- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠23برنامج ومضات قرآنية - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
على كل إنسان أن يذكر الله ذكراً كثيراً :
أيها الأخوة الكرام ، الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ(4)سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(5)﴾
أيها الأخوة الكرام ، كتمهيد لفهم أبعاد ليلة القدر ، الله عز وجل حينما قال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
وفي آية أخرى يصف المنافقين بأنهم :
﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
فحينما يقول الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
هل الأمر يتعلق بالذكر وحده أم بالذكر الكثير ؟ لا شك أن الآية التي وصفت المنافقين بأنهم
﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
إذاً هذه الآية تؤكد قطعاً أن الأمر الإلهي الثاني :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
أي أن كثرة الذكر هو المطلوب ، هذا تمهيد أول .
من لم يؤمن بالله العظيم لم يؤمن الإيمان الحقيقي :
التمهيد الثاني حينما قال الله عز وجل :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي(19)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِي(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِي(26)يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِي(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)﴾
الآن ينبغي أن ندقق :
﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)﴾
يا ترى هل نفي عنه الإيمان بالله أصلاً ؟ لا ، نفي عنه الإيمان بالله العظيم ، فلذلك كما أن الله سبحانه وتعالى حينما قال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
وحينما قال :
﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)﴾
نفي عنه الإيمان بالله العظيم لا الإيمان بالله فقط .
الإيمان إذا لم يترجم إلى عمل و استقامة لا قيمة له إطلاقاً :
لأن الشيطان إبليس آمن بالله :
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
وقد أكدت مراراً أن الإيمان إذا لم يترجم إلى عمل ، إذا لم يترجم إلى استقامة ، إذا لم يترجم إلى أن يقف الإنسان عند حدود الله ، إذا لم يترجم أن يراك الله حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك ، إذا لم يترجم إلى التزام ، لا قيمة له إطلاقاً ، ويمكن تجاوزاً أن نسمي مثل هذا الإيمان الذي يعم عدداً كبيراً جداً من المسلمين إيمان إبليسي لا يقدم ولا يؤخر ، ولا ينجي صاحبه من عذاب النار .
من عرف الأمر و لم يعرف الآمر تفنن في التفلت من الأمر :
إذاً أحياناً ينصب الأمر لا على القسم الأول بل على القسم الثاني ، إذاً كتمهيد لهذه السورة :
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)﴾
ماذا تعني ليلة القدر ؟ قال بعض العلماء : أحياناً آية من الآيات تنثني على أختها فتفسرها ، حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
كأن الله عز وجل يبين أن هؤلاء الذين غفلوا عن الله ، أو هؤلاء الذين شردوا عن الله ، ما قدروا الله حقّ قدره ، آمنوا به خالقاً كشأن معظم الناس ، لكن هذا الإيمان ما تغلغل إلى قلوبهم ، وما انقلب إلى سلوك والتزام ، لذلك عدم تقدير الله يؤكد حقيقة خطيرة جداً وهي أنك إذا عرفت الأمر ـ عامة المسلمين درسوا في المدارس ، حضروا خطب جمعة ، من خلال هذه الخطب وتلك الدروس عرفوا شيئاً عن الأمر والنهي ، أركان الإيمان ، أركان الإسلام ، الحلال الحرام ـ ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر ، يبحث عن فتوى ، عن رأي ضعيف ، عن حديث أحياناً ضعيف جداً ، أو قد يكون موضوعاً ، يبحث عن رخصة يتفلت بها من هذا المنهج ، فحينما لا تعرف الآمر تتفنن في التفلت من تطبيق أمره ، فكأن العلة الأولى في العالم الإسلامي أن المسلمين عرفوا الأمر لكن ما عرفوا الآمر ، ما عرفوا من هو الله عز وجل ، ماذا عنده لو أطعته ؟ ماذا ينتظر الإنسان لو عصاه ؟ ماذا أعد الله لهذا الإنسان من نعيم مقيم ؟ خلقه للجنة ، خلقه لجنة عرضها السماوات والأرض ، خلقه لجنة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
الله عز وجل خلق الخَلقَ ليرحمهم و يسعدهم :
هؤلاء الذين عرفوا الله عز وجل ، عرفوا أن الله خلقهم ليسعدهم ، خلقهم للجنة :
﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)﴾
ما آمن أنه مخلوق للجنة ، فلذلك :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3)إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4)فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)﴾
صدق أنه مخلوق للجنة لذلك اتقى أن يعصي الله ، بنى حياته على العطاء ، فما لم يؤمن الإنسان بالله العظيم ، ما لم يؤمن أنه مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض ، ما لم يؤمن أن أكبر خسارة يتحملها حينما يخسر الآخرة :
﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
أبراج السماء من آيات الله الدالة على عظمته :
إذاً ما معنى
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)﴾
ما معنى كلمة قدر ؟ الآية التي سأتلوها تفسرها :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام ، مثل بسيط ، بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ، قال الله عز وجل :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)﴾
البروج هي أبراج السماء ، الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، أسماؤها معروفة ، أما التوقع والتطلع إلى الأبراج من قبيل معرفة ما سيكون هذا كفر بالله عز وجل :" من أتى عرفاً فقد كفر بما أنزل على محمد ، من أتى ساحراً فلم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ".
