراء:
الثمن الثاني :
(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّه ))
أن تحب لله وتبغض لله، وتصل لله وتقطع لله، وترضى لله وتغضب لله، من فعل هذا فقد استكمل الإيمان، علاقاتك كلها أساسها الله عز وجل، تحب لله وتبغض لله، تصل لله تقطع لله، ترضى لله لا ترضى لله:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))
حين التعارض أن يكون الله في قرآنه، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، أحب إليه من تحقيق مصالحه المادية في الدنيا، لذلك المؤمن لا يعبأ بالدنيا ولو فاتته.
يروى أن سيدنا الصديق يؤثر عنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط.
(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ))
هذا بالمصطلح المعاصر اسمه الولاء والبراء، أن توالي المؤمنين وإن كانوا فقراء وضعفاء وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أغنياء وأقوياء.
3 ـ أن تكره أن تعود في الكفر كما تكره أن تقذف في النار:
البند الثالث:
(( وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
أي دخل في الأعماق مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يتمنى أن يرجع إلى ما كان، لا يعبد الله على حرف يعبد الله وهو في الأعماق، عاهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، في إقبال الدنيا، وفي إدبارها، والمؤمن مؤمن في الفقر والغنى، وقبل الزواج وبعد الزواج، وفي نجاحه في الحياة وفي عدم نجاحه، وفي الصحة والمرض، هذا هو المؤمن، أصبح الحديث:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
الحبّ في الله عين التوحيد والحبّ مع الله عين الشرك:
أيها الأخوة الكرام، هناك حديث آخر يؤيده، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ ))
قال سيدنا علي رضي الله عنه: "الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل ".
مثلاً: إنسان جاءك منه خير، مع أنه جائر، أو ظالم، أو لا يصلي، أو بعيد عن الدين، لكنك تحبه، فهذا نوع من أنواع الشرك، أو إنسان قدم لك نصيحة مؤدبة، كرهته لأنه تطاول عليك، ونصحك، لذلك قضية حلاوة الإيمان لها ثمن باهظ، إلا أن النتائج باهرة، يؤكد هذا الحديث الأول:
(( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ))
لذلك قالوا: هناك حب في الله وهناك حب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك.
أنت تحب الهل ورسوله، من فروع هذه المحبة أن تحب الصحابة كلهم، من فروع هذه المحبة أن تحب التابعين وتابعي التابعين، وأن تحب العلماء العاملين، ورجال الدين المخلصين، وأن تحب بيوت الله، وأن تحب كتاب الله، وأن تحب المؤمنين، هذا حب في الله، أما الحب مع الله أن تحب أناساً شاردين لكن لك معهم مصلحة هذا حب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك.
المؤمن مقيد بالإيمان:
أيها الأخوة الكرام، من هذه الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن الإيمان يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))
أي مؤمن يفتك ؟! يسحق ؟! يدمر ؟! يؤذي ؟! هذا شيء يتناقض مع إيمانه، الإيمان يقيدك بأن تفتك في أحد:
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))
لذلك من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))
المؤمن قد يخطئ معك لكنه لا يدمرك، لكنه لا يفضح، لكنه لا يسحقك، المؤمن مقيد بالإيمان، يخاف الله، فالذي يخاف الله اطمئن له:
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))
قال له: يا أمير المؤمنين أتحبني ؟ قال: والهس لا أحبك، قال له: وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي ؟ قال: لا والله حقك واصل لك، قال له: إنما يأسف على الحب النساء، لا يوجد مشكلة أحببتني أم لم تحبني.
لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير:
أيها الأخوة الكرام، هذه الأحاديث تبين حقيقة الإيمان، ودرسنا حقيقة الإيمان، لكن هي في الحقيقة مقياس لكم، من جهة تبين حقيقة الإيمان، ومن جهة أخرى هي مقياس لكم دقيق جداً، من هذه الأحاديث:
(( لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ))
مرة كنت عند إنسان في زيارة، عنده معمل مياه غازية، قدم لنا عصيراً طازجاً، قال: أنا لا اشرب أبداً من نتاج معملي، إذاً كيف تقدمه للناس ؟ كلها مواد كيمائية وسكرين ولا يوجد شيء طبيعي أبداً، هذه مشكلة كبيرة، أن تحب للناس ما تحب لنفسك، في كل شيء،
(( لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ))
الشيء الذي لا تأكله، أو تأنف نفسك أن تأكله، ينبغي ألا تبيعه، ينبغي ألا تقدمه لأحد، لو كل إنسان الشيء الذي يرتضيه لنفسه قدمه للناس لكنا في حال غير هذا الحال،
(( لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ))
لكن أحياناً يكون مطلوب بضاعة رخيصة لكن غير مغشوشة، سعرها قليل، هناك إنسان دخله محدود يشتري أداة رخيصة يستعملها بعناية، تبقى عنده مدة طويلة، أنت بعت بضاعة رخيصة مطلوبة لطبقة معينة من الناس، وسعرها قليل جداً يتناسب مع مستواها، أنت لست آثماً في هذه الحالة، أما أن تبيع البضاعة الرخيصة على أنها جيدة وتأخذ ثمناً باهظاً هذا ممنوع:
(( لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ))
هذه كلها مقاييس.
(( سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ قَالَ إِذَا سَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ وَسَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ))
أنت حينما تؤدي العبادات أداءً متقناً، أو حينما تعمل أعمالاً صالحة تنفع الناس، أو حينما تفهم كتاب الله، أو حينما تقرأ كتاب الله، هل تشعر بسعادة ؟ وحينما تقصر هل تشعر بألم شديد ؟ إن كنت كذلك فأنت مؤمن ورب الكعبة:
(( إِذَا سَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ وَسَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ))
(( مَا الْإِثْمُ فَقَالَ إِذَا حَكَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ ))
هذا إثم، الشيء الذي لا تستطيع أن تبوح به نوع من الإثم.
وفي حديث آخر:
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْعَبْدَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
أي اجعل علاقاتك خالصة لوجه الله، تحب لله، تبغض لله، تصل لله، تقطع لله، ترضى لله، تغضب لله.
تجديد الإيمان بإتقان العبادات والمسارعة بالأعمال الصالحة وأداء النوافل وقراءة القرآن:
أيها الأخوة، لكن هناك ملاحظة دقيقة جداً وهي أن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم، فإذا الإنسان لم يجدد إيمانه، لم يكن شحنه الإيماني نوبي، هناك إنسان يهمل نفسه، من حين لآخر يجلس بعقد قران يتكلم المتكلم كلاماً مؤثراً فيتأثر، أي صدفة، أما المؤمن له شحن دوري، له مجلس علم، كل أسبوع مرة مرتين ينشحن بالإيمان، يكون قريباً من حقائق الإيمان، لأن الإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ليخلق في جوف أحدكم، يخلق أي يهترئ، يضعف، وفي أحاديث أخرى:
(( جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ ))
الإنسان يجدد إيمانه بالتفكر في خلق السماوات والأرض، بتلاوة القرآن، بقراءة السنة، بقراءة السيرة، بالعمل الصالح، بالنوافل، هذه كلها تجديد للإيمان، إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم.
في حديث آخر:
(( جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ ))
مرة ثانية: تجديد الإيمان بإتقان العبادات، والمسارعة بالأعمال الصالحة، وأداء النوافل، وقراءة القرآن، عندئذ تشعر أن الإيمان بدأ يتجدد فيك.
التوحيد من لوازم الإيمان:
الحقيقة من لوازم الإيمان التوحيد، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))
لا يوجد بقاموس المؤمن كلمة لو:
(( فلاَ تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ ))
فالمؤمن لا يقل كلمة لو، لكن بعض العلماء استثنى لو الإيجابية، لو إنسان كسب مالاً من طريق غير مشروع فأتلف الله ماله، لو أنه قال: لو أنني لم أكسب هذا المال الحرام ما أتلف الله مالي، هذه ليس فيها شيء، هذه لو الإيجابية:
(( فلاَ تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ ))
ولكن لك أن تقول: لو لم أرتكب هذه المعصية ما ساق الله لي هذه الشدة، إذاً:
(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))
هذا هو التوحيد،
(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))
منطلقين من أن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق. هذا هو الإيمان.
أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت:
شيء آخر: إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت، أعلى درجة بالإيمان أن تشعر أن الله يراك، وأن الله معك، وقد قيل في الحديث الصحيح:
(( أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تَراه، فإنه يَراكَ ))
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213)وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214)وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(215)فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ(216)وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(217)الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ(218)وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ(219)إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(220) ﴾
إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت.
أيها الأخوة الكرام، مرة ثانية، هذه الأحاديث لها خصائص، هي في الأساس تعريف بحقيقة الإيمان، لكنها في الوقت نفسه مقياس لك، وحافز لك، هل أنت كذلك ؟ هل تعطي لله ؟ هل تمنع لله ؟ هل ترضى لله ؟ هل تغضب لله ؟ هل تصل لله ؟ هل تقطع لله ؟ حوافز، ومقاييس، وحقائق، مثل هذه الأحاديث أتمنى أن تعتنوا بها، وأتمنى أن يكون عند كل واحد منكم كتاب حديث صحيح من حين لآخر يقرأ هذه الأحاديث، ويحاول حفظها، وقد يصنفها، وقد يجعلها منهجاً لدعوته.
أيها الأخوة الكرام، هذا الدرس قبل الأخير من دروس حقائق الإيمان والإعجاز.
موضوع الإعجاز العلمي:
علم الأجنة:
والآن ننتقل إلى القسم الثاني من الدرس وهو الإعجاز، أيها الأخوة، هناك علم حديث اسمه علم الأجنة، أو علم تكون الجنين في رحم الأم، وقد تقدم هذا العلم في السنوات الأخيرة تقدماً كبيراً، حتى أصبح بإمكان الأطباء والعلماء أن يصوروا الجنين وهو في الرحم في مراحل نموه وتطوره، فهناك صورة للجنين وهو في الأسبوع الثالث، بعد واحد وعشرين يوماً، وصورة في الأسبوع الرابع، وصورة في الأسبوع الخامس، وصورة في الأسبوع السادس
ويعنينا الصورة في الأسبوع السادس، ماذا نرى ؟ هذه الصورة نرى الأنف متصلاً بالفم و متصلاً بالعين، نرى اليد كأنها مجداف صغير، نرى الرأس ملتصقاً بالجذع، هذه صورة الجنين في بداية الأسبوع السادس، فإذا انتهى هذا الأسبوع ابتعد الرأس عن الجذع، و توضحت معالم العينين، ومعالم الأنف، ومعالم الفم، وملامح اليدين والرجلين، هذه الملامح هي في نهاية الأسبوع السادس، والأسبوع سبعة أيام، وسبعة في ستة، اثنان وأربعون.
(( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَجَلُهُ ؟ فَيَقُولُ: رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ رِزْقُهُ ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ ))
الآن بالمجاهر والصور الدقيقة صورنا الجنين بالأسبوع الثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والنبي الذي عاش قبل ألف وأربعمئة عام ليس هناك جامعات، ولا مخابر، ولا تشريح، ولا تجارب، ولا كليات طب، يقول:
(( إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ))
هذا تحت بند تطابق علم الأجنة مع الحديث الشريف النبوي، وهذا يسمى من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
قدرة الله عز وجل في خلق الإنسان:
لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
موضوع آخر، في حديث صحيح للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه:
(( مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ))
العلم ماذا يقول ؟ قال: يزيد عدد الحوينات المنوية في اللقاء الزوجي على ثلاثمئة مليون حوين، في رأي آخر من ثلاثمئة إلى خمسمئة، الحد الأدنى ثلاثمئة مليون في اللقاء الزوجي، وكل حوين له رأس، وله عنق، وله ذيل، ويسبح في سائل يغذيه، ويسهل حركته، ويتجه هذا العدد الكبير إلى البيضة كي تلقح بحيوان واحد من ثلاثمئة مليون، لأنه:
(( مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ ))
ما قولك ؟ كيف عرف هذه الحقيقة، العلم الآن حوين واحد من ثلاثمئة مليون حوين يدخل البيضة ويلقحها، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ ـ يعني ماء الرجل ـ يَكُونُ الْوَلَدُ ))
كيف عرف النبي عليه الصلاة والسلام هذه الحقيقة ؟ من أي مخبر ؟ من أين استقى معلوماته ؟ من أي بحث علمي أخذ هذه الحقيقة ؟ الآن تصل إلى البويضة هذه الحوينات، ويتم اختيار من هذه الثلاثمئة فتختار البويضة حويناً واحداً هو أقواها وأسرعها، الآن الحوين كيف يدخل البويضة ؟ شيء معجز، إذا اصطدم الحوين بجدار البويضة يوجد برأسه غشاء يتمزق هذا الغشاء، تحت الغشاء مادة نبيلة تشبه مادة قرنية العين تتغذى بالحلول، هذه المادة النبيلة مركزة في رأس الحوين، مغطاة بغشاء من نوع قرنية العين، فإذا اصطدمت تمزق الغشاء والمادة النبيلة تذيب جدار البويضة، عندئذ يدخل الحوين ويغلق الباب، من ثلاثمئة حوين دخل حويناً واحداً.
في الإنسان معلومات على شكل جينات مبرمجة وكل معلومة تتحرك في وقت معين:
هذه البويضة هي خلية يمكن أن ترى بالعين بمحاولة صعبة جداً، كما لو وضعت لعاباً على طرف أصبعك ووضعت أصبعك فوق صحن الملح من دون أن تضغط، أي بأقل مس، تجد على سطح اليد طبقة من الملح، لو جئت بمكبر ترى ذرات الملح، البويضة التي أنت منها بهذا الحجم، أما الحوين لا يرى بالعين إطلاقاً يحتاج إلى مجهر، له رأس وغشاء ومادة نبيلة وعنق وذيل، في العنق محرك يدور المحرك فيتحرك الذيل فيمشي الحوين:
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) ﴾
هذا الحوين هو خليه، فيه نوية و مادة و غشاء، وعلى نوية الحوين ونوية البويضة معلومات سماها العلماء بالمورثات أو الجينات، يزيد عددها على بضعة ملايين معلومة في الحوين الواحد.
وهذا الرقم عجيب، هذه الحوينات وهذه الجينات مبرمجة، أي هناك حوين بسن الثامن عشر يخشن صوت الشاب، هناك معلومة تفعل وقتها، معلومات على شكل جينات مبرمجة، وكل معلومة تتحرك في وقت معين وفي ظرف معين.
إعجاز الله عز وجل في خلق الإنسان:
أيها الأخوة، هذه البويضة التي لا ترى بالعين تنقسم وهي في طريقها إلى الرحم إلى عشرة آلاف قسم دون أن يزداد حجمها، والله شيء كالخيال تماماً:
﴿ فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(7)إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ(8)﴾
﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2) ﴾