على كلٍّ : البروج في هذه الآية العظيمة جداً التي قال الله عز وجل عنها :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
أحد هذه البروج ، برج العقرب ، وفي هذا البرج نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب ، هذا البرج يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11)﴾
آيات الله تدفع الإنسان إلى أن يبالغ في تقديره و طاعته و تطبيق أمره :
هذا الإله العظيم يعصى ؟ هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ إنك إن عرفت الآمر من خلال آياته الكونية ، إنك إن عرفت الآمر من خلال آياته التكوينية أفعاله ، إنك إن عرفت الآمر من خلال آياته القرآنية ، معرفتك بالآمر الآن تدفعك إلى أن تبالغ في طاعته ، وفي تطبيق أمره ، وفي الورع الذي يحمد عقباه .
المقولة الدقيقة : إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر ، أما إذا عرفت الآمر وعرفت الأمر تفانيت في طاعته .
إذاً هذا النجم الذي اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، وقال بعض العلماء : لو أن هذا النجم حلّ محل الشمس لابتلع المجموعة الشمسية بأكملها ، نجم عملاق .
أيها الأخوة الكرام ، من خلال هذه الآيات الكونية كما قال الله عز وجل :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾
كيف نقدره حق قدره ؟
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
الصلة بالله هي كل شيء بالدين :
ملمح آخر من ملامح سورة القدر :
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)﴾
الألف شهر عبارة عن ثلاث و ثمانين سنة تقريباًً ، وكأن الآية تقول : لو أن الإنسان عبد ربه ثمانين عاماً ، أي عبد ربه عمره كله عبادة خالية من معرفة الله ، عبادة تقليدية ، عبادة جوفاء ، عبادة كالصلاة مثلاً حركات ، وسكنات ، وكلام يتلى في الصلاة ، دون أن يتصل بالله ، هذه العبادة الجوفاء ، هذه العبادة الشكلية ، ما أرادها الله عز وجل ، أراد اتصالاً حقيقياً به ، لأن الصلاة من أجل أن تتصل بالله ، لأن الصيام من أجل أن تتصل بالله ، ولأن الحج من أجل أن تتصل بالله ، ولأن الزكاة من أجل أن تتصل بالله ، ولأن الصلة بالله هي كل شيء بالدين ، إنك بهذه الصلة تشتق من كمال الله ، بهذه الصلة تشتق السكينة ، الرضا ، الأمن ، الحكمة ، بهذه الصلاة تسعد ، الله عز وجل يقول :
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾
العمل الصالح يبيض وجه الإنسان وهو في الصلاة وكأنه قدم هدية لله عز وجل .
التفكر في خلق السماوات والأرض طريق لمعرفة الله وتقديره حقّ قدره :
إذاً :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
وقد تحدثت سابقاً كيف أن الأرض في حركتها حول الشمس تنتقل في المسار البيضوي من قطر أطول إلى قطر أصغر ، حينما تنتقل إلى القطر الأصغر هناك احتمال أن تنجذب إلى الشمس ، لأن المسافة قلّت والجاذبية متعلقة بالمسافة والكتلة ، من الذي يحركها فيرفع سرعتها بحيث ينشأ عن هذه السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ؟
﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
قبضته في الدنيا هو يسيرها .
إذاً أيها الأخوة ، كأن الله لفتنا إلى أن التفكر في خلق السماوات والأرض طريق لمعرفة الله ، طريق لتقديره حقّ قدره ، وحينما تقدره حقّ قدره تطيعه من أعماق أعماقك ، وتسعد بهذه الطاعة ، بل إن التفكر في خلق السماوات والأرض الذي يفضي بك إلى تقدير الله خير لك من ألف شهر من ثمانين سنة تعبد الله عبادة جوفاء لا معنى لها .
الله عز وجل أراد أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة حب فلم يجبرنا على أن نأتيه مرغمين:
لذلك الله عز وجل ما أراد أن نأتيه مرغمين ، أراد أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة حب ، قال :
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
قال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
ما أرادنا أن نأتيه مكرهين قال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
ولا بقصر منه عز وجل :
﴿ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا (31)﴾
ولكنهم أراد أن يكون إيمانهم طواعية ومبادرة منهم واختيار .
الله عزّ وجل ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه :
فلذلك أيها الأخوة :
﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
هل عرفت قوته أيها الإنسان ؟ زلزال تسونامي يساوي مليون قنبلة ذرية :
﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
وهناك آيات كثيرة يبين الله جلّ جلاله أن بيده كل شيء ، وهو خالق كل شيء:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ َاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه ، هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
عبادة التفكر :
لذلك أسوق لكم بعض النصوص التي تلح على التفكر في خلق السماوات والأرض من أجل أن نقدر الله حقّ قدره ، من أجل أن نطيعه ، من أجل أن نتصل به ، من أجل أن يكون شهر الصيام سبباً لمعرفة الواحد الديان :
(( تفكر ساعة خير من قيام ليلة ))
تفكر ساعة تزداد بها علماً ، تزداد بها معرفة ، تزداد بها تعظيماً ، تزداد بها خشية ، تزداد بها طاعةً ، تزداد بها قرباً ، تفكر ساعة خير من قيام ليلة .
والعالم الجليل الثقفي يقول : " تفكر ساعة خير من عبادة سنة "، ويصح أن نقول: هناك عبادة اسمها عبادة التفكر ، أنس بن مالك يقول : " تفكر ساعة في اختلاف الليل والنهار خير من عبادة ألف سنة ".
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (22)﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (37)﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21)﴾
ابن عباس يقول : " ركعتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه ".
قال بشر : " لو تفكر العباد في عظمة الله ما عصوا ربهم عز وجل ".
أصل الدين معرفة الله :
إذاً نريد من ليلة القدر أن نعرف الله ، لأن أصل الدين معرفة الله ، نريد من ليلة القدر أن نقدر الله ، نريد من ليلة القدر أن نعظم الله ، نريد من ليلة القدر أن يزداد خشوعنا في الصلاة ، أن يزداد إقبالنا على الله ، نريد من ليلة القدر أن نقترب من الله ، أن نذوق طعم القرب ، نريد من ليلة القدر أن نسعد بالله عز وجل ، لأن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الله عز وجل . والله يقول :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
ذاقوا طعمها ، والله الذي لا إله إلا هو لا أبالغ في هذا الكلام ما لم تذق طعم القرب من الله في الدنيا لن تستطيع أن تعبد الله كما ينبغي ، بل إن هذا الصيام من أجل أن تتصل بالواحد الديان ، من أجل أن تعرفه ، من أجل أن تحبه ، من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يطيـع
* * *
فلو تفكر الناس في عظمة الله عز وجل ما عصوه .
من حسن إسلام المرء ومن كماله أن يتفكر في خلق السماوات والأرض :
لذلك من حسن إسلام المرء ومن كماله أن يتفكر في خلق السماوات والأرض ، وفيما يصير إليه الناس عند الموت وما بعد الموت ، عندئذ يمنعه هذا التفكر الذي أورث خشية من الله من أن يعصي الله عز وجل ، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ويل لمن لم يتفكر في هذه الآية" ، وكأن الآية التي هي محور ليلة القدر :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
من تجلى الله على قلبه بالسكينة سيسعد بها و لو فقد كل شيء :
أيها الأخوة الكرام ، إلى مزيد من معرفة الله ، إلى مزيد من طاعة الله ، إلى مزيد من خشيته ، إلى مزيد من الإقبال عليه ، حينما تكون العبادة عبادة كما أراد الله تثمر محبة ، تثمر سعادة ، تثمر طمأنينة ، تثمر توازناً ، تثمر حكمة ، تثمر قرباً ، فلذلك :
(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحبّ إليك من كل شيء))
(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه ، وجمع عليه شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ))
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون ليلة القدر باعثاً لنا على مزيد من معرفة الله ، على مزيد من خشيته ، على مزيد من طاعته ، على مزيد من القرب منه ، على مزيد من الإقبال عليه ، على مزيد من محبته ، على مزيد من السعادة بقربه ، لأن الله عز وجل حينما يتجلى على قلب المؤمن بالسكينة يسعد بها ولو فقد كل شيء ، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء ، وما ليلة القدر إلا من أجل أن نقدر الله عز وجل حقّ قدره ، ومن أجل أن نسعد بقربه، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .